ما حدث في العراق.. هل سيرسم شرق أوسط جديد؟

 

شبكة النبأ: انطلاقا من احداث الانبار التي بانت ملامحها أواخر عام 2013، مروراً بسقوط مدينة الفلوجة بيد ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (او داعش اختصاراً)، في بدايات عام 2014، تصاعدت اعمال العنف من قبل هذا التنظيم المتطرف في العراق كثيراً، والتي كانت اخرها ما حدث من سيطرتهم على ثاني أكبر مدن العراق (الموصل) والتي يتجاوز عدد سكانها (1،8) مليون نسمة، بعد ان سقطت خلال ساعات وعلى يد بضع مئات فقط من عناصر داعش.

من جانب اخر ما زالت المعارك دائرة بقوة لمنع التنظيم من فرض سيطرته على مناطق أخرى من العراق، سيما وان مدن عديدة في صلاح الدين وديالى وسامراء وكركوك، مهدده بنفس مصير محافظة الموصل، إضافة الى ما صرح به الناطق باسم تنظيم داعش "العدناني"، بان الزحف مستمر ولن يتوقف الا عند السيطرة على بغداد وكربلاء والنجف، في محاولة عدها المحللين، خطوة لجر العراق الى المربع الأول واحداث الفتنة الطائفية كمقدمة لحرب أهلية، تنشط من خلالها التنظيمات المتطرفة، وتجدها ضرورية للحفاظ على بقائها وانتشارها.

ويبدو ان الصراع الدائر حول انتزاع المناطق التي يسكنها الغالبة من المسلمين السنة، في محاولة لاستدراجهم في حرب مفتوحة مع الحكومة العراقية لأسباب طائفية، كما ان المناطق الغربية في العراق ضرورة حيوية لهذا التنظيم، لاعتبارات جيوسياسية، سيما وان هذه المناطق صعودا الى الشمال، لديها حدود طبيعية مشتركة مع الأراضي السورية، ومن خلالها يمكن العبور الى سوريا وتامين خط الامداد من والى "الرقة"، المعقل الرئيسي الامن لتنظيم داعش.

خارجياً، وتحديداً عند تباين المواقف بين السعودية وإيران اللتان تسعيان نحو تقارب نادر فيما لو كتب له النجاح، وقد جاءت هذه الاحداث، ربما لخلط الأوراق من جديد، سيما وان ملامح الخلاف الطائفي واضحة في الخروقات الأمنية الأخيرة والدوافع الكامنة ورائها.

إضافة الى ما تقدم، فان الدعم الدولي للعراق في مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة ما زال قويا وموحداً، الا ان الضمانات التي يطلبها هذا الموقف وتصر على تنفيذه الولايات المتحدة الامريكية، تتمحور حول ضرورة توحد القادة العراقيين وحل خلافاتهم السياسية من اجل تقديم الدعم لهم في ظل حكومة واحدة وقرار سياسي موحد، وهذا ما استبعده الكثير من المتابعين في الوقت الراهن.

المتشددين والتقارب السعودي الإيراني

في سياق متصل يوفر التقدم الذي حققه متشددون إسلاميون سنة في العراق مؤخرا سببا قوية كي تنهي إيران والسعودية النزاع بينهما الذي يتشابه مع الحرب الباردة لكن من المرجح أيضا أن يؤدي الى انتكاسة للتقارب بين القوتين السنية والشيعية المهيمنتين في الخليج، فبعد عقود من العداء الصريح في أغلب الأحيان بين السعودية وإيران والذي أحدث حالة من الاستقطاب في الشرق الأوسط وعقب حرب بالوكالة في سوريا على مدى ثلاثة أعوام بدأت المملكة السنية وإيران الشيعية في الأشهر القليلة الماضية بحث سبل التواصل.

وأعلنت السعودية في مايو آيار أنها وجهت الدعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ليقوم بزيارة نادرة للمملكة، وفي وقت سابق هذا الشهر قام أمير الكويت بأول زيارة يقوم بها حاكم للكويت لإيران منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، واجتمع مع الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، ومع وصول الحرب الأهلية السورية الى طريق مسدود وفي ظل انتشار الاضطرابات في أنحاء المنطقة وسعي ايران لإبرام اتفاق نووي مع الغرب تتوفر للرياض وطهران أسباب للبحث عن سبل للتعاون، ويقول دبلوماسيون إن الدولتين قد تبحثان على الأقل عن طريقة لتجنب تفاقم الوضع في المنطقة.

ويعزز التقدم الخاطف الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الحجة المؤيدة للتقارب فطهران والرياض تشتركان في الخوف من أن احتمال انزلاق العراق إلى حمام دم طائفي سيشكل خطرا على الجميع، لكن من المحتمل أن يثير تقدم الدولة الإسلامية في العراق والشام شكوكا على المدى القريب تجعل أي تحسن في العلاقات أكثر صعوبة، وقال جمال خاشقجي الذي يرأس قناة إخبارية مملوكة للملياردير السعودي الوليد بن طلال إن التقارب السعودي الإيراني لا بد وأنه معلق الآن.

اما الدولة الإسلامية في العراق والشام وهي جماعة تستلهم نهج تنظيم القاعدة وعدو لدود لإيران فهي تعتبر أن الشيعة خارجون على الإسلام ويستحقون القتل وتقتل مئات المدنيين الشيعة شهريا في تفجيرات يومية في العراق، لكنها أيضا ليست صديقة للرياض وحاربت حلفاء السعودية في اقتتال فيما بين فصائل المعارضة السنية المسلحة في سوريا.

وأعلنت الرياض جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام تنظيما إرهابيا مما يبرز القلق من أن الشبان السعوديين الذين اكتسبوا خبرة قتالية قد يعودون إلى المملكة لاستهداف أسرة آل سعود الحاكمة كما حدث بعد الحرب في أفغانستان وفي العراق، وبسبب صلابة جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام فإن الرياض لن ترحب بتقدمها حتى لو كان هذا التقدم على حساب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وهو شيعي تعتبره السعودية أداة في يد ايران.

وقال شاؤول بخش أستاذ التاريخ في جامعة جورج ميسون في فرجينيا "في الأحوال العادية ربما كانت السعودية سترحب بإذلال المالكي لكن عراقا تسوده الفوضى وتخضع أجزاء منه لسيطرة متشددين إسلاميين يمارسون العنف لن يكون موضع ترحيب إلى حد كبير"، لكن السعودية لم تصدر تنديدا علنيا إلى الآن بتقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العرق والشام، ويرجح أن ترى طهران في هذا الغموض تأكيدا على أن المملكة قوة تؤمن بتفوق السنة وغير مستعدة للتعاون ضد عدو سني حتى لو كان يشكل خطرا على الدولتين، وقال محسن ميلاني وهو خبير في الشؤون الإيرانية في جامعة ساوث فلوريدا "ستكون هناك توترات إضافية بين إيران والسعودية" إذا لم يندد السعوديون علنا بتقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

وسواء كانت إيران تحمل الرياض بشكل مباشر المسؤولية عن تحركات التنظيم أم لا فإنها تميل لأن تراه نتاجا لتشجيع السعودية للجماعات المسلحة السنية في سوريا التي تحارب بشار الأسد حليف إيران، وتحذر إيران دول الخليج منذ فترة طويلة من أنها تخاطر بأن ينقلب السحر على الساحر بسبب دعمها جماعات "تكفيرية" متشددة ترى أن اتباع المذاهب الإسلامية الأخرى "كفار" وأهداف مشروعة للجهاد، وقال الزعيم الأعلى الإيراني بعد اجتماعه مع أمير الكويت "من المؤسف أن عددا من دول المنطقة لا يدرك الخطر الذي ستشكله الجماعات التكفيرية عليها في المستقبل ولا تزال تدعم هذه الجماعات". بحسب رويترز.

وألقى نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي باللوم في أنشطة جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام على "تدخل قوى التنمر وحلفائها في المنطقة" في إشارة إلى دول الخليج المتحالفة مع الغرب، وترى الرياض أن إيران لا تدعم الأسد في سوريا وحسب وإنما تذكي اضطرابات الشيعة في البحرين واليمن وربما بين الأقلية الشيعية في السعودية، واذا شجعت طهران ردا طائفيا في العراق على الدولة الإسلامية في العراق والشام فإن هذا سيزيد غضب السعودية، ووصف مصدر مطلع على السياسة السعودية التطورات في العراق في الأيام القليلة الماضية بأنها فترة اختبار للعلاقات الإيرانية السعودية.

تباين المواقف بشأن العراق

من جهته حمل تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مسؤولية سقوط مساحات واسعة من الأراضي في شمال العراق بيد المتشددين الإسلاميين وقال إن بغداد أخفقت في وقف انضمامهم الى صفوف المتشددين الإسلاميين والبعثيين من عهد صدام حسين، وأضاف تركي الذي تأتي تصريحاته بشكل عام ممثلة لوجهة نظر الرياض أن تقدم قوات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ما كان ينبغي أن يكون مفاجئا.

وأضاف في اجتماع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما "الوضع في منطقة الأنبار في العراق يغلي منذ بعض الوقت وبدا أن الحكومة العراقية ليست متقاعسة عن تهدئة الغليان هناك وحسب بل بدا أنها كانت تحث على انفجار الأمور في بعض الحالات"، وقال إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لم يبد أن لديه ما يكفي من القوة بمفرده لتحقيق التقدم الذي حققه، فالتقارير الإعلامية قالت إن عدد مقاتليه يتراوح بين 1500 و3000 فقط، وتابع "النتيجة التي توصلت لها أن هذه الأرقام مضاف إليها ليس التشكيلات القبلية في المنطقة وحسب بل والبعثيين والجماعات الأخرى التي كانت تعمل في ذلك الجزء من العراق ليس منذ الأمس بل منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق (في 2003)".

وأشار تركي إلى أن الوضع في العراق يتغير بسرعة تحول دون توقع ما سيحدث في الأيام أو الأسابيع المقبلة، ولكنه قال إن الموقف ربما يؤدي إلى نتائج غير متوقعة إذا شاركت الولايات المتحدة في القتال بعد ثلاثة أعوام من انتهاء احتلالها للعراق في 2011، وقال "من السخريات المحتملة التي قد تقع هو أن نرى الحرس الثوري الإيراني يقاتل جنبا إلى جنب مع الطائرات الأمريكية بدون طيار لقتل العراقيين، هذا شيء يفقد المرء صوابه ويجعله يتساءل، إلى أين نتجه؟". بحسب رويترز.

وتابع تركي أن السعودية تعارض بشدة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام مشيرا إلى أن التنظيم مدرج على قائمة الإرهاب السعودية، واردف "وربما يجيب هذا على بعض التساؤلات في أذهان الناس بشأن موقف السعودية إزاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وأيدت السعودية جماعات إسلامية أخرى تقاتل قوات الرئيس السوري بشار الأسد.

من جانب اخر أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران "ستكافح عنف وإرهاب" المتمردين الجهاديين الذين شنوا هجوما في شمال غرب العراق، ولم يذكر روحاني تفاصيل عن التحركات التي قد تقوم بها إيران لدعم جارتها الشيعية التي سيطر مسلحو "الدولة الإسلامية في العراق والشام" على مناطق فيها ودعوا المقاتلين إلى "الزحف" إلى بغداد، وقال الرئيس الإيراني في خطاب بثه التلفزيون الحكومي إن المتمردين "يعتبرون أنفسهم مسلمين ويدعون إلى الجهاد"، مدينا "الأعمال الوحشية" التي ترتكبها "جماعة إرهابية ومتطرفة" ضد السكان.

وأكد روحاني الذي سيرأس اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن القومي، الهيئة المكلفة تحديد سياسات الدفاع والأمن للجمهورية الإسلامية "من جهتنا، أنها ستكافح الحكومة ضد العنف والتطرف والإرهاب في المنطقة والعالم"، وحمل الرئيس الإيراني بعنف على الذين يقدمون الدعم إلى المتمردين معتبرا أنهم "يزرعون بذور العنف بنظريات سيئة"، وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكد في اتصال هاتفي مع نظيره العراقي هوشيار زيباري دعم طهران "للحكومة والشعب العراقيين في مواجهة الإرهاب"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، وقال ظريف إن "جمهورية إيران الإسلامية تدين قتل المواطنين العراقيين وتدعم الحكومة والشعب العراقيين للتصدي للإرهاب".

وجاء هذا الاتصال في الوقت الذي استولى فيه مسلحو تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الإسلامي المتطرف في 48 ساعة على العديد من مناطق العراق بينها مدينة الموصل ثاني أكبر مدن البلاد، وأكد الوزير الإيراني ضرورة "دعم فعلي دولي للحكومة العراقية للتصدي للإرهاب".

إيران وخيار التعاون مع واشنطن

فيما قال مسؤول إيراني كبير إن إيران تشعر بقلق بالغ بشأن المكاسب التي يحققها المتشددون المسلحون السنة في العراق لدرجة أنها قد تكون على استعداد للتعاون مع واشنطن في مساعدة بغداد على التصدي لهم، وقال المسؤول طالبا عدم نشر اسمه إن الفكرة مطروحة للنقاش بين زعماء إيران، ولم يكن لدى المسؤول علم إن كانت الفكرة طرحت مع أطراف أخرى، ويقول مسؤولون إن إيران ستوفد مستشارين وترسل أسلحة لمساعدة حليفها رئيس الوزراء نوري المالكي للتصدي لما تعتبره طهران خطرا كبيرا على استقرار المنطقة، لكن من غير المحتمل أن تدفع الجمهورية الإسلامية بقوات.

وسيطر متشددون مسلحون إسلاميون على مناطق واسعة من العراق بينها الموصل ثاني أكبر مدن البلاد، وقال المسؤول الإيراني الكبير إن طهران منفتحة على خيار التعاون مع الولايات المتحدة لدعم بغداد، وقال في إشارة للأحداث الجارية في العراق "بإمكاننا العمل مع الأمريكيين لأنهاء أنشطة المسلحين في الشرق الأوسط"، وأضاف "نتمتع بنفوذ قوي في العراق وسوريا ودول كثيرة أخرى"، ولأعوام طويلة تشعر إيران بالضيق مما تراه مساعي أمريكية لتهميشها، وتريد طهران الاعتراف بدورها كطرف مهم في أمن المنطقة.

وتحسنت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة بشكل طفيف منذ انتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية في 2013، ووعد روحاني بالتحاور مع العالم بشكل "بناء"، وفي الوقت الذي تواصل فيه طهران وواشنطن محادثات لحل الأزمة المستمرة منذ عقد بين إيران والغرب بشأن برنامجها النووي فانهما تقران بوجود مخاطر مشتركة بينها تنامي تيار متشدد يستلهم نهج القاعدة في الشرق الأوسط، ولم يستبعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما اللجوء لتوجيه ضربات جوية لمساعدة بغداد على التصدي للمتشددين المسلحين فيما سيكون أول تدخل عسكري أمريكي في العراق منذ انتهاء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة. بحسب رويترز.

وأدان روحاني بشدة ما وصفه بأعمال عنف تنفذها جماعات متشددة مسلحة في الشرق الأوسط، وقال روحاني "للأسف نشهد في منطقتنا اليوم أعمال عنف وقتل وترويع وتهجير"، وأضاف "إيران لن تقبل بالإرهاب والعنف، سنقاتل الإرهاب والتحزب والعنف"، وسئلت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين ساكي عن التصريحات الإيرانية فقالت "من الواضح أننا شجعناهم في حالات كثيرة على لعب دور بناء، لكني ليس لدي قراءات أو وجهات نظر من جانبنا لعرضها اليوم".

وبسبب المخاوف من امتداد الحرب في العراق إلى إيران دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المجتمع الدولي لدعم حكومة المالكي في "حربها ضد الإرهاب"، ونسبت وكالة تسنيم للأنباء إلى البريجادير جنرال محمد حجازي قوله إن إيران مستعدة لمد العراق "بالمعدات العسكرية والمشاورات"، وقال "لا اعتقد أن نشر جنود إيرانيين سيكون ضروريا"، وقال المسؤول الإيراني الكبير إن إيران تشعر بقلق بالغ بسبب تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يلعب دورا كبيرا أيضا في الصراع ضد الرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران الوثيق حيث يقتطع مساحات شاسعة من الأراضي السورية بمحاذاة الحدود العراقية، وقال المسؤول "إن خطر الإرهابيين السنة في العراق والمنطقة يتنامى، عقدت عدة اجتماعات رفيعة المستوى في طهران"، وأضاف "نحن على أهبة الاستعداد ونتابع التطورات في العراق عن كثب".

رسم الحدود

بدورها لم تؤد سيطرة الجهاديين المستلهمين لنهج القاعدة على مدينتي الموصل وتكريت إلى إعادة رسم خريطة العراق الذي تعصف به توترات طائفية وحسب بل إن ذلك من شأنه أيضا أن يعيد رسم حدود الدول في الشرق الأوسط والتي رسمت قبل نحو مئة عام عقب سقوط الدولة العثمانية ويمكن أن يقود أيضا إلى قيام تحالفات إقليمية جديدة.

وبينما رفعت القوات المدججة بالسلاح الخاصة بالدولة الإسلامية في العراق والشام أعلامها السوداء فوق الموصل ملحقة الهزيمة بالجيش العراقي الذي فر ولم يقاتل فإن مستقبل العراق كدولة وحدوية صار على المحك، ومع تقدم قوات التنظيم المتشدد جنوبا باتجاه بغداد فإن بقية المنطقة والولايات المتحدة والقوى الأخرى انتبهت إلى احتمال أن تؤدي عودة الجهاديين إلى إقامة قاعدة خطيرة في قلب الشرق الأوسط مثل أفغانستان مطلة على البحر المتوسط.

وقال فواز جرجس خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد "ما نشهده هو تشظي للسلطة، حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي لن تتمكن أبدا من الاحتفاظ بالسلطة المركزية بنفس الطريقة التي كانت موجودة، ما نشهده على وجه اليقين هو إعادة رسم للحدود"، ومع تصاعد الصراع فإن أكبر مرجعية شيعية في العراق دعا يوم الجمعة أتباعه لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم في وجه الهجوم السني، وأفادت رسالة نادرة من آية الله العظمى علي السيستاني أن على الناس أن يتحدوا للتصدي لأعمال التشدد المسلح التي يشنها مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والشام وأنصار الرئيس السابق صدام حسين.

وجاء تدخل السيستاني عقب إخفاق حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الذي أعيد انتخابه في إبريل نيسان في عقد اجتماع مكتمل النصاب للبرلمان لمنحه سلطات طوارئ، فقد قاطع أعضاء البرلمان السنة والأكراد الجلسة، وفي هذه الأثناء قامت قوات البشمركة الخاصة بالمنطقة الكردية في شمال العراق بالسيطرة على مدينة كركوك الغنية بالنفط وتحد المنطقة الكردية الخاضعة لحكم ذاتي وملأوا بذلك الفراغ الأمني هناك كي يسيطروا على المدينة التي اعتبروها طوال الوقت ملكا لهم، وأذهلت السهولة التي دخل بها مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والشام المدن العراقية المنطقة التي يبدو أنها اعتادت الصدمات. بحسب رويترز.

والدولة الإسلامية في العراق والشام حركة جهادية سنية نمت خلال الحرب الأهلية في سوريا واستغلت وجود فراغ في الحكم بين شرق سوريا وغرب العراق، ويقود المتشددين عراقيون انشقوا على تنظيم القاعدة ويضغطون باتجاه الجنوب للوصول إلى بغداد، ويقول بعض الخبراء إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ربما يبالغ فيما يطمح لتحقيقه، ولكن بينما هزم أسلاف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في عامي 2007 و2008 على يد ميليشيات العشائر السنية المدعومة من القوات الأمريكية إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام استغل غضب السنة مما اعتبروها طائفية من جانب المالكي فورث شبكات تعود لعهد جيش صدام حسين.

وقال جرجس "الدولة الإسلامية في العراق والشام تمكنت من أن تجد لنفسها مكانا في الوسط السني الساخط الذي يشعر بالاغتراب"، واضاف "وفي واقع الأمر فإن أهم التطورات بشأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام العام الماضي هي قدرته على تجنيد الضباط السابقين وجنود الجيش العراقي المنحل، وإذا دققت في الكيفية التي يشن بها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام حربه سترى جيشا صغيرا ماهرا وواثقا من نفسه ولديه قيادة وسيطرة ودوافع ويستخدم تكتيكات الحرب".

وانضم لتقدم الدولة الإسلامية في العراق والشام ضباط بعثيون سابقون كانوا موالين لصدام وكذا الساخطون من مجموعات الجيش والعشائر التي تريد الإطاحة بالمالكي، والمدن والبلدات التي سقطت بيد المتشددين حتى الآن سنية، وتابع جرجس إن السنة في العراق مستعدون للتعامل مع الشيطان من أجل إلحاق الهزيمة بالمالكي وهنا مكمن الخطر.

في المقابل هناك الجيش العراقي المكون من مليون جندي دربتهم الولايات المتحدة بتكلفة زادت على عشرين مليار دولار، ويعاني من انهيار الروح المعنوية والفساد الذي يعوق خطوط إمداده، وتأثرت فاعليته جراء وجود فهم بين السنة بأن الجيش يسعى لمصالح الشيعة في مواجهة السنة، وأدت سيطرة الأكراد على كركوك إلى قلب موازين القوى التي أبقت العراق موحدا منذ الإطاحة بصدام.

وكان أداء أكراد العراق طيبا منذ عام 2003 فأداروا شؤونهم الخاصة بينما حصلوا على نسب ثابتة من إجمالي عوائد النفط في البلاد، ولكن مع سيطرتهم الكاملة على كركوك والمخزون الهائل من النفط تحتها فإنهم قد يكسبون أكثر بمفردهم، وهو ما يلغي الحافز الذي يدفعهم للبقاء جزءا من العراق المتجه نحو الانهيار، وهدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتوجيه ضربات عسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام مما يشير إلى حجم التهديد الذي يشكله التنظيم لحدود المنطقة التي تشهد بالفعل حروبا.

وقال حيدر الخوئي الأستاذ بمعهد تشاتام هاوس البحثي إن الحملة التي يشنها الجهاديون تضع واشنطن في موقف غريب، وقال "بينما استعرض الجهاديون في الموصل السيارات العسكرية والأسلحة أمريكية الصنع سيتساءل صناع السياسات عن جدوى تزويد بغداد بمزيد من المعدات العسكرية التي قد ينتهي بها المطاف في يدي نفس الناس الذين يريدون هزيمتهم".

ويقول خبراء إن تركيا التي غضت الطرف عن الجهاديين الذين يعبرون حدودها لقتال الرئيس السوري بشار الأسد غير مستعدة للتدخل عسكريا لأنها تخشى من أشباح الطائفية في الداخل وستركز على تأمين حدودها، اما الأكراد وهم طرف رئيسي فإنهم سيرفضون في الغالب دعوات بغداد للانضمام الى الصراع عبر إرسال قوات لاستعادة الموصل وبلدات أخرى، ويقول مسؤولون أكراد إنهم سيعززون وجودهم في كركوك وعلى حدودهم.

ويقول متابعو الشأن العراقي إن تنظيم الدولة الإسلامية الذي تشير التقديرات أن له بضعة آلاف من المقاتلين داخل العراق لن يتمكن من دخول بغداد العاصمة التي يعيش بها ستة ملايين نسمة حيث نشر المالكي القوات الخاصة مدعومة بميليشيات تدربت في ايران، وقال توبي دودج مدير مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد "لا أعتقد أنهم سيصلون الى بغداد، ليست لديهم الأعداد الكافية، إنهم يريدون تحقيق مكاسب اكبر من إمكاناتهم، الأمر يتعلق بضعف الدولة العراقية اكثر من كونه متعلقا بوضع الدولة الإسلامية في العراق والشام".

وبقدر ضعف احتمال أن يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على العاصمة التي يغلب على سكانها الشيعة فإن من غير المرجح أن ينجح الجيش العراقي في إخراجه من الموصل او استعادة السيطرة الكاملة على شمال البلاد على الرغم من المتطوعين في ميليشيا شيعية والدعم الإيراني المرجح، وفي ظل صعود المتشددين السنة فإن ايران ربما تلقي بثقلها لتنقذ حليفتها ونفوذ طهران في العراق على غرار ما فعلته في سوريا المجاورة، وقالت مصادر دبلوماسية إن ايران أرسلت بالفعل قادة كبار بينهم مساعدان مقربان من قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وإنهم يعقدون اجتماعات دورية مع المالكي.

ويقول محللون إن من شأن حشد المالكي الميليشيات الشيعية وهو ما دعمه اكبر مرجع ديني في البلاد أن يتسبب في اندلاع صراع طائفي شامل، كما أن هناك مخاوف من احتمال أن ينزلق العراق الى صراع طائفي وعشائري يقسمه الى كيان شيعي وآخر سني وثالث كردي، وقال جرجس "المالكي يلعب بالنار بمحاولته إطلاق العنان للميليشيات الشيعية، هذه هي الوصفة لكارثة، هذا هو ما تريده الدولة الإسلامية في العراق والشام تماما، إشعال حرب طائفية شاملة"، وأضاف "جراح العراق لم تندمل قط، إنه بلد مشوه، الأزمة وصلت إلى نقطة تحول سيكون العراق عندها امام خيارين إما الانقسام الى ثلاث او اربع دول وإما المصالحة، لكي تتم المصالحة تحتاج الى زعيم جديد وعقلية جديدة وهذا غير موجود".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/حزيران/2014 - 16/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م