كيف تسقط الأمم؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أولُ الغيث قطرة، تعبير تلفظه الألسن، عند بداية الأشياء، وهو في أصله بداية المطر، الذي سوف يتنامى ويقوى مع مرور الوقت، هكذا هي طبيعة الاشياء تبدأ صغيرة، ثم تنمو بالتتابع، يُقال أن الشرارة الصغيرة تنتهي بحرائق كبيرة، أو أن الحرائق الكبيرة تبدأ بشرارة صغيرة، سقوط الامم، يبدأ من سبب قد يكون غير مرئي ولا ملموس بسبب صغر حجمه وقلّة تأثيره في البداية، لكنه مع مرور الزمن ينمو ويكبر، ويتعاظم، لدرجة أنه سوف يكون السبب الأساس في سقوط الأمم!، هذا هو أول الغيث في الانحدار.

والسؤال، لماذا تنحدر، وكيف تسقط الأمم؟، يعزو العارفون والمعنيون أول الأسباب وأهمها، الى السياسة، بمعنى أدقّ، أن السياسيين، هم الذين يقفون وراء سقوط الأمم، كيف يحدث ذلك؟، يقُال إن الامم تبدأ بالانحدار، سياسيا، بمعنى أن السياسة والعمل السياسي يمهد لسقوط الامة، من خلال الاخطاء الكبرى التي يقترفها السياسيون وأفكارهم التي تلحق الاذى بالبنية السياسية للامة، والتي سرعان ما ستنعكس على جميع مجالات ومفاصل حياة الامة.

بمعنى أوضح، أن الانحدار السياسي، سوف ينتقل حتما، الى الاقتصاد والاجتماع والمؤسسات العسكرية والتعليمية والتربوية وسواها، هنا سوف يكون الانحدار شاملا، فتسقط الامة بكاملها، بسبب الخطوات السياسية الاولى المتعثرة، التي وضعت حجر الاساس للانحراف السياسي، فسقطت الامة في نهاية المطاف، ولكن في البداية ربما لم يتم ملاحظة لحظة الانحدار وطبيعته، فهي لحظة او الغيث، وغالبا ما يتم التغاضي عن نقطة شروع الانحدار السياسي، ثم يتنامى الانحدار ويشتد، بسبب استشراء الفساد وانتشاره في جميع المفاصل الحكومية، وفي مؤسسات الدولة وبنيتها السياسية والاقتصادية والامنية والتعليمية والصحية وسواها.

هنا يتساءل المتضررون من انحدار السياسة، تُرى ماذا بقي من ركائز الامة الساندة، وكيف تحمي الامة نفسها من مخالب الانحدار المؤكد؟، اذا كان قادة السياسة، وقادة النخب الاخرى في الامة، هم أول من وضع خطوة الانحدار والانهيار؟، من خلال اهمالهم لمسؤولياتهم، وغضهم الطرف عن بوادر واسباب الانحدار، تحت ضغط مصالحهم الذاتية الضيقة، التي غالبا ما تكون شخصية او عائلية او فئوية، أو حزبية في اوسع الاحتمالات، ويحدث هذا التفضيل الفردي، مقابل التفريط بحاضر ومستقبل أمة بكاملها!.

وماذا يمكن أن نتوقع، عندما تغيب أخلاقيات التعامل مع الآخر، وعندما يتم تقويض جسور الثقة بين السياسيين بصورة شبه تامة؟، ثم ماذا يمكن أن يحدث عندما يسود حس المؤامرة بين قادة النخبة السياسية؟، وقد يلجأ السياسيون الى استخدام الجيش في غير المجال المخصص له، وهو أمر محدد ومعروف، من خلال ما يحدده الدستور لهذه الأجهزة، ولكن قد تحدث تجاوزات على الدستور، (هذا إذا كان دستورا دائما ومستفتى عليه من لدن الشعب!)، فيتم استخدام الجيش او بعض الأجهزة الأمنية الأخرى في غير مجالاتها!.

بل وفي بعض الحالات ربما يتم استخدام الديمقراطية نفسها، بصورة خاطئة من لدن بعض السياسيين، الامر الذي يسرّع من حالة الانحدار التي تتعرض لها الامة، فهذه الظواهر الخاطئة والخطيرة التي يرتكبها بعض القادة السياسيين، تؤدي بالنتيجة الى تفاقم وتفاعل الأسباب المصيرية التي تقود الأمة الى الانحدار في نهاية المطاف.

وهكذا تبدأ الكوارث صغيرة، ثم تنمو لتصل الى نقطة نهاية الانحدار، لكن هذا لا يعني انتفاء الحالة الدراماتيكية للسقوط المدوّي لبعض الامم، فقد تسقط امة ما سقوطا مدوّيا، سريعا متداخلا ومفاجئا ايضا، لأسباب جوهرية تشترك في إحداث مثل هذا السقوط الدراماتيكي السريع، ولكن سقوط الامم في الغالب يأتي عبر انحدارها المتدرج نحو مستنقع الجمود وربما الموت!.

أما كيفية تحاشي سقوط الامم، فإن الامر بحاجة الى مجال أوسع، في بحث او دراسة، تتعمق في كيفية المعالجات المطلوبة لمعالجة مسار الانحدار، من نقطة الانطلاق او الشروع، ومجاراة المسار واحداثه، ومعالجة الأزمات وأسبابها، ووضع الحلول المطلوبة والمناسبة، لتحاشي الاخطاء الجوهرية والمصيرية التي تقع فيها النخبة السياسية، فينعكس ذلك على النخب القيادية الاخرى، الامر الذي يقود الامم الى الانحدار والسقوط الحتمي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/حزيران/2014 - 8/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م