عن الساسة العراة في العراق

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اشتهرت منظمة (فيمن) برسائلها الاحتجاجية الغريبة في البلدان الاوربية، ووجه الغرابة في تلك الرسائل، انها احتجاجات عارية تكشف منطقة فوق الخصر، وتثير اهتمام المتجمعين في اي مكان في تلك البلدان.

وثاني اسباب الغرابة، ان الكثير من قوانين البلدان الاوربية تمنع من اظهار اجزاء من الجسد امام الاخرين في الاماكن العامة، رغم الحريات الكبيرة التي يتمتع بها مواطنو تلك الدول، ومنها حرية ارتداء مايشاؤون من ملابس، الا ان هذه الحرية تبقى مرهونة بالتقيد ببعض القوانين التي تنظر الى الحقوق العامة الاخرى.

وثالث الاسباب هو الانتهاك الذي يحيل اليه مثل هذا العري، انتهاك للجسد المحتج وانتهاك للقوانين التي تحافظ عليه، وهذا الاحتجاج الذي تمارسه تلك المنظمة بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف معه، نوع من قول (لا) بطريقة مختلفة.

في الصين المختلفة في نظامها السياسي وفي منظومتها الثقافية والاجتماعية عن البلدان الاوربية، يأخذ العري طابعا مختلفا عما تقوم به منظمة (فيمن) فهو توصيف معنوي - اخلاقي اكثر منه مادي يمكن ان يتحقق على ارض الواقع، وهو ليس معنيا بالاحتجاج ضد سياسات او قوانين او قرارات تصدر من نظام سياسي مختلف.

انه ببساطة عري يحيل الى التجرد الاخلاقي والوطني من المسؤولية العامة التي يفترض ان يتمتع او يجسدها اصحاب المناصب والمسؤولين في الصين.

السلطات الصينية ابتكرت مصطلحا جديدا هو (المسؤولون العراة) وتعني به :(المسؤول الذي له زوجة واولاد يعيشون في خارج الصين ويتم تحويل اموال لهم يتم الحصول عليها بطريقة غير قانونية ولايترك من تلك الاموال والاملاك الا القليل في الصين).

اخر التحقيقات التاي تجريها السلطات الصينية، شملت (1000 مسؤول) في إقليم وانغ دونغ لهم زوجات أو أولاد يعيشون في الخارج، تعتقد تلك السلطات أنها مرتبطة بالفساد.

القانون الصيني لا يمنع المسؤولين من أن يكون لهم زوجات أو أولاد يعيشون بالخارج، ولكن مثل هذا الوضع يسهل للمسؤولين الفاسدين إخراج الأموال التي يحصلون عليها بطريقة غير قانونية.

السلطات الصينية تخير الموظفين الحكوميين بين جلب عائلاتهم، وترك وظائفهم أو الإقالة.

قام نحو 200 مسؤول في مدينة (غاونغ دونغ) فعلا بجلب عائلاتهم من الخارج. بينما وافق 866 منهم على الاستقالة، بعضهم في مستوى عمدة مدينة.

في قول لاحد المسؤولين الذين يشملهم مثل هذا التحقيق ذكر انه فضل ترك وظيفته على إجباره زوجته على العودة من هونغ كونغ، التي تعتبر إقليما خارج الصين. وقال في نص عبارته:

"أخبرت والدي وزوجتي بالقوانين الجديدة في الإقليم وعلى المستوى المركزي، ولكن زوجتي فضلت الإقامة في هونغ كونغ، ولأن الحياة العائلية مهمة كذلك بالنسبة لي، قررت أن أساند زوجتي وترك وظيفتي".

في العراق ومنذ عدة سنوات كثر الحديث عن زوجات وابناء بعض المسؤولين الذي يعيشون في الخارج، بعد ان كثر الحديث عن مسؤولين هم انفسهم يقيمون هناك بصورة شبه دائمة، ويكون تواجدهم في العراق هو نوع من الاجازة لهم، يقضونها في مكاتبهم المحمية والمكيفة، او على مقاعد البرلمان، بصيغة (الغائب – الحاضر)، في الحالة الاولى تحول اموال الصفقات والعمولات الى الزوجة المصونة والابناء الميامين، وفي الحالة الثانية يعتاش المسؤول على نفقات الميزانية العامة تحت بنود السكن والاقامة والغذاء والحماية والتنقل.

في موضع اهمية الحياة العائلية، لا يجد المسؤول العراقي نفسه في ورطة، لانه بامكانه ان يتزوج ثانية وثالثة ليحافظ على احساسه بالدفء العائلي المفقود حتى حين.

ربما هناك من يعترض ويقول ان هؤلاء المسؤولين العراة ليس بالكثرة الموجودة في الصين، وان هناك الكثيرين منهم يقيمون في العراق. وسؤالي هو: اين يقيم هؤلاء المسؤولين فعلا؟.

في بغداد مثلا، يقيمون في المنطقة الخضراء، الشديدة التحصين والحماية، انها اشبه ماتكون بـ (مستعمرة محمية)، واذا اقام مسؤول خارجها، فانه ايضا يحيط نفسه بالحماية والتحصين، عن طريق احتلال الشوارع والمداخل المؤدية الى منزله، مع مايستتبع ذلك من ميزات تكمل المشهد، مشهد الانعزال عن الاخرين والاختلاف عنهم، اي انه بعبارة الصينيين مسؤول عاري، لايقتصر عريه عن ملابسه وهو يتجرد منها في محميته، بل يمتد الى عريه الاخلاقي والوطني، حتى لاتبقى ورقة توت يمكن ان تستره، وهذه الورقة هي بمعناها المجازي وليس المادي، واعني بها بقايا من ضمير انساني يمكن ان يحرك مشاعره تجاه الاخرين وهم يستشعرون ضيمهم وقهرهم من اختلافه عنهم.

اين تذهب اموال الصفقات والعمولات غير المشروعة للمسؤول والتي يوفرها له المنصب الحكومي او المكانة السياسية؟.

تذهب الى خارج العراق، لتستقر في البنوك، او تتحول الى عقارات او مشاريع او شركات تصدر خدماتها للعراقيين، مع قبض الثمن مضاعفا، ولايبقي من تلك الاموال الا الجزء اليسير في العراق، لانه كما يعتقد هذا المسؤول – العاري انه لاتشجع قوانينه على الاستثمار او العمل، انه بيئة طاردة للاموال كما للزوجات المصونات والابناء الميامين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/حزيران/2014 - 13/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م