جدل أمريكي إيراني في العراق...

مماطلة سياسية تفرضها مصالح براغماتية

 

شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة يموج العراق وسط المماطلة السياسية الأمريكية - الإيرانية بحثا عن دعمها لصد الخطر الإرهابي من لدن تنظيم داعش ومن يدعمه، لتشكل الأزمة العراقية ابرز مظاهر صراع الأجندة بين الغريمين المتخاصمين على مدى أكثر من ثلاثة عقود ليجدا نفسيهما في الوقت الراهن يشتركان في التوجه لدعم العراق في مواجهة داعش.

لكن على الرغم من المشاركة الدبلوماسية بين ايران وامريكا التي من الممكن ان تتحول الى تعاون عسكرية، يرى بعض المحللين ان تصاعد لهجة التصريحات بينهما، تظهر ذريعة سياسية لإخفاء النوايا المبيتة والرهانات الشبه حتمية والحقيقية الموجود لدى البلدين، وقد اتضح جليا من خلال اعتمادهما على سياسة الغموض الاستراتيجي بالقوة الناعمة، التي تجسدها ديمومة الجدلية والمراوغات السياسية وصراع الأجندة بين الدولتين المتخاصمتين، لتشكل تلك القضايا محركا رئيسا لتصاعد التوترات والاتهامات بين إيران وأمريكا.

وهذا ما تجسد في بعض التصريحات أبرزها لصاحب القول الفصل في كل أمور الجمهورية الإسلامية الإيرانية المرشد علي خامنئي بقوله "تحاول السلطات الأمريكية تصوير هذا على انه حرب طائفية لكن ما يجري في العراق ليس حربا بين الشيعة والسنة، وانه في الواقع نفس نظام الهيمنة القديم باستخدام فلول النظام السابق كأدوات أساسية والعناصر التكفيرية كجنود مشاة في إشارة إلى تنظيم داعش الإرهابي"، كما ترى إيران بأن تصريحات أوباما تظهر أن واشنطن ليست جادة في محاربة الإرهاب.

في المقابل صرح الأدميرال الأمريكي جون كيربي المتحدث باسم البنتاغون بقوله "ثمة بعض العناصر الثورية الإيرانية ناشطة في العراق، ولكنني لم أر أي دليل على الأرض على وجود قوات أو وحدات كبيرة"، وهذا ما تنفيه ايران.

فيما يرى بعض المحللين ان الرئيس أوباما سعى من خلال اتخاذه بعض القرارات الى تحقيق توازن بين المخاوف الحالية والاستراتيجيات طويلة الأجل، حيث يتسم بانخفاض في العمليات العسكرية ووقفة لدفع جهود الدبلوماسية الاقليمية والدولية قدما.

حيث تحاول أمريكا تعزيز العلاقات مع حلفائها التقليديين وبدء الحوار مع الاعداء، لتتحول من التركيز على الوسائل العسكرية الى الوسائل الدبلوماسية في اطار جهود اصلاح علاقاتها مع ايران وتحقيق مصالحها في العراق ومنطقة الشرق الاوسط.

لذا يرى الكثير من المحللين أن القيادة الامريكية والايرانية تحاول أن تلعب جميع الأوراق الدبلوماسية بصبغة اهتمامية في العراق بانتهاج فن الممكن على الصعيد السياسي والعسكري في حال اللجوء اليه، وعلى الرغم من حالة الفتور غير المسبوقة في علاقات البلدين، فمن غير المتوقع أن تغلق واشنطن الباب تماما على التعاون مع طهران، وذلك لضمان تحقيق مصالحهما السياسية والاقتصادية والإستراتيجية في البلدان العالمية الأخرى، وعليه يرى الكثير من المحللين أن نقص الثقة وسباق النفوذ والمصالح والحروب الخفية بشتى أنواعها بين إيران وأمريكا تفرض تحديات توازن القوى الدولية بانتهاج سياسيات براغماتية لا تخلو من روح المغامرة والمفاجئات على حد سواء.

كيري في العراق

اجتمع وزير الخارجية الامريكي جون كيري مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لحثه على تشكيل حكومة أكثر تمثيلا للكتل السياسية في حين انسحبت القوات العراقية من معبر حدودي مع الأردن تاركة منطقة الحدود الغربية بأسرها خارج سيطرة الحكومة.

وحين اجتمع كيري والمالكي تبادل الاثنان حديثا وديا في حضور مسؤولين اخرين، وفي وقت سابق قال كيري إن الولايات المتحدة لن تنتقي أو تختار من يحكم في بغداد مضيفا أن بلاده لاحظت رغم ذلك استياء الأكراد والسنة وبعض الشيعة من القيادة الحالية في العراق وانها تريد أن يجد العراقيون قيادة "مستعدة ألا تقصي أحدا وأن تتقاسم السلطة."

وقال ساسة عراقيون بارزون من بينهم عضو واحد على الأقل في قائمة المالكي لرويترز إن مسؤولين عراقيين تلقوا رسالة مفادها أن واشنطن تقبل برحيل المالكي وذكروا أن الرسالة نقلت إلى المسؤولين بلغة دبلوماسية. بحسب رويترز.

ووصفت الاجتماعات الاخيرة بين المالكي والامريكيين بالعصيبة وقال دبلوماسي غربي أطلعه أحد المشاركين في الاجتماعات على المناقشات التي دارت فيها إن دبلوماسيين أمريكيين أبلغوا المالكي أن عليه القبول بتخليه عن منصبه إذا عجز عن جمع أغلبية في البرلمان لولاية ثالثة، وقال حليف وثيق الصلة بالمالكي إن الأخير يشعر بمرارة تجاه الامريكيين في الأيام الاخيرة لامتناعهم عن منحه دعما عسكريا قويا في مواجهة تقدم الإرهابيين.

وبغداد المحطة الثالثة في جولة كيري في عواصم الشرق الأوسط للتأكيد على الخطر الذي يمثله الارهلبيون للمنطقة. كما حث حلفاء العراق على استغلال نفوذهم لاقناع بغداد بتوسيع نطاق الحكومة ودعا جيران العراق لتعزيز جهودهم لوقف تمويل المتشددين عبر الحدود.

خامنئي يعارض تدخل أمريكا

رفض الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي التدخل المحتمل للولايات المتحدة أو أي قوة خارجية اخرى في العراق واتهم واشنطن بمحاولة استغلال الخلافات الطائفية العراقية لاستعادة السيطرة على الدولة التي احتلتها ذات يوم، وأضاف خامنئي في تصريحات نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية أن بإمكان العراقيين أنفسهم انهاء العنف في بلادهم. بحسب رويترز.

واستجاب الاف العراقيين الشيعة لدعوات لحمل السلام والدفاع عن البلاد ضد الارهابيين، وقال خامنئي إنه يعارض بقوة تدخل الولايات المتحدة أو أي دول أخرى في العراق وأضاف أن واشنطن ترغب في إعادة السيطرة على الدولة المصدرة للنفط، ونقل عن خامنئي قوله "تحاول الولايات المتحدة ان يكون العراق خاضعا لنفوذها وأن يحكمه من يكون طوع أمرها".

ولم يشر خامنئي إلى اي تعاون محتمل مع الولايات المتحدة بشأن العراق وهي فكرة قال روحاني في رد على تساؤل خلال مؤتمر صحفي في 14 يونيو حزيران إن طهران قد تبحثها اذا تعاملت واشنطن مع "الجماعات الارهابية" في المنطقة.

وعرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 19 يونيو حزيران إرسال نحو 300 مستشار عسكري أمريكي إلى العراق للمساعدة في تنسيق القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لكنه حث ايضا رئيس الوزراء نوري المالكي وهو حليف لإيران على عمل المزيد لرأب الصدع الإرهابي في البلاد، وعبرت المملكة السعودية المنافس الاقليمي لإيران عن معارضتها مرارا لأي تدخل خارجي في العراق في رسالة موجهة لطهران فيما يبدو.

واشنطن ليست جادة في محاربة الإرهاب

كما نقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عن مسؤول إيراني قوله إن خطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإرسال مستشارين عسكريين للعراق لمساعدة بغداد على التصدي لداعش الإرهابية تظهر أن الولايات المتحدة ليست جادة في محاربة الإرهاب.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن حسين أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية قوله "تصريحات أوباما الأخيرة أظهرت ان البيت الأبيض ليست لديه إرادة جادة لمواجهة الارهاب في العراق والمنطقة"، وأضافت الوكالة نقلا عن عبد اللهيان قوله إن "التأخير" الأمريكي في محاربة الإرهاب وجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام "زاد من الريب والشكوك قي الأهداف الأمريكية في العراق".

كذلك انتقد مسؤول إيراني آخر هو حامد أبو طالبي الذي يعمل في مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني تصريحات أوباما، وكتب أبو طالبي بحسابه على تويتر "لا يمكن للولايات المتحدة تبني سياسات متناقضة في الشرق الأوسط بدعمها الحرب في سوريا والسلام في العراق أو أن تكون في صف الإرهابيين في سوريا وضدهم في العراق."

واحتشدت القوات العراقية شمالي بغداد لشن هجوم مضاد على إرهابي داعش الذين يتقدمون باتجاه العاصمة، وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية أن محمد نهاونديان رئيس فريق العاملين مع روحاني قال إن إيران تراقب عن كثب التطورات في العراق وستقدم ردا "مناسبا" على طلب العراق من طهران التدخل لحل مشكلاته الداخلية.

ونقلت الوكالة عنه قوله "نحن قلقون بشدة على مصير المزارات (الشيعية)" مكررا تصريحا لروحاني في 18 يونيو حزيران بأن الإيرانيين مستعدون للذهاب إلى العراق لحماية هذه المزارات إذا تطلب الأمر، لكن نهاونديان ألقى باللوم في الأزمة العراقية على ما وصفه بأنه تاريخ من التدخل الخارجي، وقال أيضا إنه لو بذلت محاولات أكثر فاعلية لوقف الحرب في سوريا لما كان العنف امتد منها إلى العراق.

إيران أرسلت عناصر استخبارية إلى العراق

في المقابل قال البنتاغون إن إيران قد أرسلت "أعداد قليلة" من عناصرها الإستخبارية إلى العراق لدعم الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد، ولكن ليس ثمة أي علامات على نشر وحدات عسكرية إيرانية كبيرة في العراق.

وجاءت هذه التصريحات على لسان الأدميرال الأمريكي جون كيربي المتحدث باسم البنتاغون لتقدم أول تأكيد علني من الحكومة الأمريكية على عبور عناصر إيرانية الحدود إلى العراق، الذي تواجه حكومته تمردا واسع النطاق وتقدم مسلحين متشددين في بعض المناطق في شمال ووسط العراق. بحسب البي بي سي.

وقال كيربي في مؤتمر صحفي "ثمة بعض العناصر الثورية الإيرانية ناشطة في العراق، ولكنني لم أر أي دليل على الأرض على وجود قوات أو وحدات كبيرة"، وفسرت تصريحات كيربي بأنها إشارة إلى عناصر فيلق القدس الإيراني، التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني، "ثمة بعض العناصر الثورية الإيرانية ناشطة في العراق، ولكنني لم أر أي دليل على الأرض على وجود قوات أو وحدات كبيرة"، ولم يقدم البنتاغون أي تفاصيل إضافية عن طبيعة الوجود الإيراني والعمليات التي ينفذها، على الرغم من أن تقارير إعلامية تشير إلى أن طهران قد بدأت في خطوات ملموسة لدعم القوات العراقية.

تحذير الدول الداعمة للإرهابيين

الى ذلك وجه الرئيس الايراني حسن روحاني "الدول التي تدعم الارهابيين باموال البترودولار"، ملمحا بذلك الى السعودية وقطر اللتين تتهمهما ايران بتمويل الارهابيين في "داعش"، وقال روحاني في تصريحات نقلها الموقع الالكتروني للتلفزيون الحكومي "ننصح الدول التي تساعد الارهابيين باموالها من البترودولار ان تكف عن ذلك"، ودان روحاني "الهمج المتعطشين لدماء المسلمين الذين يقطعون رؤوس اطفال ويغتصبون النساء المسلمات"، مؤكدا ان هذه الممارسات "لا ترضي الا الصهاينة (...) لانه لم يعد احد يفكر بفلسطين". بحسب فرانس برس.

ودعا الرئيس ايضا الى الاتحاد "بين السنة والشيعة الاخوة". وقال "منذ سنوات وقرون يعيش الشيعة والسنة معا في ايران والعراق وسوريا ولبنان ودول الخليج" في "تعايش سلمي"، وكان رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني قال على الموقع الالكتروني للبرلمان ان "الشيعة والسنة والاكراد اصدقاؤنا واقمنا دائما علاقات ودية مع مسؤوليهم واكدنا دائما على ان تكون هناك مشاركة فعلية وبناءة في السلطة في العراق".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/حزيران/2014 - 25/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م