في العراق... توغل داعش يفاقم تحديات الإغاثة

 

شبكة النبأ: بينما يحتدم القتال بين المتمردين الإرهابيين والجيش العراقي، تجد وكالات الإغاثة صعوبة في دعم مئات الآلاف من النازحين بسبب العنف وسط السياسات الحكومية غير الواضحة، ونقص التمويل وتعدد الجهات الفاعلة الإنسانية التي تهرع للاستجابة، في أربيل، عاصمة المنطقة الكردية الشمالية شبه المستقلة، تنتشر الأسر النازحة في ردهات الفنادق، وفي بعض الحالات ينام ما يصل إلى 10 أفراد في غرفة واحدة، في حين أن أولئك الذين لا يملكون ترف المدخرات ينامون في العراء في المتنزهات والمباني غير المكتملة أو يلجؤون إلى المساجد والكنائس. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وقد أنشأت حكومة إقليم كردستان، بالتعاون مع وكالات الإغاثة، عدة مخيمات بالقرب من نقاط التفتيش على طول الحدود بين كردستان وبقية العراق، ولكن لم يتوقف هناك سوى بضعة آلاف من الناس حتى الآن، حيث يفضل معظمهم الهروب من غبار وحرارة الصحراء والإقامة في المناطق الحضرية.

وقد انعكس الارتباك حول مكان وكيفية تسكين النازحين في مواجهة شهدتها شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بين الأجهزة الأمنية الكردية، المعروفة باسم أسايش، وتجمع يضم نحو 100 نازح من مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين. كانت تلك المجموعة، التي تنتمي إلى نفس العائلة، تنام في الحدائق العامة أو في سياراتهم في مناطق مختلفة من أربيل، ولكن تم القبض عليهم من قبل أسايش واقتيدوا إلى مخيم يبعد 5 كيلومترات عن ط المدينة.

تجدر الإشارة إلى أن مخيم بهاركا، الذي يقع في مكان بعيد وسط الحقول المترامية وبجوار منشأة زراعية قديمة، أُنشئ في البداية في عام 2013 لاستضافة اللاجئين السوريين. وفي وقت سابق من هذا العام، أُعيد إحياؤه لدعم النازحين الفارين من القتال في محافظة الأنبار العراقية، ولكن للمرة الثانية، لم يرغب أحد في البقاء هناك.

وقد رفضت مجموعة النازحين من تكريت أيضاً البقاء في المخيم، وقالوا أنهم يفضلون العودة إلى بيوتهم على الإقامة هناك، على الرغم من الخطر المحدق، وبالتالي جمعوا الفرش والبطانيات وغيرها من المواد غير الغذائية التي أُسقطت قبالة المخيم من قبل مختلف المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة قبل يوم واحد ورحلوا.

من المعتقد أن يكون هذا حادثاً منعزلاً وتم تفسيره على أنه ناجم عن سوء تفاهم، لكنه يسلط الضوء على التوترات المتزايدة حول إدارة شؤون النازحين، ووفقاً لاحصاءات تم جمعها بشكل مشترك من قبل الأمم المتحدة ووزارة الهجرة والمهجرين العراقية، وتم الإعلان عنها في 24 يونيو، تسبب تصاعد أعمال العنف في العراق في نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص منذ يناير الماضي.

وفي السياق نفسه، تستضيف 13 محافظة عراقية من أصل 18 النازحين الآن. وينتشر ما يقرب من نصفهم في مختلف أنحاء محافظة الأنبار التي تقع في غرب البلاد، حيث يقاتل متشددون من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وغيرها من الجماعات ضد القوات الحكومية منذ شهر يناير، مما أدى إلى نزوح ما بين 480,000 و700,000 شخص في غضون ستة أشهر (الأرقام ليست واضحة).

وبعد سيطرة تنظيم داعش ومتشددين آخرين على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، في 9 يونيو، نزح ما يقرب من 500,000 شخص في موجة جديدة تضيف إلى الأعباء القائمة، وقالت شيري ريتسيما أندرسون، مسؤولة الشؤون الإنسانية في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في أربيل: "هذه الأزمة مقلقة للغاية لأنها تتطور بسرعة. وتطرأ طفرات جديدة من القتال والنزوح كل يوم بالفعل".

والجدير بالذكر أن حكومة إقليم كردستان كانت تستضيف بالفعل أكثر من 220,000 لاجئ سوري، "لديك الطبقة الحالية، وطبقة اللاجئين والآن هذا النزوح. هناك طبقات متعددة من النازحين هنا في العراق، بعضها يعود إلى 10 سنوات أو أكثر. إنهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد والطبقات معقدة للغاية،" كما أضافت ريتسيما أندرسون.

تجلس مجموعة من الرجال يرتدي كل منهم جلباباً أبيض القرفصاء على بطانية ممدة بين أكياس من الأسمنت والسقالات في مبنى فندق نصف مكتمل وذو واجهة مفتوحة بالقرب من قلعة أربيل القديمة. وتتدلى الأسلاك من جدران من الطوب الرمادي وتملأ الجو أبخرة الديزل المتصاعدة من المولدات الموضوعة على الرصيف في درجة حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية.

وفي الطابق السفلي المنخفض السقف، تتجمع النساء المحجبات في زاوية مظلمة. لا تزال اثنتان منهم على الأقل في شهور الحمل، وتحتضن عدة نساء مجموعة من الرضع والأطفال الصغار الذين يتلوون لشعورهم بعدم الراحة في هذا الطقس الحار، وعيونهم محمرة من الغبار. فهم لم يغادروا هذه الغرفة إلا قليلاً منذ عدة أيام، ويعتمدون على الغذاء والماء اللذين يجود بهما المارة، وقالت المجموعة، التي يبلغ عدد أفرادها 45 شخصاً، أنها هربت من تكريت منذ أسبوع، عندما اقتحم مقاتلو تنظيم داعش المدينة، مما دفع قوات الأمن العراقية إلى شن موجة من الهجمات بالقنابل، وتلا ذلك توسيع نطاق التعبئة بين الميليشيات السنية والشيعية في مختلف أنحاء البلاد، "لقد تركنا كل شيء، وركبنا السيارة ورحلنا،" كما أوضح أبو وليد*، الذي قدم نفسه على أنه المتحدث باسم المجموعة. وأضاف قائلاً: "اضطررنا للمغادرة. كانوا يهاجمون المدنيين وكانت القنابل تتساقط على المنازل من حولنا".

"ولكن بعد أن وصلنا هنا الآن، ليس لدينا شيء. انظروا إلى حالنا! أعتقد أننا سنضطر إلى العودة مرة أخرى، على الرغم من أنها ليست آمنة، لأننا لا نستطيع البقاء هنا في هذه الظروف لفترة طويلة،" كما أشار.

وتقوم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بتوفير كميات كبيرة من الطرود الغذائية والخيام والبطانيات والفرش للنازحين في جميع أنحاء كردستان وداخل بعض أجزاء من محافظة نينوى، التي تضم مدينة الموصل. كما توفر المراحيض وخزانات المياه في مواقع المخيمات، والرعاية الصحية للمصابين بشظايا القنابل وكذلك النساء الحوامل وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة.

مع ذلك، فإن سرعة وحجم النزوح كانا بمثابة اختبار عسير للخدمات اللوجستية والتعبئة. وذكر عدة أشخاص تحدثوا إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن تكرار التوزيعات وعدم التنسيق يعوقان هذه الجهود.

فعلى سبيل المثال، يجري الآن نقل مخيم الخازر، وهو المخيم الرئيسي على الحدود بين محافظتي أربيل ونينوى، ومعه أكثر من 1,000 نازح. مع ذلك، فإن العمل على تجهيز الموقع الجديد يستغرق عدة أسابيع، وخلال هذه الفترة، لن تحصل المنشأة الحالية على التحسينات المطلوبة بشدة في شبكة الصرف الصحي وغيرها من الخدمات. (اقرأ المزيد عن مخيمات العبور)

وفي هذا الصدد، قال مسؤول في إحدى المنظمات غير الحكومية الأوروبية، الذي يعمل في العراق منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، مازحاً أن تدفق العاملين في المجال الإنساني إلى كردستان - وليس تدفق النازحين - كان سبباً لبعض المشاكل.

وقد تم نقل العشرات من مسؤولي الأمم المتحدة من بغداد إلى أربيل بسبب مخاوف أمنية في العاصمة العراقية. كما عززت عدة منظمات غير حكومية دولية وجودها في إقليم كردستان، "لقد وصل عدد كبير من الناس فجأة في الأسابيع الأخيرة، وهذا يسبب بلبلة ولذلك فهو غير مفيد،" كما أفاد عامل الإغاثة، مضيفاً: "كانت لدينا ازدواجية في التوزيع، في حين لم يتم الوصول  إلى بعض المناطق على الإطلاق. لا أعتقد أننا كمجتمع إنساني كنا فعالين كما ينبغي لنا أن نكون أو كما يمكن أن نكون".

وعلى عكس اللاجئين السوريين، الذين يتم تسجيلهم في قاعدة بيانات مركزية ويُسمح لهم بالعمل، فإن الوضع القانوني للأشخاص النازحين داخلياً الذين وصلوا حديثاً أقل وضوحاً، على الرغم من أنهم مواطنون عراقيون.

وتدير حكومة إقليم كردستان حدودها مع بقية العراق بحرص شديد، ويخضع جميع العراقيين من غير الأكراد لمراقبة أمنية صارمة قبل السماح لهم بالدخول، ومن دون كفيل كردي أو تصريح أمني مماثل، لا يُصرح بدخول العراقيين في كثير من الحالات. وحتى أولئك الذين يحصلون على تصريح بالدخول، إما يحصلون على تأشيرات سياحية أو تصريحات إقامة مؤقتة تتراوح مدتها بين 7 و20 يوماً، ولا توجد قواعد ثابتة بشأن كيفية أو مكان تجديدها. ويطالب عمال الإغاثة بمزيد من الوضوح بهذا الشأن.

من جانبه، قال جهانجير دوراني وهو كبير مسؤولي الحماية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "من المتوقع أن يعودوا إلى نقطة الحدود التي عبروا منها، ولكن نظراً لمحدودية الموارد والمصاعب الأخرى، قد لا تستطيع العديد من الأسر أن تقطع هذه الرحلة".

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال مصدر في إحدى وكالات الإغاثة أن عدداً من النازحين الذين عادوا إلى نقاط التفتيش لم يتمكنوا من تجديد تصاريحهم وتم إبعادهم عبر الحدود من كردستان إلى مناطق لا يزال القتال محتدماً فيها.

ولا يزال وصول المساعدات الإنسانية إلى بعض أجزاء من محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك محدوداً للغاية، والنازحون الذين يعودون يواجهون نقصاً في الغذاء والماء والوقود والكهرباء، كما أن الخدمات الصحية محدودة.

لقد وصل عدد كبير من الناس فجأة في الأسابيع الأخيرة، وهذا يسبب بلبلة ولذلك فهو غير مفيد ...كانت لدينا ازدواجية في التوزيع، في حين لم يتم الوصول إلى بعض المناطق على الإطلاق. لا أعتقد أننا كمجتمع إنساني كنا فعالين كما ينبغي لنا أن نكون أو كما يمكن أن نكون

ونظراً لتمتعها بمثل هذا السجل الأمني الجيد مقارنة مع بقية العراق، لا أحد يلوم حكومة إقليم كردستان على رغبتها في السيطرة على مداخلها من أجل حمايتها من التهديدات المحتملة، ولكن هذه المواقف السياسية الصارمة لها ضحاياها أيضاً.

"كان هناك تقييد واضح للدخول من قبل حكومة إقليم كردستان،" كما أفاد موظف بالأمم المتحدة طلب عدم الكشف عن هويته. وأضاف أن "التقارير المتداولة تفيد بأن ما يقرب من 70 بالمائة من الأشخاص الذين جاءوا إلى كردستان في الأسابيع القليلة الماضية قد عادوا لأنهم لا يستطيعون البقاء هنا أكثر من ذلك، ولكننا بصدق لا نعرف الأرقام الحقيقية".

وأضاف موظف الأمم المتحدة أن "هناك توجه متنام بين السلطات أن عودة بعض الناس تعني أن الوضع لابد وأن يكون آمناً، وهذا مصدر قلق لأن مثل هذا الموقف يمكن أن يؤدي إلى منع المحتاجين من الدخول". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وقال ديندار زيباري، نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في إقليم كردستان والمسؤول الذي يقود الاستجابة لاحتياجات النازحين نيابة عن الحكومة، أن أمر إدارة الحدود متروك للأجهزة الأمنية في كردستان، وأنه من السابق لأوانه أن يتم وضع سياسة بشأن النازحين داخلياً، وأخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) خلال مقابلة في مكتبه في أربيل أنه "في ظل وجود هذا العدد الكبير من النازحين، تواجهنا تحديات ومن الصعب جداً أن نتخذ قراراً الآن. يجب أن يتماشى ذلك مع الاجراءات الأمنية المتبعة، ويتعين علينا أن نقرر ما هي أفضل الممارسات. بصراحة، أنا لا أعرف"، ولا أحد يعرف بالضبط عدد الأشخاص الذين نزحوا منذ أن بدأ تنظيم داعش توغله في مدينة الموصل، التي تقع في شمال البلاد، وعلى نطاق أوسع في محافظة نينوى، ونظراً لغياب قاعدة بيانات رسمية لتسجيل النازحين، أنشأت وكالات الأمم المتحدة أداة لرسم الخرائط على الإنترنت في محاولة لتعقب الأماكن التي تستقر فيها الأسر وإعداد تقارير موجزة عن احتياجات الحماية الخاصة بهم من أجل المساعدة في استهداف الاستجابة بشكل أكثر فعالية، وكان من المقرر أن تُعقد في هذا الصدد اجتماعات هذا الأسبوع لتحليل نظام تسجيل النازحين المحتمل وطلب الوضوح بشأن تجديد تصاريح الإقامة.

وتواجه حكومة إقليم كردستان تحد آخر، وهو التمويل. فقد تم تجميد الإنفاق حتى يقوم البرلمان بتمرير ميزانية العراق لعام 2014، وهذا لن يحدث حتى يتم تشكيل حكومة جديدة. ونظراً لتدهور الوضع الأمني والضغط من أجل تغيير القيادة، فإن هذا قد يستغرق عدة أسابيع أو حتى أشهر، وتنهد زيباري وأكد قائلاً: "إنها مشكلة كبيرة بالنسبة لنا. لم نتلق سوى دعماً قليلاً للغاية من الحكومة الاتحادية على الرغم من أن هؤلاء الناس مواطنون عراقيون".

وأضاف نائب الوزير قائلاً: "لم نتمكن من دفع الرواتب الموظفين الحكوميين في كردستان منذ خمسة أشهر، والآن يجب علينا أن نجد المال اللازم لبناء المخيمات ومساعدة هؤلاء الناس. نحن بحاجة إلى دعم عاجل من المجتمع الدولي".

ولكن أصبح من الصعب الحصول على تمويل للعراق من الجهات المانحة. كما أن استمرار الاضطرابات التي تبدو بلا نهاية لأكثر من عشر سنوات والنظر إلى الحكومة على أنها غنية بسبب امتلاكها لاحتياطيات نفطية كبيرة قد أثبط همة العديد من المانحين.

وفي شهر مارس الماضي، أطلقت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) نداءً للتبرع بمبلغ 103 مليون دولار لدعم النازحين من محافظة الأنبار، ولكن بعد مرور ثلاثة أشهر، بالكاد وصلت نسبة تمويل النداء إلى 10 بالمائة، وحذر المسؤولون من أن البرامج ستتعرض للخطر ما لم يتم جمع المزيد من المال في المستقبل القريب. وزادت قيمة النداء هذا الأسبوع إلى 312 مليون دولار لتعكس تصاعد الأزمة في مختلف أنحاء البلاد والأعداد المتزايدة من النازحين، وعلى الرغم من أن تنظيم داعش (وانتقام قوات الأمن العراقية لاحقاً) تسبب في النزوح الجماعي من مدينتي الفلوجة والرمادي في يناير الماضي، فإن توغل هذه الجماعة الجهادية في وسط العراق هذا الشهر حظي باهتمام أكبر بكثير من نشاطها في الأنبار من قبل وسائل الإعلام، وقالت ريتسيما أندرسون من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنها تأمل أن تؤدي التغطية الإعلامية المكثفة إلى اجتذاب المزيد من اهتمام الجهات المانحة والمساعدة في تأمين المزيد من المال لتمويل الاستجابة.  بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وأضافت قائلة: "إذا لم نحصل على المزيد من المال بسرعة، لن نتمكن من مواكبة الاحتياجات، مما سيؤدي إلى تفاقم الوضع. نحن بحاجة إلى إرساء النظم الأساسية، وتقوية جميع الأسس حتى لا يقتصر دورنا على إطفاء الحرائق فقط".

انحنت سنين الحامل المثقلة بوزن جنينها عند مدخل خيمتها، محاولة حماية نفسها من الشمس الحارقة فوق رأسها وتجنب دخول الغبار إلى عينيها.

وصلت الشابة البالغة من العمر 23 عاماً، والتي أعطت اسمها الأول فقط، إلى مخيم الخازر، بجانب نقطة التفتيش التي تحمل نفس الاسم على الحدود بين وسط العراق وإقليم كردستان الشمالي شبه المستقل، في 14 يونيو مع أطفالها الثلاثة ووالدتها بدوى. وكانت سنين قد فرّت في منتصف الليل من القتال الجاري في الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق.

وعن ذلك قالت: "كان الوقت ليلاً وكان هناك قصف. لم يكن لدينا سيارة لذا اضطررنا للمشي ... كان القتال قريباً جداً منّا". وأوضحت أن زوجها، الذي يعمل سائق سيارة أجرة، كان في العاصمة بغداد في ذلك الوقت وهو الآن عالق هناك بسبب قطع الطرق من قبل نقاط تفتيش التي يحرسها المسلحون.

ويقع مخيم الخازر على بعد 100 كيلومتر تقريباً غرب أربيل، عاصمة كردستان العراق و53 كيلومتراً شرق الموصل، التي اجتاحها مؤخراً المتشددون من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

وقد قاتلت الدولة الإسلامية في العراق والشام وغيرها من الفصائل السنية المسلحة الحكومة التي يقودها الشيعة في العراق منذ عدة أشهر، ولكن في الأسابيع القليلة الماضية، أدى هذا التقدم الجديد للمتشددين إلى نزوح نحو 500,000 شخص عن منازلهم، وفقاً للأمم المتحدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للنازحين منذ يناير 1.2 مليون نسمة.

ويغطي الخازر مساحة ثلاثة هكتارات، ويأوي الآن حوالي 1,400 نازح داخلياً، ولكن هذه الأرقام تتغير يومياً. ويعد المخيم واحداً من مخيمين للعبور يعملان في الوقت الراهن، غير أن المزيد من تلك المخيمات قيد الإنشاء. ويعيش بقية النازحين في المناطق الحضرية. (انظر تحليل شبكة الأنباء الإنسانية عن الاستجابة الأوسع لأزمة النازحين داخلياً)

وقد وفّر المخيم لسنين والنازحين الآخرين المأوى والأمان، ولكن هناك القليل من الراحة التي يمكن أن توفرها هذه القطعة المنبسطة والمكشوفة من الأرض والتي كانت قبل بضعة أسابيع حقلاً لزراعة القمح.

فعلى بعد بضعة أمتار فقط من نقطة التفتيش، يبدو الموقع جافاً وجرداً حيث تقوم النساء بلف الأوشحة على وجوههن لحماية أنفسهن من الحرارة الشديدة والرياح المحملة بالغبار، وأضافت سنين قائلة: "الجو حار جداً هنا. لا تستطيع ابنتي الكبرى النوم... فهي تستيقظ وتبكي بشكل متكرر. إنها بحاجة إلى بعض الماء البارد وإلى الاستحمام. الجو حار للغاية هنا".

وهناك القليل مما يوفره مخيم الخازر إلى جانب صفوف من الخيام الزرقاء والبيضاء التي تحمل شعار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبعض المراحيض. لذا ليس من الصعب فهم السبب وراء توقف عدد قليل جداً فقط من الأسر هنا ومتابعة معظمها السير نحو المناطق الحضرية، وقال مضر الحمداني، الذي يقوم بتنسيق الاستجابة لحالات الطوارئ وصحة المهاجرين لدى المنظمة الدولية للهجرة أن الظروف السيئة ترتبط بخطط نقل المخيم، وأضاف قائلاً: "تخطط الحكومة لنقل الأسر إلى مخيم أكثر ديمومة ولهذا السبب لم تكن الحكومة والوكالات الأخرى قادرة على الاستثمار في هذا الموقع".

"وهذا يعني أن النازحين داخلياً يعانون من وضع رهيب ... فليس هناك ما يكفيهم من الكهرباء أو المياه،" كما أفاد، وقال أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تقوم بتوزيع مياه الشرب ولكن ذلك لم يكن كافياً للاستخدام اليومي، كما أن خدمات الصرف الصحي سيئة ، وأضاف: "إذا وقفت هناك لمدة 10 دقائق يمكنك أن تشم الرائحة الكريهة".

وخلال زيارة شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) للخازر، وصل موظفون أكراد من مطعم محلي لتوزيع الطعام الذي تم تحمليه على شاحنة صغيرة، وكانت أم سنين، بدوى، مثل كثيرين آخرين تقف في الطابور ولكنها وصلت بعد فوات الأوان، وقالت بدوى: "الآن ليس لدينا شيء نأكله". وكانت مستاءة بشكل واضح أثناء سيرها نحو خيمتها خالية الوفاض.

وفي مكان قريب منها، اشتكى زيد البالغ 35 عاماً والقادم من الموصل أيضاً من نقص الطعام، وأضاف قائلاً: "نحن نتشارك المواد الغذائية المتوفرة لدينا. وحتى الآن لم تحضر أي منظمة مواداً غذائية، وكل ما نحصل عليه هو من بعض الأسر والشركات المحلية. نحن جائعون جداً وليس لدينا ما يكفي من الطعام".

وقالت أوما ثابا، نائب المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في العراق لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن عمليات توزيع الغذاء قد بدأت في مخيمات العبور في 15 يونيو، وتابعت حديثها قائلة: "نحن ننظر إلى الاحتياجات. وقد بدأنا العمل ونقوم الآن بتوفير الغذاء"، "نظراً لكونه مخيماً للعبور ويأتي إليه الناس ويذهبون، ربما لم يتلق بعض الأشخاص الذين وصلوا للتو المواد الغذائية هذه المرة، ولكننا نقوم بتقديم الغذاء لكل شخص موجود هناك".

ويقع مخيم الخازر في محافظة نينوى، المتنازع على أجزاء منها بين السلطات الكردية والحكومة المركزية في بغداد. ويقع المخيم في المنطقة التي تسيطر عليها قوات البشمركة العسكرية الكردية، ووفقاً للمفوضية السامية، سيتم قريباً نقل المخيم إلى الجانب الآخر من نقطة التفتيش، داخل محافظة أربيل الكردية. وقالت فيان رشيد من مجلس اللاجئين في أربيل لدى حكومة إقليم كردستان أن هذه الخطوة تهدف إلى توفير مساحة أكبر للمخيم ليتمكن من استضافة المزيد من الأسر، ولكن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قالت أن إعداد الموقع الجديد سيستغرق شهراً، وفي هذه الأثناء ينبغي على سنين وأسرتها تحمّل الظروف القائمة تحت حرارة الصيف الحارقة.

وتفيد التقارير أن الوضع لم يكن أفضل بكثير في مخيم جرماوا، الذي يقع أيضاً داخل الأراضي التي يسيطر عليها البشمركة في نينوى، ولكنه أقرب إلى محافظة دهوك، ويستضيف 157 عائلة أو أقل قليلاً من 1,000 شخص.

وقال ديندار زيباري، نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في إقليم كردستان، والذي يقود جهود الاستجابة للنازحين داخلياً أنه في حين لا يمكن إجبار النازحين على التوجه نحو مواقع محددة، تبقى المخيمات ذات أولوية بالنسبة للحكومة.

وأضاف قائلاً: "ستشكل المخيمات الاستراتيجية الرئيسية، ولكن بطبيعة الحال، إذا كان لدينا أشخاص على استعداد للبقاء خارج المخيمات وفي المدن وإذا كانت لديهم الموارد وبعض القدرات المالية للتعامل مع الوضع، فلا بأس في ذلك".

ولكن ليس لدى الجميع القدرة على دفع أجرة غرف الفندق. وتعيش كثير من الأسر بصعوبة حول مدينتي أربيل ودهوك، حيث تخيّم في المتنزهات والحقول، أو تأوي إلى المساجد والكنائس، وقالت كاثرين روبنسون، المسؤول الإعلامي لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أربيل أن النازحين الذين يعيشون في المساجد والمباني غير المكتملة يحتاجون إلى المأوى المناسب، وأضافت قائلة: "يجب أن يكونوا في بيئات آمنة وأن تتم تلبية احتياجاتهم المادية والطبية والنفسية".

بالإضافة إلى المرافق الموجودة في مخيمات الخازر وجرماوا، يجري إعداد وتسوية الأرض لموقع يسمى زمار، يقع أيضاً داخل الأراضي التي يسيطر عليها البشمركة في نينوى، على مقربة من الحدود السورية وليس ببعيد عن مدينة تلعفر. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وعلى الجانب الآخر من كردستان، في محافظة السليمانية، تم التخطيط مبدئياً لإنشاء مخيمين: أحدهما في كلار، حيث وصلت مؤخراً 3,000 عائلة بعد فرارها من القتال في محافظة ديالى إلى الجنوب، والآخر في جمجمال، على مقربة من مدينة كركوك.

وقد افتتح مخيم سادس اطلق عليه اسم بهاركا، على بعد نحو 5 كيلومترات شمال منطقة عينكاوه في أربيل، لفترة وجيزة الأسبوع الماضي ولكن النازحين الذين لجؤوا هناك لم يرغبوا في البقاء به نظراً للظروف القاسية، وقد تم إغلاقه منذ ذلك الحين.

وقد تم إعداد موقع الخيام في البداية لإيواء اللاجئين السوريين وتم في وقت لاحق تعديله لإيواء النازحين داخلياً الذين فروا من القتال في محافظة الأنبار غرب العراق في وقت سابق من هذا العام، وتتوفر فيه الكهرباء والماء، ولكنه في مكان بعيد تحيط به الحقول.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تموز/2014 - 2/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م