الموقف الشيعي وإماطة اللثام عن زيف داعش

 

شبكة النبأ: كل شيء سعى له الامريكيون والبريطانيون في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام، سوى ظهور نظام سياسي قائم على تعايش اجتماعي في مكونات الشعب العراقي، لاسيما بين السنة والشيعة، مع علمهم اليقين بان الشيعة الذين تعرضوا لشتى صنوف الاضطهاد والتهميش طوال القرن الماضي، لن يبادروا بالمثل بعد ان تسنّموا قمة السلطة في العراق. وربما لا يختلف اثنان من المراقبين والمتابعين على أن ابرز اهداف إقحام الجماعات الارهابية – الدموية في الحياة السياسية والاجتماعية، هو إذكاء الروح الطائفية، وبناء جدار سميك وعالٍ من عدم الثقة بين المكونين، مما يساعد على إشعال فتيل الصراع والنزاع المسلح بسرعة فائقة.

وقد أدى المدعو "ابو مصعب الزرقاوي" دوره باتقان في هذا المجال خلال تواجده في العراق، وقيادة مجاميع "تنظيم القاعدة في العراق" هدفها تكفير الشيعة وقتالهم بحجة عدم محاربتهم "الاحتلال الامريكي"، والتمتع بحياة مستقرة وهانئة بعد نظام صدام. فكانت انجازاته بتنفيذ اعمال القتل والنسف والتشريد والترويع، محاولة لتكريس الاصطفاف الطائفي لدى المكون السنّي، وخلق الاعتقاد بانه بالامكان الاعتماد على قوى ورجال يأتون من كل مكان "لمساعدة اخوانهم المضطهدين في العراق".

هذا الدور كان لابد له من استمرارية ما دامت الحاجة قائمة لتمزيق نسيج المجتمع العراقي، وإضعاف العراق اكثر فاكثر.. فوقع الاختيار على تنظيم "داعش" الذي ظهر بداية في سوريا لقتال النظام السوري والمشاركة فيما كان متصوراً، لقلب نظام الحكم، أسوة بما حصل في بعض البلاد العربية.

هذا الاصطفاف كان له انعكاسه على الواقع السياسي والذي تحول فيما بعد الى اصطفاف سياسي وتبني كامل من لدن عدد من ممثلي المكون السني في الدولة، مثل طارق الهاشمي وهو نائب رئيس الجمهورية، ورافع العيساوي، وهو نائب رئيس الوزراء، الى جانب عدد كبير من النواب في البرلمان ومسؤولين آخرين.

ولا ننسى دور الاعلام والحرب النفسية – الدعائية التي خلقت صورة نمطية لعراق طائفي، وليس عراق الوطن الواحد، الامر الذي غيّب الحقيقة الناصعة عن مسلمي العالم، بان هنالك مائزاً كبيراً بين التعاطي السياسي مع الانتماء الطائفي وبين المفاهيم والقيم التي يتحدث عنها الشيعة، ابرزها التعايش والتسامح والتكامل ونبذ العنف والكراهية.

وكان لبعض الاصوات الطائفية في الاروقة السياسية، ومن الجانبين، دورها في تغييب هذه الحقيقة، وهذا ربما مردّه الى التنافس المحموم الذي انزلق اليه الكثيرون!.

من هنا أشّر خبراء في الشأن الاجتماعي، قصوراً في مشاريع ومبادرات التقريب بين مكونات الشعب العراقي، وتحديداً بين السنة والشيعة، لسد الطريق على الجماعات الارهابية ومن يقف خلفهم من اطراف اقليمية واضحة المعالم تعتاش على مستنقع الطائفية والاحتراب الداخلي في العراق، واي تقارب يمثل خطراً على مصالحها، او على الاقل، يقلل حظوظها في الحصول على مكاسب اقتصادية او سياسية.

لذا نجد الحل الاخير جاء من اعماق الوجدان الشيعي المحب للتعايش والفضيلة والانسانية، وتجسد خلال الاستجابة الجماهيرية العارمة لفتاوى المرجعيات بالتصدي لتهديد الجماعات التكفيرية، بعد سيطرة "داعش" على الموصل ومناطق اخرى.

فاذا جاءت الفتوى من جهة مرجعية وقيادة علمائية شيعية، فان الهدف الذي توجه اليه الآلاف من ابناء الوسط والجنوب هو حماية الوطن من التمزق الطائفي، وإذن؛ فهي حرب دفاعية، ولا تخطيط للهجوم او غزو منطقة معينة او تصفية الحساب او الانتقام وغير ذلك، وهو أكده ايضاً علماء الدين خلال دعوتهم للتعبئة والتطوع الى سوح المواجهة، بان الهدف الاساس؛ حماية الوطن من التمزق والتآمر الخارجي.

وكانت هنالك وقفات شجاعة ومميزة، نذكر منها موقف الخطيب الحسيني الشهير، آية الله السيد مرتضى القزويني، الذي حضر بين الجنود والضباط في احدى المعسكرات، وهو يذكرهم بأنهم ليسوا جنوداً لطائفة معينة، إنما هم مسؤولون أمام الله وأمام القرآن الذي كان يحمله امامهم، بان يكونوا حماة للعراق الوطن الواحد، وأن النصر يُحسب للجميع.

ان مجرد دخول اسم "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، الاراضي العراقية، يمثل فرصة -بالحقيقة- لمن يحمل شعوراً بالمسؤولية إزاء البلد ومستقبله، فهذا الاسم الطويل والعريض والمنمّق والمعد في أروقة المخابرات، عوّل عليه رعاته لأن يكون اليد الضاربة لهم في ساحة التنافس على المكاسب، مع علمهم الكامل بانهم لن يكونوا البديل المنطقي والمعقول للعملية السياسية الجارية، ولا النظام السياسي الجديد في العراق، مما يحمل المسؤولية اليوم، أكثر من اي وقت آخر، لتثمين الموقف الشيعي من الناحية المعنوية وليس المادية، حيث يصعب تصور جائزة او مكافأة تقدم الى مبادرات التقارب والتعايش، انما العمل بروح وطنية وشعور عالٍ بالمسؤولية إزاء الجميع، في المجالات والنواحي كافة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الانسانية، وهي المسؤولية التي نتعلمها من النبي الأكرم "صلى الله عليه وعلى آله، وامير المؤمنين الامام عليه السلام.

فاذا كان الشيعة بعيدون دائماً وابداً عن الحقد والكراهية والدموية وكل اشكال العنف، فهو لانهم يتبعون مدرسة حضارية تريد للجميع العيش بسلام. واذا أقرّ الجميع بالدور الوطني للشيعة في العراق وأن مرجعيتهم تمثل "صمام أمان للمجتمع"، فمعنى هذا ان تكون لهذه المدرسة مكانتها المميزة في الحياة الثقافية والاجتماعية لتعمل على تكريس ثقافة البناء، لا الهدم، وثقافة التعايش لا الاحتراب والكراهية والإقصاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تموز/2014 - 2/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م