التعددية الثقافية والحفاظ على الهوية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اللغة الانكليزية هي السائدة على مستوى التبادل العالمي، مكتوبة او محكية.. الإشارات التي يقوم بها اللاعبون اثناء المباريات الكروية، الصلاة التي يؤديها اللاعبون المسلمون في الملعب بعد احراز هدف امام عدسات الكاميرا، مشروب الكولا والبيبسي، مطاعم الماكدونالد المنتشرة في الكثير من دول العالم، مقاهي الستاربكس التي تقدم القهوة، احذية اديداس، وغيرها الكثير من الظواهر التي تتعلق باللغة او الدين او المأكل او الملبس، والتي تشمل الساعات والسيارات واجهزة الموبايل والاجهزة المحمولة، وغيرها الكثير من ذلك وتلك.

ما الذي تشير اليه كل تلك الظواهر؟

انها تشير الى ما يسمى بالهوية، وهي ايضا تشير الى محاولة التمسك بها في بعض الامثلة السابقة، او عبورها الى هوية عالمية عابرة للخصوصيات الثقافية والاجتماعية.

وتلك الظواهر تكشف عن مستوى اخر من مستويات الهوية، بعد التمسك بها او العبور الى هوية مغايرة، وهي مسالة التعددية الثقافية وامكانية الحفاظ على الهوية او انصهارها، بما تتيحه هذه التعددية من اختلاط وتثاقف وتأثير وتأثر على الهويات المنسجمة، او الهويات المتصارعة.

وحتى في ظل الانسجام الذي يمكن ان يسود هوية ما يمكن ان تبرز صراعات اخرى ضمن نطاق الظهور والتعريف، فالهوية اللغوية تعاني على مستوى التداول اليومي من صراع العامية والفصحى، والهوية الدينية كالهوية الاسلامية تعاني من صراعات المذاهب والطوائف، حول احقية التمثيل والاشهار والتعريف.

تنسحب الصراعات التي تستبطنها الهويات المختلفة الى الكثير من اوجه النشاط الانساني، ولم تعد تقتصر على الجانب الثقافي في درجاته العليا بل هي تنزل الى ابعد من ذلك، وهي المستويات والدرجات الشعبية، ولعل ابرز مثل على ذلك، هو تعليق احد المنتمين الى داعش حول هدف ميسي في مرمى ايران، ودعوة هذا اللاعب الى المناداة بالجهاد، واطلاق تسمية (ابو مهداف) عليه، لانه سجل هدفه في المرمى الايراني المختلف مذهبيا عن مذهب الدولة الاسلامية في الشام والعراق (داعش). ومثل اخر ايضا استأثر بالاهتمام، وهذه المرة عبر الهدف البرتغالي في مرمى المنتخب الامريكي، حيث قامت العديد من الصحف بالمقارنة بين الهدفين، في المثال الاول والمثال الثاني، وما يعني ذلك من دلالات للهوية الاسلامية في الاول، وما يعنيه بالنسبة للثاني من عولمة وسيادة ثقافة واحدة ترفضها الكثير من الثقافات الفرعية للشعوب والمجتمعات.

الهوية هي ما انا او ما اكون عليه، وهي تشمل اللغة والدين والتاريخ والعادات والتقاليد، وهي كلها في مجتمعاتنا هويات متصادمة متصارعة، ان من حيث اللغة بين الفصحى والعامية، او من حيث الدين بين المذاهب والطوائف، او من حيث التاريخ وقراءاته المتعددة بين الفرقاء والمتصارعين والاستفادة منه في الصراعات حسب المدارس والاتجاهات.

الحدث الحالي وهو حدث سياسي امني بامتياز، وهو ما يظهر على السطح، لكنه في اعماقه صراعا حول الهوية وتمثلاتها في الوعي الجمعي العربي والمسلم، صراع ثقافي له حواضنه الاجتماعية التي ستزيد من عوامل الانقسام والتشظي.  

وحتى هذا الصراع الذي يبدو شديد الوعورة في المجتمعات ذات الهويات المشتركة، الا ان مستوى اخر اخذ يبرز اخيرا في المجتمعات الاوربية والتي تعيش منذ قرون طويلة حالات من التعدديات الثقافية، ومرت ما مرت به الهويات في مجتمعاتنا من تشرذم وتقاتل قبل احترامها واحترام مفهوم التعددية عبر قوانين وتشريعات.

ما برز اخيرا هو نوع جديد من الصراعات في تلك البلدان، فالقوانين التي كانت تستثني بعض الهويات الدينية من بعض تفصيلاته، مثل الذبح الحلال، او ارتداء السيخ للعمامة، وغير ذلك، اصبحت – على الاقل فيما يتعلق بالمسلمين - مصدر توتر في تلك البلدان، بعد بروز القوى اليمينية وازدياد نظرات التوجس والخوف من المسلمين بعد احداث سورية وما يحدث في العراق الان، ووصلت ببعض المجتمعات الى رفع الصوت عاليا بطرد المسلمين من تلك البلدان والعودة الى بلدانهم ليمارسوا فيها تطرفهم وعنفهم.

حتى التعددية الثقافية في تلك البلدان لم تستطع ان تصمد تجاه الخطاب السياسي او الاعلامي الذي كثيرا ما يستفيد من تلك التناقضات والاختلافات ومحاولة توظيفها لمصالح معينة.

في مجتمعاتنا لم نصل الى تلك المرحلة من احترام وتبجيل التعددية الثقافية، لأننا لم ندخل حتى الان مرحلة الاعتراف بهوية الاخر وحقه في تمثلها مع هويات اخرى، اضافة الى صراع اخر مع هوية عالمية افرزتها العولمة وتحول العالم الى قرية صغيرة، وهي الهوية الثقافية الامريكية وطغيانها على بقية الهويات التي تعاني من التهميش او الاقصاء او عدم الاعتراف في بلدانها.

الصراع مزدوج اذن، بين ثقافات داخل بلدانها غير منسجمة، وبين هوية اخرى طاغية في المشهد العالمي، تتغذى قوتها من ضعف وتراجع الهويات الاخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/حزيران/2014 - 27/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م