المراكز البحثية ودورها في استشراف الازمات وحلولها

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: قبل انطلاق بطولة كأس العالم شهدت البرازيل عددا من التظاهرات ضدها بسبب حجم الانفاق الهائل على الملاعب والمرافق الاخرى، في وضع اقتصادي يعاني منه الكثيرون من البرازيليين، وحتى اثناء البطولة هناك عدة تظاهرات واحتجاجات ترافق المباريات، الا انها لا تظهر على الشاشة، لانشغال الجميع بالحدث الكروي دون هوامشه الاخرى.

من المؤكد ان الحكومة البرازيلية لها تصوراتها حول البطولة، وان ما انفقته على تنظيمها يمكن ان يعود بفوائد تفوق مبالغ الانفاق، ويمكن ان تسهم في حلول للكثير من مشاكلها الاقتصادية على الاقل ولو في تحريك عجلة جموده.

من اين استمدت الحكومة تفاؤلها وكيف استطاعت التعامل مع الازمة، علما ان البرازيل تعتبر ايضا من الدول الصاعدة اقتصاديا؟، انها مراكز الابحاث والدراسات التي تقدم مشورتها للحكومة البرازيلية. مثال اخر، وهو من امريكا وله علاقة بالأزمة العراقية الحالية.

في جميع تصريحات الرئيس الامريكي اوباما حول التعاطي مع الازمة، يقول انه يدرس عدة خيارات للتعاطي معها، من اين يستمد تلك الخيارات وكيف يوازن بينها؟.

انها تعود الى مراكز الدراسات والابحاث المستقلة او المرتبطة بالوكالات الفدرالية او صنوف القوات المسلحة، والتي تقدم اكثر من رؤية حول الموضوع الواحد وكيف تتم معالجته وماهي الاثار المترتبة على الازمة ونتائجها المستقبلية.

في المقابل، لم يتوقع اغلب القادة السياسيين في العراق وقوع ما حدث، رغم جميع الاشارات والدلائل الاولية التي تشير الى حدوث هذه الازمة، لعدم امتلاك الرؤية لدى السياسيين للواقع العراقي، ويعود ذلك الى غياب او تغييب دور مراكز الابحاث والدراسات عن ممارسة دورها في التوجيه وتقديم الاراء لصانع القرار.

ما هي مراكز الأبحاث؟

اطلق البريطانيون عليها تسمية  (مراكز الأبحاث والدراسات) في حين ان الامريكيين اطلقوا عليها تسمية  (think tanks) التي كانت تدعى أثناء الحرب العالمية الثانية (Brain Boxes) أي"صناديق الدماغ". واختلاف التسمية يعطي مدلولاً واضحاً على الغاية المرجوة من هذه الخلايا، فالمصطلح الأمريكي يعني خزانات الفكر أي تجميع النتاج الفكري للباحثين والدارسين ليشكل أداة إرشاد وتوجيه في شتى المجالات لاتخاذ القرار المناسب بناء على ما توصل إليه الفكر من تراكمات.

هذه التراكمات للافكار يتم نقلها  للمجتمع من ناحية ولصانع القرار السياسي من ناحية أخرى، من خلال وسائل متعددة، ويمكن تحديد أطوار عملية صنع الافكار وتداولها من خلال ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: صناعة الفكرة.

المرحلة الثانية: تأهيل المجتمع لها.

المرحلة الثالثة: أن توضع في يد السياسي ليبني عليها قرارات وسياسات، فتكون هذه القرارات والسياسات مقبولة اجتماعيا.

ما هي الحاجة الى مراكز الدراسات البحثية وما هي الادوار التي تقوم بها؟

- رسم السياسات وترشيد عملية اتخاذ القرار.

- دعم صنّاع القرار من خلال بلورة الخيارات التي يتخذها.

- تقديم المشورة لصانع القرار بعد تحديد الاولويات والمستجدات.

- تقديم تفسيرات وتوجيهات لوسائل الإعلام بغرض ايصالها الى الجمهور حتى يتسنّى له فهمها.

- تجسير الفجوة ما بين المعرفة والتطبيق.

- البحث عن أولويات التنمية في المجتمع، ولفت انتباه صانع القرار إليها.

- إقامة جسور من العلاقة والتواصل بين أطراف متعددة، تمثل في مجملها أقطاب إدارة السياسة العامة وتنفيذها والتعامل معها.

هذه الوظائف نجدها فاعلة في دوائر صنع القرارات في الدول الغربية، ماذا عن دولنا والعراق منها؟ 

لا وجود لهذه الوظائف وذلك لضعف هذه المراكز، وبالتالي عدم تاثيرها على صاحب القرار. ويعود ذلك الى عدد من الاسباب:

* عدم وضوح الوظيفة

* عدم وضوح الهدف

* فقدان الاستقلالية

* البعد عن الواقع

* نقص الاستثمار في مجال الدراسات البحثية، على المستوى العام والخاص

* الافتقار الى البيئة البحثية المناسبة

* التمويل غير الكافي

* احتكارية السلطة التي تجعل نظم الحكم سلطوية وشخصانية بما يكفى لتهميش أي دور استشاري أو ترشيدي لمراكز البحوث في عملية صنع القرارات.

ويمكن تحديد ماتواجهه تلك المراكز من خلال الاشارة الى مازقين رئيسيين يقفان امام المراكز البحثية، وهذان المأزقان هما:

المأزق المجتمعي الذي لا يعترف بمكانة العلم والعلماء والبحث العلمي.

مأزق التخلف السياسي.

وهذا قاد بدوره الى ثلاث اشكاليات تواجهها تلك المراكز يمكن اجمالها على الشكل التالي:

(الفاعلية المحدودة - الموضوعية المفتقدة - الرؤية الغائبة).

هل يمكن لهذه الازمة الحالية، وهي ازمة مركبة بين (السياسة والثقافة والاجتماع والتاريخ والجغرافية والاقتصاد) ان تعيد الى الواجهة دور المراكز البحثية في تقديم الرؤى والافكار لصانع القرار، ام انها لا تمتلك القدرة على ذلك، او ان قناعات صانع القرار لا تتغير؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/حزيران/2014 - 25/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م