مركز الفرات يناقش التطورات في العراق وتداعيات المرحلة القادمة

 

شبكة النبأ: عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية حلقة نقاشية بتاريخ 17/6/2014 تحت عنوان: (التطورات السياسية والامنية الراهنة وتداعيات المرحلة المقبلة)، وكانت الحلقة النقاشية بإدارة الدكتور خالد عليوي العردواي مدير المركز، وقد تضمن منهاج الحلقة ورقتين بحثيتين: الأولى قدمها الدكتور سامر مؤيد عبد اللطيف أستاذ العلوم السياسية في جامعة كربلاء، تحت عنوان (تداعيات ما بعد الانكسار الامني في الموصل قراءة في الاسباب الداخلية واستحقاقات المرحلة المقبلة)، أما الورقة البحثية الثانية فقدمها الباحث السياسي في مركز الفرات الأستاذ احمد المسعودي تحت عنوان (داعش والمخابرات الدولية قراءة في ضوء نظرية توحيد منابع الإرهاب).

وجرى في الورقة الأولى التركيز على عدد من النقاط البحثية اهمها: ان العراق يعيش مرحلة عصيبة، والسبب على ما يبدو انه حكم التاريخ على امة تجيد تكرار اخطاءها ولا تأخذ العبر من تجاربها، فبات العراق يقف في الخطوط الامامية لمواجهة قوى الارهاب والظلام في معركة وجود تهدد وحدته وامنه، وتفتح ابواب مستقبله على كل الاحتمالات، ويبدو ان عقارب الساعة لن تعود الى الوراء بل ستنطوي على تداعيات مهمة مباشرة وغير مباشرة على ارض الواقع، وضرورة إجراء الحكومة العراقية مراجعة شاملة لحساباتها وبنيتها الامنية لأسباب في مقدمتها محاولة تدارك الانهيار الامني الشامل او القضاء على احتمالية تكرار مشهد الاخفاق الامني مستقبلا، مع السعي عبر هذا المسعى الى تنفيس احتقان الشارع العراقي وتطمينه بتشخيص مواطن الخلل الفادح وتحميل بعض القيادات الأمنية والسياسية مسؤولية الانهيار، لتكون هذه الإجراءات مصدا بوجه الانتقادات المسددة الى الحكومة من قبل القوى السياسية المحلية والدولية.

 كما تم التركيز على التداعيات الآنية والمستقبلية لتشكيل ما يسمى بالجيش الشعبي العقائدي الرديف واحتمال بروز مشكلة جديدة للحكومة في السيطرة على السلاح والمسلحين، سواء على مستوى ترويض اندفاعاتهم واستثمار حماستهم او حتى على مستوى ايجاد الدور المناسب لهم وما يترتب على ذلك من تعقيدات سياسية واجتماعية وحتى اقتصادية.

من جانب آخر فان الانتشار الكردي في المناطق المتنازع عليها بين المركز وإقليم كردستان، سيخلق مشكلة جديدة إذ ليس ثمة ضمانة في امكانية استرجاع هذه الاراضي مستقبلا، اذا ما تشبث بها الاكراد، او على اقل تقدير حاولوا استغلالها كورقة ضغط ومساومة مع المركز. وعلى صعيد التداعيات السياسية فان ما حصل يعد فاتحة عهد لجيل جديد من الازمات السياسية، تتقدمها مشكلة تشكيل الحكومة، اذ ستلقي هذه الازمة ظلالا كبيرة عليها بعد ان يحاول كل فريق توظيف محصلتها في تعزيز مواقعه على هرم السلطة، وبروز دور المرجعية بقوة على خط الانقاذ الوطني من خطر الانهيار الشامل عبر التحشيد الجماهيري، الذي سيكون في المستقبل وسيلتها الحيوية لاكتساب مواقع اكثر تأثيرا في مسارات العمل السياسي وتوجيهه في سبيل التغيير الايجابي.

ويخلص الدكتور سامر من ورقته إلى القول: كل ما تقدم سيضعنا امام مشهد مشحون بأجواء التغيير الذي سيقطع بعصفه اغلب اواصر العودة الى الماضي او تكرار احداثه...

 اما الورقة الثانية فقد بينت أن الأسباب خارجية بالإضافة إلى كونها داخلية، ومن اهم ما طرح من نقاط في الورقة الثانية هو تعريف داعش وفق النظرية المخابراتية التي تحكمت وتتحكم بمسارات الربيع العربي، وهل العالم الذي يغزو الفضاء بشكل شبه يومي عاجز عن تقديم حلول ناجحة للإرهاب او عصابة ارهابية؟.ام ان الارهاب هو بالاصل ازمة حديثة يتم توجيهها الى منطقة محددة دون غيرها حسب المقتضيات، ووفق خارطة مخابراتية؟.

وبعد أن قدم الباحث إجاباته عن هذه الأسئلة المهمة والمثيرة للجدل توصل إلى القول: إن العراق اليوم يقع في دائرة النظرية المخابراتية الموسومة حفر (البئر العالمي الواحد للاستقطاب) التي تقوم على جمع كل الإرهابيين في نقطة واحدة في العالم للقضاء عليهم لاحقا، والتخلص من وجودهم في الدول الكبرى والمناطق ذات الأهمية الحيوية لمصالح هذه الدول ويبدو أن العراق وسوريا يشكلان النقطة المحببة مخابراتيا لتجميع الإرهابيين، والأخطر في تواجدهم هو في العراق لعدم امتلاك قوة ردع او خبرات عسكرية واسعة بإمكانها ان تعالج هذا التدفق للإرهابيين، فالدول هذه لن تسعى حتى في وقف تدفق متطرفيها لما يسمى الجهاد في العراق، بل العكس نشهد دعما لهؤلاء لمغادرة البلدان التي باتت تئن من مشاكلهم.

 وهذا السلوك المخابراتي الخطير جاء لتحقيق اهداف رئيسية وقودها الشعب العراقي واهم هذه الاهداف:

الاول/ جعل إسرائيل في ظهر المتقاتلين ودعم بيئة التقاتل لتشتد تناقضا وفق بناءات متولدة بالأصل من الصعقة الفكرية المخابراتية التي ذكرناها اعلاه لضمان وصول المزيد من المتطرفين على مستوى العالم وتحويل النقاط الحمر (الخطرة) على الخارطة الدولية الى نقاط (خضر آمنة).

الثاني/ احداث موجة فكرية دولية ينفذ من خلالها المتطرفين اعلاه، وبذات الوقت احداث تناقض يساهم في مزاحمة ايران وخنق تمددها باتجاه اسرائيل بذات المنظمات الارهابية، وان تخل هذه السياسة باتفاق المحاور الاربع، لكن سياسة توليد اللحظة الانفجارية الحاسمة اقتضت هذا التصرف.

الثالث/ تحقيق حلم الدولة المهابادية الكردية الكبيرة، وادخالها في الساحة الدولية والاقليمية بقوة، لما تشكله من ضغط على الدول الاقليمية بداية من دويلات مشروع بايدن اعلاه وانتهاءا بايران وتركيا وسوريا، وما يمارسه الاكراد اليوم دليل على ذلك.

والدلائل على ان ثمة تحركات عالمية مقصودة للدفع بهذا الاتجاه هي:

اولا: الصمت المريب لمجلس الامن الدولي واكتفائه بالتنديد.

ثانيا: سكوت منظمة الامم المتحدة واكتفائها بالاسناد اللفظي لا الفعلي لأساليب المواجهة، ونفوذ الدول اعلاه في هذا المجلس المتناقض في تصرفاته، وعدم استخدام قوات حفظ السلام الدولي، لإيقاف هذه العصابة، القوات التي نزلت بسرعة قصوى في جنوب لبنان سابقا والكل يعلم ذلك.

ثالثا: الولايات المتحدة التي صنعت القاعدة فيما مضى وتحججت على مدى سنين طوال في افغانستان بحجة واحدة هي (وعورة المسالك الجبلية) وتقف اليوم حائلا دون القضاء عليها، فما هي حجتها اليوم؟. واوصلت سياستها وسياسة حلفائها المسؤولين العراقيين شعبنا العراقي الى هذه المرحلة الحرجة دون اي اهتمام بحجم التضحيات التي سوف يقدمها، فما هو المبرر الذي تستند عليه في عدم تجهيز العراق بأسلحة ذات فاعلية اكثر تؤدي الغرض المطلوب وتوقف تدفق المتطرفين الذين يقتلون الشعب العراقي يوميا.

رابعا: توقيت التصريح الامريكي الذي يقول (لقد زودنا المعارضة في سوريا بأسلحة فتاكة) وبعد هذا التصريح مباشرة تجتاح داعش الموصل بأسلحة فتاكة أيضا، فما هو التفسير مقابل سكوتها وعدم تجهيزها او التزامها باتفاقية الاطار الإستراتيجي الموقعة بينها وبين العراق.

خامسا: كيفية ادارة الصراع في سوريا بنسبة عجيبة 50% الى 50 % وعدم تفوق اي جهة على حساب الاخرى يؤشر بوجود مخابرات دولية وراء خلق الازمات باستغلال الظروف المحيطة في كل منطقة استدعت تواجدا من هذا النوع في العراق لوجود عوامل تساعد على ذلك.

سادسا: روسيا والازمة الشيشانية التي اختفت فجأة، بتوقيت دقيق من روسيا لتظهر القاب شيشانية ضمن القيادة الداعشية في الموصل وغرب العراق، بل ضمن حدود مشروع بايدن وعلى وجه الخصوص ضمن الخط المرسوم.

وقد حضر الحلقة النقاشية جمع من الباحثين والمتخصصين فضلا عن باحثين في عدد من المراكز البحثية العاملة في مدينة كربلاء حرصوا على إغناء الحلقة بمداخلاتهم ونقاشاتهم فالشيخ مرتضى معاش مدير مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام ذكر في مداخلته أن تكرار الأخطاء وعدم الاعتراف بالخطأ وعدم الاعتبار من الماضي هو سمة النخبة السياسية في العراق، ولمعرفة ما حصل في العراق أخيرا ينبغي معرفة من هو الخاسر الأكبر والرابح الأكبر لمعرفة من هو المتسبب بهذه التداعيات ومن يمتلك زمام المبادرة او الحل باعتباره صاحب تأثير في الأزمة، وأضاف كانت المشكلة في المؤسسة الأمنية أنها كانت بمثابة جيش انتخابي وليس جيش وطني مقاتل، ومتى ما تحول الجيش الى جيش وطني مقاتل يعني اننا نسير في الاتجاه الصحيح، وتنبأ أن الأزمة الراهنة ستسفر عن إعلان تحالف إستراتيجي أمريكي إيراني.

 أما الأستاذ جاسم الظالمي وهو مدير منظمة حلقات تواصل الانسانية فقد ذكر ان معالجة اسباب الازمة يعني الخروج من الازمة، ويرى ان اهم هذه الاسباب الفساد في صفوف الضباط، وضعف العقيدة لدى الجنود، وضعف التسليح وعرقلة الاتفاقيات الامنية، وبقاء بعض الدول كمراقب لما يجري ولم تمد يد المساعدة للشعب العراقي.

من جهته الحقوقي احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات فقد وجد ان الوضع في العراق يحتاج الى ان يتم توجيه المتطوعين للقتال العقائدي، وان يتم ضبط المتطوعين بحيث لا يتحولون بعد انتهاء الازمة الى التناحر فيما بينهم، كما أشار إلى خطورة وضع هؤلاء المتطوعين بنفس الوحدات العسكرية التي عانت وتعاني من الفساد، الدكتور بشير المقرم شبه الحادثة بانتفاضة الشواف وكيف ساعد جمال عبد الناصر هذه الانتفاضة، شارك في إحداث هذا الإرباك الكبير كل من قطر والسعودية وتركيا وأمريكا وإقليم كردستان، والشعب سوف يعاني من المليشيات أو أمراء الحرب حسب تسميته، الاعتماد على الضباط البعثيين ودمج المليشيات في الجيش احدث إرباكا في صفوفه لذلك ينبغي استغلال هذه الكتل البشرية وإعادة هيكلة الجيش.

أما الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث فقد ذكر أن داعش هو تشكيل دولي جديد تأسس منذ العام 2006 وكان يعتمد ويعمل وفق منهج دولي خاص به اسمه الأوراق الفيدرالية، وهو شكل جديد بديل عن القاعدة كما أوصى بان تكون الحركة الجماهيرية منظمة وتشرف عليها جهات ضابطة لضمان عدم خروجها عن خطوطها العامة مما تنعكس مؤثراتها سلبيا على الواقع العراقي. محمد معاش مدير العلاقات والإعلام في مؤسسة النبأ فقد أشار إلى أن تكون الحركة منظمة لمنع ما اسماه تحويل العراق إلى أفغانستان جديدة وأمراء حرب جدد وقادة حرب جدد ينعكس وجودهم سلبا على الواقع العراقي فيما بعد.

أما الباحثة حوراء الياسري في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية أشارت إلى أن هناك عدد من الفصائل داخل هذه التنظيمات ينبغي قراءة الأسباب التي جعلت هذه الفصائل تدخل مباشرة في تحالفات مع داعش والأكراد وسياستهم في التعامل مع هذا الملف، فضلا عن العلاقة المتأزمة بين العراق والسعودية، وعدم وجود تفاهمات سياسية عراقية، أما الأستاذ الدكتور رياض المسعودي فقد عبر عن رؤية واسعة للمشكلة لذلك أشار إلى مصطلح مهم جدا وهو أفغنة العراق، متنبأ بظهور أمراء حرب جدد لذلك ينبغي منع هذا التوجه نحو الأفغنة، وأشار إلى أن المنظومة الأمنية غير متماسكة وكان الضعف في هذا التماسك سببا مهما من أسباب التداعيات الخطيرة، كما أوضح الدكتور ضرورة أن تكون هناك قراءة ذات ثلاث مفاهيم الأولى العراق وموقعه من الخارطة الدولية، والعراق وموقعه من الخارطة الإقليمية، والعراق وموقعه من جغرافيته ومشروع تقسيمه الخطير، ويرى أن ضرورة وجود تنظيم لتحرك أفواج المتطوعين مهم لإحداث إصلاح شامل في المجال الأمني.

من جهته ذكر الباحث حسن عبيد عيسى أن الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية سببا مهما من أسباب التداعيات الأمنية بدلالة أن آلياتنا من باكستان وباكستان بالأصل ليس مصنعا للأسلحة الفتاكة الفاعلة فبسبب هذا الفساد اتجهت المؤسسة العسكرية إلى هذا الاتجاه لان لاوجود للرقابة أصلا، ولاوجود للروح الوطنية أو الحرص على أرواح الناس، فظلا عن أن الروح الوطنية والعقيدة العسكرية كانتا غائبتين عن هذه المؤسسة وها قد عادت بفضل فتوى المرجعية ينبغي استغلالها بشكل جيد وإلا فان البلد لازال يتجه نحو الهاوية.

وقد اختتمت الحلقة النقاشية أعمالها بعد أن اتفق جميع الحضور على ضرورة إيصال ما ورد فيها من معلومات وتوصيات إلى صناع القرار والمعنيين في العراق لتكون قاعدة معرفية ومعلوماتية مفيدة لهم في سعيهم لتدارك الانهيار الأمني، وإعادة النظر في سياساتهم الأمنية وفي مسار العملية السياسية برمته قبل حصول ما لا تحمد عقباه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/حزيران/2014 - 30/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م