أجندة داعش.. إفشال التجربة الديمقراطية في العراق

 

شبكة النبأ: هل كانت صدفة، حصول التصعيد الإرهابي في الموصل الأسبوع الماضي، مع قرب نهاية الدورة البرلمانية، وتوقع الفراغ الدستوري، واستمرار الشد والجذب حول النتائج النهائية للانتخابات، ثم الحديث الساخن حول الولاية الثالثة؟.

أجمع المحللون والمتابعون على أن المشاركة الجماهيرية في الانتخابات الاخيرة فاجأت المتشائمين بسبب حدّة التصعيد الكلامي والإعلامي في الحملة الانتخابية بين الأطراف السياسية المرشحة، فقد شارك الناس بنسبة لا يستهان بها، ودخلت صناديق الاقتراع جميع مدن العراق، ما عدى الفلوجة التي كانت محتلة من قبل "داعش"، فقد انتخب الناس مرشحيهم في مدن الرمادي والموصل وتكريت ومدن اخرى تحسب على المناطق الساخنة، وفاز مرشحون هناك لهم قاعدتهم الجماهيرية.

هذه المشاركة الجديدة، او "الاختبار الجديد"، خرج منه الشعب العراقي بنجاح، ثم تركت النتائج على الرفوف رهن الأيام والمجهول، وبدلاً من الخروج بنتيجة سريعة تقدم للشعب العراقي نوابه الجدد، قبل اليوم الأخير للمجلس السابق، شهدنا التهافت والتنافس المحموم حول من يصل الى قمة السلطة.

بين آخر يوم لحضور الناخبين في الساحة السياسية، وبين كارثة سقوط محافظتين تقريباً، كانت اصوات الناخبين وجهود الناس وتضحياتهم ومشاركتهم الجديدة في إنجاح التجربة الديمقراطية، تتدحرج على طاولات مفوضية الانتخابات، ثم انتقلت الى المحكمة الاتحادية على أمل حسم الموقف والبتّ في النتائج النهائية، وتسمية النواب الجدد بشكل رسمي، واعتقد ان هذا الوضع يخيل الى الرائي من خارج الساحة العراقية، على أنه قطعة منفصلة على العالم بأسره، فلا وجود لمصالح اقليمية، ولا انعكاسات للتداعيات الطائفية والسياسية من جانب الحدود مع سوريا. ولا مصالح دولية ومسؤوليات والتزامات مع العالم الخارجي، بل ان العالم بأسره يجلس "القرفصاء" وينتظر ما تتمخض عنه نتائج العد والفرز ثم التحقق وثم اكتمال عدد النواب تحت قبة البرلمان ثم تشكيل الحكومة العراقي!.

انه لأمر يدعو الى التساؤل والتأمل حقاً، أن لا تكون هناك شخصية جهة سياسية او غير سياسية في العراق، تدعو المحكمة الاتحادية وقبلها مفوضية الانتخابات للإسراع في حسم النتائج، سوى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ميلادينوف.. فهل الممثل الدولي، اكثر حرصاً على التجربة الديمقراطية في العراق من العراقيين؟!.

بغض النظر عن المسائل الفنية والتقنية والمنهجية في عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فان مجرد وجود "بيضة الديمقراطية" أمام أقدام الإرهابيين، يجب ان تدفع كل مخلص شريف، وحريص على مصلحة العراق، لأن يؤجل كل شيء، ويصون أصوات وجهود الناخبين في العراق كله. فبين إعلان المفوضية نتائج الانتخابات بعد (19) يوماً من اجراء الانتخابات، وبين وصول النتائج النهائية الى المحكمة الاتحادية، فترة استغرقت حوالي الشهر، وهي فترة طويلة جداً في حساب حرب العصابات التي يمارسها الارهابيون المحترفون والمتواجدون في الفلوجة، ومنها انطلقوا في انحاء محافظة الانبار ثم محافظة الموصل، وهم يفكرون بالتمدد في محافظات اخرى.

لقد اثبتت التجارب، أن الجماعات الارهابية، بل أي سلوك اجرامي وعدواني، لن يجد متنفساً في أجواء الديمقراطية والمشاركة الجماهيرية والتداول السلمي للسلطة، حيث يكون هنالك نسيج متماسك يدعو الى الاستقرار والأمان والتطلع نحو الافضل.

مع علمنا بان الديمقراطية التي نتحدث عنها ليست هي ذاتها القائمة في الدول الغربية ذات التجربة الطويلة والمريرة في العمل السياسي والمخاضات العديدة، فهي ديمقراطية البلدان النامية، كما يعبر عنها الساسة والكتاب الغربيون، حيث الفشل او العطب يصيب بالدرجة الاولى "أداء الحكومة في توفير القدر اللازم من المستوى المعيشي للناس وتحسين الوضع الاقتصادي، قبل التفكير بتوفير الحريات الفردية والعامة". كما يقول "داني رودريك" استاذ علم الاجتماع في احدى الجامعات الامريكية.

ولكن؛ هل هذا يعني أننا نتخذ من الديمقراطية رداءً وقميصاً نلبسه ثم نخلعه وقت الحاجة، او نتخلّى عنه اذا اشتدت المواجهة على السلطة، فنتركه جانباً قبل ان تصلنا "عصابات داعش"؟.

اذا سلّمنا بالغموض الذي يكتنف التجربة الديمقراطية ونتائج الانتخابات التي تتضمن مقاعد لنواب في الموصل وتكريت والانبار، فان البديل الذي لا مفر منه، هو الحكم العسكري وعودة ظلال الديكتاتورية الى العراق. وهذا أخطر ما يُخشى عليه، لأن مجرد وجود هكذا نظام، او حتى اجراءات من هذا القبيل، يعطي المسوّغ والمبرر ليس فقط لـ "داعش" إنما للذين يقفون خلف هذا التنظيم الارهابي داخل العراق، لأن يقدم المزيد من الدعم اللوجستي والسياسي والاعلامي وحتى المالي لمساعدته على مواجهة الوضع الجديد. مع علم المسؤولين في الدولة بمساحة الحواضن التي يتمتع بها الارهابيون منذ سنوات في العراق.

بيد ان هذا ليس كل شيء.. فالعمل بالنفس الديمقراطي واتخاذ القرارات بالمشاركة واستجلاء الآراء واستحصال الافكار والرؤى المفيدة في هذا الوقت العصيب بالذات، من شأنه ان يجنب البلد الانزلاق في إراقة المزيد من الدماء والدمار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/حزيران/2014 - 18/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م