عراك التنين الصيني والصقر الأمريكي...

خلافات جيوسياسية لاستثمار القارة الصفراء

 

شبكة النبأ: العلاقات التي توترت مؤخراً بين الصين وأمريكا بسبب خلافات جيوسياسية، أعطت دليلاً اخر على رغبة الولايات المتحدة القوية في الدخول الى قارة اسيا من أوسع أبوابها، سيما وأنها تعتقد ان مستقبل العالم يكمن في هذه القارة النابضة بالحياة.

وقد أشار العديد من الخبراء ان سياسة الولايات المتحدة مع الصين لن تصل الى حد الصدام المباشر، وانما تعمد من خلال الضغط على التنين الصيني العملاق سياسيا، مع الاحتفاظ بسياسية التلويح بالقوة العسكرية لها من اجل احتواء الصين من قبل أمريكا، سيما وان الأخيرة لا غنى لها عن ثاني أكبر اقتصاد عالمي، والذي يشترك بمصالح عديدة مع الولايات المتحدة.

وحثت أمريكا الصين على الكف عن زعزعة الاستقرار في اسيا مع سعي واشنطن وحلفائها لزيادة التعاون الدفاعي في مواجهة ما وصفتها اليابان ببيئة أمنية "حادة على نحو متزايد"، وكان وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل قال في لهجة قوية غير معتادة خلال منتدى لأمن اسيا والمحيط الهادي إن الولايات المتحدة ملتزمة باعادة التوازن الجيوسياسي للمنطقة "ولن تغض الطرف عندما تواجه المبادئ الأساسية للنظام الدولي تحديا"، وأردف قائلا في كلمة أمام منتدى شانجري-لا ديالوج الأمني في سنغافورة "في الأشهر الأخيرة قامت الصين بأعمال منفردة مزعزعة الاستقرار مؤكدة مطالبتها في بحر الصين الجنوبي".

وقال هاجل إن الولايات المتحدة لم تأخذ موقفا بشأن مدى أحقية المطالب المتضاربة بالسيادة في المنطقة ولكنه أضاف "نعارض بحزم استخدام أي دولة للترهيب أو الإكراه أو التهديد بالقوة لتأكيد هذه المطالب"، وعقد هاجل فيما بعد اجتماعا ثنائيا مع نائب رئيس أركان الجيش الصيني اللفتنانت جنرال وانغ جوان تشونغ الذي عبر عن دهشته بسبب التصريحات الأمريكية، وقال وانغ في بداية الاجتماع موجها حديثه لهاجل "كنت صريحا للغاية هذا الصباح، وبصراحة بشكل فاق توقعاتنا، وعلى الرغم من أنني أرى أنه لا أساس لهذه الانتقادات فأنني أقدر صراحتك وسنقابلها بصراحة من جانبنا".

وفي بكين نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن الرئيس الصيني شي جين بينغ قوله إن الصين لن تبادر بعمل عدواني في بحر الصين الجنوبي لكنها سترد إذا أقدمت دولة أخرى على مثل هذا العمل، وأضاف أثناء اجتماع مع رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق "لن نثير المشاكل أبدا لكننا سنرد بالطريقة اللازمة لاستفزازات الدول المعنية"، وقال وزير الدفاع الياباني ايتسونوري اونوديرا إن طوكيو تلحظ "بيئة أمن إقليمي حادة على نحو متزايد"، وأضاف "من المؤسف أن هناك مخاوف أمنية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، يجب أن تلتزم اليابان وكذلك كل الأطراف المعنية بسيادة القانون والا تحاول أبدا تغيير الوضع الراهن من جانب واحدة بالقوة".

في سياق متصل تطالب الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي كله تقريبا وترفض مطالب أخرى بالسيادة من تايوان وبروناي وفيتنام والفلبين وماليزيا، وتتنازع اليابان والصين السيادة على جزر في بحر الصين الشرقي، وتصاعد التوتر في الأسابيع الماضية بعدما نقلت الصين منصة نفطية إلى مياه تطالب فيتنام بالسيادة عليها وقالت الفلبين إن بكين ربما تبني مهبطا للطائرات في جزيرة متنازع عليها، وقال رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أمام نفس المنتدى إن طوكيو ستعرض "الحد الأقصى من الدعم" لدول جنوب شرق أسيا في جهودها لحماية بحارها ومجالها الجوي وذلك في الوقت الذي طرح فيه خطته كي تقوم اليابان بدور أمني أكبر على الصعيد الدولي، وقال آبي إن بلاده ستقدم زوارق دورية لخفر السواحل في الفلبين وفيتنام، وشرح آبي أيضا حملته المثيرة للجدل لتخفيف القيود التي يفرضها دستور ما بعد الحرب السلمي والذي يمنع الجيش الياباني من القتال في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية. بحسب رويترز.

وازدادت حدة التوتر مؤخرا في بحر الصين الجنوبي الذي تطالب الصين بالسيادة عليه كاملا تقريبا والتي اتخذت اجراءات جريئة لتعزيز ما تقول انه مطالب تاريخية، وتطالب اربع دول اسيوية هي بروناي وماليزيا والفيليبين وفيتنام بأجزاء من بحر الصين الجنوبي، وتعتبر مانيلا وهانوي الاكثر معارضة لبكين بينما تحتل تايوان المرتبة السادسة على صعيد المطالب، وفي التطورات الاخيرة، اتهمت فيتنام سفنا حربية صينية بتصويب اسلحتها على سفنها خلال مواجهة بالقرب من منصة للتنقيب عن النصف في مياه متنازع عليها، كما سجلت حوادث صدم متعمد من الجانبين، وفي العام 2012 فقدت الفيليبين السيطرة على مناطق غنية بالأسماك في سكاربورو (220 كلم عن جزيرتها الرئيسية) بعد مواجهة مع الصين.

كما اتهمت الفيليبين الصين في ايار/مايو الحالي بالقيام بنشاطات على نطاق واسع للمطالبة بمنطقة جونسون ساوث ريف، ويخشى المسؤولون في الفيليبين ان يؤدي ذلك الى قيام الصين ببناء اول مدرج جوي لها في المنطقة المتنازع عليها، وطلبت الفيليبين من محكمة تابعة للامم المتحدة في اذار/مارس ان تعلن ان مطالبة الصين ب70% من بحر الصين الجنوبي خاطئة ورفضت الصين المشاركة في الاجراءات القانونية امام الامم المتحدة.

وتواجه الصين نزاعا حدوديا اخر مع اليابان حول جزر تطلق عليها طوكيو اسم سنكاكو بينما تشير اليها بكين باسم دياويو في بحر الصين الشرقي، والعام الماضي، اعلنت الصين اقامة منطقة دفاع جوي في البحر الشرقي من بينها مناطق خاضعة لليابان، وفي كلمته، شدد هيغل على ان الولايات المتحدة تعارض "اي محاولة لاعاقة حرية التنقل سواء من قبل سفن او مركبات عسكرية او مدنية، ايا كان حجم الدولة".

وكانت وزارة الدفاع اليابانية اعلنت ان مقاتلة صينية حلقت على مسافة بالكاد تبعد 30 مترا عن طائرة استطلاع يابانية من طراز "او.بي-3سي" وذلك فوق مياه تشملها منطقة الدفاع الجوي الصينية التي لا تعترف اليابان بها، واضافت الوزارة ان مقاتلة صينية اخرى من طراز "اس.يو-27" حلقت ايضا على مقربة من طائرة يابانية من طراز "واي.اس-11 اي.بي" في نفس المجال الجوي، واوضحت الوزارة ان المقاتلة الصينية كانت على بعد 50 مترا عن الطائرة العسكرية اليابانية في المرة الاولى ومسافة بالكاد تصل الى 30 مترا في المرة الثانية.

ولكن بكين ردت على التهم اليابانية، مؤكدة ان مقاتلتي اف-15 يابانيتين اقتربتا بطريقة متهورة من طائرة نقل عسكرية صينية من طراز واي-8 في حادث وقع في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، وتعهد هيغل تقديم مساعدة لليابان من اجل لعب دور اكبر في الحفاظ على الامن في اسيا، وكان رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي افتتح المنتدى معلنا ان طوكيو ستعلب دورا "فاعلا" اكثر في امن اسيا، بينما يعمل رئيس الحكومة على تعديل القوانين التي تنظم عمل القوات المسلحة.

كما تعهد هيغل تقديم مساعدة الى الدول التي تنتقل نحو الديموقراطية خصوصا بورما الا انه قال ان واشنطن ستراجع علاقاتها مع الدول التي تفرض قيودا على الحريات، وحث هيغل المجلس العسكري الحاكم في تايلاند على "اطلاق سراح الاشخاص الذين تم اعتقالهم ورفع القيود عن حرية التعبير واعادة السلطة فورا الى الشعب التايلاندي عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وكانت واشنطن الغت مناورات عسكرية مشتركة مع تايلاند كما الغت زيارات رسمية بين البلدين اثر استيلاء الجيش على السلطة في تايلاند في انقلاب عسكري، وكانت الخارجية الاميركية اعلنت قبل ساعات من تصريح هيغل رفضها القاطع للجدول الزمني لخريطة الطريق التي حددها المجلس العسكري الذي تولى السلطة في تايلاند واكد فيها انه لن يتم اجراء اي انتخابات قبل سنة على الأقل، ومثل تايلاند فقط مسؤول من وزارة الخارجية في المنتدى في سنغافورة.

حرب التصريحات

فيما احتجت الصين على تصريحات أمريكية في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لأحداث ميدان تيانانمين وقدمت احتجاجا شديد اللهجة ترفض فيه مطالبة واشنطن بتقديم تفسير لمقتل محتجين مؤيدين للديمقراطية، واضاء عشرات الوف الاشخاص الشموع في هونج كونج لإحياء الذكرى السنوية للأحداث بينما سعت السلطات الصينية إلى تبرئة ساحتها من الأحداث التي وقعت في عام 1989، وسعى البيت الأبيض إلى تكريم الذين ضحوا بأرواحهم في الحملة التي سحقت فيها السلطات الصينية المحتجين وقال في بيان إنه سيدعم دوما الحقوق الأساسية التي ضحى من أجلها المحتجون.

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) في تقرير باللغة الانجليزية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي قوله إن الصين "تشعر بالاستياء الشديد وتعارض بقوة" البيان الأمريكي، وأضافت الوكالة أن الصين "قدمت احتجاجا شديد اللهجة" لواشنطن، وقال هونغ "البيان الأمريكي بشأن هذا الحادث يجافي الحقيقة تماما، يلقي (البيان) باللوم على الحكومة الصينية دون سبب ويتدخل بطريقة سافرة في الشؤون الداخلية للصين وينتهك الاعراف الاساسية التي توجه العلاقات الدولية". بحسب رويترز.

وتمثل تصريحات هونغ تصعيدا لرد سابق على بيان البيت الأبيض الذي دعا واشنطن إلى احترام سيادة القضاء الصيني وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وبالنسبة للحزب الشيوعي الحاكم فإن مظاهرات 1989 التي أغلقت ميدان تيانانمين في بكين وامتدت إلى مدن اخرى مازالت من المحرمات، ولم تعلن الحكومة أبدا عدد قتلى الأحداث لكن تقديرات منظمات حقوق الإنسان وشهود تشير إلى انها تتراوح بين عدة مئات وعدة الاف.

التنافس العسكري

الى ذلك قالت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) ان حجم إنفاق الجيش الصيني تجاوز 145 مليار دولار في العام الماضي وانه عزز برنامجا لتحديث ترسانته من الطائرات بدون طيار والسفن الحربية والطائرات والصواريخ والاسلحة الالكترونية معلنة بذلك رقما أعلى بكثير مما أعلنته الصين رسميا، والتقدير الذي أعلنه البنتاجون بناء على اسعار 2013 وأسعار الصرف في ذلك العام كان أعلى بنسبة 21 في المئة من الرقم الذي أعلنته الصين وبلغ 119.5 مليار دولار، وورد التقدير في تقرير سنوي قدم الى الكونجرس وأشار الى التقدم المطرد في القدرات الدفاعية الصينية.

ويقر التقرير بأن تقدير حجم الانفاق الصيني يمكن ان يصبح مسألة صعبة لأسباب منها "تراجع مستوى الشفافية في مجال المحاسبة والانتقال غير الكامل من الاقتصاد الموجه"، وقالت وزارة الدفاع الصينية في بيان على موقعها على الانترنت انها "تعارض بقوة" تقرير البنتاجون، وقالت "عاما بعد عام تصدر الولايات المتحدة هذا التقرير الذي يطلق عليه (التطورات العسكرية والامنية في الصين) موجهة انتقادات سخيفة للهيكل الدفاعي والعسكري الصيني ومبالغة في (الخطر العسكري الصيني) الذي ينطوى على مغالطة تامة".

واضافت "أما فيما يتعلق بالمحتوى التفصيلي للتقرير الامريكي هذا العام فاننا نجري تقييما الان وسندلي بتعليق آخر حسبما يقتضي الموقف"، وجاء هذا التقرير بعد أيام من اتهام وزير الدفاع الامريكي تشاك هاجل الذي استخدم لهجة شديدة غير معتادة بكين بزعزعة الاستقرار في المنطقة سعيا لمطالبات إقليمية، وذكر التقرير الذي يقع في 96 صفحة ان الصين تركز على حالة التأهب لطوارئ محتملة في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي مشيرا الى مناورات اكتوبر تشرين الاول التي أطلق عليها "المناورة 5" في بحر الفلبين. بحسب رويترز.

فيما اكدت الصين مشاركتها للمرة الاولى في مناورات عسكرية جوية بحرية واسعة تنظمها الولايات المتحدة، على ما اوردت صحيفة الجيش الصيني وذلك بالرغم من الريبة الكبيرة السائدة بين القوتين العظميين، وستشارك البحرية الصينية في اجراء التمارين المقبلة "ريمباك"، وهي مناورات واسعة متعددة الاطراف تنظمها واشنطن في المحيط الهادئ، كما اوضحت صحيفة جيش التحرير الشعبي، وقال متحدث باسم البحرية انها المرة الاولى التي توافق فيها الصين على لعب دور فيها.

وتأتي هذه المشاركة في حين تواجه بكين سلسلة خلافات حادة على الاراضي مع جيرانها الاسيويين خصوصا فيتنام واليابان والفيليبين (البلدان الاخيران من اقرب حلفاء الولايات المتحدة) فيما تنظر واشنطن بقلق الى ارتفاع النفقات العسكرية الصينية، وفي المناورات المقررة في منتصف حزيران/يونيو والتي ستشارك فيها اكثر من 20 دولة سترسل بكين اربع سفن بينها سفينة مضادة للطرادات وفرقاطة وسفينة تموين وسفينة مستشفى على ما اوضحت الصحيفة، وستنضم الى السفن الاميركية قبالة غوام قبل الابحار معا الى بيرل هاربور في ارخبيل هاواي الأميركي، وفي مناورات ريمباك السابقة في 2012 تمت تعبئة نحو اربعين سفينة وست غواصات.

وكانت الصين نفت بشكل قاطع تصريحات وزارة الدفاع الاميركية التي اكدت ان النفقات العسكرية التي تصرح عنها ادنى من قيمتها الفعلية بنحو 20%، ولدى الصين القوة العسكرية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة ثاني اكبر ميزانية دفاع في العالم، لكنها ادنى بشكل ملحوظ من ميزانية واشنطن، وبحسب البنتاغون، فان ميزانية الدفاع الصينية المقدرة رسميا ب119,5 دولار في 2013، تخطت في الواقع 145 مليار دولار، فيما بلغت ميزانية الدفاع الاميركية 495,5 مليار دولار في السنة المالية 2013، وتملك الصين اسلحة متطورة وتعمل على برامج ترتدي اهمية رمزية مثل بناء حاملة طائرات ثانية على الاقل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/حزيران/2014 - 17/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م