أخلاقيات التغيير.. لا حياة دون حياء وعفاف

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تقابلنا في حياتنا اليومية الكثير من المواقف والاحداث، التي هي عبارة عن نتائج لسلوك الاخرين معنا، او انها سلوكنا نحن تجاه هؤلاء الاخرين.

وهي مواقف تكشف عن الكثير من اخلاقنا، بل قل هي الاخلاق نفسها التي نحملها او يحملها الاخرون، وتكون انعكاسا لبيئتنا المنزلية، وما رسخ في نفوسنا منها في طفولتنا ومراهقتنا.

اضافة الى تاثيرات البيئة الخارجية، ومدى قابليتنا على اكتساب الجيد منها ورفض المسيء لنا او للاخرين بعد اكتسابه.

في المثل الماثور (اذا لم تستح اصنع ماشئت) ينظر الى الانسان من خلال مبدأ وقيمة اخلاقية عالية هي الحياء، ومدى انعكاسها على سلوكه وجودا او عدما. فهي بوجودها تمنع ان يقوم بما يشاء لموانع متعددة، منها الدينية والاجتماعية، واذا انعدمت سقطت معها تلك الموانع وقام الانسان بما شاء له فقدان الحياء من اعمال، لا يهتم لنتائجها ولا تعنيه نظرة الاخرين له بسببها.

والحَياءُ هو (الاحْتِشام – وهو شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ – وانقباض النفس ممّا يمكن ان يراه الانسان الحيي من أعمال سيِّئة - وهو السَفَاهَةٌ وَالوقَاحَةٌ) وقيل ايضا في الماثور (إذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ عَمَّ البَلاَءُ).

في سياحته المعرفية في كتاب (نهج الشيعة.. تدبرات في رسالة الامام الصادق (ع) الى الشيعة) يصطحبنا المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) معه في تلك السياحة، مستعرضا مضامين تلك الرسالة وشارحا لمفرداتها، ومقربا لها الى اذهاننا عبر الكثير من الامثلة والاحدايث والروايات والمواقف الاخلاقية، لائمة اهل البيت (ع) أو للكثيرين من اصحابهم وتابعيهم.

في شرحه لمفردة الحياء يقول المرجع السيد صادق الشيرازي: (الحياء صفة نفسانية يظهر اثرها خارجا، والنسبة بينه وبين الخجل هي العموم من وجه، فبعض الحياء خجل وبعضه ليس بخجل، وكذا الخجل فبعضه يجتمع مع الحياء وبعضه لا يجتمع. فمن الحياء ان يتعامل الانسان مع الناس باخلاق حسنة، فلا يكلم احدا بما لايليق).

يشرح السيد المرجع الشيرازي، معنى طلب الامام الصادق (ع) الى شيعته بعبارة (وعليكم بالحياء) من خلال قوله: (والحياء امر فطري، وبتعبير ادق: بعضه فطري وبعضه اكتسابي، فمقدار منه كامن في ذات الانسان ولكنه يحتاج الى تنمية وترسيخ ليبلغ المرحلة المرجوة. ولو كان جميع الحياء فطريا لما امر الامام الصادق عليه السلام شيعته قائلا (وعليكم بالحياء) الامر الذي يشير الى العمل بهذه الوصية المباركة).

الحياء أو الخجل صفة مقبولة وجذابة في الكثير من المواقف والاوقات، اذا كانت بمقدار معين لا تمنع صاحبها من عمل او تمنع عنه فرصة للتقدم، وهي صفة مقبولة وجذابة، اذا كانت في المنتصف بين الافراط والتفريط، لان (كلاهما يضران بالانسان، والمطلوب هو الاعتدال، كذلك الحياء، الا انه تبقى للحياء قيمته دائما).

وحول الافراط والتفريط، يمكن الاشارة الى ما قررته جمعية الطب النفسي الامريكية في العام 1980 ان الخجل المفرط مرض نفسي وضمته في كتيب الامراض النفسية الذي نشرته.

خارج نطاق رسالة الامام الصادق (ع) يمكننا الاشارة الى ماورد في بعض ادعية الصحيفة السجادية للامام زين العابدين علي بن الحسين (ع) حيث ترد كلمة الحياء عبر قوله (ع) (ها أنا ذا يا إلهي.. سائلك على الحياء مني سؤال البائس المعيل) وفي مكان اخر ترد كلمة العفاف عبر قوله (ع): (اللهم واجمع لي.. العفاف).

فالحياء سبب إلى كل جميل ومفتاح كل خير، والعفاف الذي هو أفضل العبادة ونعم القرين، وما من شك أن هاتين الخصلتين في رأس سلسلة مكارم الأخلاق ومن أعظم العوامل المساعدة على رقي النفس في مدارج الكمال والسداد.

والحياء الذي يطالب الامام الصادق (ع) شيعته على التحلي به، هو ملكة للنفس توجب انقباضها عن القبيح وانزجارها عن خلاف الآداب خوفاً من اللوم.

اما العفاف الذي نجده في الصحيفة السجادية، فهو ترك المحرمات بل الشبهات أيضاً ويطلق غالباً على عفة البطن والفرج، والعفة حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة وتجعلها منقادة للعقل في الإقدام على ما يأمرها به من الطعام والشراب والنكاح والاجتناب عما ينهاها عنه، وهو الاعتدال الممدوح عقلاً وشرعاً، وطرفاه من الإفراط والتفريط مذمومان.

ويمكننا ايضا تلمس العلاقة بين الحياء والعفاف في قول امير المؤمنين (ع): (سبب العفة الحياء) وقوله ايضا: (على قدر الحياء تكون العفة).

يتوزع الحياء على ثلاثة محاور او اتجاهات تتكامل فيما بينها:

حياء الإنسان من اللَّه تعالى: وهو رديف الايمان، و(قلة الحياء كفر) كما في الحديث الشريف.

 وفي رواية اخرى: (الحياء نظام الإيمان فإذا انحل نظام الشي‏ء تبدّد ما فيه وتفرّق).

حياء الإنسان من الناس: وهو يبعث على كف الأذى وترك المجاهرة والمواجهة بالقبيح لهم.

وفي الحديث: (من لم يستحِ من الناس لم يستح من اللَّه سبحانه).

حياء الإنسان من نفسه: وهو يبعث على العفة، والمحافظة على الأحكام الشرعية في الخلوات وحيث يكون سرّه كعلانيته ويكون اللَّه حاضراً في نفسه وناظراً إليه دائماً يكون الخير كله معه. لذلك ورد عن امير المؤمنين (ع): (أحسن الحياء استحياؤك من نفسك).

وعنه ايصا: (من أفضل الورع أن لا تبدي في خلوتك ما تستحي من إظهاره في علانيتك).

لم يقتصر الامام عليه السلام على دعوة الشيعة الى التحلي بالحياء بل اردفها بالاقتداء بالصالحين والتنزه عما تنزهوا عنه. ويكون ذلك عبر:

مطالعة سيرة الصالحين لنعرف ما تنزهوا عنه، والثاني التنزه عما تنزهوا عنه.

ومن مصاديق تنزه الصالحين، ان على الانسان ان يبلغ بنفسه بحيث لايهمه المال ولاتغيره الرئاسة واطراء الناس، بل يكون وجود ذلك وعدمه عنده سواء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/حزيران/2014 - 16/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م