حرب الغاز تضع القارة العجوز في مأزق جيوسياسي

 

شبكة النبأ: على وقع التطورات السياسية المتلاحقة والمليئة بالشد والجذب بين موسكو وكييف، تصاعدت أجواء التوتر الجيوسياسي بعدما فشل المفاوضات الأخيرة بينهما، بشأن تسديد كييف ديونها أو جزءا من هذه الديون المستحقة لموسكو، لتنفذ الأخيرة  ما هددت به وقطعت الغاز عن أوكرانيا، في الوقت الذي كانت تأمل كييف في أن تحصل على مساعدة من لدن الاتحاد الأوروبي لتسديد هذه الديون، لتشكل هذه النزاعات بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وروسيا عملية لي الذراع أهم فصولها مرتبط بالغاز الروسي.

إذ يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن فشل هذه المفاوضات يبقي التهديد قائما بالنسبة للاتحاد الاوروبي بقطع جزء من امداداته في حال قطع الغاز عن اوكرانيا البلد الذي تعبر منه نصف كمية الغاز الذي تشتريه دول الاتحاد من روسيا، يشار إلى أن إمدادات أوروبا من الغاز التي يعبر نصفها أراضي أوكرانيا قد تتضرر كما حدث إبان النزاعات السابقة بشأن الغاز في 2006 و2009، في الوقت نفسه يرى بعض المراقبين أن من شأن قطع إمدادات الغاز إفشال الجهود الرامية إلى إنهاء أسوأ أزمة في العلاقات بين الجارتين منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وربما يعرقل التوصل إلى هدنة في شرق أوكرانيا حيث تقاتل القوات الأوكرانية انفصاليين موالين لموسكو.

بحيث تضفي هذه المعطيات مؤشرات قوية لدخول في حرب الغاز على خط أزمة تحتوي صراعات وحسابات معقدة، إذ تلوح في الأفق حرب غاز جديدة بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يحبس أنفاس أوربا التي تعتمد ربع حاجتها على الغاز الروسي، ومع اشتداد المواجهة بين روسيا والغرب في خضم الاضطراب الناجم عن الازمة الاوكرانية، فإن التلويح بعقوبات موجعة ما زال بعيداً عن الواقع.

حيث يرى الكثير من المحللين أن العقوبات الغربية الحالية قد لا تهدد قدرات الاقتصاد الروسي بصورة مباشر على المدى القريب، مما لا يشكل ضغطاً كبيراً على روسيا يجبرها على مراجعة مواقفها أو تخلي عن بعض قراراتها تجاه أوكرانيا، لكن دخول حرب الغاز في خضم الأزمة قد يضفي بصعوبات وحسابات معقدة تمهد لصراعات إستراتجية.

فيما يرى محللون آخرون ان روسيا تملك أوراق ضغط كبيرة، أهمها اعتماد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على الغاز والنفط الروسيين، فإن عيون موسكو ترنو إلى عقد اتفاق مع الصين لاستكمال صفقة غاز ضخمة يجري الحديث بشأنها منذ نحو عشر سنوات، لتحقيق توازن في مبيعات مصادر الطاقة بين السوق الأوروبية التقليدية وسوق آسيا والمحيط الهادي الواعدة.

بينما يرى بعض الخبراء في هذا الشأن ان تطور الأحداث بعد ضم القرم وتثبيته قانونياً، وانتقال شرارة الأحداث إلى جنوب وشرق أوكرانيا على نحو يهدد الخريطة السياسية في أوروبا، سوف يجعل القادة الأوروبيين أمام خيارات صعبة، خاصة في حال نجاح موسكو في عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المقررة في 25 مايو/أيار الحالي، وقيام روسيا بتنفيذ تهديداتها بوقف ضخ الغاز إلى أوكرانيا في بداية الشهر المقبل، في حال عدم قدرة كييف على سداد الديون والانتقال إلى صيغة الدفع المقدم.

وتنذر التطورات في حال حصولها بإصابة أمن الطاقة الأوروبي بخلل خطير. إذ تستورد أوروبا قرابة ثلث حاجتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وفي ظل إدراك موسكو أن أوروبا تسعى جاهدة لتخفيف اعتمادها على الغاز والنفط الروسيين، وأن الأزمة الأوكرانية تدفع الاتحاد الأوروبي إلى الإسراع في إيجاد حلول لميزان الطاقة، والحد من تبعيته لروسيا في مجال الطاقة فإن روسيا اختارت التوجه شرقاً صوب الصين.

فكما يبدو أن مأزق أوربا سيعكس نفسه بشكل أو بآخر في حرب الغاز الجديدة مع أوكرانيا، حيث لن تنحصر التأثيرات بين الطرفين. فليس من المستبعد أن تضغط تداعياتها السياسية والاقتصادية على عصب العلاقات الروسية مع أوروبا والولايات المتحدة.

وعليه يبدو من الصعب تكهن ما ستؤول إليه الأمور في ظل التوتر المضطرد في الأوضاع الجيوسياسية المرتبطة بالأزمة المتصاعدة في أوكرانيا، وإمكانية اتساع الحرب لتشمل دول أخرى في المرحلة المقبلة.

روسيا توقف امدادات الغاز الى اوكرانيا

في سياق متصل اوقفت روسيا امدادات الغاز الى اوكرانيا بعد فشل مفاوضات اللحظة الاخيرة في اجراء وصفته كييف بانه "اعتداء جديد" على الدولة قد يؤثر على الامدادات الى اوروبا هذا الشتاء، وتضاف هذه الازمة الى التمرد الموالي لروسيا في الشرق حيث احتل الانفصاليون موقتا مقر الخزينة ومبنى البنك المركزي في دونيتسك العاصمة الاقليمية مما قد يفقد السلطات السيطرة المالية على منطقة دونباس الصناعية الحيوية للاقتصاد الاوكراني. بحسب فرانس برس.

وبعد مفاوضات بين رئيس بلدية دونيتسك اولكسندر لوكيانتشينكو وممثلي جمهورية دونيتسك الانفصالية، وقال وزير الطاقة الاوكراني يوري برودان في اجتماع حكومي "لقد ابلغنا بان امدادات الغاز الى اوكرانيا اوقفت، ويتم فقط ارسال الكميات المطلوبة للوصول الى دول اوروبية"، مضيفا ان اوكرانيا "ستضمن امدادات الغاز المرسلة الى اوروبا"، وراى المدير العام للمجموعة الروسية العملاقة الناشطة في مجال النفط غازبروم اليكسي ميلر انه "لم تعد هناك مباحثات" مع اوكرانيا، واتهمها ب"الابتزاز" بعد فشل المفاوضات التي ادت الى قرار وقف الامدادات، ودان رئيس الوزراء الاوكراني ارسيني ياتسينيوك قرارا "لتدمير اوكرانيا"، مؤكدا "انها مرحلة جديدة من العدوان الروسي على اوكرانيا".

وعلى الاثر، حضت الولايات المتحدة روسيا على استئناف مفاوضاتها مع اوكرانيا في ملف الغاز، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ان "الاتحاد الاوروبي عرض في رأينا تسوية عادلة ومنطقية وافقت عليها اوكرانيا، ونحض روسيا على الدخول مجددا" في المفاوضات "على هذا الاساس"، وقال المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الالمانية "لا نرى تهديدا على الامدادات لالمانيا"، وتحصل اوكرانيا على نصف امداداتها من الغاز من روسيا ويعبر في اراضيها 15 بالمئة من الوقود المستهلك في اوروبا، ما دفع المفوض الاوروبي لشؤون الطاقة غونتر اويتينغر الاثنين الى التدخل بشكل عاجل لحل الخلاف.

وقالت غازبروم انها ابلغت اوروبا بشأن اضطرابات محتملة في شحنات الغاز ولجأت الى هيئة التحكيم الدولية في ستوكهولم لاستيفاء ديون غاز بمبلغ 4,5 مليار دولار (3,3 مليار يورو)، وكانت كييف رفعت دعوى ضد غازبروم لدى المحكمة نفسها في ستوكهولم، وقالت غازبروم انه تم نقل اوكرانيا الى نظام الدفع المسبق، في خطوة توقف فعليا كافة الشحنات لان كييف لم تقم بتحويل اي اموال الى موسكو لقاء شحنات غاز مستقبلية، وقال المتحدث باسم غازبروم سيرغي كوبريانوف ان شركة نفتوغاز الاوكرانية "تحصل على شحنات الغاز التي تدفعها. ولم يدفع شيء حتى الساعة وبالتالي لن يسلم شيء".

ودعا رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو روسيا واوكرانيا الى "بذل جهود" للتوصل الى اتفاق لاستئناف شحنات الغاز، واعلنت نفتوغاز الاثنين ان وفدا اوكرانيا سيتوجه الثلاثاء الى بودابست للطلب من الاوروبيين ان يخصصوا لاوكرانيا قسما من الغاز الروسي الذي يستوردونه بعد قرار موسكو، وتطالب نفتوغاز الجانب الروسي بمبلغ 6 مليارات دولار معتبرة انها دفعت مبالغ باهظة منذ 2010.

ورفضت اوكرانيا زيادة موسكو لسعر الغاز بعد وصول مسؤولين موالين للغرب الى السلطة في كييف في نهاية شباط/فبراير بعد سقوط نظام الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، فارتفع سعر الالف متر مكعب من الغاز من 268 الى 485 دولارا، وهو سعر غير مسبوق في اوروبا، وفي عرضها الاخير اقترحت موسكو سعرا ب385 دولارا.

وبعد اسقاط المتمردين السبت طائرة عسكرية في لوغانسك في حادث اسفر عن مقتل 49 شخصا، دعا الرئيس الاوكراني بترو بوروشنكو الاثنين الى اجتماع لمجلس الامن القومي، وهذا الهجوم الاكثر دموية للجيش الاوكراني منذ شن عملية عسكرية في شرق البلاد في 13 يسان/ابريل اسفرت عن سقوط اكثر من 300 قتيل، وخلال الاجتماع اعرب بوروشنكو عن الامل في التوصل الى وقف لاطلاق النار هذا الاسبوع لكن ليس قبل السيطرة التامة على الحدود مع روسيا.

معضلة ديون الغاز

من جهتها قالت جازبروم الروسية إن أوكرانيا لم تدفع ولو جزءا من ديون الغاز المستحقة عليها بحلول مهلة انتهت وسيتعين عليها من الآن دفع ثمن التسليمات مقدما، ومن شأن قطع امدادات الغاز الجهود الرامية إلى إنهاء أسوأ أزمة في العلاقات بين الجارتين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وربما يعرقل التوصل إلى هدنة في شرق أوكرانيا حيث تقاتل القوات الأوكرانية انفصاليين موالين لموسكو.

وذكر مسؤولون روس أن أليكسي ميلر الرئيس التنفيذي لجازبروم ووزير الطاقة ألكسندر نوفاك سيجتمعان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت لاحق اليوم لاصدار قرار بشأن موضوع الغاز، وقالت جازبروم التي عرضت على كييف خصما على امداداتها من الغاز إنه من الآن فصاعدا لن تحصل أوكرانيا إلا على الغاز الروسي الذي دفعت ثمنه وإن شركة نفتوجاز التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية لم تدفع بعد ثمن تسليمات يونيو حزيران مما يشير إلى احتمال قطع الإمدادات. بحسب رويترز.

وفي كييف قالت شركة يوكرترانس جاز التي تدير أنابيب الغاز الأوكرانية إن شبكة خطوط الأنابيب في البلاد تعمل بشكل طبيعي اليوم بعد أن أعلنت جازبروم انقضاء مهلة التوصل الى اتفاق مع كييف لسداد ديون قدرها 1.95 مليار دولار.

بناء انابيب غاز لا تمر باوكرانيا

من جهته دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتحاد الاوروبي الى دعم بناء انابيب غاز لا تمر باراضي اوكرانيا، محذرا من التهديد الذي يمثله "المتطرفون" الاوكرانيون على انابيب الغاز التي تمر بهذا البلد، وقال بوتين في كلمة القاها امام المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبورغ، ان روسيا كانت على الدوام مزودا مسؤولا لاوروبا بالغاز، الا انها كانت ملزمة بمرور الغاز عبر الاراضي الاوكرانية، واضاف الرئيس الروسي "نحن قلقون بالفعل من التصريحات التي يدلي بها متطرفون اوكرانيون وتهديداتهم بعرقلة مرور غازنا الى اوروبا"، وتابع بوتين "نأمل بان يتحلى الجميع بحس المسؤولية وبان لا يحدث هذا الامر". بحسب فرانس برس.

واعتبر الرئيس الروسي ان على الاتحاد الاوروبي ان يدعم مشاريع مثل ذلك الذي قدمته مجموعة غازبروم الروسية لبناء خط انابيب الغاز "ساوث ستريم" الذي يلتف حول الاراضي الاوكرانية ويمر تحت البحر الاسود الى بلغاريا وصربيا والمجر ومنها الى دول اوروبا الغربية، وتابع "ان روسيا كانت على الدوام تلتزم بعقودها"، واضاف بوتين "ان الوضع في اوكرانيا يؤكد مرة جديدة صحة مبادراتنا لاستخدام طرق مباشرة لتصدير محروقاتنا باتجاه اوروبا خصوصا عبر خط ساوث ستريم".

اوكرانيا غير راضية عن خطة الاتحاد الاوروبي

الى ذلك اعربت اوكرانيا انها غير راضية عن خارطة الطريق التي اقترحها الاتحاد الاوروبي لحل ازمة الغاز بين كييف وموسكو وطالبت بضمانات حول تخفيضات في الاسعار قبل اي تسديد لدينها، وصرح وزير المالية الاوكراني اوليكسندر شلاباك "ما نسمعه الان معناه سددوا الان ونناقش لاحقا". واضاف "هذا لا يناسبنا"، واكد مفوض الطاقة الاوروبي غونثر اوتينغر امس في اعقاب مفاوضات ثلاثية في برلين انه يرى "فرصة جيدة" للتوصل الى اتفاق مع حلول الاول من حزيران/يونيو . بحسب فرانس برس.

وبموجب الخطة الاوروبية تملك الدولتان مهلة حتى مساء الاربعاء لقبول شروط التسوية التي تنص على تسديد اوكرانيا في مرحلة اولى ملياري دولار الى غازبروم. وهذه الدفعة تتعلق جزء من المتاخرات المستحقة على اوكرانيا لغازبروم لشحنات لم تسدد ثمنها منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/حزيران/2014 - 27/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م