المبدأ والقوّة... من قاموس الإمام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: إنسان بلا مبادئ، نقولها في وصفنا لمن لا يتورع عن القيام بأي شيء ترفضه الأخلاق أو يرفضه الدين.

إنسان بلا مبادئ، لا تقتصر على الخاصية الشخصية له في مجتمع معين، انها تمتد الى وظيفته وموقعه في هذا المجتمع، فيكون الوصف حاملا لتعبيرات اخرى، كتاجر بلا مبادئ، او سياسي، او مدرس او طبيب، او مهندس، وهي في هذه الحالة تاخذ طابعا من تاثير اكبر ومباشر على حياة الاخرين وسبل عيشهم وتفاعلهم داخل المجتمع.

ثم تمتد اكثر لتكون بين الدول نفسها، لتشمل العلاقات فيما بينها في السلم والحرب، وتمتد الى الهيئات والمنظمات الدولية كذلك.

مبدأ الشيءِ هو أوّله ومادّته التي يتكوَّن او يتركب منها، قواعده الأساسيّة التي يقوم عليها ، وهو افتراض؛ ومُسَلَّمة، وهو مُعْتَقَد؛ اي قاعدة أخلاقيّة أو عقيدة.

المبدأ هو جوهر الروح الواقعي الملموس ومن ليس لديه مبدأ في هذه الحياة هو لا شيء. المبدأ (مبدأ الإنسان): هو جزء لا يتجزء من كيانه تربى عليه ونشأ به. وأعتقد انه من الصعب إذا لم يكن من المستحيل أن يتخلى الإنسان عن مبادئه ولكن قد يضطر الإنسان في لحظة ما أن يتخلى عن هذا المبدأ وفق ظروف خاصة.

والمبدأ هو النقطة الأولى التي ينطلق منها تفكير الإنسان في امر أو امور معينة، ومن ثم، منها يمكن تحديد ماهو الصواب (الذي يتوافق مع هذه النقطة) والخطأ (الذي يتعارض معها). وبالتالي يمكن للإنسان ان يتخذ قراره وفقا لما توصل اليه من نتائج، وطبقا لمدى تمسكه وايمانه بضرورة تنفيذ ما لا يتعارض مع مبدأه.

وهو اصطلاحا: كل ما يُلقَّن على أنه مبادئ أو عقيدة ديانة ما أو حزب سياسي. وقد تشير أيضا إلى بعض السياسات الخارجية كمبدأ مونرو ومبدأ كارتر.

من أشهر المبادئ في السياسة، هو مبدأ ترومان، الذي أعلن عنه الرئيس الامريكي هاري ترومان سنة 1947 عندما أقسم أن الولايات المتحدة ستساند "الشعوب الحرة التي تقاوم محاولة استعبادها من قبل أقليات مسلحة أو أي ضغط خارجي". وكان يرى أن تخلي أمريكا عن القيام بذلك سيعرض السلام العالمي للخطر. ولقد أشار الرئيس ترومان في خطابه بصفة خاصة إلى مساعدة الولايات المتحدة لليونان وتركيا.

وكثيرا ما مارست امريكا العمل يهذا المبدأ مستخدمة قوتها العسكرية او الاقتصادية او الدبلوماسية.

في الحرب يشرع رجال القانون الدولي والعلاقات الدولية لهذه الظاهرة  قانونا هو:

حظر الحرب وتحريم اللجوء إليها كمبدأ أصيل في النظام القانوني الدولي. من خلال النص على امتناع أعضاء هيئة الامم  جميعا فى علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة واستخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. وان وقعت الحرب، وهنا الاستثناء، فقد قرر القانون الدولي مبدأ الضرورة، ويقصد به أن يكون الهدف من الحرب إلحاق الهزيمة بقوات العدو المسلحة عن طريق منعهم عن الاستمرار فى القتال (قتل - جرح - أسر).

ويتأتي عدم الاستمرار في القتال عن طريق القتل أو الجرح أو الأسر. إذا ما تحققت إحدى هذه الوسائل يمتنع التمادى والاستمرار لتحقيق أحد الآمرين الآخرين. ومثال ذلك إذا أمكن اسر العدو امتنع توجيه أعمال القتال إليه لقتله أو جرحه. ومثال آخر إذا قتل العدو لا يجوز التمثيل بجثته.

يضاف إلى ذلك أن إلحاق الهزيمة بقوات العدو المسلحة لا يتحقق بتوجيه أعمال القتال إلى المدنيين أو الممتلكات المدنية.

ويقال فى تفسير مبدأ الضرورة أن تحقيق هدف الحرب يجب أن يتم بأقل تكاليف اقتصادية وبشرية ممكنة. وعلى ذلك فإن القوات المسلحة للدولة تستخدم فقط القوة المسلحة بالقدر الضرورى الذي يحقق لها إخضاع العدو وهزيمته يجب أن تقدر بقدرها ولا تزيد عن هذا القدر. والتجاوز عن حدود الضرورة يشكل انتهاكا للقانون الإنسانى.

يرتبط المبدأ بالقوة، بغض النظر عن طبيعة هذا المبدأ خيّرا كان ام شريرا، في الاولى يواصل ازدهاره وصعوده، وفي الثانية يتداعى وينكسر، مهما قدمت له القوة من عوامل الصعود مؤقتا.

في كتابه الذي حمل عنوان (مقالات) يكتب المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) حول المبدأ والقوة، عبر النص التالي: (إن المبدأ مهما كان خيراً أم شراً لا قوام له إلا بالقوة، أما المبدأ الفاسد فلأن الناس لا يدينون به - لعلمهم بفساده - فإذا لم تدعمه القوة لكان حرياً بأن لا يقبل، وإن قبل بالقوة ثم ارتفعت لكان حقيقاً بأن ينهار، ولعل من الشواهد لهذا الأمر مبادئ (نابليون) و(هتلر) و(موسوليني) حيث قام المبدأ بالإرهاب والقوة بما لهما من معنى متسع ثم انهاروا بانهيار قواهم).

المبدأ الشرير لايمكن له ان يستمر وجودا راسخا لدى الناس، لانه مرفوض من قبلهم مهما اوتي من قوة للترسيخ ولو الى حين.

و(أما المبدأ الصحيح، فلأن البشر لا يدرك الصالح ولو قام عليه ألف دليل، ولو أدرك لا ينساب إليه ما عارض التقاليد والعادات، ولو انساب إليه اضطهده آخرون، مما سيؤدي إلى رجوعه، ثم هناك عوامل أخرى تكافح اعتناق المبدأ وإن كان في طرف الكمال، وهو كفاح أرباب المبدأ الآخر.. وكون المبدأ مهما خفّ فهو ثقل على عاتق المعتنق، فإنه لا يتيح الحرية المطلقة حتى ما أضرت الآخرين، لكل فرد، فلابد وأن يقع التصادم بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة مما ينجرّ إلى خلع الفرد المبدأ عن عنقه، كي يمشي وراء صالحه).

هنا في النص السابق، ترد اكثر من اشكالية حول المبدأ الخيّر، يتابعها الامام الراحل، مفسرا اياها واحدة بعد الاخرى.

عدم الادراك، وهي معضلة بشرية دائمة، ولو امتلك الادراك لهذا المبدأ نشأت حالة الصراع والتعارض مع التقاليد والعادات التي درج عليها الانسان، ولو كسب الجولة الاولى، عارضه المحيطون به حفاظا على مايعتقد انه حفاظ على ما ألفوه، ثم هناك اصحاب المبادئ الاخرى التي تنازع هذا المبدأ في اتنتشاره ورسوخه، وهو ما يؤدي الى نشوب صراع بين الاثنين، ينجر الى ان ينسحب صاحب المبدأ الخير من المواجهة.

لكن هذا المبدأ نفسه متى ما توفرت له القوة الدافعة والرافعة، فانه يتقدم الى الامام وينتصر على ما عداه من مبادئ.

يضرب الامام مثلين لتلك المبادئ التي انتصرت عن طريق القوة، وهو (قدس سره) لا يقصد القوة المجردة من اخلاقياتها، وهو حسب تعبيره (لسنا نريد بالقوة القوة الحربية، بل القوة العلمية والصناعية والدفاعية.. وغيرها).

والمثلان البارزان هما: (عيسى (عليه السلام) دعا إلى الله أعزل، فلم يؤمن به إلا نفر قليل، ثم لما ساعدت القوة مبدأه، أخذ يوسع رقعته في غرب الأرض وشرقها، والنبي محمد (صلّى الله عليه وآله) دعا برهة من عمره فلم يكن نصيبه أكثر من نصيب أخيه من قبل، وبعدما هاجر وتعزّز جانب الإسلام، رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً).

وهذان المثلان يتيحان لنا التاكيد على ان (المبدأ ما لم تدعمه القوة غير ملتفت إليه، ثم لما عاضدته القوة - على اختلاف صنوفها - أوى إليه الناس، وأقبلوا يتهافتون عليه تهافت الفراش على مصدر النور). على حد تعبير الامام الشيرازي.

لا مبدأ يمكنه الاستمرار او الرسوخ دون قوة داعمة له، فـ (القوة دعامة المبدأ، ولو أخذنا مبدأ بلا قوة فجدير بأن ينهار، كما أنه لو كان هناك قوة بلا مبدأ لم تتمكن من القيام ولو استقلت يوماً أو بعض يوم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تموز/2014 - 3/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م