أخلاقيات التغيير.. السكينة سكن والوقار رياضة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: السلوك الذي يقوم به الانسان يخضع لقواعد اخلاقية قبلية، منها ما يكون خيرا ومنها ما يكون شريرا، تنعكس على محتوى سلوكه وجوهره، وهو ما يتبدى للآخرين واضحا يكشف عما يحرك هذا السلوك.

والاخلاق ان لم تكن موجودة فيمكن توطينها داخل النفس الانسانية، عبر المراس والرياضة.

وهو مراس ورياضة مستمرة، دائمة، لا تتوقف في اي لحظة من عمر الانسان، طالما هو يتحرك ويسعى في حياته ويتفاعل مع الاخرين.

في كتاب (نهج الشيعة، تدبرات في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة) يقارب السيد المرجع الديني الكبير صادق الشيرازي (دام ظله) السلوك الانساني وقبلياته الاخلاقية، من خلال وصايا تلك الرسالة، ويشتغل عليها تدبرا وشرحا وتفسيرا.

ففي المقطع الاول منها وهو (وعليكم بالدعة والوقار والسكينة) بعد التوجه الى الله سبحانه وتعالى بسؤال العافية منه (واسالوا ربكم العافية)، وهذا السؤال هو طلب للجوء اليه سبحانه وتعالى، في الصحة والسلامة، والبعد عن كل ما هو سيء.

يتبع سؤال اللجوء، خصال متعددة لابد منها، مثلا: لزوم الدعة والوقار والسكينة، التي يشرحها السيد المرجع الشيرازي بقوله: (الدعة: قيل انها الخفض والطمأنينة، ولكن لها معنى اشمل وهو الاعتماد عما يعلم او يحتمل منه الضرر، كأن يجتنب الفقير كثرة الاكل مع شدة احتياجه للطعام، او يترك الانسان الرد على من يشتمه تحلما، فالدعة هنا تقتضي عدم الافراط في الاكل والرد على المسيء لضررهما).

والدعة هي الهدوء، وكل هدوء يستدعي معه الخفض، من (خفض الجناح) وهو اللين والتواضع، التي تمنح الانسان في ظروف الحياة المتقلبة طمأنينة راسخة في القلب، هي الاقرب الى توطين السكينة فيه. وهذا الخفض، تطرق اليه السيد المرجع في كتاب اخر له هو (حلية الصالحين) واختصت شروحاته فيه على دعاء مكارم الاخلاق للامام زين العابدين السجاد (عليه السلام).

وهو تأكيد على تلك الخصلة الاخلاقية، سواءا ما تعلق منها باحاديث اهل البيت وادعيتهم، او ماتعلق منها بالشروح عليها.

الوقار الذي يطلب الامام الصادق عليه السلام بلزوم الشيعة عليه، هو ما يتعلق بظاهر الإنسان، وهو يمارس اي عمل من الاعمال على المستوى الشخصي او المستوى العام، (لدى تناوله الطعام او عند حديثه او مشيه او استماعه او نظره). فهو وقور السمت والصفات.

اما السكينة، فتتعلق بالقلب وقد أحرز الاطمئنان في خطوته الاولى في سؤال التوجه الى الله سبحانه وتعالى، وتكون السكينة والحالة هذه تحصيل حاصل لتلك الطمأنينة.

الوقار وعلاقته بظاهر الانسان يرتبط بجوارحه، من نظر وسمع ونطق، تمثل سكينة القلب واطمئنانه ممرا واعلانا عنها، و(بين هاتين الحالتين تأثير وتأثر، ولا ينبغي الغفلة عن احداهما، ففي الخبر عن امير المؤمنين عليه السلام قال: (ما اضمر احدكم شيئا الا اظهره الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه).

السكينة كما يفهمها السيد المرجع، (متممة للوقار) وشرط لازم له، وهناك نوع من وجوب تواجدهما معا، (فمن عادة الانسان انه لكي يحفظ كرامته، يسعى الى حفظ وقاره)، والحفظ والتحلي بهذا الوقار مقرون بتحكيم تلك الطمأنينة على قلب الانسان الوقور، وهذا حسب تعبير السيد المرجع الشيرازي (معنى السكينة).

اضمار الشيء، يتعلق بمدى قدرة الانسان على كبح جموح باطنه، والسيطرة على قلبه، وظهور هذا الشيء، يتعلق بفقدان تلك القدرة على الكبح، ولا تتعلق بمقدار قوة الارادة التي يمتلكها الانسان في الامتناع عن مثل هذا الاظهار، لان التأثير والتأثر قاعدة (تشمل الجميع، وقد تظهر لدى البعض متأخرة).

الالتزام بوجوب الوقار والسكينة، فيما يتعلق بالظاهر والباطن، فعل الجوارح وما يهجس به القلب، بحاجة الى المراس والجدية، لان التمرين لازم لكل امر، كما يعبر السيد المرجع الشيرازي. وكل تمرين لا يقتصر على مدة محدودة، ثم تركه وكأنّ ما بذل فيه من جهد سابق قد حاز على القبول والتحقق، انه مراس ورياضة تمعن في المواصلة والاستمرار، وبذل المزيد من السعي للاستقامة. لتتحول كل صفة اخلاقية، بعد المزاولة المستمرة لها، الى ملكة طبيعية لدى الانسان، وكأنها تتحول الى صفة فطرية ولدت معه، ولم يكن للتطبع بها اثر بعد حين، حتى ليعجب الانسان نفسه من حجم ما اجترحه من تغيير في داخل نفسه، وقد لا يتذكر اللحظة الفاصلة لانتقاله، من جهد التطبع والتكلف والتصنع الى حالة الملكة النفسية الطبيعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/حزيران/2014 - 9/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م