الجفاف... التغيرات المناخية تستنزف الارض

تهديد متنامي يكشف فشل استراتيجيات المعالجة

 

شبكة النبأ: ظاهرة الجفاف واحد من أبرز الكوارث الخطيرة التي تهدد الحياة على كوكب الأرض الذي أصبح يخضع لرحمة التغيرات المناخية هذا الداء الخطير الذي تفاقم بشكل مخيف بسبب التوسع الصناعي وغياب الإجراءات العلاجية التي تهدف الى مكافحة التغير المناخي.

وبحسب بعض الخبراء فان مشكلة الجفاف ربما تختلف عن باقي المشكلات الأخرى التي ترتبت جراء تلك التغيرات، لكونها تتعلق بحياة الكثير من البشر وبشكل مباشر وخصوصا من يمارسون مهنة الزراعة والصيد وتربية المواشي، هذا بالإضافة الى تأثيراتها الاقتصادية التي ستوثر على الكثير من الدول وستسهم بارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي ستكون سببا في ازدياد معدلات الفقر والمجاعة.

ويقصد بالجفاف نقص ماء التربة الميسور الذي يؤدي إلى نقص كمية الماء الداخلي للنبات بدرجة تقلل من نموه. وبالرغم من أن ضرر الجفاف يسببه أساسا نقص ماء التربة ألا أن الضرر يزداد بالعوامل الجوية المختلفة مثل درجة الحرارة المرتفعة والرطوبة المنخفضة والرياح التي تزيد من سرعة النتح التي تعجل بدورها من حدوث نقص الماء الداخلي.

وهناك نوع آخر من الجفاف هو الجفاف الفسيولوجي ينتج فيها نقص ماء النبات الناتج عن برودة التربة أو ارتفاع الضغط الاسموزي للمحلول او حدوث الغرق وقلة امتصاص الأوكسجين اللازم للتنفس والامتصاص فيقل بذلك امتصاص الماء رغم توفرة فى التربة حيث يعانى النبات الجفاف لعدم قدرته على امتصاصه.

وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة المتسببة في حدوث تغيرات مناخية على مستوى العالم تكاد تنحصر في نطاق محدود نسبياً، إلا انه من المتوقع أن تكون سبباً بالدخول في فترات من الجفاف، وسيكون لها تأثير خطير على الزراعة في جميع أنحاء العالم، وخاصةً في الدول النامية.

جيبوتي

 وفي هذا الشأن قال مسؤول كبير بالأمم المتحدة إن جيبوتي تعاني من الجفاف للعام الرابع على التوالي مما أدى إلى نزوح جماعي كبير للناس من المناطق الريفية إلى العاصمة وتسبب في ارتفاع الاصابة بالأمراض وسوء التغذية. ويعقد المسؤول الكبير روبرت واتكينز المنسق المقيم للأمم المتحدة في جيبوتي لقاءات مع مسؤولين من الدول المانحة لتدبير تمويل لنداء وجهته الأمم المتحدة لجمع 74 مليون دولار لعمليات المنظمة في جيبوتي هذا العام. وتلقت الأمم المتحدة 9.5 مليون دولار من المانحين حتى الآن.

وقال واتكينز للصحفيين في جنيف "أكبر قضية تواجه جيبوتي اليوم هي نقص المياه. ويعتمد الناس على المياه لحياتهم.. ولمواشيهم بصورة أساسية." وأضاف أن كثيرا من الماشية نفق بسبب نقص المياه. وتابع "هذا سبب أننا نستثمر المزيد والمزيد ونحاول ايجاد بدائل لمدى أطول للناس وليس (إيجاد) حلول لأننا لا يمكننا حل مشكلة الجفاف.. لكن يمكننا ايجاد حلول للناس للعثور على سبل عيش بديلة."

وتستضيف جيبوتي وهي دولة صغيرة في القرن الافريقي كانت مستعمرة فرنسية قاعدة عسكرية فرنسية والقاعدة الأمريكية الوحيدة في أفريقيا. وتستخدم اساطيل البحرية الأجنبية ميناءها ضمن عملها في حراسة الممرات الملاحية في خليج عدن وهي من أكثر المسارات ازدحاما في العالم ضد هجمات قراصنة من الصومال الجار الجنوبي لجيبوتي.

وزعمت حركة الشباب الصومالية المتشددة مسؤوليتها عن هجوم على مطعم في جيبوتي نفذه مفجران انتحاريان الشهر الماضي وقتل مواطنا تركيا واصاب العديد من الجنود الغربيين. واصبحت جيبوتي أيضا معبرا لمرور حوالي 100 ألف مهاجر أفريقي غالبيتهم صوماليون في طريقهم إلى اليمن كبوابة لشبه الجزيرة العربية وربما الحصول على فرص عمل في الشرق الأوسط. بحسب رويترز.

ويعاني هؤلاء المهاجرون أيضا من الجفاف. وقال واتكينز "أغلب الناس يأتون سيرا على الأقدام. نحاول اقامة منشآت لعلاج الجفاف على امتداد الطريق لأن كثيرا من الناس يموتون ببساطة على جانب الطريق لاصابتهم بالجفاف لأن الماء الموجود قليل جدا."

ماليزيا وسنغافورة

من جانب اخر تشهد سنغافورة وماليزيا طقسا جافا أكثر من أي وقت مضى مما اضطر سنغافورة إلى زيادة إمدادات المياه المعاد تدويرها في حين تقسم جارتها الاحتياطيات على حصص وسط ارتباك للزراعة والثروة السمكية. وعانت سنغافورة التي تشهد سقوط أمطار غزيرة في معظم الأيام أطول موجة جفاف على الاطلاق في الفترة بين 13 يناير كانون الثاني و8 فبراير شباط ولم تسقط أمطار تذكر منذ ذلك الحين. وارتفعت أسهم شركة هايفلكس السنغافورية لمعالجة المياه 3.5 بالمئة خلال الشهر المنصرم. وقالت إدارة الأرصاد الجوية الماليزية إن 15 منطقة لم تشهد هطولا للأمطار وتعرض بعضها للجفاف.

وتضرر أيضا إقليم رياو الإندونيسي وشهد جزء من المنطقة ضبابا دخانيا عادة بسبب إشعال المزارعين للحرائق لتطهير الأرض. وأدى ضعف الرؤية إلى تعطيل الرحلات من وإلى المطار في بيكانبارو. وقالت وكالة برناما للأنباء إن رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق من المقرر أن يناقش موجة الجفاف في اجتماع دوري للحكومة وإن الاجتماع سيتخذ قرارا بشأن إعلان حالة الطوارئ. بحسب رويترز.

وقال ونستون تشو الباحث في الطقس بالجامعة الوطنية في سنغافورة "الخوف أن تحدث هذه الظواهر الجوية غير المألوفة بشكل متكرر قريبا." وماليزيا ثاني أكبر منتج لزيت النخيل في العالم ويقول مزارعون إن الطقس الجاف لأكثر من شهرين يمكن أن يخفض إنتاج المحاصيل من ستة أشهر إلى عامين مما يؤثر على الإنتاج ويرفع الأسعار في كوالالمبور. وتسبب الطقس الجاف في سنغافورة جزئيا في نفوق جماعي للأسماك في عدة مزارع سمكية. ونفق حوالي 160 طنا من الأسماك في الأسابيع الأخيرة بسبب نقص الأكسجين في المياه.

أمريكا

الى جانب ذلك اظهرت دراسة نشرت ان المزارعين في كاليفورنيا سيخسرون 1,7 مليار دولار هذا العام بسبب الجفاف الذي يضرب هذه الولاية الواقعة في غرب الولايات المتحدة. الى ذلك، قد يخسر 14 الفا و500 شخص وظائفهم في منطقة "سنترال فالي" الشديدة الخصوبة في كاليفورنيا والتي تعتبر "مخزن الغلال" للولايات المتحدة مع مزروعاتها الممتدة على مساحة 2,8 مليون هكتار. وبحسب هذه الدراسة الصادرة عن جامعة كاليفورنيا، فإن الحقول لن تحصل هذا العام سوى على ثلثي نسبة المياه التي تتلقاها عادة من الانهار. كما سيتم اراحة 6 % من الاراضي.

ويتوقع الخبراء أن يتكبد القطاع الزراعي في الولاية خسائر بقيمة 1,7 مليار دولار، بينها 450 مليونا ستذهب الى انظمة الضخ للمياه الجوفية. واوضح جاي لاند المشارك في اعداد هذه الدراسة انه "من دون الوصول الى المياه الجوفية، سيكون الجفاف مدمرا بالنسبة للمزارعين ومدن كاليفورنيا".

مع ذلك، تعتبر سلطات كاليفورنيا التي اوصت باجراء هذا الدراسة ان الجفاف لن يؤثر سلبا على الاقتصاد المحلي اذ ان الزراعة لا تمثل سوى نسبة اقل من 3 % من اجمالي الناتج المحلي في الولاية. واشارت كارن روس من وزارة الزراعة في كاليفورنيا في بيان الى ان "هذه التقديرات ستساعد الولاية على فهم الاثر الاقتصادي للجفاف بشكل افضل والحد منه". وساهم الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة التي تشهدها المنطقة منذ اشهر عدة في اضرام حرائق كبيرة خصوصا في جنوب كاليفورنيا.

من جانب اخر يعتزم علماء إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) استخدام صور تلتقط من الفضاء ومن الغلاف الجوي للأرض للمساعدة في مراقبة أحد أسوأ مواسم الجفاف في تاريخ كاليفورنيا حسبما قال مسؤولون. وقال العلماء انهم سينشرون أدوات تصوير لقياس مستويات كثافة الثلوج والمياه الجوفية وسيستخدمون مجموعة أخرى من التقنيات للمساهمة في رسم خريطة أفضل وتقييم موارد المياه في الولاية التي تنتج نصف الفاكهة والخضروات التي تستهلكها الولايات المتحدة.

وبينما شهدت معظم الولايات المتحدة هطول أمطار غزيرة وثلوج كثيفة هذا الشتاء تعاني كاليفورنيا من موجة جفاف يهددها بأكبر أزمة مياه في تاريخها الحديث. وأعلن حاكم كاليفورنيا جيري براون في وقت سابق حالة الطوارئ بسبب الجفاف وطالب مسؤولي الولاية بالاستعداد لعجز مائي وتطوير حلول لطقس جاف متوقع فترة طويلة.

وقالت جانين جونز مديرة الموارد المائية في الإدارة المسؤولة عن موارد المياه في كاليفورنيا ان الادارة تعاقدت مع ناسا لاستخدام البيانات التي ستجمع مع أدوات إعداد خرائط بالطائرات لقياس كمية المياه المخزنة في الثلج الكثيف بكاليفورنيا. وقال باحثون انه يمكن لكاليفورنيا ايضا الاستفادة من البيانات التي يوفرها النظام الفضائي لرسم الخرائط في قياس مدى هبوط الأرض أو غرقها بسبب تضاؤل مستويات المياه الجوفية. بحسب رويترز.

واضاف الباحثون ان تلك البيانات سوف تساعد مسؤولي الولاية في التخطيط لاستخدام المياه المتاحة على مدى عام وتقرير وتحديد حجم طبقات المياه الجوفية بالاضافة الى اكتشاف اي تلف ينجم عن الافراط في استغلال المياه الجوفية. وقال مسؤولو الولاية ان مزارعي كاليفورنيا يواجهون عجزا بالغا في مياه الري يتوقع ان يضر بانتاج محاصيل نحو نصف مليون فدان من الأراضي العام الجاري مما يسبب خسائر اقتصادية قياسية تقدر بمليارات الدولارات. وفي نظرة للمستقبل ايضا يسعى المسؤولون في كاليفورنيا الى استخدام صور تلتقط من قمرين صناعيين لناسا من المقرر اطلاقهما هذا العام وأحدهما مصمم لقياس هطول الامطار والثاني لمتابعة مستويات رطوبة التربة.

الأردن

على صعيد متصل وللوهلة الأولى يبدو كل شيء على ما يرام، فالسماء فوق جنوب الأردن سماوية زرقاء والشمس مشرقة على حقول القمح والشعير بينما تقوم بعض الأسر بالتنزه في الحقول. ولكن بالنسبة للمزارعين مثل حتمل هلسه، تبدو الأمور قاتمة. وقال المزارع البالغ من العمر 60 عاماً بينما كان يتجول بين حقوله التي ورثها عن أجداده والتي زرعت على مدى العقود الأربعة الماضية بالقمح: "انتهى الشتاء ولا تزال الأرض عطشى. يبدو أنه عام شديد الجفاف". وتعتمد الزراعة في الأردن على الأمطار التي يسقط أغزرها في ديسمبر ويناير. ولكن كان هذا العام جافاً بشكل استثنائي.

وقد حذر بيان صادر عن وزارة المياه من أن المملكة والمنطقة ككل تعيشان "حالة غير مسبوقة من انحباس الأمطار" وأنه وضع "لم تشهده البلاد منذ عقود". وقد بلغ إجمالي كميات هطول الأمطار في الأردن منذ بداية موسم الأمطار 2013-2014 وحتى نهاية يناير 2014 نحو 2,608.8 مليون متر مكعب، وهو ما يشكل 31.3 بالمائة تقريباً من معدل الهطول السنوي الطويل الأمد، مقارنة بهطول 6,371 مليون متر مكعب، أو ما يقرب من 76.6 بالمائة من معدل الهطول السنوي الطويل الأمد العام الماضي، وفقاً للبيان.

وقد حذرت الوزارة من أن سدود المملكة تحتجز 43 بالمائة فقط من إجمالي طاقتها الاستيعابية البالغة 325 مليون متر مكعب. ويعتبر الأردن واحداً من أكثر البلدان فقراً بالمياه في العالم، حيث تبلغ حصة الفرد من المياه 145 متراً مكعباً - أي نحو 15 بالمائة من خط "الفقر المائي" الذي حددته الأمم المتحدة والبالغ 1,000 متر مكعب. ويقول المزارعون والخبراء أن الطقس الجاف ليس سوى استمرار لسوء الأحوال الجوية الذي يحدث على مدى العقود القليلة الماضية والذي يجعلهم يكافحون لمواجهة عواقبه.

وتشير دراسة (غير متوفرة على الانترنت) أجراها المدير العام السابق لدائرة الارصاد الجوية، عبد الحليم أبو هزيم، إلى انخفاض في سقوط الأمطار في البلاد بنسبة 8 بالمائة بين عامي 2001 و2010. وقد وجدت الدراسة أن الأجزاء الشرقية والجنوبية من المملكة هي الأكثر تأثراً. ويقول الخبراء والمزارعون أن المحاصيل البعلية مثل القمح والشعير والبقول والزيتون قد تأثرت سلباً.

وقال عادل عبد الغني، أستاذ الدراسات الزراعية في جامعة مؤتة في محافظة الكرك أن موسم الأمطار ينبغي أن يبدأ بحلول نهاية سبتمبر أو أوائل أكتوبر، ولكن في السنوات الأخيرة، أتى هطول الأمطار في وقت لاحق. وهذا الشتاء هطلت الأمطار للمرة الأولى في الأول من نوفمبر. وأضاف قائلاً: "أدت سنوات الجفاف المتكررة بسبب تغير مواسم الهطول ونقص الأمطار الذي لوحظ منذ عام 1994 إلى ثني العديد من المزارعين عن زراعة حقولهم لأن ذلك "لم يعد مربحاً".

وأفاد عودة الرواشدة، رئيس الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين أن إنتاج القمح قد تأثر بشكل كبير. وقال "حتى ستينيات القرن الماضي، كنا نصدّر القمح والحبوب، ولكننا الآن ننتج ما يكفي فقط لتلبية احتياجات البلاد [لبضعة] أيام". فقد استوردت المملكة 95 بالمائة من احتياجاتها من القمح في عام 2010، و 9 بالمائة في عام 2011، وفقاً لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية.....بما أنه لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، يمكننا فقط الاستمرار في الأمل والانتظار لحصاد الحقول وقد حاول المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي إنتاج قمح أكثر تحملاً كأسلوب للتكيف مع الجفاف المتزايد. وقالت نسب الرواشدة، الباحثة في مجال تغير المناخ والتنوع البيولوجي في المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي: "من خلال مسح مجموعة متنوعة من أنواع القمح الذي يزرع محلياً في الأردن، لاحظنا أن سمة التكيف هي الإزهار المبكر والنضج المبكر، مما يساعد النباتات على تجنب الطقس الجاف".

ويصادف هذا العام السنة السادسة من زراعة نوع جديد من القمح، حيث قالت الرواشدة: "لقد نجحت زارعته في لواء الشوبك الجنوبي في ظل ظروف جافة للغاية". وعلى الرغم من أن بعض المزارعين قاموا بزراعة هذا النوع الجديد، إلا أنه لا زال غير معتمد على مستوى البلاد. في الوقت نفسه، أدى ضعف المحصول المتوقع بالفعل إلى قيام بعض المزارعين بمحاولة تغطية تكاليفهم من خلال بيع القمح والشعير للرعاة كعلف للماعز الخاص بهم. وقال المزارع أبو محمود من الكرك: "من خلال القيام بذلك، يمكنني كسب بعض المال لدفع التكاليف، ولكن إذا انتظرت حتى موسم الحصاد، فأنا أدرك أنني في انتظار الخسارة فقط".

وقال محمد العتوم، رئيس قسم البيئة وتغير المناخ في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عمّان، أن الزيتون الذي يعد مصدراً رئيسياً للدخل للعديد من الأسر، قد تأثر أيضاً بسبب تغير مواسم الأمطار. وأضاف قائلاً: "اعتاد المزارعون على انتظار الهطول الأول للأمطار لقطف ثمار الزيتون ولكن نظراً لتأخر المطر هذه الأيام قد يقومون بقطفها قبل ذلك". وقد واجه مزارعو الزيتون هذا الشتاء تحدياً جديداً عندما جلبت موجة البرد أليكسا معها نحو نصف متر من الثلوج في بعض المناطق ودمرت أكثر من 60 بالمائة من أشجار الزيتون في شمال الأردن، وفقاً لنمر حدادين، الناطق الإعلامي لوزارة الزراعة. وقالت المزارعة نبيلة مقدادي: "إنه أمر مريع، عندما يكون مصدرك الوحيد للدخل". فبعد تضرر أكثر من 50 بالمائة من الأشجار، قالت أنها الآن تبحث عن مصادر أخرى للدخل لأنه ثبت أن الزراعة مصدر "غير موثوق به".

ويقول مسؤولون حكوميون أن الأردن لا يحصل على نصيبه العادل من المياه السطحية لأن جيرانه يأخذون نصيب الأسد من نهري اليرموك والأردن ووفقاً لنسب الرواشدة، الباحثة في مجال تغير المناخ والتنوع البيولوجي في المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي فإن العاصفة هي "إحدى الظواهر الجوية البالغة الشدة الناجمة عن تغير المناخ ... هذه نتيجة لأثر تغير المناخ. هذا هو الطقس الشديد الذي لم نعتد التعامل معه".

ولكن، يحذر خبراء آخرون أنه من السابق لأوانه القول أن تغير المناخ هو المسؤول عن أنماط الطقس الحالية، والتي تتوفر عنها بيانات محدودة. وقال العتوم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "من الصعب جداً معرفة ما إذا كان حدوث ظاهرة معينة هو نتيجة لتغير المناخ، لأنه لا تتوفر لدينا إحصاءات أو دراسات كافية للاستناد إليها. وعلى أي حال، يستغرق تقييم الأثر سنوات طوال".

وفي عام 2013، أطلق الأردن سياسة وطنية للتكيف مع تغير المناخ في مختلف القطاعات بما في ذلك الزراعة، ولكن تنفيذ الاستراتيجية يتعثر بسبب "نقص التنسيق". وقالت أنديرا الدهبي، المسؤولة عن قسم تغير المناخ في وزارة البيئة: "الخطوة الأساسية التالية هي تحسين التنسيق بين المؤسسات الحكومية لتحقيق أهداف الاستراتيجية". وبما أن سياسة تغير المناخ ليست "مدمجة في الاستراتيجيات التنموية الوطنية الأخرى" يمكن أن يهدد ذلك تقدم الأردن نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. بحسب شبكة إيرين.

وقالت خبيرة تغير المناخ أمل دبابسة: "يعد تغير المناخ موضوعاً مشتركاً بين القطاعات. فنقص المياه والتغيرات في جودتها يؤثر على الزراعة وهو ما يمكن أن يؤثر أيضاً على الصحة وهكذا. وفي وقت سابق أقام الأردنيون صلاة الاستسقاء، وهي جزء من التعاليم الإسلامية التي تدعو لإقامة صلاة الاستسقاء خلال سنوات الجفاف. ولكن مع اقتراب فصل الربيع، يبقى المزارعون مثل هلسه بحظوظ متناقصة في الحصول على كميات كافية من المطر. وقال هلسة: "الزراعة مثل دولاب الحظ. عليك أن تقبل المخاطر. وبما أنه لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، يمكننا فقط الاستمرار في الأمل والانتظار لحصاد الحقول".

لبنان

الى جانب ذلك على الرغم من أن ميشيل أشقر داوود قد بدأ في التعود على الجفاف في مزرعته التي تقع بالقرب من بلدة زحلة، شرق لبنان، لكنه يقول أن تغير أنماط المناخ يعني أنه ربما حان الوقت لأن يترك مجال الزراعة تماماً. وفي العادة، كان داوود يزرع حوالي ثلثي مزرعته بالبطاطس، لكن عندما بدأ الجفاف ألغى هذه الخطط وبدأ في زراعة الخضروات التي تتطلب كميات أقل من المياه، مثل البامية، على الرغم من أن هذه الخضروات تحتاج إلى المزيد من الرعاية وتباع بأسعار أقل بكثير.

وتشير تقديرات داوود إلى أن الأرباح المتوقعة هذا العام، في مزرعته التي توظف في وقت الذروة قرابة 100 شخص لجمع المحصول، سوف تصل إلى ما بين 6,000 و7,000 دولار فقط مقارنة بـ 14,000 دولار في عام 2013. وقد أفاد بأنه على استعداد لبيع الأرض وترك الزراعة. والجدير بالذكر أن لبنان قد تأثر بشدة بموجة الجفاف هذا الشتاء-حيث انخفضت نسبة هطول الأمطار إلى أقل من نصف مثيلتها في العام السابق، بحسب بيانات هيئة الأرصاد الجوية اللبنانية.

من جانبه، يرى محمد قباني، الذي يرأس لجنة المياه والطاقة في مجلس النواب اللبناني، أن نقص المياه سوف يشمل كافة أنحاء البلاد في الأشهر المقبلة: "كان التأثير كبيراً جداً هذا العام وإذا حدثت الظروف ذاتها في العام القادم فسيكون الوضع كارثياً. سوف نبدأ في الشعور بالجفاف في شهري يوليو وأغسطس وسيكون لدينا نقص في المياه...سنشهد ذلك في لبنان بأكمله".

وعلى بعد أميال قليلة على الطريق، يشكو مزارع يدعى محمد معمو أيضاً من أحوال الطقس الغريبة التي أهلكت محصوله. وعلى الرغم من أنه يزرع الكرز بشكل رئيسي، إلا أن فصل الشتاء الجاف قد قضى على المحصول. كما أن الأمطار القليلة التي هطلت كانت قوية على نحو غير عادي- إضافة إلى عاصفة ثلجية غريبة أدت إلى تدمير جزء كبير من محصول الفاكهة. وكانت كل 20 شجرة تنتج في العادة نحو 600 كيلوغرام من الثمار الجاهزة للبيع، ولكنه يقول أن كمية المحصول هذا العام قد تنخفض إلى 200 كيلوغرام فقط.

وفي حين أن الإنتاج الزراعي قد تلقى ضربة شديدة بالفعل، إلا أنه من المرجح أن يشعر بقية اللبنانيين بالآثار الأكثر حدة للجفاف في وقت لاحق من العام. وحقيقة أن هذه الدولة الصغيرة تأوي الآن ما يزيد عن مليون شخص من السوريين الفارين من الحرب الأهلية عبر الحدود، قد تجعل الأزمة أشد قسوة. وفي هذا الصدد، قال الدكتور حسن البشرى، رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في لبنان، أن الافتقار إلى المياه النظيفة يعني أن تفشي الأمراض المعدية مثل شلل الأطفال والكوليرا "لا مفر منه" الآن.

ويتفق في هذا الرأي قباني الذي أفاد أن هناك احتمالاً قوياً لحدوث أزمة صحية عامة: "لم نر مثل هذا المستوى من الأمطار منذ عام 1932، وفي تلك السنة كان عدد السكان أقل من مليون نسمة. نحن الآن 4 ملايين، [إضافة] إلى أكثر من مليون سوري والجميع بحاجة إلى شرب الماء". ويعتقد قباني أنه يجب أن يتم البدء في تنفيذ سلسلة من الإجراءات الفورية، على أن يكون الهدف الأساسي هو تقليل الاستهلاك إلى أدنى حد ممكن. وأوضح قائلاً: "يجب أن يتم وقف أي استخدامات غير ضرورية للمياه مثل غسيل السيارات وتنظيف الشوارع...وينبغي أن تتم دراسة الحد من استخدام المياه في زراعة الخضروات، إذ يمكننا أن نحاول وقف ذلك واستيراد المزيد من الخضروات". ولكن هذا الإجراء، ولا غرابة في ذلك، لا يحظى بشعبية بين المزارعين.

وفي حين أن حالة الجفاف قصيرة الأجل، إلا أن عدم قدرة الدولة على الاستفادة من مواردها المائية يمتد منذ عقود. ويذكر أن لبنان يتمتع بأعلى نصيب للفرد من كمية الأمطار التي تهطل على منطقة الشرق الأوسط، بمتوسط قدره 8 مليارات متر مكعب في السنة. وفي أوروبا وأمريكا، يحاولون البحث في مجال الاستدامة، ولكن لا يوجد شيء من هذا القبيل هنا"

ومع ذلك، فإن تسرب المياه – أي كمية المياه التي يتم فقدانها عبر شبكة المياه من خلال الأنابيب المكسورة والهدر-هو أمر شائع جداً لدرجة أنه يتم فقدان قرابة نصف كمية المياه التي يتم جمعها. ومن ثم يواجه سكان المدن الكبرى نقصاً في المياه حتى خلال السنوات التي تهطل فيها الأمطار بكميات وفيرة. وفي هذا الإطار، تقدر منظمة "الذهب الأزرق"، وهي منظمة غير حكومية جديدة تدعو لإصلاح شبكات المياه في الدولة، أنه لا تتم الاستفادة سوى من 17 بالمائة فقط من كافة مياه الأمطار التي يتم جمعها في الدولة.

وعلى هذا النحو، يرى المحللون أن التدابير القصيرة الأجل مثل تلك التي يقترحها قباني لن تنجح إلا إذا جرى تعزيزها بإصلاحات طويلة الأجل. ويهدف مشروع الذهب الأزرق، الذي شارك في إعداده أكثر من 30 خبيراً على مدى عام تقريباً وأطلقه الرئيس ميشال سليمان ، إلى تطوير شبكة المياه في البلاد على مدى السنوات الست القادمة. وينطوي المشروع بشكل عام على إنشاء شبكة جديدة من السدود والمشاريع التي ستصل تكلفتها إلى نحو 5 مليارات دولار، يتم تمويلها من القطاع الخاص بشكل أساسي.

وفي هذا السياق، قال زياد الصايغ، رئيس ملتقى التأثير المدني، الذي أطلق مشروع "الذهب الأزرق"، أنه على ثقة من استغلال الأزمة الحالية للدفع باتجاه تنفيذ تلك الإصلاحات: "من خلال المياه يمكننا توحيد الشعب اللبناني" مشيراً إلى أنه قد تم بالفعل تقديم الإصلاحات المقترحة إلى مجلس الوزراء اللبناني. وفي حين أن أزمة المياه الحالية قد تكون سيئة، إلا أن الأمل معقود على أن يتم الحد منها مستقبلاً عبر تخطيط أفضل على المدى المتوسط.

وأشار قباني إلى أن التزام الفئات السياسية بالتصدي للأزمة على المدى القصير لا يزال محدوداً. وأضاف أنه يحث جميع الأطراف دائماً على اتخاذ إجراءات سريعة للحد من آثار الجفاف ولكنه لم يلحظ حتى الآن سوى اهتمام قليل من جانب الحكومة الجديدة: "إننا بحاجة إلى اهتمام عاجل من جميع الأطراف". بحسب شبكة إيرين.

ويبدو أن هذا الافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي لم يغب عن بال المزارعين أيضاً، إذ يرى سمعان النجار، الذي يمتلك بضعة أفدنة يزرعها بالكرز وبعض الفواكه الأخرى، أن قلة الاهتمام السياسي بقضية الاستدامة والحد من الهدر قد جعل لبنان أكثر عرضة للأزمات. وكانت هجرة ابنه أنطوني إلى ألمانيا للعمل في مجال تطوير سيارات منخفضة الانبعاثات مفارقة لم تغب عنه: "في أوروبا وأمريكا، يحاولون البحث في مجال الاستدامة، ولكن لا يوجد شيء من هذا القبيل هنا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/حزيران/2014 - 20/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م