إسرائيل والرئيس الجديد.. من السلام المصطنع الى التطرف المعلن

 

شبكة النبأ: في مقابلة صحفية تعهد ريفلين "الرئيس الإسرائيلي المنتخب حديثاً" في حال انتخابه رئيسا بعدم السعي للتدخل في قرارات سياسيي البلاد المنتخبين حول جهود السلام، وكرر ريفلين هذا التعهد في احتفال الكنيست بعد فوزه بالتصويت على منافسيه الاخرين قائلا "إن الثقة التي أظهرتموها بي اليوم في هذا الصرح تجبرني على التخلي اعتبارا من هذه اللحظة عن دوري السياسي".

الدور السياسي الذي لعبة ريفلين سابقا، وقبل توليه الرئاسة قريبا في اسرائيل، كما يشير متابعون، يحسب على اليمين المتطرف داخل إسرائيل، وله العديد من القضايا المتصلبة، سيما على مستوى إقامة المستوطنات والسلام مع الفلسطينيين، فضلاً عن قيام دول فلسطين المفترضة.

وقت جاء انتخاب الرئيس العاشر لإسرائيل من اليمين في وقت عطلت فيه المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بعد ان وصلت الى نقطة حرجة لم يستطع المفاوضون الخروج منها، ومع ان منصب الرئيس منصب تشريفي، كما يعبر عنه المختصون، الا ان له العديد من الصلاحيات ووسائل الضغط التي يستطيع استخدامها، ليمارس المزيد من الضغط على الحكومة، التي أشارت بعض المصادر المقربة منها، ان هناك خلاف شخصي بين رئيسها "نتينياهو" وبين الرئيس الجديد، الا ان هذا الخلافات قد تتوحد لاحقاً بشان الخلاف مع الفلسطينيين، سيما وان الطرفين لهم اراء متشددة تجاه الحقوق الفلسطينية المسلوبة.  

رئيس إسرائيل الجديد

في سياق متصل انتخب البرلمان الإسرائيلي مؤخراً النائب اليميني المعارض لقيام دولة فلسطينية مستقلة ريئوفين ريفلين رئيسا للبلاد خلفاً لشمعون بيريس الذي يعد من حمائم السياسة الإسرائيلية، ومنصب الرئيس في إسرائيل شرفي إلى حد كبير، وريفلين (74 عاما) عضو في حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويعرف ريفلين باستقلاله السياسي ومعارضته لإقامة دولة فلسطينية فضلا عن علاقته الشخصية الفاترة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وفاز ريفلين (وهو رئيس سابق للكنيست) على المرشح مئير شتريت عضو حزب الحركة (هاتنواه) الوسطي الشريك بعد أن حاز 63 صوتا في مقابل 53 لشتريت في جولة ثانية من التصويت في المجلس المؤلف من 120 مقعدا، وخاض خمسة مرشحين الجولة الأولى لكن لم يحصل أي منهم على أغلبية مطلقة تتيح له خلافة بيريس الفائز بجائزة نوبل للسلام.

ورغم عدم مشاركة رؤساء الدولة في إسرائيل بشكل مباشر في اتخاذ القرار السياسي إلا أن بيريس (90 عاما) استخدم منصبه كمنبر للدعوة للسلام مع الفلسطينيين وكان غالبا ما يتخذ مواقف أكثر لينا من نتنياهو، وتنتهي ولاية بيريس التي استمرت سبع سنوات في يوليو تموز المقبل، وعلى العكس من بيريس دعا ريفلين إلى إنشاء دولة كونفدرالية مع الفلسطينيين بدلا من الدخول في مفاوضات لمنحهم دولة مستقلة وهو أمر يرفضه القادة الفلسطينيون منذ وقت طويل، وانهارت محادثات السلام (التي ترعاها الولايات المتحدة) بين إسرائيل والفلسطينيين الذين يهدفون إلى إقامة دولة مستقلة على أراض تحتلها إسرائيل في أبريل نيسان الماضي وسط تبادل مرير للاتهامات. بحسب رويترز.

وعلى الرغم من معارضته قيام دولة فلسطينية غير أن ريفلين فاز بدعم صحيفة هاآرتس اليسارية التي أشارت في افتتاحيتها عشية انتخاب الكنيست للرئيس الجديد إلى دعمه منذ وقت طويل للتعاون العربي –الإٍسرائيلي.

وقالت مصادر سياسية إن نتنياهو أطلق بالون اختبار بشأن مستقبل الرئاسة وطلب من مستشارين كبار استكشاف آراء وزراء الحكومة بشأن تعليق التصويت على اختيار الرئيس وتقييم الحاجة لهذا المنصب، وأشار بعض المحللين السياسيين إلى أن نتنياهو يشعر بالقلق من أن فوز ريفلين (الذي اتهم رئيس الوزراء ذات مرة بإظهار عدم الاحترام للبرلمان) قد يضعف موقفه في الانتخابات العامة المقبلة، ويمنح القانون الإسرائيلي الرئيس سلطة اختيار من يشكل الحكومة، ولم يتمكن أي حزب من تحقيق أغلبية مطلقة في الانتخابات العامة ومن ثم يلعب الرئيس دورا رئيسيا بخصوص تشكيل الائتلاف الحكومي.

وهنأ نتنياهو ريفلين خلال الاحتفال في الكنيست وأشار إلى تاريخهما المشترك في انتهاج السياسات اليمينية، وقال نتنياهو "أعرف أنك ستبذل كل ما بوسعك كرئيس لإنجاز المهمة ذات الشقين: توحيد البلاد وإظهار الوحدة في وجه التحديات الخارجية، وأتعهد كرئيس للوزراء صاحب تجربة مشابهة لتجربتك بالعمل معك"، وولد ريفلين في القدس وهو وزير اتصالات سابق ومتزوج وأب لأربعة، ويمتهن ريفلين المحاماة وهو مشجع مغرم بلعبة كرة القدم ونباتي، وشابت الحملة الانتخابية للرئيس العاشر لإسرائيل شائعات عن مخالفات وتشهير.

وانسحب السياسي المخضرم بنيامين بن أليعازر أحد أبرز المرشحين من السباق بعدما استجوبته الشرطة في مزاعم مخالفات مالية، ونفى بن أليعازر المنتمي لحزب العمل ارتكاب أي مخالفات وقال إنه "استهدف عمدا" من خصومه لإفساد ترشحه، واستعاد بيريس الذي يحظى باحترام دولي هيبة المنصب بعد أن انتخب في 2007 ليخلف موشي قصاب الذي أدين في قضية اغتصاب في 2010 ويقضي عقوبة السجن سبع سنوات.

واتصل شمعون بيريز الرئيس المنتهية ولايته بريفلين هاتفيا لتهنئته وقال "اني في غاية السرور ان تتولى هذا المنصب خلفا لي، اتمنى لك التوفيق واني واثق بانك ستكون على قدر المسؤولية"، ويحظى ريفلين بشعبية كبيرة لدى الاسرائيليين بسبب روح النكتة لديه، وهو يدعم بثبات اليمين القومي، ويعتبر من المدافعين عن "اسرائيل الكبرى" ولم يخف يوما معارضته لقيام دولة فلسطينية، وقال كاتب الافتتاحية في صحيفة معاريف بن كاسبيت "ريفلين في اقصى يمين الموقف التوافقي في إسرائيل، انه يعارض حل الدولتين (اسرائيل وفلسطين) وهو من انصار الاستيطان".

وريفيلن الذي اصبح رئيسا للكنيست مرتين بين عامي 2003-2006 و2009-2013 مدافع شرس عن الديموقراطية البرلمانية، وتعهد بلعب دور الحكم كرئيس دولة، وسعى هذا الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الى التقارب مع العرب الاسرائيليين، ابناء واحفاد 160 الف فلسطيني بقوا على اراضيهم بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948، وفي اقصى اليمين هنأ وزير الاقتصاد نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي "الرئيس الصهيوني الذي يحب اسرائيل ويؤمن بحقها في الوجود على ارضها بدون الشعور بالعار".

وقال نائب وزير الدفاع داني دانون الزعيم الشاب في الجناح اليميني في الليكود ان "الكنيست انتخب اليوم المرشح الاكثر جدارة، ريفلين صهيوني حقيقي"، لكن اليسار ايضا اشاد على لسان زعيم المعارضة العمالية اسحق هيرزوغ بالرئيس الجديد الذي "سيعرف كيف يصغي للاشخاص الذين ليسوا في معسكره"، وبيريز اخر من بقي من جيل "الاباء المؤسسين" للدولة العبرية ولم يتردد في تجاوز الطابع الفخري لمنصبه وبدا احيانا المعارض الوحيد لنتانياهو.

ولم يتردد بيريز في التعبير عن رأيه في موضوعات حساسة مثل عملية السلام والعلاقات الاستراتيجية مع الحليف الاميركي او البرنامج النووي الايراني، واتهم نتانياهو بتعطيل التوصل الى اتفاق سلام العام 2011 تم التفاوض في شانه سرا مع الفلسطينيين، وقالت صحيفة هآرتس اليسارية ان "انتخاب الرئيس العاشر لاسرائيل يعلن تغييرا في الاتجاه في الرئاسة: سيتم الانتقال من السياسة الدولية الى المسائل المحلية".

جدال حاد

من جانب اخر تخوض وزارة الدفاع الإسرائيلية منذ فتره نزاعا علنيا مع وزارة المالية التي تسعى لتقليص ميزانيتها التي تعد الأكبر في إسرائيل وترفض تحذيرات بأن الخفض سيزيد من صعوبة توفير الحماية لإسرائيل، وتسعى الوزارة لاقتطاع 870 مليون دولار من ميزانية الدفاع التي تبلغ حوالي 14.5 مليار دولار وتمثل نحو 17 في المئة من اجمالي ميزانية إسرائيل، وبدورها حذرت وزارة الدفاع من الخطر الذي سيواجه أمن إسرائيل ما لم تزد الميزانية المخصصة لها.

ووضع النزاع المسؤولين في وزارتي الدفاع والمالية وجها لوجه وتبادلوا التهديدات في وسائل الإعلام، ويرى البعض ان هذا النزاع دلالة على حدوث تغيير في موقف إسرائيل تجاه جيشها الذي كانت له قدسية خاصة في البلاد، ومع استمرار الجدال قالت مصادر دفاعية إن القوات الجوية أوقفت الكثير من الطلعات التدريبية بسبب القيود المفروضة على الميزانية في خطوة وصفها بعض المعلقين بأنها اسلوب الهدف منه إثارة المخاوف.

وكتب عاموس هاريل المحلل الدفاعي لصحيفة هاارتس "بعد عدة سنوات من الانذارات الكاذبة تجد اجهزة الدفاع انه من الصعب حاليا اقناع الحكومة هذه المرة بأن الذئب انقض بالفعل على القطيع"، وأضاف "المواطنون ليسوا متأثرين بتهديدات الجنرالات"، وخلال السبعينات كانت ميزانية الدفاع في إسرائيل تبلغ نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع تنامي الاقتصاد الإسرائيلي اصبحت تمثل الان نحو سبعة في المئة وهو رقم ما زال اعلى بكثير منه في الدول الغربية.

وتعهد وزير المالية الإسرائيلي يائير لابيد بعدم تلبية مطالب وزارة الدفاع، وقال "المعادلة بسيطة: اي اضافة ستأتي على حساب المواطنين"، وكان حزب ياش عتيد بزعامة لابيد احتل المركز الثاني في انتخابات عام 2013 بفضل غضب الطبقة المتوسطة من ارتفاع تكاليف المعيشة، واعتبرت الانتخابات بمثابة تحول في بواعث القلق القومية من مسائل الحرب والسلام إلى القضايا المتعلقة بسبل العيش.

وقال المشرع عوفر شيلح العضو بلجنة المالية ولجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست "ثمة رأي الان بأن الأمن لا يعني ميزانية الدفاع فحسب، الناس يدركون أن التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية تمثل الأمن أيضا"، وأضاف شيلح "انه جدال متزايد كان يعتبر ذات يوم من المحرمات في إسرائيل"، وفي مايو أيار ألغى وزير الدفاع موشي يعلون تدريبات عسكرية كبيرة تتعلق بالجبهة الداخلية استنادا إلى ما سماه مسائل تمويل. بحسب رويترز.

وقال مسؤول دفاعي كبير في الاعلان "تأجيل التدريبات هو الخطوة الأولى على الطريق إلى وقف شبه كامل للتدريبات العسكرية والدفاع بسبب القيود المفروضة على الميزانية، هذه ليست لعبة ونحن لا نغرس الخوف"، لكن ياكوف ليفشيتز من مركز بيجين-السادات للدراسات الاستراتيجية يعتقد أنه يجب على وزارة الدفاع أن تكون على قدر اكبر من المسؤولية فيما يتعلق بمواردها المالية وشكك في قبول المواطنين بمثل هذا الجدال، وأضاف "في مواجهة هذا، يخلق هذا الاعلان بعض الخصومة، نحن نتحدث عن ميزانية قدرها 60 مليار شيقل (17.3 مليار دولار)، فما الذي يمنع القوات الجوية من التدريب؟".

ومبلغ 14.5 مليار دولار المخصص لميزانية وزارة الدفاع هو المبلغ الأساسي ويضاف إليه موارد اخرى وتمويلات حكومية اضافية خلال العام فضلا عن مساعدات اخرى بقيمة ثلاثة مليارات دولار من الولايات المتحدة، ويقول المسؤولون لوزارة المالية إنه قد تحدث تخفيضات في مكان اخر خاصة لتوفير المعاشات التي تدفع للضباط الذين غالبا ما يتقاعدون في الاربعينات ويتجهون إلى عمل اخر، وأعدت لجنة حكومية شكلت عام 2007 ميزانية للدفاع لمدة عشرة أعوام لكن الخطة لم تنفذ بالكامل، وعين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لجنة جديدة لكنها لم تبدأ بعد العمل وليس من المعتقد ان تتوصل إلى اي نتائج في الوقت المناسب لميزانية عام 2015.

وأصدر نتنياهو بيانا حث فيه الجانبين على وقف المشاحنات واجراء "نقاش بناء" إلى ان يتخذ قراره في الاسابيع القادمة، وخلال الاعوام الماضية نجحت وزارة المالية في خفض ميزانية الدفاع لكن مسؤولي الدفاع طلبوا المزيد من الأموال بعد الموافقة على الميزانية، وعادة ما كان يوافق رئيس الوزراء على الزيادة بعد جدال علني، ووافقت اللجنة المالية بالكنيست الإسرائيلي في ديسمبر كانون الماضي على زيادة قدرها 3.27 مليار شيقل لميزانية الدفاع علاوة على 2.75 مليار شيقل كان قد تمت الموافقة عليها قبل ذلك بشهرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/حزيران/2014 - 15/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م