خيارات الحسم.. هل تكون الـ"سوخوي" الوحيدة؟

 

شبكة النبأ: فيما لم تنجل بعد غبرة المعارك الطاحنة بين القوات العراقية وعناصر "داعش" في غير منطقة، يتم تطهيرها من هؤلاء التكفيريين، يتصاعد الحديث عن ضرورة الإسناد الجوي للقطاعات العسكرية على الأرض، متمثلة في المشاة والدروع والمدفعية للإسراع في حسم المعركة. وهي مسألة مفهومة من الناحية العسكرية. لذا كان دخول طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي 25" روسية الصنع الى ساحة الحرب، ذو تأثير سريع في رجحان كفة القوات العراقية وتمكنها من التقدم في مناطق عديدة بعد توجيه ضربات دقيقة لمعاقل "داعش" وتدمير القدرة الهجومية لهم. وحسب مصادر عراقية فان عشر طائرات تسلّمها العراق من روسيا وهي تربض حالياً في عدد من القواعد العسكرية.

ربما يتفق الكثير على قوة تأثير سلاح الجو في حسم المعارك والحروب، وتمكين أي جيش في العالم على تسجيل انتصارات اكثر على الارض. بيد أن الصحيح ايضاً، أن الوضع في العراق لا تنطبق عليه مواصفات الحروب بمواصفاتها المعروفة، حيث هناك قطعات عسكرية وسواتر ومواضع وخنادق وغيرها.. إنما هنالك عصابات مسلحة ومحترفة على حرب الشوارع وتتقن التخفّي بين البيوت والبساتين والمدنيين، الامر الذي يُخشى منه تكرار تجربة سوريا، والدمار الهائل الذي لحق بالمباني السكنية والمصالح العامة، بسبب القصف الجوي الذي كان يستهدف الجماعات الارهابية المتخفية بين المباني السكنية..

نعم؛ هناك تحركات للآليات والعربات التي تحمل الإرهابيين، كما هنالك اهداف واضحة مثل المعسكرات ومقار القيادة ومراكز التموين والدعم اللوجستي وخطوط الامداد وغيرها، بيد ان بعض المراقبين يشيرون الى احتمال تغيير "داعش" لطريقة تحركاته التي لن تكون مكشوفة وبطريقة استعراضية، كما تعمل على توزيع ترسانتها العسكرية ومواد التموين الاخرى في اماكن متعددة للتقليل من حجم الخسائر.

ومع عدم الفرض بوجود "داعش" في العراق للبقاء فترة طويلة، إنما لتنفيذهم مهمة محددة بالتنسيق من اطراف داخلية والتأثير على القرار السياسي في العراق. فان هذا لا يعني بنظر المراقبين والمتابعين استسهال أمر هذه الجماعة المدربة والمسلحة والممولة بشكل كامل، حتى مع القول بامكانية إلحاق الهزيمة بهم في العاجل أو الآجل، فانهم ربما يستخدمون سياسة الارض المحروقة قبل انسحابهم او عودتهم من حيث أتوا.

طبعاً؛ مصادر سياسية في بغداد تشير الى وجود رغبة لدى الساسة في المكوّن السنّي بأن تكون الـ "سوخوي" الذراع التي تضرب "داعش" وليست وسيلة اخرى، مثل ان تكون التشكيلات العسكرية الحديثة النشوء من المتطوعين الذي اعلنوا استعدادهم للقتال الى جانب القوات العسكرية. ويمكن ملاحظة ذلك من تصريحات نائب رئيس مجلس محافظة الانبار، الذي طلب من قيادة عمليات الانبار بتفعيل سلاح الجو لمواجهة "داعش"، وقال في حديث صحفي: "إن المعركة في المناطق الغربية تحولت من البرية الى الجوية، لافتا الى ان قطعات الجيش بانتظار وصول التعزيزات الجوية لاستئصال عصابات  داعش من المنطقة بالكامل.." وفي معرض توضيحه للحاجة الى سلاح الجو يقول فالح العيساوي: "إن المسافة بين الاقضية والنواحي في المناطق الغربية طويلة جدا قد تصل الى (200 كم) لذا هي بحاجة الى اسناد جوي لمعالجة مقار وتجمعات عصابات داعش الارهابية وقطع الامدادات بين الاقضية والنواحي..".

على الصعيد السياسي، فان الـ "سوخوي"، وهي بالحقيقة طائرات مقاتلة مستعملة، اشتراها رئيس الحكومة نوري المالكي خلال زيارته الاخيرة لموسكو ضمن صفقة عسكرية ضخمة، دخلت المزايدات السياسية قبل ان الدخول الى ساحة الحرب كعامل حسم، فقد اشار كتاب في صحف أمريكية الى "التوبيخ" العراقي لواشنطن من التأخير في تسليم الدفعة الاولى من صفقة الطائرات المقاتلة (أف 16) رغم مرور حوالي عامين على الحديث عن شرائها ودفع ثمنها، الامر الذي اضطر الحكومة العراقية للتوجه الى الشرق، وتحديداً المصدر العالمي الآخر للتسليح (روسيا). علماً ان عماد التسليح العراقي، لاسيما سلاح الجو، هو روسي المصدر. بيد ان المراقبين والمتابعين في المنطقة يرون نتائج أبعد من ذلك، منها استغلال الروس للفراغ الامريكي في العراق (تسليحياً)، وكسب الساحة العراقية، كما كسبت من قبل الساحة السورية، وربما تكون الضغوط السعودية والاسرائيلية بتجاهل طلب بغداد تسليمها الطائرات الامريكية المقاتلة والمتطورة، فرصة لاتفوتها موسكو للعودة مرة ثانية الى العراق وبشكل أقوى. ولاننسى أن روسيا رفعت وما تزال لواء محاربة "الارهاب". فان مشاركتها في قتال العناصر القادمة من الشيشان في سوريا والعراق معاً، من خلال الـ "سوخوي" وربما معدات عسكرية اخرى، يشكل انتصاراً عسكرياً وسياسياً تتحدث به موسكو بصوت عالٍ، يعزز موقفها السياسي داخلياً وخارجياً.

كل ذلك، يبتعد عن ساحة الصراع على الارض العراقية، حيث ان الاستهداف الحقيقي ليس للمصالح الامريكية ولا الروسية او غيرها، إنما للمصالح العراقية وللنسيج الاجتماعي ومصير العملية السياسية، الامر الذي يستدعي التأمّل مليّاً في خيارات الحسم على ان لا تكون خارجية – مستوردة بالكامل، فهذا من شأنه اهتزاز مصداقية القوة الجماهيرية والارادة الشعبية على التغيير والدفاع عن البلد. والاخطر من هذا، تكريس النظرة القديمة بان التغيير في العراق لم يتم إلا بتدخل خارجي، كما حصل بداية مع نظام صدام، الذي أسقطته القوات الامريكية.. ثم توفير الاستقرار للعملية السياسية من خلال وجود القوات الامريكية في العراق.

هذه النظرة او الانطباع، لن يخدم بالمرة الحراك الجماهيري – التعبوي الذي يمثل اليوم نبض الحياة في الحدث العراقي، فكل شيء بلون الدم وطعم المرارة والألم، بين أشلاء القتلى والعوائل النازحة في العراء، وايضاً بين خذلان بعض الساسة وجريهم المستمر المستميت خلف المصالح الحزبية والفئوية، فهل ترتجى الحياة من هكذا مشهد؟!.

ان إعطاء الأولوية لجحافل المتطوعين ليكونوا عامل الحسم الحقيقي في ساحة المعركة، يمثل تعزيزاً وتقديراً للهبّة الجماهيرية ومباركة للمشاعر الوطنية الجياشة التي تخلّت عن كل شيء من اجل الدفاع عن وحدة البلاد والعقيدة الحقّة امام الغزاة التكفيريين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تموز/2014 - 3/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م