العراق بين مطرقة السعودية وسندان إيران

صراع إقليمي عميق بنكهة طائفية

 

شبكة النبأ: يتخوف متابعون للشأن العراقي، ان يتنامى الصراع الطائفي داخل العراق ليتطور الى حرب أهلية قد تستمر لسنين، سيما وان العراق الذي يتوسط السعودية وإيران يمثل ساحة مكشوفة لتدخلات إقليمية قد تثير الصراع المذهبي بين المسلمين السنة والشيعة.

وقد حذرت السعودية إيران من أي تدخل قد يربك الأوضاع ويخلخل المعادلات المذهبية، إضافة الى تخوفها من قيام حرب أهلية محتملة في العراق.

بدورها، فان إيران التي أعلنت على لسان رئيس الجمهورية "حسن روحاني"، إضافة الى تصريح كبار القادة والساسة الإيرانيين، بان إيران لن تدخر جهدا او تترد في حماية الشعب العراقي والمزارات المقدسة للمسلمين الشيعة، وأنها مستعدة للتدخل في العراق في حال ارادت الحكومة العراقية ذلك.

ومع هذا التضارب بين الموقفين، إضافة الى تبادل الاتهامات بينهما حول دعم جماعات تهدد مصالح الأخرى، فالحال لدى السعودية، هو الخوف من انتشار المد الشيعي الذي تمثله إيران، في العراق من خلال الميليشيات الشيعية التي تدعمها، إضافة الى حزب الله في لبنان، ودعمها لنظام الأسد في سوريا، كما تتهمها بأثارة ودعم الكثير من الحركات الاحتجاجية في البحرين والسعودية وغيرها، وهي بذلك تتخوف من تحول ايران الى قوة إقليمية خصوصاً مع المراحل الأخيرة لاتفاق النووي الذي من الممكن ان يغير مكانة ايران العالمية.

فيما تتهم إيران السعودية بتوفير الدعم والتمويل للحركات والمنظمات الجهادية المتطرفة والتي يقودها متشددين سنة، قاموا باستهداف المدنيين الشيعة في العراق ولبنان وباكستان وغيرها، إضافة الى دورها في القضاء على الحركات السلمية الاحتجاجية للشيعة بالقوة في البحرين والسعودية.

وقد زادت احتمالات تدخل إيران في الازمة العراقية الأخيرة والتي تمكن خلالها تنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، من احتلال الموصل وتلعفر وأجزاء من ديالى وصلاح الدين، بعد ان المحت الولايات المتحدة الامريكية بدور محدد لإيران يجري التفاهم عليه، لوجود مصالح مشتركة بين الطرفين تقتضي انهاء المظاهر المسلحة للمتطرفين من الحركات الجهادية التي اضرت كثيراً بالأوضاع الأمنية والسياسية في العراق. 

حرب في العالم الإسلامي

في سياق متصل قالت صفحة على موقع تويتر يعتقد خبراء في الشأن الإيراني أن مكتب الزعيم الإيراني الأعلى "علي خامنئي" يديرها في تعليقات مستوحاة على ما يبدو من الاضطرابات التي يشهدها العراق حاليا إن المتشددين السنة يريدون إشعال فتيل حرب في العالم الإسلامي، وانزعجت إيران الشيعية جراء المكاسب السريعة التي حققها في العراق متشددو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يسعى الى إقامة نظام للخلافة الاسلامية بالعراق وسوريا.

ويشكل التقدم الذي أحرزه متشددو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام خطرا على العراق ذي الأغلبية الشيعية كدولة موحدة، وطالبت حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (الحليفة لطهران) بمساعدات عسكرية من الولايات المتحدة الخصم القديم لإيران، وقالت رسالة بالإنجليزية نشرت على الصفحة إن هؤلاء المتشددين يريدون إذكاء مشاعر عدم الثقة بين السنة والشيعة وهو هدف يشتركون فيه مع القوى "المتغطرسة" وهو تعبير تستخدمه ايران عادة في الإشارة الى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين واسرائيل. بحسب رويترز.

وأضافت أنه "يجب ان يعي المسلمون أن الهدف المشترك للتكفيريين والمتغطرسين هو إشعال حرب في العالم الإسلامي، يجب أن يتحلى الشيعة والسنة على حد سواء باليقظة"، ومضت تقول "الخطر الأكبر للتكفيريين ليس هو قتل الأبرياء (رغم ان ذلك يمثل جريمة وجريمة كبرى) بل ان الخطر الأعظم للتكفيريين هو بث عدم الثقة بين الشيعة والسنة وهو خطر كبير في الواقع يحقق هدف المتغطرسين"، وعبرت السعودية عن قلقها ازاء التطورات التي يشهدها العراق هذا الشهر وما يشكله ذلك من خطر على الأمن والسلام بمنطقة الشرق الاوسط.

السعودية تحذر إيران

فيما وجهت السعودية ما يبدو تحذيرا لغريمتها إيران بألا تتدخل في الصراع الدائر في العراق الذي قالت إنه قد يتصاعد إلى حرب أهلية شاملة تتخطى آثارها الحدود العراقية، وأعلنت الامارات انها استدعت سفيرها في بغداد للتشاور وانتقدت ما وصفته بالسياسات الطائفية للحكومة العراقية، وتزامنت بيانات السعودية والامارات مع تحذير إيراني بأن طهران لن تتردد في الدفاع عن المواقع الشيعية المقدسة في العراق ضد "القتلة والارهابيين" في أعقاب مكاسب ميدانية حققها مسلحون سنة هناك.

ويشير تزايد حدة الخطاب بشأن العراق بين أكبر قوتين في الخليج إلى أن طهرن والرياض جمدتا خططا حديثة لاستكشاف امكانية كبح تنافسهما على جانبي الانقسام السني الشيعي في المنطقة، وزاد بروز البعد السني الشيعي في الصراع السعودي الإيراني في السنوات القليلة الماضية، ويعتبر البلدان نفسيهما ممثلين للمذهبين الرئيسيين في الإسلام، وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إن العراق يواجه حربا أهلية شاملة ذات عواقب وخيمة على المنطقة.

وفي كلمة أثناء مؤتمر لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الاسلامي في جدة حث الأمير سعود الدول التي يعصف بها العنف على تلبية المطالب المشروعة لشعوبها وتحقيق المصالحة الوطنية من دون أي تدخل أجنبي أو جداول أعمال خارجية، وقال "هذا الوضع البالغ الخطورة الذي يجتازه العراق حاليا يحمل في ثناياه نذر حرب أهلية لا يمكن التكهن بمداها وانعكاساتها على المنطقة"، ولم يذكر تفاصيل لكن يبدو أن تصريحاته تستهدف إيران الشيعية وهي أيضا من حلفاء حكومة الرئيس السوري بشار الاسد.

وقال الأمير سعود إن الحرب الأهلية المندلعة منذ ثلاث سنوات في سوريا (حيث فشلت انتفاضة سنية في الأغلب في الاطاحة بالأسد) زادت حدة الاضطراب الداخلي في العراق، وأضاف "يبدو أن إفرازات الوضع السوري قد أوجدت مناخا ساعد على تعميق حالة الاضطراب الداخلي السائد أصلا في العراق"، وفي معرض إعلانها استدعاء سفيرها في بغداد قالت الامارات انها قلقة من أن السياسات "الطائفية" للحكومة العراقية قد تؤدي إلى تصاعد حدة التوتر السياسي وتفاقم الوضع الأمني هناك. بحسب رويترز.

وفي بيان نشرته وكالة أنباء الامارات الرسمية قالت وزارة الخارجية ان الامارات تعارض أي تدخل في شؤون العراق وتسعى نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقال البيان إن الوزارة "تعبر عن بالغ قلقها من استمرار السياسات الاقصائية والطائفية والمهمشة لمكونات أساسية من الشعب العراقي الكريم"، ووجه رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي الحليف لإيران نداء من أجل الوحدة الوطنية مع منتقدين سنة لحكومته التي يقودها الشيعة بعد تقدم خاطف في شمال البلاد لمتشددين سنة.

ويتهم المالكي السعودية بدعم مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام الذين يريدون اقامة دولة دينية سنية في قلب الشرق الأوسط، وحملت السعودية المالكي المسؤولية عن الأزمة العراقية مشيرة إلى ما أسمته سنوات من "السياسات الطائفية والإقصائية" لحكومته تجاه الأقلية السنية في البلاد، ويزعم المالكي والعديد من المسؤولين الايرانيين منذ شهور أن العديد من الحكومات العربية في الخليج تدعم تنظيم الدولة الإسلامية، وقال الرئيس الايراني حسن روحاني إن "جماعات ارهابية" تحصل على دعم مالي وسياسي وتسليح من دول في المنطقة ودول غربية قوية، ولم يذكر اسماء أي دول لكنه كان يشير جزئيا للعرب السنة في الخليج، ويقول دبلوماسيون غربيون إن تمويل تنظيم الجبهة الاسلامية من الخليج يأتي على الأرجح من مانحين عرب خليجيين من غير الحكومات يتبعون نمطا شديد التحفظ من المذهب السني.

واشتبك تنظيم الدولة الاسلامية مع حلفاء للسعودية في الاقتتال الداخلي بين المقاتلين السنة في سوريا، واعتبرت الرياض الشهر الماضي الجماعة تنظيما ارهابيا مما يؤكد المخاوف من أن يعود شبان سعوديون صقلهم القتال إلى بلدهم لاستهداف الاسرة الحاكمة كما حدث بعد حربي أفغانستان والعراق، وبدأت السعودية وايران في الشهور القليلة الماضية استكشاف طرق لخفض التوتر في علاقتهما، ويشترك البلدان في المخاوف من أن يتفكك العراق إلى دولة طائفية خطرة على الجميع لكن المكاسب السريعة لتنظيم الدولة الاسلامية يمكن على المدى القصير أن تزيد الشكوك بينهما.

إيران تتعهد بحماية العراق

من جهته تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني بحماية المراقد الشيعية المقدسة في العراق حيث سيطر إسلاميون متشددون على معظم اجزاء أكبر مصفاة في البلاد، وقال مسؤول بمصفاة بيجي بشمال العراق إن متشددين سنة يسيطرون على 75 بالمئة من المصفاة بعد قتال عنيف عند البوابات التي تدافع عنها قوات خاصة إثر حصار استمر أسبوعا، وأسفر الهجوم المباغت للمقاتلين السنة عن طرد قوات حكومية من مدن رئيسية في الشمال وسيطرة المتشددين عليها.

ويقود المقاتلين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ولكنه يضم ايضا عدة اطياف سنية معتدلة اغضبها ما تراه قمعا من جانب بغداد، وتحاول واشنطن وعواصم غربية اخرى انقاذ العراق كدولة موحدة بالضغط علي رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي للتعاون مع معارضيه السياسيين من السنة والأكراد، واجتمع المالكي مع معارضين سنة واكراد وانتهى الاجتماع بظهور مشترك اتسم بالفتور ومناشدة من أجل الوحدة الوطنية.

ولكن حكومة المالكي اعتمدت حتى الان بشكل شبه كلي على دعم انصارها الشيعة وهاجم مسؤولون زعماء سنة ووصفوهم بالخونة في حين جرى حشد ميليشيات شيعية (يعتقد كثيرون إن ايران تمولها وتدعمها) لوقف تقدم السنة بينما ينهار الجيش العراقي وقوامه مليون جندي وأسسته الولايات المتحدة بتكلفة 25 مليار دولار، ومن شأن مشاركة ايرانية صريحة ان تحول القتال لصراع إقليمي، وإيران أكبر قوة شيعية في المنطقة واسفرت حربها مع العراق في الثمانينات عن سقوط مليون قتيل. بحسب رويترز.

وفي بث تلفزيوني على الهواء مباشرة وجه روحاني أوضح رسالة تفيد استعداد طهران لحشد قواتها، وقال أمام حشد خلال زيارة لاقليم لورستان الغربي "بالنسبة للمراقد الشيعية في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء نقول للقتلة والإرهابيين ان الأمة الايرانية الكبيرة لن تتردد في حماية المراقد المقدسة"، وذكر روحاني إن كثيرين عبروا عن استعدادهم للذهاب الى العراق للدفاع عن المراقد المقدسة "ووضع الإرهابيين في حجمهم الطبيعي"، وأضاف أن مقاتلين مخضرمين من سنة وشيعة وأكراد العراق "مستعدون للتضحية".

ويزور ملايين الشيعة المراقد المقدسة كل عام، وتتحصن القوات الحكومية العراقية في مدينة سامراء التي يوجد بها أحد اهم المزارات الشيعية وهدد المقاتلون السنة بمهاجمة النجف وكربلاء، وذكر موقع "تبناكنيوز" أن النداء وجهته منظمة "المقر العام الشعبي للمدافعين عن المقامات الشيعية"، ويمكن للمتطوعين تسجيل أنفسهم على موقع "حريمشيعة دوت اورغ"، وكتب الموقع الأخير "يتم تنظيم المسجلين في وحدات وفي حال أعطى المرشد الأعلى (آية الله علي خامنئي) الأمر، فسيتجهون إلى العراق للدفاع عن الأماكن المقدسة"، ودعا المرجع الأعلى للشيعة في العراق آية الله علي السيستاني العراقيين إلى الانضمام إلى القوات المسلحة لمقاتلة مسلحي الدولة الإسلامية في العراق والشام الذين وصلوا إلى أقل من 100 كلم عن بغداد.

وتدعم إيران ذات الأكثرية الشيعية حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، كما وعدت بتقديم المساعدة إلى السلطات العراقية بمجرد أن تطلبها رسميا، ويعتبر الجهاديون السنة الشيعة من المرتدين وأكدوا أنهم قتلوا 1700 جندي شيعي بعد سيطرتهم على تكريت، وأثار هذا الإعلان الذي تعذر تأكيده من مصدر مستقل موجة استياء حول العالم، ويضم العراق الكثير من الأماكن المقدسة لدى الشيعة في النجف وكربلاء جنوبي بغداد وسامراء إلى شمالها.

فيما تضغط إسرائيل على القوى العالمية كي لا تخفف ضغطها على إيران لكبح برنامجها النووي المثير للخلاف إذا ما تعاونت إيران مع الغرب في التصدي لأعمال العنف المسلحة للمتشددين السنة التي امتدت من سوريا إلى العراق، وتخلى جيش الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة عن مواقعه أمام تقدم سريع للمقاتلين السنة الذين استولوا على المدن الرئيسية في الشمال مؤخرا مما دفع إيران القوة الشيعية الرئيسية في الشرق الأوسط إلى إعلان أنها مستعدة للتدخل للدفاع عن المزارات الشيعية المقدسة في العراق.

ويشمل القلق العالمي من إراقة الدماء في العراق الإسرائيليين أيضا الذين يزعجهم كذلك استعداد واشنطن للتعاون مع عدوهم القديم إيران لاستعادة الاستقرار في العراق، وقال مسؤول أمريكي كبير إن الولايات المتحدة قد تبحث الأزمة الأمنية في العراق مع إيران على هامش المحادثات النووية في فيينا، وقال الوزير الإسرائيلي عوزي لانداو للبرلمان "نعمل على منع وضع تكون فيه، في ضوء الخطر المتزايد لعناصر جهادية عالمية، إيران وحلفاؤها يصورون على أنهم يعطلون انتشار مثل هذه العناصر في المنطقة".

وتخشى إسرائيل ما تقول إنه "قوس" متنام للنفوذ الإيراني يمتد من العراق إلى سوريا (حيث تدعم طهران الرئيس بشار الأسد الذي يعاني مشاكل) ثم إلى لبنان حيث تجد حليفا قويا في جماعة حزب الله، وقال لانداو "التهديد الذي تمثله إيران وحزب الله على الاستقرار وعلى أمن إسرائيل وعلى الأطراف الأخرى المعتدلة في المنطقة، لا يجب نسيانه، لذا فهي معركة ذات شقين"، وأضاف أن وزارة الخارجية الإسرائيلية "ستكثف الاتصال مع القوى الدولية والإقليمية" بشأن المسألة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/حزيران/2014 - 24/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م