نووي إيران والخطوة الأخيرة لـ الاتفاق او الانشقاق

 

شبكة النبأ: التسريبات التي تخرج بعد كل اجتماع بين إيران ومجموعة الـ(5+1) غالبا ما تجمع بين الامل والصعوبة، سيما وان الحديث عن اتفاق تاريخي يغلق الملف النووي الإيراني الشائك، وربما يجنب المنطقة خطر الحرب الشاملة، ليس بالأمر الهين، كما يصفه الكثير من المحللين والمتابعين لآخر تطورات المحادثات الدولية.

وقد أشار بعض الخبراء والدبلوماسيين القريبين من المفاوضين، ان المحادثات تزداد صعوبة كلما اقترب الهدف من نهايته، وان احتمال صياغة الاتفاق النهائي قبل الموعد المقرر في 20 من يولو القادم امر وارد، لكن ليس من المستبعد ان يتم التمديد لستة أشهر أخرى في حال لم يتوصل الطرفان الى اتفاق حول أبرز القضايا الخلافية بينهما.

ايران والولايات المتحدة الامريكية من اشد الراغبين في إتمام الصفقة النووية، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما راهن كثيرا على سياسته الدبلوماسية في تحقيق أهدافه بدلا من اللجوء الى الخيار العسكري، وهذا الموقف الذي لم يعجب اكثر حلفاء الولايات المتحدة قربا (كإسرائيل والسعودية) في منطقة الشرق الأوسط، قد ينهار وتتخلخل مصداقية أوباما (الذي اتهمه حلفائه بالضعف والتردد) وأمريكا في العالم، بينما راهن الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال حملته الانتخابية على فرس الاعتدال والانفتاح على الغرب مقابل رفع الحصار الاقتصادي الذي ارهق كاهل الاقتصاد الإيراني، إضافة الى انجاز الاتفاق النووي بسرعة ودون تنازلات كبيرة.

لقد تحدث الغرب عن ضرورة القيام بمواقف وتنازلات صعبة من اجل إنجاح الاتفاق النووي، ويرى أيضا ان الإصرار على المواقف من دون لين، من الجانب الإيراني، قد يهدد المحادثات التي استغرقت أشهر وحققت نتائج مرضية للطرفين حتى الان.

فقد أعلن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف "عدم التوصل الى اتفاق حتى الان" حول المسائل النووية الرئيسية، وذلك بعد ايام من المفاوضات مع مجموعة الدول الست الكبرى، وصرح جواد ظريف للتلفزيون الايراني من فيينا حيث ترأس المفاوضات "لا اتفاق حتى الان حول المسائل الرئيسية، يمكن ان نلمح بارقة (امل) في بعض الحالات ولا نلمحها في حالات اخرى"، واوضح ان الجانبين "عملا لأكثر من عشر ساعات حول نص الاتفاق النهائي" من دون صوغ اي اتفاق، مضيفا "هناك نواقص اكثر من الكلمات" في النص بسبب الخلافات.

وقال الوزير الايراني ايضا ان "موقف الولايات المتحدة اكثر تشددا من مواقف الدول الاخرى، لذا عليهم اتخاذ القرارات الاكثر صعوبة"، وكان كبير المفاوضين الايرانيين عباس عرقجي اعلن ان موضوعي الخلاف الرئيسيين هما درجة تخصيب اليورانيوم والبرنامج الزمني لرفع العقوبات، واكد جواد ظريف ان المفاوضات ستستأنف "في الثاني من تموز/يوليو في فيينا وستتواصل ما دامت ذات فائدة" حتى بلوغ اتفاق، وعلى الاطراف المتفاوضين بلوغ اتفاق في موعد اقصاه عشرون تموز/يوليو انسجاما مع الاتفاق المرحلي الذي وقع في جنيف وبدأ تنفيذه في كانون الثاني/يناير، وفي حال الفشل، يستطيع الطرفان تمديد المفاوضات لستة اشهر.

وصرح مصدر غربي ان "لا تطور في موقف الايرانيين حول معظم المواضيع" المتعلقة بالبرنامج النووي التي تناقش في فيينا مع القوى العظمى، مشيرا الى ان هذا الامر "مقلق"، وتتفاوض مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا الى جانب المانيا) مع ايران منذ مطلع السنة على اتفاق تاريخي يضمن للقوى الكبرى ان ايران لا تسعى لامتلاك القنبلة الذرية مقابل رفع العقوبات الدولية التي تحرم ايران اسبوعيا من مليارات الدولارات من عائدات النفط.

والطرفان اللذان اجتماعا مجددا في العاصمة النمساوية يقولان انهما باشرا بصياغة وثيقة اتفاق نهائي مع الاعتراف في الوقت نفسه باستمرار "خلافات عدة" اشار اليها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، واشارت مصادر عدة الى ان الصياغة تشمل فقط حتى الان اجزاء ثانوية والعنوان "برنامج عام للعمل المشترك"، مع ترك المسائل الشائكة جانبا في الوقت الحالي، واوضح كبير المفاوضين الايرانيين حول الملف النووي عباس عراقجي ان الاعلان بان الاطراف يعملون على وثيقة مشتركة معناه خصوصا ان الخبراء انتهوا من تحديد نقاط الخلاف وان "مختلف الخيارات المتاحة لحلها باتت واضحة"، ولا تزال هناك "نقطتا خلاف اساسيتان" بحسب الجانب الايراني. بحسب فرانس برس.

النقطة الاولى متعلقة بتخصيب اليورانيوم والذي يتيح عندما يكون على نسبة عالية الحصول على وقود لسلاح نووي، وتصر ايران التي تؤكد باستمرار ان برنامجها النووي مدني فقط، على الاحتفاظ بحقها في تخصيب اليورانيوم، واشار المصدر الغربي الى ان المفوضات لم تتناول بعد مسالة عدد اجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم التي يمكن ان تحتفظ بها الجمهورية الاسلامية بعد التوصل الى اتفاق، الا ان الغربيين يريدون خفض عدد هذه الاجهزة بشكل ملحوظ، كما ذكر بذلك وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في الايام الاخيرة.

والنقطة الثانية تشمل وتيرة رفع العقوبات عن ايران بعد التوصل الى اتفاق، واقر ظريف "يجب ان يتم رفعها بموجب جدول زمني، لكن هناك خلاف حول هذا الجدول"، واضاف المصدر نفسه ان مجموعة الدول الست ستقبل برفع سريع بعد الاتفاق للعقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، وسيحصل بعد ذلك "رفع تدريجي" للعقوبات المفروضة على ايران من قبل الامم المتحدة، والاتفاق الانتقالي الذي تم التوصل اليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 والذي اتاح البدء بالمفاوضات، ينص على رفع العقوبات حتى 4,2 مليار دولار على مراحل بقيمة 550 مليون دولار حتى مهلة 20 تموز/يوليو.

وشدد وزير الخزانة الاميركي جيكوب ليو على ان تخفيف العقوبات التي تخنق الاقتصاد الايراني "محدود جدا" و"يمكن عكسه"، وقال ليو ان الاقتصاد الايراني "لا يزال في وضع حرج" وهو يرى ان "الضغوط" التي تمارسها العقوبات هي الوسيلة الافضل لحث ايران على التفاوض، ولا تزال ايران والقوى العظمى تعتبر ان التوصل الى حل نهائي ضمن المهلة المحددة ممكن وذلك رغم الهوة التي تفصل بين موقفهما، واكدت الولايات المتحدة ان مفاوضات "بشكل او باخر" ستجري عمليا كل يوم حتى موعد 20 تموز/يوليو، المهلة التي حددت للتوصل الى اتفاق نهائي، ويمكن تمديد مهلة المفاوضات لستة اشهر بالاتفاق بين الجانبين، لكن الامر ينطوي على مخاطر سياسية سواء للولايات المتحدة التي ستشهد انتخابات تشريعية في تشرين الثاني/نوفمبر او للرئيس الايراني حسن روحاني الذي يواجه تشكيك المتشددين في الداخل.

وقال مسؤولون غربيون وإيرانيون إن إيران ترفض خفض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تنوي الاحتفاظ بها لانتاج الوقود النووي، وهو ما يجعل من الصعب تصور إمكانية التوصل إلى حل وسط في محادثاتها مع القوى العالمية الست، وجاءت هذه التعليقات على ألسنة دبلوماسيين مطلعين على سير المحادثات، وتسعى تلك الدول للتوصل إلى اتفاق يحد من البرنامج النووي لإيران على أن يخضع لعمليات تفتيش دقيقة تجريها الأمم المتحدة.

وقال المفاوض "الإيرانيون لم يبدوا حتى الآن أي استعداد لخفض عدد أجهزة الطرد المركزي، وهو ما يجعل من الصعب تصور التوصل إلى حل وسط في الوضع الحالي يمكننا جميعا التعايش معه"، وأكد مسؤول غربي آخر مطلع على المحادثات دقة هذه التعليقات، وقال مسؤول إيراني كبير ما بدا أنه يؤكد هذا التقييم إذ أبلغ "زعيمنا الأعلى (آية الله علي خامنئي) حدد خطا أحمر للمفاوضين وهذا لا يمكن تغييره ويجب احترامه، يجب استمرار تخصيب اليورانيوم وألا يغلق أي من المواقع النووية"، وأضاف "ما يعرضه الغرب على إيران بشأن أجهزة الطرد المركزي أشبه بدعابة وغير مقبول، ومع ذلك فالتفاوض يعني محاولة التغلب على الخلافات وهو ما يفعله الطرفان"، وقال مسؤول أمريكي كبير إنه يجب تسوية كل الخلافات من أجل التوصل إلى اتفاق طويل الأجل مع إيران.

وتريد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا أن يكون عدد أجهزة الطرد المركزي التي تحتفظ بها إيران بضعة آلاف بينما تريد طهران إبقاء عشرات الالاف من هذه الأجهزة، ولدى إيران الآن نحو 19 ألف جهاز يعمل منها نحو عشرة الاف لتخصيب اليورانيوم، وكلما زاد عدد أجهزة الطرد لدى إيران زادت السرعة التي يمكنها أن تنتج بها اليورانيوم المخصب بدرجة عالية تكفي لصناعة قنبلة نووية إذا ما قررت ذلك، وتريد القوى الغربية إطالة هذه الفترة لأطول مدة ممكنة.

التوصل لاتفاق نووي

من جهته دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني القوى الدولية لإبرام اتفاق مع إيران بحلول مهلة نهائية في 20 يوليو تموز لأنهاء نزاع بشأن برنامجها النووي قائلا إنه في جميع الأحوال فان نظام العقوبات التي فرضت على إيران للحد من أنشطتها النووية "انكسر"، وقال خلال مؤتمر صحفي في طهران إن العقوبات الاقتصادية جرى تخفيفها بفضل السياسة المنفتحة لبلاده التي حلت محل النهج الصدامي مع الغرب "ولن يعاد فرضها" حتى لو فشلت الجمهورية الإسلامية والقوى الست في التوصل لاتفاق نهائي بحلول 20 يوليو.

وقال "النزاعات يمكن حلها بالنية الحسنة والمرونة، أعتقد أن من الممكن الوفاء بالموعد النهائي في 20 يوليو رغم الخلافات الباقية، وإذا لم يحدث ذلك نستطيع مواصلة المحادثات لشهر أو أكثر"، وأضاف في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي "خلال المفاوضات النووية أبدينا التزامنا القوي بالمساعي الدبلوماسية، (لكن حتى) لو لم يتم التوصل لاتفاق بحلول 20 يوليو فان الأوضاع لن تعود كما في السابق، نظام العقوبات انكسر"، وستجرى إيران والقوى الست جولة أخرى من المحادثات في فيينا بين 16 و20 يونيو حزيران الجاري لمعالجة مأزق أثار احتمال أن تنقضي المهلة النهائية دون التوصل لاتفاق يهدف إلى درء خطر نشوب حرب في الشرق الأوسط بسبب القضية النووية. بحسب رويترز.

وسيؤدي فشل المحادثات المتعثرة إلى تقوية موقف المحافظين المتشددين في المؤسسة الدينية الإيرانية المعارضة لروحاني الذي يسعى لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة التي انقطعت بعد أزمة رهائن أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979، وقال روحاني "ينبغي أن يستغل الغرب هذه الفرصة للتوصل لاتفاق نهائي في الأسابيع المتبقية، أي فشل في المحادثات يتحمل مسؤوليته صقور أمريكا وإسرائيل"، وشككت إسرائيل الخصم اللدود لإيران في المنطقة فيما إذا كانت الدبلوماسية قادرة على الحد من أنشطة إيران النووية وهددت في حالة عدم حدوث ذلك بقصف المواقع النووية الإيرانية، ويشاركها في هذه الشكوك داعموها من الصقور في الكونجرس الأمريكي.

وحددت إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا موعدا نهائيا في 20 يوليو تموز للتوصل لاتفاقية شاملة بموجب اتفاق مؤقت أبرموه في 24 نوفمبر تشرين الثاني الماضي في جنيف، وبموجب اتفاق نوفمبر تشرين الثاني علقت إيران بعض الانشطة النووية الحساسة مقابل تخفيف محدود للعقوبات، ويسمح الاتفاق كذلك بمد المهلة النهائية ستة أشهر إذا احتاج الأمر وقتا أطول للتوصل لاتفاق نهائي، وبدأ سريان هذا الاتفاق المبدئي يوم 20 يناير كانون الثاني، ويقول مسؤولون ومحللون إن من غير المرجح أن تفي إيران والقوى الدولية الست بالمهلة النهائية.

ورغم أن مد المهلة احتمال قائم يعتقد خبراء أن الجانبين قد يتعرضان لضغوط من منتقدين في الداخل لتحسين شروط الاتفاق خلال هذه المدة الاضافية مما يغلف مستقبل الاتفاق بمزيد من الشكوك، وفي مؤشر آخر على إصرار إيران على عدم التخلي عن أنشطة التخصيب خلال المفاوضات قال مساعد كبير للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن إيران لن تتخلى عن حقوقها النووية السلمية تحت الضغط، وقال علي أكبر ولايتي لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية "لن تتأثر الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالضغوط التي يمارسها آخرون يسعون لحرمان إيران من حقوقها النووية ولن تتراجع عن التمسك بحقوقها".

اقتصاد إيران لا يزال متعثرا

من جانب اخر قال وزير الخزانة الأمريكي جاك لو إن اقتصاد إيران لا يزال متعثرا بفعل العقوبات المفروضة عليها بسبب البرنامج النووي وإن واشنطن لن تتسرع في إبرام اتفاق سيء لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وذكر لو أن التخفيف المؤقت للعقوبات الذي يمكن الرجوع عنه كان محدودا، وقال لو في كلمة ألقاها بالقدس خلال اجتماع مجموعة التنمية الاقتصادية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل "إيران تخسر قدرا كبيرا من مبيعات النفط جراء العقوبات السارية وهو ما يوازي أكثر من قيمة التخفيف المؤقت"، وأضاف "مع اقترابنا من الشهر الأخير في الفترة المتفق عليها للمفاوضات لا يزال اقتصاد إيران في حالة التعثر التي دفعت بالحكومة إلى مائدة التفاوض في المقام الأول".

وأشار إلى أن هذا الضغط المتواصل يتيح للولايات المتحدة الفرصة للسعي وراء التوصل لاتفاق عن طريق التفاوض مع إيران بالتعاون مع شركاء5+1 يطمئن المجتمع الدولي على أن البرنامج النووي الإيراني مخصص بالكامل للأغراض السلمية، وقال "سنأخذ وقتنا لإتمام ذلك بشكل سليم ولن نتسرع في إبرام اتفاق سيء"، وعبر لو عن تفاؤله بخصوص التعافي الاقتصادي الأمريكي الذي دخل عامه الخامس، وأضاف "بعد شتاء قارس كبح جماح النمو في الربع الأول ما زلنا نأمل أن تثمر القوة الكامنة للاقتصاد التي تجلت العام الماضي عن أداء قوي في النصف الثاني من هذا العام والبيانات الاقتصادية التي صدرت على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة تدعم هذا التفاؤل". بحسب رويترز.

الى ذلك وبعد سنوات من العقوبات القاسية على إيران بسبب برنامجها النووي يقول كثير من أبنائها الآن إنهم يريدون أن تقبل الحكومة حلا وسطا من شأنه أن يرضي القوى العالمية ويتيح في المقابل قدرا من الرخاء، ورغم أن كثيرا من الإيرانيين ما زالوا يؤمنون بقوة بحق بلدهم في تطبيق برنامج نووي مدني بكل جوانبه بما في ذلك تلك الجوانب التي تثير ريبة الغرب فإن ضجرهم من الثمن الاقتصادي العالي يزداد يوما بعد يوم.

وقال علي ميرزائي وهو أب لثلاثة أبناء في مدينة رشت بشمال إيران "أحب بلدي لكني أحب أسرتي أكثر، ظللت لسنوات أجاهد لأتعايش مع ارتفاع الأسعار"، ومضى قائلا "تعبت، أملي الوحيد الآن في (الرئيس حسن) روحاني، يحاول تحسين الاقتصاد بحل المسألة النووية، أؤمن به وبسياساته"، وميرزائي أعطى صوته (مثله مثل ملايين الإيرانيين الذين تحملوا عبء العقوبات) للبراغماتي روحاني العام الماضي بعد أن وعد بتحسين الاقتصاد المترنح من خلال خطوات منها التوصل لاتفاق مع العالم الخارجي.

ورغم غياب استطلاعات الرأي التي يعتد بها في إيران فإن فوز روحاني بفارق كبير على وعد بالوصول لحل وسط وكذلك روايات قيلت خلال مكالمات هاتفية أجريت في إيران في الفترة الأخيرة توحي بأن الرأي العام يميل بقوة لفكرة التوصل لاتفاق، وقال أروين سادري (31 عاما) الذي يدير مصنع والده للأثاث في مدينة مشهد بشمال البلاد "روحاني وفريقه سيحلون هذه المسألة، أنا متأكد أن سياسته المعتدلة التوافقية ستنجح، لسنا بحاجة للعداء"، وبعد عدة جولات من المحادثات العام الماضي تم التوصل لاتفاق مبدئي في جنيف في نوفمبر تشرين الثاني يشمل تخفيف محدود للعقوبات مقابل وقف إيران لبعض أنشطتها النووية.

وسرى الاتفاق في 20 يناير كانون الثاني وكان الهدف منه كسب الوقت حتى يتسنى التوصل لاتفاق نهائي في غضون ستة أشهر، وفي الوقت الذي تشرف فيه المهلة المحددة للوصول لذلك الاتفاق على الانتهاء كان الإيرانيون قد ذاقوا طعم تحسن الأشياء نتيجة رفع بعض العقوبات، وقالت مريم سيمائي (41 عاما) وهي معلمة في مدرسة بمدينة يزد بوسط إيران إنها تؤيد البرنامج الذري وترى أن العقوبات جائرة لكنها تفضل الحل الوسط، وأضافت "أريد أن أعيش في سلام، لا أريد أن أخاف على مستقبل أولادي، التوترات مع المجتمع الدولي والعقوبات دمرت اقتصادنا وعزلتنا".

وإذا كان رفع العقوبات مهما بالنسبة لكثير من الإيرانيين فإنه بالغ الأهمية بالنسبة لآمال روحاني السياسية، وقال المحلل السياسي حسن فقهي "التوصل لاتفاق مع القوى العالمية سيجلب الاستقرار السياسي والاقتصادي لإيران، ومستقبل روحاني السياسي يتوقف على هذا الاتفاق، سيصبح رئيسا ضعيفا إن هو فشل في الوصول لاتفاق"، ويقول محللون واقتصاديون إنه نجح في بعض الجوانب فقط فيما يتعلق بإصلاح الضرر الاقتصادي الذي لحق بإيران في سنوات المواجهة مع الغرب وبخاصة في عهد سلفه المحافظ محمود أحمدي نجاد.

انخفض معدل التضخم الرسمي إلى النصف ليصل لحوالي 20 في المئة منذ انتخاب روحاني لكن نسبة البطالة ظلت حول 30 في المئة كما أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في اتساع، من ناحية أخرى انخفضت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي، وقالت جينوس دادجوستار (18 عاما) التي تعيش في حي الزعفرانية الراقي بشمال طهران "أؤيد إنجازات بلادي النووية لكني في الوقت نفسه لا أرى منطقا في دفع ثمن باهظ لها، وظلت اللغة الرسمية لسنوات تنفي أن العقوبات تلحق ضررا وتمجد في اعتماد البلاد المفترض على الذات وهو ما وجد صدى لدى بعض الإيرانيين الذين قالوا إن لا مانع لديهم من أن يعانوا دفاعا عن برنامج بات رمزا للكبرياء الوطني.

لكن دبلوماسيين قالوا إن رجال الدين الذين يحكمون إيران والذين تتسم تصريحاتهم بالحذر عادة والحريصين على عدم إثارة أي اضطرابات داخلية على غرار الربيع العربي أو استفزاز المجتمع الدولي ودفعه لاتخاذ موقف أشد باتوا يستخدمون لغة أهدأ في الشهور الأخيرة، وقال دبلوماسي غربي مقيم في طهران طلب عدم نشر اسمه "يحتاج رجال الدين الذين يحكمون إيران لهذا الاتفاق لضمان سلطتهم، ولهذا غيروا من لهجتهم"، لكنه أضاف قائلا إنهم قد يتخذون موقفا أشد من موقف الرئيس لأن فشل المحادثات سيرتد بقوة أكبر إلى روحاني وحلفائه.

ومما يجعل موقف روحاني أكثر تعقيدا أن وضعه كرئيس يمنحه سلطة عليا لكنه يظل في مرتبة تالية للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي له القول الفصل في مسألة الملف النووي، والتراجع عن التحدي النووي قد ينطوي على مخاطرة سياسية بالنسبة لخامنئي الذي أيد من قبل مواقف متشددة في هذا الصدد، لكنه يخشى الآن فيما يبدو أن تؤدي المشاكل الاقتصادية المترتبة على العقوبات إلى إضعاف موقفه، وأيد خامنئي المحادثات بحذر ودعا إلى إبداء "مرونة بطولية" لكنه مازال يعبر عن تشاؤم إزاء النتيجة، وقال مسؤول إيراني كبير طلب ألا ينشر اسمه "يعمل أعضاء الفريق بناء على توجيهات الزعيم (خامنئي) المباشرة، كل شيء يرفع إليه وهو يحدد نغمة حديث المفاوضين الإيرانيين".

ومما يدل على تأييد خامنئي الحالي للتوصل لحل وسط تحول وسائل الإعلام المتشددة إلى نشر مقالات تبرر اتباع نهج أكثر ميلا للمصالحة مستشهدة غالبا بالصعوبات الاقتصادية، فالصادرات النفطية تمثل حوالي 60 في المئة من الاقتصاد الإيراني ومعظم السلع الغذائية وعلف الماشية تأتي من الخارج كما أن كثيرا من مصانع إيران تقوم بتجميع الأجهزة اعتمادا على أجزاء مستوردة، وقالت مصممة الديكور مستانه علوي بمدينة تبريز بشمال غرب إيران "تعبت من هذا النزاع النووي، منذ سنين ونحن نخشى المزيد من الضغوط الاقتصادية والعمل العسكري المحتمل، التوصل لاتفاق نووي هو فرصتنا الوحيدة للعيش في سلام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/حزيران/2014 - 26/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م