الامن والسياسة في الازمة العراقية.. وجهان لعملة واحدة

 

شبكة النبأ: تتسارع الأحداث ومجرياتها السياسية والعسكرية في العراق بصورة يومية، كما يقترب المشهدان "العسكري والسياسي" من حسم أمرهما، فمع اقتراب موعد عقد الجلسة البرلمانية الأولى، والتي من المفترض ان تكون حاسمة في غلق ملف الحكومة واختيار رئيس الوزراء القادم بعد ان كثر الجدل حول هذا المنصب المهم، فيما تؤكد التحركات العسكرية للقطعات العسكرية وحجم الزخم الدولي الداعم للحكومة العراقية في عملياتها المسلحة الى قرب اعلان ساعة الصفر للقيام بعمليات عسكرية كبيرة قد تستهدف المسلحين المتمركزين في الموصل بعد سقوطها بيد تنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية" والمتحالفين معه من التنظيمات الإسلامية المتطرفة الأخرى، كما يرى خبراء ومتابعين.

ويبدو ان اقتران العمل العسكري والسياسي في العراق لم يأتي عن طريق الصدفة، كما يشير بذلك بعض المحللين، وانما كان اقتران ضروري يعكس طبيعة التحالفات المعقدة التي استهدفت التجربة الديمقراطية الحديثة في العراق، وربما تشير أيضا الى حجم الصراع الإقليمي الذي يجري بالنيابة بين دول متصارعة داخل العراق.

ويعتزم زعماء الأحزاب العراقية اجراء محادثات حساسة قد تطيح برئيس الوزراء نوري المالكي بعدما دعا المرجع الشيعي الأعلى في البلاد إلى اختيار رئيس وزراء جديد على وجه السرعة لمواجهة متشددين مسلحين يهددون بتفتيت العراق، وتناشد القوى الكبرى تشكيل حكومة عراقية شاملة لا تهيمن عليها جهة واحدة لمواجهة تقدم المتشددين المسلحين الذين عبروا الحدود من سوريا ويمثلون تهديدا على منطقة الشرق الأوسط.

في سياق متصل وفي تدخل سياسي مفاجئ قد يشير إلى نهاية فترة تولي المالكي للمنصب بعد ثماني سنوات حث المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الكتل السياسية على الاتفاق على رئيس للوزراء ورئيس للبلاد ورئيس للبرلمان قبل انعقاد البرلمان المنتخب في بغداد، وقال نائب عراقي ومسؤول سابق في الحكومة ينتمي إلى الائتلاف الوطني العراقي الذي يضم أحزابا شيعية "الأيام الثلاثة المقبلة مهمة للغاية للتوصل إلى اتفاق، لدفع العملية السياسية إلى الأمام"، وأضاف النائب الذي طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع إنه يتوقع عقد اجتماعات داخلية للأحزاب المختلفة وجلسة أوسع للائتلاف الوطني تشارك فيها قائمة دولة القانون التي يتزعمها المالكي، ومن المقرر أن تجتمع بعض الأحزاب السنية أيضا في وقت لاحق.

وسيجعل دخول السيستاني في المعادلة من الصعب على المالكي أن يستمر كرئيس وزراء مؤقت للعراق كما هو الحال منذ اجراء الانتخابات البرلمانية في ابريل نيسان، وبعث السيستاني برسالته بعدما فشل اجتماع للفصائل الشيعية بما في ذلك ائتلاف دولة القانون في الاتفاق على مرشح لتولي منصب رئيس الوزراء، ويتهم المالكي خصومه السياسيين بمحاولة منع عقد البرلمان في الوقت المحدد واستغلال العنف للتدخل في العملية السياسية، وقال المالكي في اجتماع مع قادة نقله التلفزيون إن خصومه سعوا لتأجيل الانتخابات والآن يعملون على تأجيل الجلسة الأولى لمجلس النواب، وأضاف أنهم إذا فشلوا في الضغط عليه لتأجيلها فإنهم سيلجأون إلى التحريض على أحداث أمنية في بغداد. بحسب رويترز.

ومنذ مطلع يونيو حزيران يسيطر متشددو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على معظم المناطق ذات الأغلبية السنية في شمال وغرب العراق كما استولوا على الموصل أكبر المدن الشمالية وعلى مدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين، ويسعى التنظيم إلى اقامة خلافة اسلامية تلغي الحدود الاقليمية وتكفر الشيعة، وتباهى المتشددون بإعدام العشرات من الجنود العراقيين الشيعة في تكريت، وتحاول القوات العراقية التقدم نحو تكريت من ناحية سامراء إلى الجنوب مع تقدم التنظيم جنوبا صوب العاصمة العراقية بغداد.

واستبعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ارسال قوات برية إلى العراق مرة أخرى لكن واشنطن أرسلت ما يصل إلى 300 مستشار معظمهم من القوات الخاصة لمساعدة الحكومة في القضاء على الدولة الاسلامية في العراق والشام، وقال مسؤولو دفاع أمريكيون إن إدارة أوباما أرسلت طائرات مسلحة للتحليق فوق العراق لكنها تستهدف جمع معلومات المخابرات وتأمين الجنود الأمريكيين الموجودين على الأرض وليس مهاجمة أهداف.

لكن الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية قال إن خيارات واشنطن الأخرى تتضمن ملاحقة "أفراد بارزين يمثلون قيادة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام" والعمل على حماية "البنية التحتية الحيوية" للعراق، وقال مسؤول محلي في الصحة إن 11 شخصا أصيبوا في انفجار بمبنى تابع لوزارة الصحة العراقية في الموصل، وقال سكان بالمدينة إن الانفجار كان بسبب غارة لطائرة بدون طيار لكن لم يتسن تأكيد هذا ونفى مسؤول أمريكي هذا الاحتمال.

وذكر سكان أن نيران صواريخ أطلقت على الموصل الليلة الماضية، وكان سقوط المدينة في أيدي الدولة الاسلامية في العراق والشام في العاشر من يونيو حزيران قد أطلق العنان لهجومها الواسع في شمال العراق حيث استولت أيضا على معابر حدودية مع مناطق سورية يسيطر عليها التنظيم على الجانب الآخر من الحدود، وينص نظام الحكم القائم في العراق منذ الاطاحة بصدام على أن يكون رئيس الوزراء شيعيا ويكون منصب الرئيس الشرفي إلى حد كبير للأكراد ويكون رئيس البرلمان سنيا، وتمتد المناقشات بشأن المناصب لفترات طويلة فبعد الانتخابات الأخيرة في 2010 ظل المالكي قرابة عشرة أشهر لتشكيل ائتلاف حاكم.

والاتفاق على المناصب الثلاثة في خلال أيام قبل انعقاد جلسة البرلمان مثلما قال السيستاني سيتطلب التزام المجموعات العرقية والطائفية الثلاث الكبرى بالعملية السياسية وحل مشاكلها السياسية الملحة بسرعة وفي مقدمتها مصير المالكي، وقال حلفاء المالكي إن دعوة السيستاني لاتخاذ قرار سريع لم يكن الهدف منها تهميش رئيس الوزراء وإنما الضغط على الأحزاب السياسية حتى لا تطول العملية وتشهد الخلافات المعهودة بينما تتعرض البلاد لخطر التقسيم لكنهم أقروا في الوقت نفسه بأن سياسات المالكي لا ترضي السيستاني.

وقال مسؤول في قائمة دولة القانون بزعامة المالكي "مجموعات أخرى تقول للسيستاني إنه لا يمكنها ان تطيق المالكي لفترة ثالثة، لا يريد السيستاني التدخل في مسألة من سيكون رئيس الوزراء المقبل لكن ينبغي أن يتحقق تقدم"، لكن خريطة الطريق وعرة، فلا يزال أمام الأكراد الاتفاق على مرشح للرئاسة كما ينقسم السنة على أنفسهم بشأن من يشغل منصب رئيس البرلمان.

طائرات أمريكية فوق العراق

الى ذلك قال مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن طائرات أمريكية مسلحة تحلق الآن فوق العراق وأضافوا أن الهدف من طلعاتها هو جمع المعلومات وضمان سلامة الأفراد الأمريكيين على الأرض وليس تنفيذ ضربات، وقال المتحدث باسم البنتاجون الأميرال جون كيربي للصحفيين "ما أقوله لكم هو أن طائراتنا سواء بطيار أو بدون طيار مستمرة في التحليق فوق العراق، بناء على طلب الحكومة العراقية ومعظمها لأغراض الاستطلاع، واضاف "بعض هذه الطائرات مسلحة".

وتابع قائلا "السبب في أن بعض هذه الطائرات مسلحة هو لأسباب تتصل بحماية القوة بعد أن أرسلنا الى البلاد بعض المستشارين العسكريين والذين سيكون هدفهم العمل خارج حدود السفارة"، وزادت الولايات المتحدة عدد الطلعات الجوية الاستطلاعية سواء بطائرات بطيار أو بدون طيار الى ما بين 30 و35 في اليوم في محاولة لمساعدة حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي على صد تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

وبعد اكثر من عامين ونصف العام من انسحاب القوات الأمريكية استبعد البيت الأبيض إرسال قوات للقتال في العراق لكنه أرسل مستشارين عسكريين وقال إنه سيدرس القيام بضربات جوية ضد المتشددين الذين سيطروا على مدن وبلدات في شمال وغرب العراق، وقال مسؤولون أمريكيون إن معلومات المخابرات الأمريكية بشأن تقدم تنظيم الدولة الإسلامية تتحسن لكن استكمال صورة مفصلة للتهديد سيستغرق أسابيع وأضافوا أن اي ضربات محتملة لا تبدو وشيكة، وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى تسريع عملية تسليم الأسلحة الأمريكية التي يشتريها العراق من الولايات المتحدة. بحسب رويترز.

وقال كيربي إن العراق طلب 800 صاروخ هيلفاير جو-ارض الذي يمكن طائرات الهليكوبتر من استهداف الدبابات وغيرها من المركبات المدرعة بالإضافة الى مئات من صواريخ هيلفاير التي ستسلم للبلاد في الأسابيع القادمة، وأضاف "العمل يجري بينما نتحدث".

عمليات عسكرية مستمرة

فيما قصفت طائرات هليكوبتر عراقية حرم جامعة مدينة تكريت لطرد مسلحين متشددين اجتاحوا المدينة ضمن حملة مكنتهم من السيطرة على غالبية المناطق السنية وعززت تقدمهم صوب العاصمة بغداد، وسقطت تكريت مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين في قبضة مسلحين سنة بقيادة مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المنشق عن القاعدة، وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن تحليلا لصور فوتوغرافية وصور التقطتها الأقمار الصناعية "يشير بقوة" إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام نفذ عمليات إعدام جماعية في تكريت بعد أن استولى عليها يوم 11 يونيو حزيران في بداية هجومه المباغت.

وذكرت المنظمة أن التنظيم قتل نحو 190 رجلا على الأقل في موقعين خلال ثلاثة أيام، وأضافت أن الأعداد ربما تكون أكثر بكثير لكن صعوبة تحديد أماكن الجثث والوصول إلى المنطقة حال دون اجراء تحقيق كامل، وشنت القوات العراقية هجوما جويا على تكريت ونقلت قوات خاصة بطائرات هليكوبتر إلى استاد رياضي، وسقطت واحدة من هذه الطائرات على الأقل بعد تعرضها لنيران المسلحين، وقال فرحان إبراهيم التميمي الأستاذ في جامعة تكريت والذي فر إلى بلدة مجاورة "غادرت مع أسرتي في وقت مبكر، كان بوسعنا سماع اطلاق النيران وطائرات الهليكوبتر تضرب المنطقة".

وتبخر الجيش العراقي الذي يبلغ قوامه مليون جندي وجرى تدريبه وتسليحه تحت اشراف الولايات المتحدة من الشمال إلى حد كبير عندما بدأ المسلحون المتشددون السنة بقيادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هجومهم بالاستيلاء على الموصل أكبر المدن في شمال العراق يوم 10 يونيو حزيران، وظهرت الدولة الإسلامية في العراق والشام عندما تحدى أبوبكر البغدادي زعيم جماعة كانت تسمى وقتها الدولة الإسلامية في العراق قيادة القاعدة وانتقل إلى سوريا المجاورة منذ أكثر من عام ليقاتل في الحرب الأهلية الدائرة هناك ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وتقاتل الجماعة الآن في سوريا والعراق وتسعى لمحو الحدود وإقامة خلافة إسلامية تمتد من ساحل البحر المتوسط إلى العراق. بحسب رويترز.

وفي واشنطن طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الكونجرس بالموافقة على تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لتدريب وتسليح مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين الذين تتفوق عليهم قوات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الأكثر نشاطا وفاعلية، وفي العراق توقف المسلحون المتشددون على مسافة ساعة بالسيارة من شمال بغداد وعلى مشارفها الغربية لكنهم يواصلون تقدمهم في مناطق مختلطة طائفيا مثل محافظة ديالى ويعززون قبضتهم على شمال غرب العراق، وقال نائب في البرلمان وزعيم لأقلية الشبك الشيعية إن المسلحين المتشددين استولوا على ست قرى يقطنها الشبك جنوب شرقي الموصل بعد اشتباكات مع قوات البشمركة الكردية التي تؤمن المنطقة.

وتلقى مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والشام (وهي جماعة تقول إن الشيعة خارجون على الإسلام ويجب قتلهم) مساعدة من جماعات سنية أخرى أقل تشددا توافقهم الرأي في أن السنة تعرضوا للاضطهاد في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، وتأمل واشنطن أن تتمكن مرة أخرى من اقناع جماعات من العشائر السنية التي انقلبت على القاعدة أثناء "ذروة" الحملة الأمريكية عامي 2006 -2007 بدعم الحكومة العراقية بشرط تشكيل حكومة تضم كل الأطياف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/حزيران/2014 - 1/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م