أجندة حرب داعش في العراق...

حرب نفسية ومعارك تكتيكية من اجل التقسيم

 

شبكة النبأ: بعد ان تمكن ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف بخلط الأوراق الأمنية في العراق، باحتلال الموصل "التي يقترب عدد سكانها من عدد سكان بعض دول الخليج"، وإرباك الأوضاع الأمنية في صلاح الدين وسامراء وكركوك وديالى، إضافة الى التهديد بإسقاط العاصمة بغداد والزحف نحو كربلاء والنجف، اهم المدن الدينية للمسلمين الشيعة في العالم، ما زالت ملامح الرد العسكري الحكومي غير واضحة المعالم.

وقد أكد عدد من الخبراء الأمنيين، ان منح مزيد من الوقت والتبطؤ في الحسم العسكري، قد يمنح الحرية للجماعات المسلحة بالمبادرة نحو اختيار أهدافها القادمة ويمنحهم الجرأة على مهاجمة اهداف أكثر حيوية، كما يرفع من معنوياتهم القتالية، وربما يؤدي الى ضم جماعات متطرفة أخرى وتوحدها تحت قيادات تنظيم داعش، إذا ما استمرو بتحقيق الانتصارات العسكرية بوتيرة متواصلة.   

بالمقابل، فان المجتمع الدولي بجميع دوله ومنظماته، ايد بشكل قوي، العراق في حربه ضد الجماعات الإرهابية، فيما اكدت عدد من الدول استعدادها الدائم لمساعدة الحكومة العراقية بكل الوسائل المتاحة لتجاوز هذه الازمة، الا ان الولايات المتحدة، التي اشترط ضمناً، ان تتواصل جهود القادة السياسيين من اجل حل مشاكلهم وخلافاتهم التي انعكست سلباً على معنويات وعمل القوات المسلحة في الموصل وغيرها من المدن العراقية، في حال ارادت الولايات المتحدة تقديم المزيد من المساعدات العسكرية الى العراق.

فيما يخشى المحللون من تحول الاضطرابات الأمنية الأخيرة الى صراع طائفي تدفع التنظيمات الإرهابية اليه بقوة من اجل استغلاله في التحشيد لـ"حرب أهلية" قد تؤدي الى المزيد من اعمال العنف التي يصعب معها السيطرة على الأوضاع الأمنية مجددا.

أوضاع امنية مرتبكة

فقد دعا تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" الذي يشن هجوما كاسحا في العراق تمكن خلاله من السيطرة على مدينتي الموصل وتكريت الى مواصلة "الزحف" جنوبا نحو العاصمة بغداد ومدينة كربلاء الشيعية، وقال ابو محمد العدناني احد ابرز قيادات تنظيم "الدولة الاسلامية" والمتحدث باسمه في كلمة نشرت على مواقع تعنى بأخبار الجهاديين "واصلوا زحفكم فانه ما حمي الوطيس بعد، فلن يحمى الا في بغداد وكربلاء فتحزموا وتجهزوا"، واضاف "شمروا عن ساعد الجد ولا تتنازلوا عن شبر حررتموه وازحفوا الى بغداد الرشيد، بغداد الخلافة، فلنا فيها تصفية حساب، صبحوهم على اسوارها لا تدعوهم يلتقطوا الانفاس".

ووجه العدناني في كلمته التي حملت عنوان "ما اصابك من حسنة فمن الله" رسالة الى رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ العام 2006 ويسعى للبقاء على راس الحكومة لولاية ثالثة، وقال العدناني "ماذا فعلت بقومك يا احميق؟ وما احمق منك الا من رضي بك رئيسا وقائد، تبقى بائع ملابس داخلية، ما لك وللسياسة والقيادة العسكرية، لقد اضعت على قومك فرصة تاريخية للسيطرة على العراق ولتلعنك الروافض ما بقيت لهم باقية"، وتابع "حقا ان بيننا تصفية للحساب حساب ثقيل طويل، ولكن تصفية الحساب لن تكون في سامراء او بغداد، وانما في كربلاء المنجسة والنجف الاشرك وانتظروا ان معكم منتظرون".

ونجح مقاتلو "الدولة الاسلامية في العراق والشام" في التمدد جنوبا بعدما احكموا قبضتهم على مدينة الموصل في شمال العراق، حيث تمكنوا من السيطرة على مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، ولم يتوقف زحف هؤلاء المقاتلين الجهاديين الا عند اطراف مدينة سامراء التي لا تبعد سوى 110 كلم عن شمال العاصمة بغداد، والتي تحوي مرقدا شيعيا ادى تفجيره عام 2006 الى اندلاع نزاع طائفي بين السنة والشيعة قتل فيه الالاف. بحسب رويترز.

فيما فرضت قوات البشمركة الكردية سيطرتها بشكل كامل على مدينة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد بهدف حمايتها من هجوم محتمل لمقاتلين جهاديين، بحسب ما أفاد مسؤولون أكراد، وهذه المرة الأولى التي تسيطر فيها القوات الكردية على كركوك التي عادة ما تتولى المسؤولية الأمنية فيها قوات مشتركة من العرب والأكراد والتركمان هم عناصر في الشرطة المحلية، وقال العميد شيركو فاتح رؤوف قائد اللواء الأول من قوات البشمركة متحدثا لوكالة الأنباء الفرنسية أن "قواتنا أكملت نشر عناصرها حول مدينة كركوك وأكملنا سيطرتنا على المدينة".

وأضاف "لن نسمح بدخول عنصر واحد من تنظيم داعش إلى مدينة كركوك"، في إشارة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي يشن هجوما مفاجئا في مناطق متفرقة من العراق تمكن خلاله من السيطرة على محافظة نينوى وبعض مناطقة محافظة صلاح الدين، وأكد محافظ كركوك نجم الدين عمر كريم أن "قوات البشمركة ملأت الفراغات التي سببها انسحاب الجيش العراقي من مواقعه التي لم تعد موجودة"، في إشارة إلى المواقع الواقعة خارج المدينة عند أطرافها الجنوبية والغربية.

من جانبه قال دبلوماسيون إن مسؤولا كبيرا في الأمم المتحدة بالعراق أبلغ مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية بأنه لا يوجد خطر مباشر لامتداد العنف إلى بغداد لكن هجوم المتشددين الإسلاميين في الشمال يشكل تهديدا كبيرا للسيادة في البلاد، وأطلع رئيس بعثة الأمم المتحدة السياسية في العراق نيكولاي ملادينوف مجلس الأمن من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة على التقدم المفاجئ في شمال العراق هذا الأسبوع لمقاتلي جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام المنشقة على تنظيم القاعدة.

واغتنم الأكراد العراقيون الفوضى ليفرضوا سيطرتهم بسرعة على مدينة كركوك النفطية في شمال العراق، وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين الذي تحدث بعد ملادينوف في الجلسة المغلقة إن ملادينوف "كان واثقا تماما من أن بغداد محمية بشكل جيد وأن الحكومة مسيطرة ومن ثم، لا يوجد خطر مباشر لامتداد العنف إلى بغداد"، لكن تشوركين تابع قائلا إن ملادينوف أشار إلى أن هناك مخاوف لامتداد العنف خارج شمال البلاد، ووصف السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار أرو الذي تحدث بعد تشوركين الموقف في العراق "بأنه كارثة."

وقال تشوركين الذي يرأس مجلس الأمن الدولي خلال شهر يونيو حزيران للصحفيين إن المجلس المؤلف من 15 عضوا أبدى تأييده بالإجماع لحكومة وشعب العراق في حربهم ضد الإرهاب، وقال "أدانوا بقوة جميع الأنشطة الإرهابية والمتطرفة بغض النظر عن دوافعها"، واضاف "أكدوا كذلك أهمية الحوار الوطني الذي يشمل الجميع"، وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور التي تزور حاليا الأردن وتركيا في بيان إن العنف من جانب الدولة الإسلامية في العراق والشام "تهديد أمني واضح للعراق وتهديد متنام للمنطقة"، وأضافت "الولايات المتحدة ستواصل العمل مع شعب العراق والشركاء الإقليميين والمنظمات الدولية لضمان أنه جرى توفير الموارد والاستراتيجيات المطلوبة لمحاربة جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام والجماعات الإرهابية الأخرى الناشئة."

وكان ملادينوف اجتمع قبل الحديث إلى مجلس الأمن مع رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق للصحفيين في نيويورك إن المجلس "عبر عن قلقه من الوضع الخطير قائلا إن استمرار العنف في مناطق في العراق هو التهديد الأكثر شدة لأمنه منذ سنوات"، وأضاف أنه "أكد من جديد تأييد الأمم المتحدة للحكومة العراقية في جهودها لمحاربة الإرهاب".

وساعد انعدام الثقة بين الطوائف ووصول الزعماء السياسيين العراقيين إلى طريق مسدود في سقوط الموصل وهي واحدة من أكبر مدن العراق في أيدي متشددين سنة هذا الأسبوع، ويتهم رئيس الوزراء نوري المالكي خصومه السياسيين السنة بالتآمر ضده ودعم جماعات مسلحة مثل تلك الجماعات التي سيطرت على الموصل فيما يقول منافسوه الأكراد والسنة (ومن بينهم محافظ نينوى أثيل النجيفي وشقيقه أسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي السابق) إنه رفض الاستجابة لتحذيراتهم من أن انهيار الموصل وشيك.

وبينما انشغل الساسة بالاتهامات والاتهامات المضادة تزايدت قوة المتشددين السنة واستفادوا من الانقسامات بين الساسة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات -شيعية وسنية وكردية، ومن المعروف أن الموصل وهي مدينة يسكنها مليونان تستضيف إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام جماعة جيش النقشبندي البعثية المتشددة التي يعتقد أن زعيمها هو عزة إبراهيم الدوري أحد كبار مساعدي صدام حسين، وبعد الإطاحة بصدام حسين في عام 2003 تجمع عدد من ضباط الجيش الذين رفضوا التصالح مع النظام الجديد في الموصل، وأتاح قرب المدينة من الحدود السورية حرية حركة للبعثيين (الحزب السياسي الذي تزعمه صدام حسين) وللمتطرفين الإسلاميين. بحسب رويترز.

وكان قائد عمليات نينوى الفريق ركن مهدي الغراوي الذي فر من الموصل قدر في ديسمبر كانون الأول الماضي أنه يوجد في المحافظة حوالي ألف عضو في جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام المنشقة على تنظيم القاعدة، وقال حينذاك إن تنظيم القاعدة يحتاج إلى الموصل ويعتقدون أنها إمارتهم الإسلامية، وتابع قائلا إنه من السهل عليهم الاختباء في الموصل وتبنتهم عناصر مختلفة في المدينة والمحافظة، وقال إن الحكومة ارتكبت اخطاء استثمرها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتحدث أثيل النجيفي محافظ نينوى الذي فر من الموصل هذا الأسبوع عن معسكرات في الصحراء وإنهم طلبوا من الحكومة مرارا قصفها بدلا من استدراج المسلحين للمدن ومحاربتهم فيها.

واشتكي الأكراد كذلك بعد المكاسب التي حققها المتشددون من أن المالكي لم يستجب لتحذيراتهم وعرضوا تشكيل وحدات عربية كردية مشتركة لهزيمة مسلحي الدولة الإسلامية، وقال جبار ياور أمين عام وزارة البشمركة (قوات الأمن في المنطقة الكردية في شمال العراق التي تتمتع بحكم ذاتي) إن أحدا لم يستمع إلى تحذيراته بشأن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وقال خالد الأسدي عضو ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي إن الأخوين النجيفي والأكراد رأوا فيما كانت تقوله الحكومة قضية سياسية مشيرا إلى أنهم كانوا يحاولون دائما إخراج الجيش من الموصل.

وقال إنه عقد شخصيا أكثر من اجتماع مع أثيل النجيفي وإنه كان يقول إن الموصل آمنة ولا تحتاج إلى هذه القوات ويجب سحب الجيش، وفي القلب من هذه القضية انعدام الثقة في المعارضين الذين يخشى المالكي من أنهم يحاولون تقويض سلطته المركزية، وسيكون التعاون مع الأكراد الذين يديرون منطقتهم التي تتمتع بحكم ذاتي والذين يوجد بينهم وبين حكومة المالكي خلاف على عائدات النفط بمثابة انتكاسة للمالكي الذي أبعد الأكراد عن وحدات الجيش في شمال البلاد منذ عام 2008 عندما في بناء الحكومة المركزية.

واعتبر المالكي التحالف الناشئ بين الأكراد والأخوين النجيفي مع الترحيب بقدوم شركة إكسون موبيل إلى محافظة نينوى لاستخراج النفط تهديدا لمركزية الدولة، وأشار أيضا إلى حديث الأخوين النجيفي عن إقامة منطقة سنية مستقلة ووصف ذلك الحديث بأنه خيانة، وقال في أبريل نيسان قبل انتخابات مجلس المحافظات التي جرت في آواخر ذلك الشهر إنه من المحزن أن يطعن بعض الساسة الجيش في ظهره في الوقت الذي يواجه فيه القتلة والمجرمين.

وقال أحد مستشاري كتلة المتحدون (الكتلة السياسية التي ينتمي إليها الأخوان النجيفي) إن الكتلة كانت منجذبة لإمكانية إقامة منطقة سنية منفصلة وإنها وافقت ضمنا على تحرك المتشددين في محافظة الأنبار وفي أنحاء العراق منذ ديسمبر كانون الأول باعتباره أداة لتحقيق هذه الغاية، وقال عضو في ائتلاف متحدون "قلنا لهم: لا تسمحوا للجيش بدخول مناطقكم، لا تدخلوا في قتال مع مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام، علينا أن نتحمل تشددهم، المنطقة السنية ستصبح واقعا"، وأحد الانتقادات الموجهة للمالكي أنه استغل أيضا الانقسامات في العراق لتعزيز الدعم السياسي الذي يتمتع به.

وقال مستشار كبير للمالكي إن الهدف من قرار رئيس الوزراء محاربة المتشددين في محافظة الأنبار منذ أواخر ديسمبر هو أن يظهر للشيعة أنه قوي وتحسين فرصه للفوز بفترة ولاية ثالثة، وعمل المالكي كذلك على احتضان الأخوين النجيفي اللذين يطمحان لأن يكونا زعيمين للعراقيين السنة لكنه لم يتمكن من إيجاد حل للصراع الذي يعطل حياة السنة العاديين، وقال مستشار آخر للمالكي إن رئيس الوزراء "استخدم الورقة الطائفية بشكل جيد.

حمل السلاح ضد المتشددين

فيما حث المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني أتباعه على حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم في مواجهة تقدم المتشددين السنة وذلك في تصعيد خطير للصراع الذي يهدد باندلاع حرب أهلية، وفي واشنطن قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه يدرس خيارات عسكرية لمساعدة العراق في محاربة أعمال العنف المسلحة وأن هذه الخيارات لا تصل إلى حد إرسال قوات للقتال هناك لكنه نبه في الوقت نفسه إلى أن أي تحرك أمريكي يجب أن يصاحبه جهد عراقي لتضييق هوة الخلافات السياسية، وقال إنه سيحتاج إلى عدة أيام لاتخاذ قرار بشأن الرد الأمريكي.

وخلال صلاة الجمعة في مدينة كربلاء تليت رسالة من السيستاني دعا فيها الناس الى الاتحاد لصد تقدم مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسيطر مسلحون يرفعون علم التنظيم على بلدتين عراقيتين  في اجتياح خاطف جنوبا باتجاه العاصمة بغداد اذ يسعون الى إقامة دولة خلافة إسلامية، وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي نقلا عن رسالة السيستاني "المطلوب ان يحث الاب ابنه ان تحث الام ابنها ان تحث الزوجة زوجها على الصمود والثبات دفاعا عن حرمات هذا البلد ومواطنيه، وأضاف بينما عبر المصلون عن تأييدهم لما يقوله أن من يلقون حتفهم خلال قتال متشددي الدولة الإسلامية سيكونون شهداء. بحسب رويترز.

وفي ظل حالة الفوضى وبعد أيام من سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام على مدينة الموصل سيطرت القوات الكردية العراقية على كركوك المنتجة للنفط والتي تقع خارج إقليم كردستان شبه المستقل وهم يعتبرون المدينة منذ زمن طويل عاصمتهم التاريخية، وهناك مخاوف الآن من أن يؤدي الصراع الطائفي والعشائري إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات شيعي وسني وكردي، وكانت الأجواء في بغداد متوترة يوم الجمعة الماضي وخلت الشوارع من المارة واتجه السكان لتخزين الأغذية وتسليح أنفسهم.

وفي تعبير عن المخاوف من أن يتحول الهجوم المسلح الذي شنته الدولة الإسلامية إلى حرب أهلية تعطل صادرات النفط من دولة رئيسية عضو في أوبك زاد سعر خام برنت على 113 دولارا للبرميل بزيادة قدرها أربعة دولارات منذ بداية الأسبوع، وقال أوباما للصحفيين في البيت الأبيض إنه لن يرسل قوات أمريكية إلى العراق مرة أخرى للقتال هناك لكنه طلب من مستشاريه للأمن القومي تجهيز "مجموعة من الخيارات الأخرى" لمساعدة قوات الأمن العراقية على محاربة مقاتلي الدولة الاسلامية في العراق والشام، وقال إنه يتوقع أن يتخذ الزعماء العراقيون خطوات نحو المصالحة السياسية.

وقال أوباما "الولايات المتحدة لن تدخل نفسها في عمل عسكري في غياب خطة سياسية من جانب العراقيين تعطينا قدرا من الاطمئنان الى أنهم مستعدون للعمل معا"، وراقب المسؤولون الأمريكيون تداعي قوات الأمن العراقية التي دربتها ومولتها الولايات المتحدة وفرارها أمام تقدم المتشددين في الأيام القليلة الماضية، وأشار أوباما إلى أن الولايات المتحدة قدمت الكثير من الأموال والتدريب لقوات الأمن العراقية، وقال "مسألة أنهم غير مستعدين للصمود والقتال والدفاع عن مواقعهم، تشير إلى أن هناك مشكلة تتعلق بالروح المعنوية، هناك مشكلة فيما يتعلق بالالتزام"، وأضاف "في النهاية يضرب هذا بجذوره في المشكلات السياسية التي تعاني منها البلاد منذ وقت طويل جدا".

ويشكو مسؤولون غربيون منذ فترة طويلة من أن المالكي لم يفعل ما يكفي لرأب انقسامات طائفية جعلت كثيرا من أبناء السنة المحرومين من السلطة منذ الإطاحة بصدام حسين ساخطين ويرغبون في الانتقام، وهي أجواء استغلها تنظيم الدولة الإسلامية، وشارك في تقدم الدولة الإسلامية ضباط جيش بعثيون سابقون موالون لصدام حسين وكذلك جماعات مسلحة ساخطة وعشائر ترغب في الإطاحة بالمالكي، والمدن والبلدات التي سقطت في أيدي المتشددين إلى الآن يغلب على سكانها السنة.

ومن المعروف ان الموصل التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة لا يتواجد بها تنظيم الدولة الإسلامية وحسب وإنما توجد بها ايضا جماعة بعثية مسلحة تسمى جيش النقشبندي ويعتقد ان زعيمها عزة ابراهيم الدوري المساعد المقرب من صدام سابقا، وقال عضو في جيش المجاهدين الذي يتألف من ضباط سابقين وإسلاميين اكثر اعتدالا "اتصل بنا مقاتلو الدولة الإسلامية قبل نحو ثلاثة ايام من الهجوم على الموصل وطلبوا منا الانضمام لهم، للأمانة ترددنا في الانضمام لهم لأننا لم نقتنع بقدرتهم على هزيمة الآلاف من جنود القوات الحكومية في الموصل.

وأضاف "حين دخل تنظيم الدولة الإسلامية الموصل واجتاحت مواقع الحكومة في ساعات، حينئذ قررنا توحيد صفوفنا والقتال معهم لأن هدفنا واحد وهو طرد قوات المالكي من الموصل وإزاحة الظلم"، ويعني تطور الأحداث أن ايران ربما تكون مستعدة للتعاون مع واشنطن لدعم حليفهما المشترك المالكي، وقال مسؤول إيراني كبير طلب عدم نشر اسمه إنه تجري مناقشة الفكرة داخل القيادة الإيرانية، وأضاف "نستطيع العمل مع الامريكيين لإنهاء التمرد في الشرق الاوسط" مشيرا الى التصعيد المفاجئ للصراع في العراق.

وقالت وزارة الخارجية الامريكية إن واشنطن لا تبحث الشأن العراقي مع طهران، وبعد أن توغلت عناصر الدولة الإسلامية الى الجنوب الشرقي عقب أن سيطرت على مدينة الموصل في أقصى شمال العراق وعلى تكريت مسقط رأس صدام حسين دخلت بلدتين في محافظة ديالى المتاخمة لإيران، وقالت مصادر أمنية إن السعدية وجلولاء سقطتا في أيدي المسلحين السنة بعد أن فرت القوات الحكومية من مواقعها الى جانب عدة قرى حول جبال حمرين التي يختبئ بها المتشددون منذ فترة طويلة.

وأطلق الجيش العراقي قذائف المدفعية على السعدية وجلولاء من بلدة المقدادية القريبة، وانسحب مقاتلو الدولة الإسلامية في النهاية من جلولاء وسيطر عليها مقاتلو قوات البشمركة الكردية، وقال شهود إن طائرات هليكوبتر عراقية أطلقت صواريخ على أحد اكبر المساجد في تكريت يوم الجمعة، ولم يتوفر المزيد من التفاصيل، ونشر تنظيم الدولة الإسلامية مبادئ الشريعة الإسلامية التي ستطبق في الأراضي التي يسيطرون عليها في شمال العراق ويشمل هذا حظر تعاطي المخدرات وشرب الخمور وتدخين السجائر الى جانب التزام النساء بارتداء الحجاب والملابس التي لا تشف ولا تصف.

وأفادت تقارير بأن مسلحي الدولة الإسلامية أعدموا أفرادا من الجيش والشرطة بعد سيطرتهم على بعض البلدات، وقال تنظيم الدولة الإسلامية إنه يعطي أفراد الجيش والشرطة فرصة للتوبة، ورأى سكان قرب الحدود مع سوريا حيث استغلت الدولة الإسلامية الحرب الأهلية للاستيلاء على مساحات كبيرة من شمال شرق البلاد عناصر التنظيم وهم يزيلون سواتر رملية على الحدود تمهيدا لإقامة دولة الخلافة على جانبي الحدود بين العراق وسوريا، وتقاتل الدولة الإسلامية في العراق والشام فصائل المعارضة السورية منذ عدة شهور كما اشتبكت من حين لآخر مع قوات الرئيس بشار الأسد.

وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان إن جناح التنظيم في سوريا يدخل الى البلاد أسلحة استولى عليها في العراق من القوات الحكومية، وقال ماثيو هينمان رئيس مركز آي.اتش.اس. جين لدراسات الإرهاب والتمرد في تقرير إن سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام على أراض عراقية على الحدود مع سوريا ستعطي للتنظيم مزيدا من حرية الحركة للمقاتلين والعتاد عبر حدود الدولتين، وأضاف "سيتم نقل الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمركبات العسكرية والأموال التي استولت عليها الدولة الإسلامية الى المنطقة الصحراوية من شرق سوريا التي كان يستخدمها التنظيم كنقطة انطلاق لهجماته".

وفي بيجي قرب كركوك طوق مقاتلو الدولة الإسلامية اكبر مصفاة نفطية في العراق مما يبرز التهديد المحتمل الذي تتعرض لها صناعة النفط، والى الجنوب أحرز المقاتلون مزيدا من التقدم ووصلوا الى بلدات على مسافة نحو ساعة بالسيارة من بغداد حيث تستعد ميليشيا شيعية لتكرار محتمل للصراع الطائفي الذي شهدته البلاد عامي 2006 و2007، وتدفقت شاحنات تحمل متطوعين شيعة يرتدون زيا موحدا نحو الخطوط الأمامية للدفاع عن بغداد، وعلى الرغم من دعوة السيستاني لحمل السلاح فإن رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي قاد انتفاضة ضد القوات الأمريكية لم يدع أنصاره للتعبئة، وخلال صلاة الجمعة قيل لأتباعه إن عليهم انتظار التوجيهات في الايام القادمة لتشكيل فرق تدافع عن المواقع المقدسة.

وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وحلفاؤه على الفلوجة في بداية العام، وهي تقع على بعد 50 كيلومترا فقط الى الغرب من مكتب المالكي، وقال سكان إن التنظيم أنشأ مجالس عسكرية لإدارة البلدات التي سيطر عليها، وقال قيادي عشائري بالمنطقة "وجهتنا الأخيرة ستكون بغداد، المعركة الحاسمة ستكون هناك، هذا هو ما يكرره قادتهم".

وضع انساني صعب

بدوره قال روبرت كولفيل المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن المئات قتلوا ومنهم من نفذ فيه إعدام بدون محاكمة بعد أن اجتاح متشددون إسلاميون مدينة الموصل هذا الأسبوع، وأضاف أن القوات الحكومية العراقية أوقفت أشخاصا عند نقاط تفتيش ومنعتهم من الفرار من الموصل التي سيطر عليها متشددو الدولة الإسلامية في العراق والشام، واليوم بات التنظيم يستخدم نقاط تفتيشه الخاصة في اقتناص كل من هو مرتبط بالحكومة العراقية.

وقال كولفيل في إفادة صحفية في جنيف "حجم الخسائر بين المدنيين ليس معروفا بعد ولكن التقارير التي تلقتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق حتى الآن تفيد أن عدد الذين قتلوا في الأيام الأخيرة قد يصل إلى المئات ويقال أن عدد المصابين يقترب من ألف"، وتابع أن لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق شبكة اتصالات خاصة بها وأجرت مقابلات مع عدد من الذين نزحوا من الموصل وعددهم 500 ألف، وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن هناك تقديرات بأن 40 ألفا آخرين نزحوا من مدينتي تكريت وسامراء.

وقال كولفيل "تلقينا تقارير عن إعدامات خارج نطاق القانون لجنود في الجيش العراقي خلال عملية اجتياح الموصل وعن إعدام 17 مدنيا في شارع واحد في مدينة الموصل في 11 يونيو"، وتابع أنه "كان هناك أيضا إعدام موظف في محكمة في منطقة الدواسة في وسط الموصل وإعدام 12 شخصا في الدواسة يعتقد أنهم يعملون لدى أجهزة الأمن العراقية أو ربما يكونون أفرادا من الشرطة"، ونسب كولفيل إلى تقارير لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق القول إن "الغالبية العظمى" للمتشددين عراقيون. بحسب رويترز.

وقال كولفيل إن السجناء الذين أفرج عنهم من سجن الموصل خرجوا يسعون للانتقام من المسؤولين عن حبسهم وبعضهم توجه إلى تكريت وقتل سبعة من ضباط السجن هناك، وأضاف "لدينا أيضا تقارير تفيد أن القوات الحكومية ارتكبت تجاوزات وبخاصة قصف مناطق مدنية في السادس والثامن من يونيو حزيران، مما أسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين"، وتابع قوله "هناك مزاعم بأن ما يصل إلى 30 مدنيا قتلوا".

كما هرب من المعارك نزح نحو أربعين ألف شخص في تكريت وسامراء حسب إحصائيات لمنظمة الهجرة الدولية، التي توقعت "أزمة انسانية مطولة" في العراق، وأعلنت المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية كريستيان برتيوم في لقاء صحافي في جنيف أن "الوضع متفجر جدا والناس يتحركون. أغلبية الناس حاليا تفر من المعارك".

فمنذ 10 حزيران/يونيو تمكن جهاديو الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من السيطرة على الموصل ومحافظتها نينوى (شمال) وتكريت ومناطق أخرى في محافظة صلاح الدين، إضافة إلى مناطق في محافظتي ديالى وكركوك (شمال)، وأفادت منظمة الهجرة الدولية أن 500 ألف مدني فروا من المعارك في الموصل، ثاني كبرى مدن العراق، كما صرحت منسقة أعمال الطوارئ للمنظمة في العراق ماندي الكساندر أنه فيما "يتدهور الوضع ساعة بساعة" في العراق "نتوقع أزمة انسانية مطولة".

وتوقعت المنظمة ارتفاع عدد النازحين وهي تحتاج بسرعة إلى 15 مليون دولار لشراء وتوزيع مواد إغاثة غير غذائية و5000 خيمة وتطبيق برنامج لتحديد وتقييم حاجات النازحين، من جهة أخرى بدأ برنامج الاغذية العالمي عملية طارئة أولى لتوفير المساعدات الغذائية إلى 42 ألف شخص من الأكثر ضعفا الذين نزحوا بسبب النزاع في العراق هذا الأسبوع، وأفادت المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة أن حوالى 300 الف شخص فروا باتجاه محافظتي أربيل ودهوك في كردستان، وصرح المتحدث أدريان ادواردز أن "الكثيرين لا يحملون المال وليس لديهم من يلجأون إليه"، مشددا على الحاجة إلى الخيم.

وزادت وكالات الامم المتحدة من مساعداتها الانسانية للعراق حيث نزح مئات الاف الاشخاص على اثر الهجوم الذي يشنه مسلحون اسلاميون متطرفون منذ بداية الاسبوع، كما اعلن متحدث، واوضح مساعد المتحدث باسم الامم المتحدة فرحان حق امام الصحافيين في نيويورك ان "وكالات الامم المتحدة ترسل المزيد من المساعدات الى داخل البلد مستبقة عمليات نزوح جديدة"، ونظم برنامج الاغذية العالمي قافلة جوية من دبي ستنقل مساعدات انسانية الى اربيل عاصمة منطقة كردستان ذات الحكم الذاتي في شمال العراق، كما اوضح.

واشارت المفوضة العليا لحقوق الانسان نافي بيلاي في وقت سابق الى ان مئات الاشخاص قد يكونون قتلوا في الايام الاخيرة وجرح قرابة الف شخص، بينما يتقدم مسلحو تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" نحو بغداد، وفي غضون بضعة ايام، نجحوا في السيطرة على الموصل ومحافظتها نينوى (شمال) مستفيدين من تقهقر قوات الامن، وبحسب فرحان حق، فان وكالة الامم المتحدة لللاجئين تبدي قلقها حيال نقص الملاجئ بينما يستمر عدد النازحين بالازدياد.

واعلن ان 300 الف شخص وصلوا الى اربيل ودهوك وهم لا يحملون اي شيء سوى ثيابهم، وفي دهوك، تجمعت العائلات في مساجد وكنائس او مدارس، بينما ينتظر عدد متزايد من الناس في مخيم قرب الموصل، كما قال فرحان حق، واضاف ان "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ساعدت الحكومة العراقية على اقامة خيم وقدمت مواد إنسانية، وتقوم وكالات اممية اخرى بتثبيت خزانات للمياه".

من جهة اخرى اقام العاملون الانسانيون مخيما جديدا لاستقبال قرابة ثلاثة الاف لاجئ قرب دهوك، وهناك مخيمان قيد الاعداد، بحسب فرحان حق، وتساعد منظمة الصحة العالمية وشركاؤها بنقل الادوية الى العائلات العالقة عند نقاط التفتيش وستقدم لقاحات ضد الحصبة في الايام المقبلة، كما اوضح المتحدث أيضا، وفي الانتظار، يجري موفد الامم المتحدة الخاص الى العراق نيكولاي ملادينوف محادثات حول "مبادرات" ممكنة و"يحاول ان يرى ما يمكنه القيام به لجمع الحكومة والشعب العراقيين"، بحسب فرحان حق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/حزيران/2014 - 17/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م