معركة بلاد الرافدين تختزل النزاعات الإقليمية بالوكالة

 

شبكة النبأ: ما حدث في العراق خلال الاونة الأخيرة من اضطرابات مضطردة على المستويين الأمني والسياسي، نتيجة لاستيلاء تنظيم داعش الارهابي على بعض المناطق شمالي العراق، جعل من بلاد الرافدين ساحة معركة تختزل النزاعات الإقليمية بحرب كاملة بالوكالة بين خصوم إقليميين يسعون للهيمنة والنفوذ في قلب الشرق الاوسط.

إذ يرى الكثير من المحللين أن العراق صار مسرح صراع اثبات الوجود لما تظهره أجندات الدول الطامعة من خلال مسلسل المماطلة السياسية وتصاعد لهجة المعارك الكلامية المستمر وخاصة بين اطراف الخصام من الدول الإقليمية تركيا، إيران، السعودية، قطر وبعض الأطراف الدولية أبرزها إسرائيل وأمريكا.

وهذا ما جعل من العراق مكانا مستهدفا لدى بعض الدول المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان الشرق الأوسط بدعم جماعة إرهابية تقود أجندة الدول الطامعة بالوكالة لخلق بيئة مخيفة في منطقة الشرق الأوسط، من خلال ترسيخ و إبراز خطر نشوب حروب طائفية، قد يكون لها عواقب مدمرة على منطقة الشرق الأوسط و ربما أوسع من ذلك.

بينما يرى محللون آخرون أن تصاعد حرب التصريحات ورسائل التحذير في دوامة الأعمال الاستفزازية المتواصلة وتبادل الاتهامات بين اطراف الخصام، ينطوي على مخاطر كامنة في منطقة الشرق الاوسط التي يغذيها مسلسل تصاعد العنف وازدياد بؤر الإرهاب والتمرد والنزاعات والحروب في هذا الإقليم بالتوازي مع زيادة التدخلات الامريكية وتصاعد الطموحات الاقليمية ما بين شرعية وأخرى هدفها الهيمنة والتسلّط.

لذا يتوقع هؤلاء المحللين أن هذه المخاطر لا يبدو من أنها ستمر مرور الكرام، الوضع أسوء بكثيراً مما يبدو في الظاهر ومعقد ومتشابك للغاية، ذلك نتيجة لتزايد الحركة والعداوات السياسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير جدا خلال الآونة الأخيرة، وسط خلافات كثيرة بين القوى السياسية الإقليمية والدولية، وهذا الامر يشير الى أن تكون هناك صفقات سياسية بين الدول الكبرى المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان الشرق الأوسط، بهدف إعادة ترتيب الأوضاع بالمجال السياسي في بلدان تلك المنطقة، مما ينذر ببواعث خطر نشوب حرب وشيكة بين الاطراف المتخاصمة.

 فالصدامات والصراعات السياسية النشطة بين الخصوم السياسيين، اخذت تلقي بظلالها على التوازن السياسي والامن الاقليمي الهش في المنطقة، كما تبين ذلك من خلال المستجدات والأحداث والتطورات السياسية والامنية الاخيرة، والممتثلة بالدربكة الامنية في العراق، التي تصفح عن احتمالية نشوب حرب شرق أوسطية محورها العراق قد تغييـر خارطـة المنطقة برمتها.

العراق والسعودية

فقد ألقت الحكومة العراقية في بيان قد يفاقم الاستقطاب الطائفي في الشرق الأوسط باللوم على المملكة العربية السعودية فيما "يحصل من جرائم خطيرة" في العراق، وقال البيان "على الحكومة السعودية أن تتحمل مسؤولية ما يحصل من جرائم خطيرة من قبل هذه الجماعات الإرهابية"، وأضاف "ونحمله مسؤولية ما تحصل عليه هذه الجماعات من دعم مادي ومعنوي وما ينتج عن ذلك من جرائم تصل إلى حد الابادة الجماعية وسفك دماء العراقيين وتدمير مؤسسات الدولة والآثار والمواقع التاريخية والمقدسات الإسلامية".

وتمول السعودية مقاتلين سنة في سوريا المجاورة ولكنها تنفي إنها تدعم الدولة الإسلامية في العراق والشام ولكن بغداد تلقي باللوم عليها في التشدد السني في المنطقة. بحسب رويترز.

 من جانبه قال الامين العام للأمم المتحدة بان جي مون "يوجد خطر حقيقي لمزيد من العنف الطائفي على نطاق هائل داخل العراق وخارج حدوده." واضاف "ظللت أحث زعماء الحكومة العراقية ومنهم رئيس الوزراء المالكي على التواصل من أجل حوار لا يقصي أحدا وحل هذه القضية".

إيران والسعودية وقطر

من جهته قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن طهران لن تتردد في حماية المراقد الشيعية المقدسة في العراق وذلك بعد التقدم السريع الذي حققه متشددون سنة هناك، وفي بث تلفزيوني على الهواء مباشرة قال روحاني إن كثيرين عبروا عن استعدادهم للذهاب الى العراق للدفاع عن المراقد المقدسة "ووضع الإرهابيين في حجمهم الطبيعي"، وأضاف أن مقاتلين مخضرمين من سنة وشيعة وأكراد العراق "مستعدون للتضحية" في مواجهة قوات المتشددين.

قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إن الأوضاع الأمنية المتردية في العراق توحي "بحرب أهلية"، وقال أمام تجمع لزعماء الدول العربية والإسلامية في جدة إن هذا الوضع الخطير الذي يعصف بالعراق يوحي بحرب أهلية ستكون لها تداعيات لا يمكن تصورها على المنطقة.

في الوقت نفسه حمل خالد العطية وزير الخارجية القطري حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مسؤولية الهجوم المباغت الذي شنه مسلحون متشددون سنة على مدن عراقية والذي يهدد بتقطيع أوصال العراق.

وتصريحات العطية ستغذي التوتر في العلاقات بين قطر وبغداد التي تتهم الدوحة منذ فترة طويلة بدعم المتشددين، ونقلت قناة الجزيرة التلفزيونية الفضائية ومقرها قطر عن العطية قوله أمام مؤتمر دولي في بوليفيا ان الهجمات تأتي "نتيجة عوامل سلبية تراكمت على مدى سنوات"، ونفت قطر والسعودية ودول خليجية اخرى بشدة الاتهامات التي وجهها المالكي لها في مارس آذار بتمويل المتشددين السنة في العراق.

أمريكا وبريطانيا وإيران

في سياق متصل قال السناتور لينزي جراهام إن الولايات المتحدة بحاجة إلى تدخل إيران لمنع انهيار العراق وينبغي ان تبدأ محادثات من أجل تحقيق هذه الغاية. ووصف هذه بأنها خطوة ليست محبذة ولكن ربما يكون لا مناص منها.

وأضاف لينزي المنتمي للحزب الجمهوري في مقابلة مع شبكة (سي.بي.إس) "ربما نحتاج مساعدتهم للحفاظ على بغداد" من أن يستولي عليها تنظيم داعش، وأضاف "الإيرانيون لديهم مصلحة. فلديهم سكان من الشيعة يجب حمايتهم. ونحتاج لنوع من الحوار " للمساعدة في فرض الاستقرار في العراق مع وضع حدود لضمان ألا تستغل إيران الوضع في السيطرة على أراض، وتأتي تصريحات جراهام في اطار سيل من الانتقادات التي وجهها الجمهوريون لموقف إدارة الرئيس باراك أوباما من الأزمة ذات التطورات المتلاحقة.

وقال مايك روجرز وهو جمهوري يرأس لجنة المخابرات في مجلس النواب الأمريكي في مقابلة مع محطة فوكس نيوز "فات موعد عقد اجتماعات مصالحة سياسية تستغرق أسابيع أو شهورا.. فلديك جيش تابع للقاعدة يتحرك". بحسب رويترز.

وأضاف أن على الإدارة الأمريكية أن تنظم تحركا للدول العربية المجاورة ودعمه بمعلومات المخابرات الأمريكية وبتوفير غطاء جوي وغير ذلك من المساعدات، وقال جراهام وهو عضو في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ إن الضربات الجوية الأمريكية في العراق لازمة لوقف تقدم المتشددين، وجاءت تصريحات جراهام بشأن إيران لتفتح موضوعا أكثر حساسية وتضع أمام الولايات المتحدة احتمال أن تتعاون مع بلد تشتبه في أنه يعكف على انتاج أسلحة نووية.

من جهته قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن بريطانيا بحثت مع إيران كيف يمكن أن تدعم منطقة الشرق الأوسط العراق في أعقاب استيلاء تنطيم داعش على بعض المناطق في شمال العراق.

وقبل ان يلقي وزير الخارجية البريطاني وليام هيح بيانا أمام البرلمان قال المتحدث ان هيج تحدث مع نظيره الإيراني في مطلع الأسبوع لمناقشة الوضع في العراق وعدد من القضايا الاخرى. بحسب رويترز.

وصرح المتحدث باسم كاميرون للصحفيين "هل ثمة دور للمنطقة لدعم الحكومة العراقية في مساعيها- قدر الامكان- لتبني توجه يضم القاعدة العريضة ويشمل الجميع في المستقبل وتجنب مخاطر التوجه الطائفي جزئيا ..؟ نعم"، وأكدت بريطانيا انها لا تسعى للتدخل عسكريا في العراق ولكنها عرضت مساعدات إنسانية وتقديم نصائح للسلطات العراقية لمكافحة الإرهاب عند الحاجة.

قلق إسرائيلي

من جهتها عبرت إسرائيل عن قلقها من احتمال تعاون أقرب حلفائها واشنطن مع ما تعتبرها عدوتها اللدودة إيران للحيلولة دون تقسيم العراق على أساس طائفي، لكن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي يوفال شتاينتز قال لرويترز إن الولايات المتحدة والقوى الكبرى الاخرى تعهدت بأن أي تعاون من هذا النوع لن يعوق مسعاهم للحد من البرنامج النووي الإيراني، وقالت إدارة أوباما إنها تدرس اجراء محادثات مع إيران عن الأزمة العراقية. وأبدى المسؤولون الإيرانيون استعدادهم للعمل مع الإمريكيين في مساعدة بغداد على التصدي للحملة المسلحة التي يشنها متشددون سنة.

وقال شتاينتز إن إيران لا تنبغي مساعدتها على توسيع نفوذها في العراق حيث توجد أغلبية شيعية، واضاف أن ذلك سيعطي طهران نطاقا من السيطرة يمتد عبر الأراضي السورية حيث يؤيد الإيرانيون الرئيس السوري بشار الأسد وإلى لبنان حيث يوجد حلفاء لهم ممثلون في حزب الله، وقال شتاينتز في مقابلة "ولا نرغب على نحو خاص في إيجاد وضع يؤدي نتيجة تعاون الولايات المتحدة وإيران لدعم حكومة (رئيس الوزراء العراقي نوري) المالكي إلى تخفيف المواقف الأمريكية بشأن القضية الاكثر خطرا على السلام العالمي وهي القضية النووية الإيرانية".

وعبرت إسرائيل حتى قبل الأزمة العراقية عن قلقها من محادثات إيران مع واشنطن والقوى الخمس الأخرى والتي تهدف إلى ضمان عدم قيام طهران باكتساب القدرة على انتاج أسلحة نووية.

وقال مسؤول امني إسرائيلي اخر تحدث لرويترز شريطة عدم نشر اسمه إن اي التزام إيراني موسع في العراق قد يعدل من اسلوب طهران في المحادثات النووية لانها قد تشعر إن عليها التزامات وتحجم عن اثارة المزيد من الأزمات. لكن شتاينتز رفض هذا الراي قائلا "لن اتطلع قط لحل مهزلة بمهزلة اخرى".

صمت أردني

وعلى الرغم من التطورات المتسارعة التي ترافق تمدد مقاتلي ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" داخل الأراضي العراقية بالقرب من الحدود الأردنية، إلا أن الصمت الرسمي ما يزال يخيم على السلطات الأردنية وسط تسريبات محدودة من مسؤولين لم يخفوا خلالها حالة الترقب والقلق إزاء تلك التطورات.

وفي خضم حالة الترقب، يكتفي وزير في الحكومة الأردنية بالتأكيد لـ CNN بالعربية ، أنه من الطبيعي مراقبة ما يجري عند الجارة الشرقية، ورفع حالة التأهب الأمني على طول الشريط الحدودي، دون الإشارة حتى إلى حجم القلق الذي يساور مراكز القرار، جراء ذلك التمدد، وفيما كانت هناك مخاوف من أي اختراقات محتملة لداعش على الأراضي الأردنية.

ويعتقد الوزير السابق في الحكومة الأردنية سميح المعايطة، أن اهتمام الأردن في ظل تلك المتغيرات لا بد أن يتجه إلى فهم حقيقة ما يجري على الساحة العراقية، من أجل حماية مصالحه الاستراتيجية، قبل الاهتمام بالمصالح الأخرى وإن كانت اقتصادية.

ويقول المعايطة لـ CNN بالعربية :" المشهد للان ليس واضحاً تماماً، ومن الطبيعي للأردن أن يلتزم الصمت سياسيا لأنه معتاد على عدم إقحام نفسه بالشؤون الداخلية للدول...عليه الآن التفكير ببناء منظومة مصالح خاصة، لأن كثير من دول المنطقة لم تحسم خياراتها للآن بشأن الموقف من العراق".

ورغم عدم وجود مؤشرات لموجات نزوح لعراقيين للأردن حتى الآن، الا أن المعايطة اعتبر أن اي تدفق للاجئين للبلاد سيشكل مصدر قلق. ويتواجد مايقدر بثلاثمائة الف عراقي على الأراضي الأردنية.

لكن من الناحية العسكرية، يرى اللواء الأردني المتقاعد فايز الدويري، أن الاضطرابات التي يشهدها العراق وسوريا من قبل، ليست حالة استثنائية بالنسبة للمملكة، مستشهدا بأحداث عام 1990 خلال الاحتلال العراقي للكويت، قائلا إن القوات العراقية على الحدود مع الأردن كانوا في حالة "نفير" فيما كانت الحدود السورية مع الأردن تشهد "نشاطاً" على مستوى عمليات التهريب.

ومن هنا، يذهب الدويري إلى أن الجيش الأردني تاريخيا، كان "يتحمل عبء حماية حدوده، وقال :" تحمل الجيش الأردني بمفرده حماية الحدود ولابد له الآن أن يعيد انتشار قواته ويرفع من جاهزية العمليات الاستخباراتية، وأن يبتعد عن المنظومة التقليدية في الدفاع".

الخطر المتوقع من تمدد "داعش" إلى الاراضي الأردنية يتأتي بحسب الدويري من حادثة اختراق لتنظيم القاعدة في تفجيرات عمان عام 2005، والتي تلاها مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي .

ويرى الدويري في حديثه ل CNN بالعربية أن استبعاد حدوث اختراقات هو أمر مرفوض أمنيا، قائلا :" التعامل هنا يجب أن لايكون أخلاقيا بل أمنيا خالصا، لأن مقولة الأمن المطلق خرقاء، ولابد من إعادة التموضع على الحدود مع العراق، ولا بد من تنسيق أمني مشترك بما في ذلك التنسيق مع الجانب الأمريكي".

أما سياسيا، فيعتقد مراقبون أن حالة الصمت الرسمي هي المخرج بالمقابل، وقلل القيادي في التيار السلفي الجهادي في الأردن محمد الشلبي الملقب "بأبو سياف" من مخاوف تمدد قوات "داعش" إلى الأردن، معتقدا أن المملكة "لا تشكل هدفاً" بالنسبة لداعش ولا لجبهة النصرة،

ويعوّل التيار على خروج المقدسي، للافتاء في عدد من القضايا الشرعية المتعلقة بخلافات "جبهة النصرة" وداعش"، حيث سرب المقدسي من سجنه عدة رسائل هاجم فيها "داعش" وطالب برفع الغطاء عنها، ودعا مقاتليها إلى الانضمام إلى جبهة النصرة التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، ومن المتوقع أن يحدث الإفراج عن المقدسي جدلا واسعا داخل تنظيم القاعدة، الذي يشهد صراعا بين جناحي أيمن الظواهري المؤيد لجبهة النصرة، وجناح أبو بكر البغدادي الذي يتزعم تنظيم "داعش.

الوضع في العراق سببه الجمود الدولي حول سوريا

الى ذلك قال الوسيط العربي والدولي السابق في سوريا الاخضر الابراهيمي في مقابلة مع وكالة فرانس برس ان هجوم الجماعات الارهابية في العراق كان نتيجة لجمود المجتمع الدولي ازاء النزاع المستمر في سوريا منذ اكثر من ثلاثة اعوام.

وقال الابراهيمي الذي استقال من منصبه في ايار/مايو الماضي بعد اقل من عامين من الجهود غير المجدية لانهاء النزاع في سوريا، "هذه قاعدة معروفة. فصراع من هذا النوع (في سوريا) لا يمكن ان يبقى محصورا داخل حدود بلد واحد".

واضاف ان المجتمع الدولي "للاسف اهمل المشكلة السورية ولم يساعد على حلها وهذه هي النتيجة"، واوضح الابراهيمي انه ابلغ مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة وشركائه منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بقدرات الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام وبأنها "عشرة مرات اكثر نشاطا في العراق من سوريا". بحسب فرانس برس.

ويرى المبعوث الخاص السابق اخيرا ان ايران التي ابدت استعدادها للمساعدة في بغداد، لديها "مكانها" في المنطقة "بحكم الأمر الواقع من خلال التعاون بين الولايات المتحدة وإيران "على العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/حزيران/2014 - 20/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م