شبكة النبأ: يعتبر "الدين" بمختلف
تسمياته ومعانيه، المؤثر الابرز في حياة الانسان، وتنعكس تأثيراته على
جميع افكاره وسلوكه، حتى الملحدون، وهم في اختيارهم للإلحاد، انما
يحاولون التقاطع مع كل "الدين" الغيبي منه والوضعي، ويؤسسون "وذلك وجه
الغرابة والمفارقة"، من حيث لا يشعرون دينا جديدا مقابل ما يرفضونه من
اديان اخرى.
جميع الاديان تحاول ان تجيب على اسئلة معتنقيها عن الحياة وما بعدها،
وعن الكون وما فيه، وفقا لذلك، كانت احدى التعريفات للدين هي المجموع
العام للإجابات التي تفسر علاقة البشر بالكون.
تداخلت الثقافة بالدين تداخلا كبيرا، وتعددت اشكال وعي الانسان
وفهمه للدين، ففي حين تركز بعض الديانات على الاعتقاد المجرد، تؤكد
اخرى على الجانب الواقعي.
وهناك ديانات تركز على الخبرة الدينية الذاتية للفرد، واخرى ترى أن
أنشطة المجتمع الدينية تعتبر ذات أهمية أكثر. الى غير ذلك من تصورات
فرضتها الثقافة وتراكماتها ومتغيراتها وطرق التعاطي معها.
يأخذ الدين في اللغة العربية عدة معاني: (الملك والسلطان – الطريقة
– الحكم - القانون - الذل والخضوع – الجزاء - العادة والشأن).
واصطلاحاً هو: ما شرعه الله لعباده من أحكام.
تتداخل احيانا مع كلمة الدين كلمات اخرى مثل الايمان والاعتقاد، لكن
الدين يختلف من ناحية أنه يتميز بالعمومية.
في كتاب حمل عنوان (مقالات) للامام الشيرازي الراحل (قدس سره) احتوى
على مقالة حملت عنوان "الدين" قدم من خلالها رؤيته وفلسفته للكلمة،
فالدين بغض النظر عن دعوته إلى عالم آخر حافل بما تشتهي الأنفس وتلذّ
الأسماع والأعين، يدعو إلى "الفضيلة التي لا يدعو إليها أي قانون،
ويمهّد سبيل العيش الرغيد، في جو سلام ورفاه"، ويرى ان "الظواهر
الاجتماعية الناجمة عن تفاعل القوى الشريرة في النفوس أخذاً وعطاءً، لا
تكبحها إلا العقيدة".
حول ما يؤدي الى تشويه الدين، فهو كما يعتقد الامام الراحل، له
علاقة بمن يسميهم (منتحلي الاديان) الذين يجعلون من الهالة المحيطة بـ
(الدين) (جامدة هامدة، لا ينفتق منها ضوء، ولا ينبثق منها نور).
ما اصاب الدين من هؤلاء المنتحلين يشبهه الامام الراحل بإعصار فيه
نار فكل (من ينتحل الدين في هذا الوقت لا ينظر إلى الدين كأمر سماوي،
له شطران: جزء لنظام الاجتماع، وآخر لفضائل الروح والمعاد).
يؤكد الامام الراحل على منتحل الدين ودوره في تكوين تلك الهالة
الجامدة التي تحدث عنها، ولا يكتفي المنتحل بهذا بل تراه كثيرا ما
يصادر الدين لنفسه، ولا يعود مقبولا لديه (الدين) وما يريده بل ما
يريده هذا المنتحل من هذا الدين، مبتعدا عن سهولته ويسره التي تلزم
مطابقة الدين لعمل المتدين.
لهذا حسب توصيف الامام الراحل، (أصبح الدين كالمطاط يجره هذا إلى
هنا، وذاك إلى هناك). ورسخت في الاذهان صورة مشوهة عن الدين بسبب هؤلاء
المنتحلين.
لكن الامر ليس كذلك كما يتصور البعض انه من اثار الدين، فلو نظروا
الى الدين من زاوية اخرى غير النظر الى منتحليه (لرأوا أجمل ما رأوه في
عمرهم، يلذّ مخبره، ويبهج منظره، يكثر ضوؤه، ويعلو قدره).
يعدد الامام الراحل جملة مما يسميه (المفعول) او (الثمار) لجمال
(الدين) ومخبره ومنظره وضوءه وقدره، وهي أول مفعول الدين (إيجاد حب
الخير- كراهية الإثم في القلب).
وثماره عديدة ايضا، تتوزع على حواس الانسان واعضائه، فثمرته في
العين، (النظر والمطالعة والاعتبار، والغض عن المزالق والمهاوي).
وثمرته في الأذن: (أن يقف على النافع، ويستعصم عن الضار).
وثمرته في اللسان: (الصدق وقول الحق والعدل، وقصره عن الهمز واللمز
والطعن).
وثمرته في اليدين والرجلين: (العمل والسعي والجد).
وثمرته في القلب: (الإخلاص وحسن النية، وقطع دابر الحسد والغلّ
وإضمار الشر).
هذا المفعول وتلك الثمار، عند التوفر عليها واحتواءها، تدل فيما تدل
عليه على تمكين العقيدة والدين في النفوس، وانعكاس ذلك على سلوك صاحبها
واخلاقه، في تعامله مع الاخرين.
للدين في حياة الانسان فؤائد كبيرة وجليلة، اذا اعاد الانسان الى
نفسه التمكين له فيها، فأول مايمنع عنه الدين هو (الحرب على سبيل
الغلبة والسلطان، ثم يتدرّج في الضرب على أيدي المستغلين والمحتكرين
والمستثمرين والمستعمرين، وبعد هذا وذاك يجعل النظام للشخص في حركته
وسكونه، والبيت في جمعه وطرحه، والمدينة في حاكمها ومحكومها، وطبقاتها
بعضها مع بعض).
يعتبر الامام الراحل الدين بجوهره وحقيقته التي سلبها الكثيرون من
المنتحلين، (قانوناً مدنياً أخلاقياً اجتماعياً، يصلح المعاش والمعاد
في وقت واحد، وضعه إله السماء حسب المصالح الفردية والاجتماعية)، وجميع
ما نعانيه من مشاكل وويلات هي بسبب ابتعادنا عن الدين وفهمنا الصحيح
له، ولا يرجع وبال العصيان وعواقبه إلا إلى الإنسان نفسه، ويكون كمن
عصى أمر الطبيب، فإن المرض يهد ركني نفسه. |