المرجعية الدينية.. عامل حسم في حل ازمة العراق

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: المرجعية الدينية كانت العامل الحاسم في الوقوف بوجه الهجوم الغادر لجماعة "داعش" في الموصل ومناطق أخرى، هذا الدور كشف عن جملة حقائق طالما كانت مغيبة، او هي موجودة وغير واضحة المعالم، ومن الجدير تسليط الضوء على أحداها علها تفيدنا في كشف المزيد من الحقائق التي من شأنها تعميق الثقة بالنفس والخروج من حالة الإحباط واليأس، ثم التطلع إلى مستقبل أفضل.

كان هناك تصور عام بان السلطات الحاكمة وأجهزة الدولة هي وحدها القادرة على توفير متطلبات الناس وهي المسؤولية الأولى والأخيرة عن أوضاعهم ومصائرهم، فهم يتمكنون من إغناء هذا او إفقار ذاك، او ترفيع هذا او تهميش ذاك، من خلال الامكانات المادية المستندة إلى الثروات الهائلة في بلد مثل العراق. لاسيما اذا عرفنا ان هنالك رقم نقرأه في بعض المصادر بان حوالي (800) مليار دولار، هو مجمل ما أنفقه العراق منذ تشكيل النظام الديمقراطي على أنقاض ديكتاتورية صدام.

وقبل ان يسأل هذا او ذاك عن الوجهة التي ذهب اليها هذا الرقم المهول، فان الترضية بالمنح والتمليك والترفيع في المناصب وغيرها، لعبت دورها في صنع الأفكار والرؤى ومن ثم المواقف وصولاً إلى الأصوات الانتخابية.

في مقابل هذا نرى، أن شرائح واسعة من المجتمع أبدت تفاعلاً كبيراً فاجأ الجميع، لمجرد صدور الفتوى لمواجهة الهجمات الغادرة للجماعات التكفيرية التي هددت باجتياح أراض أخرى في العراق بما فيها العاصمة بغداد. فهل منحت المرجعية الدينية شيئاً للناس حتى تحصل على هذا التفاعل والتجاوب؟!.

ربما يشير البعض إلى التجربة الناجحة التي خاضتها المرجعية الدينية في الساحة، عندما أوصت بحالة ضبط النفس بعد الاعتداء الآثم على مرقد الامامين العسكريين عليهما السلام، عام 2006، وكان من المتوقع ان ينزلق العراق في مستنقع الحرب الطائفية والأهلية، حتى قيل في الإعلام إنها أضحت "صمام أمان العراق".. حيث أثبتت للعالم رسالتها الحضارية والإنسانية، وليست الطائفية الضيقة، كما لدى الآخرون. علماً ان هذه المنزلة للمرجعية الدينية، ليس كشفاً جديداً، فهي دائماً تنطلق في مواقفها من الرؤية الشاملة لمصلحة المسلمين بشكل عام، لاسيما اذا ارتبط الامر بجهات أجنبية معتدية، سواءً كانت استعمارية، كما حصل مع البريطانيين، او كانت داعشية.

هذه المرة كان الوعي والإدراك الجماهيري في مستوى عال ميّز حجم العلاقة بين المواطن والحكومة، عن العلاقة بين الفرد في المجتمع وبين المرجعية الدينية. وبالإمكان الإشارة إلى ثلاث مميزات تحمل ثلاث لاءات:

أولاً: لا للأزمات

فالمرجعية الدينية لا تخلق الأزمات والمشاكل، ولا تكون سبباً فيها، بل على العكس، فهي معروفة بدورها الحاسم في مواجهة المشاكل والأزمات التي تتمخض من الأوضاع السياسية والاقتصادية.

ثانياً: لا للمصالح الخاصة

اذا قارنا الجهد المبذول للوصول إلى القمة، بين مرجع الدين وبين الزعيم الاعلى في الدولة، نجد ان المقارنة صعبة – بالحقيقة- لان الزعامة والرئاسة لم ترتبط يوماً في عموم بلادنا بالمستوى الخاص بالانسان، إنما تتعلق بجملة من المصالح الحزبية والسياسية اقليمياً ودولياً، فالقادر على التوفيق بين المصالح ورعاية الجميع، هو الذي يتسنّم القيادة، وإن كانت ثمة إمكانيات ثقافية او علمية، فانها تأتي في الدرجة الثانية.

بينما نلاحظ في الجانب الآخر الاهتمام الكلّي بالعلم والثقافة، ثم النشر والتوعية الجماهيرية، بمعنى ان ثمة حرص على طلب العلم ونشره فيما بعد. وهذا غير موجود بالمرة في السياسة، فالذي يصل إلى مرتبة معينة، يجد من غير المعقول ان يزهد بمنصبه ويقسمه مع الاخرين، حتى وان كانوا جديرين بالاستشارة والمشاركة في صنع القرار.

ثالثاً: الرعاية الأبوية

في شبكة العلاقات الاجتماعية، هنالك الصديق والجار والزميل والمسؤول وآخرين، ولكل منهم دوره المفيد الذي يتكامل فيه مع الآخر، فتكون العلاقة متبادلة، بينما نجد العلاقة الابوية ذات ميزة خاصة كونها تعطي اكثر مما تأخذ، بمعنى ان العطاء هنا، يوازي – في بعض الاحيان- التضحية والتفاني وتجاوز المصلحة الشخصية لصالح المصلحة العامة، فالراحة والرفاهية والامان للناس قبل ان يكون لهم، كما ان العلاقة الابوية تفكر بشكل شمولي متكامل، ولا يقتصر على جزء واحد من حياة الابن، فهو يفكر في ملبسه ومأكله كما يفكر في سلوكه وطريقة تفكيره وحتى مسيرة تعليمه ومستقبله، ويسعى لأن يكون ذو تأثير في هذه المسيرة.

هكذا المرجعية الدينية التي يجدها الناس بينهم في كل المناسبات والاحوال والاوضاع، بينما الحكومة او الدولة، فانها تهتم بامر التعليم حتى يتخرج الطالب وهو يحمل كفاءة علمية او مهنية، ثم يحصل على فرصة عمل يسد بها حاجته اليومية. لكن ماذا عن الجانب المعنوي؟، وماذا عن المشاعر الانسانية ومنظومة الاخلاق والقيم التي لها مدخلية في عموم حياة الانسان، ولدى نشوب مشكلة اجتماعية او اقتصادية فانها تكون ذات تاثير كبير وواضح في حلها، لنلاحظ مظاهر سلبية من قبيل الطلاق والعنف الأسري وهجرة العقول والاحتكار وغيرها مما ينخر في جسد المجتمع والامة، فهل يتمكن المال او المستوى العلمي – الاكاديمي من حل هذه المشاكل.

المجتمع اكتشف مؤخراً ان الدولة اضافة إلى عجزها عن توفير الخدمات والارتقاء بالمستوى الاقتصادي للبلد، فانها عاجزة ايضاً عن الحؤول دون بروز عوارض مرضية مما تمت الاشارة اليه، اذا لم نقل بتفاقمها ومزيد من الانغماس فيها ودخول الناس في دوامة من المشاكل المعقدة.

من هنا؛ نفهم سر التفاعل الكبير والتلبية الواسعة للتطوع في العراق نحو سوح المعارك مع الجماعات التكفيرية، فقد جاءت هذه التلبية بعد تراكمات جمّة من اليأس والاحباط والهزيمة النفسية جراء الازمات والمشاكل التي ألمّت بالشعب العراقي، وقد اكد معظم المراقبين على أنها كانت السبب الاساس في الكارثة الكبيرة التي حلّت في الموصل، لذا فهم يتوقعون ان يستمر الدور المرجعي في تقويم الوضع السياسي ، كما نجح في لم شمل الناس والامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/حزيران/2014 - 24/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م