كيف تملأ فراغ إبنك المراهق؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من الصعب على الإنسان أن يعيش معاناة غيره، أو أن يحس بالآلام التي تنقضّ على أوصاله وتغل أفكاره، وفي حالات كثيرة لا يمكن لأحد أن يكون نسخة من غيره، خاصة ما يتعلق بجانب المعاناة، لأن حامل الألم وحده، هو الذي يحس بدرجة وعمق ما يتعرض له من معاناة وألم، ولا يشترط بالألم أن يكون عضويا فقط، فيمكن أن يكون الألم نفسيا أيضا، وما يتعرض له المراهقون من آلام، تندرج تحت بند الألم والقهر النفسي.

كيف يمكن للأب أن يشعر بألم إبنه المراهق؟، وإذا تمكّن الاب من الوصول الى الاحساس بمعاناة إبنه، فما هي الخطوات التي ينبغي عليه القيام بها، من أجل درء خطر ما يعانيه المراهق؟، والسؤال الأهم هل هناك آباء لا تعنيهم مثل هذه الأمور؟، ولا يخطر على بالهم أن ابنهم المراهق يعيش مأساة حقيقة، ويتعرض لضغوط نفسية هائلة، وهو فريسة لمخاطر حقيقية؟.

نعم للأسف، ربما لا نبالغ إذا قلنا أن القسم الأكبر من الآباء في مجتمعاتنا، لا تعنيهم ظروف المراهقين، ولا يتنبّهون لها، بل لا يعتبرون متابعة ابنهم المراهق ومعرفة احتياجاته النفسية والفكرية، من اهم وإجاباتهم، فالغالبية من الآباء يجهد نفسه كثيرا في تغطية الجانب المادي للمراهق، وقد ينجح في ملء هذا الجانب فقط، وربما يملأ جانبا منه فقط، فيما يطول الاهمال الكلي الجانبين الآخرين، ونعني بهما، الجانبين النفسي والفكري.

ولعل جلّ معاناة المراهق تتركّز في هذين الجانبين، فنتيجة للفراغ ما يتبعه من مشكلات كثيرة وخطيرة، سوف تنمو معاناة الابن المراهق، وربما يميل الى العزلة والانطواء، وقسم منهم يُصاب بمرض التوحّد الخطير، فقد أشارت دراسات حديثة الى انتشار هذا المرض بين الاطفال والمراهقين، والسبب نفسي في الغالب، يسهم بها أولياء الامور نتيجة لإهمالهم الحالات النفسية لأبنائهم، أما الجانب الفكري، فإن الاب غالبا ما ينشغل بأمور العائلة السطحية، أو المعروفة، ويترك الجوانب العميقة التي تتعلق بالنفس والفكر.

هل فكرّ الأب بالكيفية التي يملأ من خلالها الفراغ الذي يعاني منه الإبن؟، هل اهتم بزيادة وعيه وثقافته، وهل ساهم الاب في بلورة افكار ابنه وتوجيه مسارات هذا الفكر، وتعميق القناعات الأولية للمراهق؟. هذه الأسلة بحاجة الى إجابات فورية ودقيقة؟، وإذا يعجز الأب عن العثور على الاجابات الصحيحة، عليه أن يلجأ الى المعنيين من اصحاب الاختصاص في التعاطي مع أمور المراهقين، ومنهم علماء الاجتماع والنفس وحتى الاطباء، ليس من العيب أن يذهب الاب الى المختصين ليستعلم منه كيفية التعامل مع ظروف ابنه المراهق، لكن العيب يكمن في إهمال الاب لابنه، وتركه وحيدا يصارع الفراغ والمعاناة التي يتسبب بها، بالاضافة الى المضاعفات النفسية الخطيرة التي قد يتعرض لها المراهق، ولعلنا نرى بوضوح ما يعانيه أبناؤنا في فصل الصيف خاصة، حيث العطلة الصيفية وتعطيل المدارس، وزيادة ساعات الفراغ للمراهقين بصورة كبيرة جدا، الامر الي يجعلهم عرضة أو فريسة للضياع.

هناك جوانب كثيرة يمكن أن تدخل في سبل المعالجة لما يعانيه المراهقون من فراغ، فمثلا يمكن للاب أن يختبر ابنه، ويدقق في رغباته وهوياته وقدراته، بعد ذلك يُسهم الاب في زج ابنه في المكان العملي المناسب الذي يمكن أن يمتص جانبا من قدراته وطاقاته، على سبيل المثال يمكن أن يرافق الابن أباه في عمله، يتدرب معه، ويحصل على تجربة عملية، ففي كثير من الاحيان، يصبح الابن منافسا للاب في النجاح والتطور.

كما ينبغي على الاب زج ابنه في دورات عملية تدريبية وفقا لمهارات الابن ورغباته ودرجه اتقانه لهذا العمل او ذاك، هنا يستطيع الابن أن يتعلم مهارات جديدة، وفي الوقت نفسه، يملأ فراغه الكبير بما يفيده ويجعله منتجا محققا لذاته، وأهم ما يستفيد منه المراهق في هذا الجانب، ليس الجانب المادي الملموس فحسب، بل تحسّن وضعه النفسي من خلال شعوره بتحقيق الذات، وبأنه إنسان منتج في هذه الحياة.

من طرق المعالجة والتصدي لمعاناة المرهقين ايضا، أهمية أن تباشر المؤسسات والمنظمات الحكومية والاهلية، بفتح الدورات المتخصصة، والتدريب الفكري والعمل في مجالات الفنون والمهن المختلفة، كذلك توفير فرص الترفيه، وأماكن الرياضات المختلفة، والمسابح والمتنزهات والنوادي التي تمزج بين الترفيه والبرامج الثقافية لزيادة وعي المراهق، ومنعه من السقوط في الطرق المنحرفة لملء الفراغ.

الخلاصة لا يصح ترك ابنائنا المراهقين يواجهون معاناتهم لوحدهم، لاسيما في ساعات الفراغ الطويلة في العطلة الصيفية، فالمخاطر الجمة التي تكمن، في المخدرات والتدخين و(الشيشة)، والدخول في منعرجات السقوط الكثيرة، تحتّم على الآباء أولا والجهات الحكومية والاهلية المعنية ثانيا، الشروع الفوري بمساعدة الابناء المراهقين، على استثمار اوقاتهم بالطرق الصحيحة، وعدم الانزلاق في مسارات الزلل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/حزيران/2014 - 9/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م