شبكة النبأ: انتظر المواطنون في
العراق جلسة البرلمان الأولى للدورة الثالثة التي عقدت في الأول من
تموز، لحسم اختيار الرئاسات الثلاثة والمضي بتسيير اعمال الحكومة
العراقية للأربع سنوات القادمة، بعد ان امل العراقيين في ان يصل
البرلمانيون في جلستهم الرمضانية وقد تجاوزوا خلافاتهم السياسية، او
على الأقل قد توصلوا الى اتفاقات تسوية لحل النقاط العالقة بينهم، الا
ان الجلسة (التي حضرها 255 نائباً من أصل 328، بقي منهم 75 نائب فقط
بعد الاستراحة الأولى)، بينهم رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية
واخرين، كانت جلسة تقليدية اقتصرت على أداء "اليمين الدستورية باللغة
العربية أمام النواب الذين رددوها وهم واقفون، قبل أن تتلو النائب
الكردية ألاء طالباني اليمين باللغة الكردية ليرددها النواب الأكراد في
البرلمان، وقد رفعت الجلسة لمدة نصف ساعة للتشاور حول اختيار رئيس
البرلمان، ورئيس الدولة، ورئيس الحكومة، ثم عادت إلى الانعقاد مرة
أخرى"، كما اشارت وسائل اعلامية.
وقد عاد مشهد المشادات الكلامية والخلافات الحادة ليتكرر في أولى
جلسات البرلمان الذي ينعقد في ضرف حاسم على المستوى الأمني والسياسي.
وتأتي هذه الاحداث متزامنة مع التصعيد الكردي شمالا، فقد قال رئيس
إقليم كردستان العراقي مسعود بارزاني إنه يعتزم "إجراء استفتاء على
الاستقلال خلال أشهر"، مشيرا على أن، "العراق مقسم بالفعل"، وأضاف أنه
"في الوقت الذي يؤدي فيه الأكراد دورا في الحل السياسي للأزمة في
البلاد، فإن الاستقلال حقهم الطبيعي".
وعلى الرغم من معارضة اغلب دول العالم لخطوات الاكراد نحو الانفصال
عن العراق، من خلال استغلال حالة الضعف التي تمر بها الحكومة المركزية،
سيما دول الجوار والولايات المتحدة الامريكية، الا ان هناك دول أخرى
داعمة للانفصال، منها إسرائيل التي قال رئيس وزرائها "إنه رد ضروري في
مواجهة ما سيطر عليه متمردو داعش".
من جانب اخر، زادت الولايات المتحدة عدد جنودها ومستشاريها في
العراق ليصل الى 800 عسكري موزعين على السفارة الامريكية مطار بغداد
ومنشآت أخرى، قال الناطق باسم البنتاغون، الادميرال جون كيربي، انها
حيوية، فيما كشف مصدر أمريكي مسؤول، أسباب الدفع بالمزيد من القوات
الأمريكية إلى هناك قائلا بأن "داعش" "لا تزال تشكل خطرا حقيقيا على
بغداد وضواحيها"، وتابع: "لقد رأيناهم يحشدون أنفسهم حول بغداد يما
يكفي لإقناعنا بأن إرسال المزيد من القوات هو الخطوة المتعقلة للقيام
بها". بحسب سي ان ان.
وقد نبه العديد من الخبراء والمحللين، الى ضرورة السعي لا يجاد مخرج
سياسي توافقي سريع يرضي جميع الأطراف المشاركين في العملية السياسية،
سيما وان المنزلقات التي يقف العراق على اعتابها، لا يمكن -بالمحصلة
النهائية- ان تصب في صالح جهة دون أخرى، بل سوف تؤدي الى خسارة الجميع.
عمليات عسكرية ومحادثات سياسية
في سياق متصل بدأت قوات الحكومة العراقية مدعومة بطائرات هليكوبتر
هجوما لاستعادة مدينة تكريت الشمالية من متشددين سنة في حين واصل زعماء
الأحزاب محادثات قد تفضي إلى انهاء حكم رئيس الوزراء نوري المالكي
المثير للانقسامات، ويحذر السياسيون في بغداد والقوى العالمية بانه ما
لم تستعد قوات الأمن المدن التي فقدتها أمام المسلحين الجهاديين
بالتزامن مع تشكيل حكومة تضم جميع الطوائف فإن الدولة قد تنقسم على
أساس طائفي وتشكل تهديدا للشرق الأوسط، وفي ساحة القتال تحاول القوات
العراقية التقدم نحو تكريت من اتجاه سامراء الواقعة إلى الجنوب التي
أصبحت خط الدفاع أمام تقدم المسلحين باتجاه الجنوب إلى مسافة مسيرة
ساعة بالسيارة إلى بغداد.
ونشرت القوات الخاصة العراقية بالفعل أفراد قناصة داخل جامعة تكريت
بعد إنزالهم جوا إلى هناك في عملية جريئة جرت مؤخرا، وذكرت مصادر أمنية
أن طائرات هليكوبتر أطلقت النيران على أهداف في تكريت وأن مقاتلي
الدولة الإسلامية في العراق والشام تخلوا عن مبنى الحكومة في تكريت،
وجرى إنزال المزيد من القوات الحكومية جوا في جيب يقع إلى الشمال
مباشرة من المدينة، وقال المتحدث باسم الجيش العراقي قاسم عطا للصحفيين
في بغداد إن 29 "ارهابيا" قتلوا في تكريت وأن قادة المتشددين يتخبطون
لأن حالتهم المعنوية بدأت في الانهيار.
لكن المتشددين يبدون مرونة ويتمتعون بدعم بعض العشائر السنية
المحلية بالإضافة إلى أعضاء بحزب البعث الحاكم السابق من عهد الرئيس
السابق صدام حسين، ويشعر سكان مدينة تكريت مسقط رأس صدام بالغضب من
حكومة المالكي، وتشهد مناطق أخرى من البلاد مثل جرف الصخر على بعد 85
كيلومترا إلى الجنوب من بغداد هجمات لمتشددين من الدولة الإسلامية في
العراق والشام، وقالت ثلاثة مصادر للشرطة إن ما لا يقل عن 60 من مقاتلي
الدولة الإسلامية قتلوا إلى جانب أكثر من 15 من قوات الأمن العراقية
عندما شنت الجماعة المتشددة هجوما كبيرا على معسكر للجيش إلى الشرق
مباشرة من جرف الصخر باستخدام قذائف المورتر والقاذفات الصاروخية. بحسب
رويترز.
ومنذ مطلع يونيو حزيران يسيطر متشددو تنظيم الدولة الإسلامية في
العراق والشام على معظم المناطق ذات الأغلبية السنية في شمال وغرب
العراق كما استولوا على الموصل كبرى المدن الشمالية وعلى مدينة تكريت،
ويسعى التنظيم إلى إقامة خلافة إسلامية تلغي الحدود بين الدول، وتباهى
المتشددون بإعدام العشرات من الجنود العراقيين الشيعة الذين أسروهم في
تكريت، وفي تدخل سياسي مفاجئ قد يشير إلى نهاية فترة تولي المالكي
للمنصب بعد ثماني سنوات حث المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي
السيستاني الكتل السياسية على الاتفاق على رئيس للوزراء ورئيس للبلاد
ورئيس للبرلمان قبل انعقاد البرلمان المنتخب في بغداد.
وقال مسؤول أمريكي كبير إن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز
تعهد خلال محادثات مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري باستخدام نفوذه
لتشجيع السنة على الانضمام لحكومة جديدة في العراق تضم مختلف الأطياف
لمحاربة المتشددين المسلحين، وبعد أسبوع من المساعي الدبلوماسية
المكثفة من جانب كيري للتصدي لخطر تفكك العراق يمثل تعهد الملك السعودي
تحولا مهما عن موقف الرياض الذي كان يصر على تنحي المالكي ويعكس تنامي
القلق من تداعيات تزايد قوة الدولة الإسلامية في العراق والشام على
المنطقة.
وكان رئيس منطقة كردستان التي تتمتع بحكم شبه مستقل طالب المالكي
بالتنحي، وسيجعل دخول السيستاني في المعادلة من الصعب على المالكي أن
يستمر كرئيس وزراء مؤقت للعراق كما هو الحال منذ اجراء الانتخابات
البرلمانية في أبريل نيسان، وبعث السيستاني برسالته بعدما فشل اجتماع
للفصائل الشيعية بما في ذلك ائتلاف دولة القانون في الاتفاق على مرشح
لتولي منصب رئيس الوزراء.
وقبل هجوم الدولة الإسلامية في العراق والشام كان المالكي الذي حصل
ائتلاف دولة القانون بزعامته على معظم المقاعد في انتخابات أبريل نيسان
يهيئ نفسه لولاية ثالثة في الحكم، ويقول أقرب حلفائه إنه ما زال يطمح
في البقاء لكن شخصيات كبيرة بائتلاف دولة القانون يقولون إنه قد يتم
استبداله بشخصية أقل استقطابا، ويتهم المالكي خصومه السياسيين بمحاولة
منع عقد البرلمان في الوقت المحدد واستغلال العنف للتدخل في العملية
السياسية، وقال المالكي في اجتماع مع قادة نقله التلفزيون إن خصومه
سعوا لتأجيل الانتخابات والآن يعملون على تأجيل الجلسة الأولى لمجلس
النواب، وأضاف أنهم إذا فشلوا في الضغط عليه لتأجيلها فإنهم سيلجأون
إلى التحريض على أحداث أمنية في بغداد.
واستبعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما إرسال قوات برية إلى العراق
مرة أخرى لكن واشنطن ترسل ما يصل إلى 300 مستشار معظمهم من القوات
الخاصة لمساعدة الحكومة في القضاء على الدولة الإسلامية في العراق
والشام، وقال مسؤولو دفاع أمريكيون إن إدارة أوباما أرسلت طائرات مسلحة
للتحليق فوق العراق لكنها تستهدف جمع معلومات المخابرات وتأمين الجنود
الأمريكيين الموجودين على الأرض وليس مهاجمة أهداف، لكن الجنرال مارتن
ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية قال إن
خيارات واشنطن الأخرى تتضمن ملاحقة "أفراد بارزين يمثلون قيادة تنظيم
الدولة الإسلامية في العراق والشام" والعمل على حماية "البنية التحتية
الحيوية" للعراق.
وقال حلفاء المالكي إن دعوة السيستاني لاتخاذ قرار سريع لم يكن
الهدف منها تهميش رئيس الوزراء وإنما الضغط على الأحزاب السياسية حتى
لا تطول العملية وتشهد الخلافات المعهودة بينما تتعرض البلاد لخطر
التقسيم لكنهم أقروا في الوقت نفسه بأن سياسات المالكي لا ترضي
السيستاني، وقال مسؤول في قائمة دولة القانون بزعامة المالكي "مجموعات
أخرى تقول للسيستاني إنه لا يمكنها ان تطيق المالكي لفترة ثالثة، لا
يريد السيستاني التدخل في مسألة من سيكون رئيس الوزراء المقبل لكن
ينبغي أن يتحقق تقدم"، لكن خريطة الطريق وعرة، فلا يزال أمام الأكراد
الاتفاق على مرشح للرئاسة كما ينقسم السنة على أنفسهم بشأن من يشغل
منصب رئيس البرلمان.
ودعت بعثة الأمم المتحدة في العراق في بيان جميع النواب الى حضور
الجلسة والمضي نحو اختيار حكومة جديدة، وقال الممثل الخاص للأمين العام
للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف في البيان "في مواجهة الأزمة
الوطنية يجب أن يضع زعماء العراق مصلحة البلاد وشعبها قبل أي شيء آخر". |