الشاشة الصغيرة ووجبة المعلومات الدسمة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: تقنية وسائل الاتصال وانتشار القنوات الفضائية بإعداد هائلة في العالم حفّز شريحة الشباب بشكل خاص، وعموم المشاهدين بشكل عام، على اتخاذ هذه الوسائل السريعة والمجانية، خياراً مفضّلاً في التزوّد بمختلف انواع المعلومات التي يحتاجها في حياته.

فبعد ان كان الكتاب الثقيل والباهظ الثمن، هو مصدر معلومات الطالب والأستاذ، وحتى المرأة في بيتها والطفل الصغير، بات من السهل جداً لهم النقر على زر واحد، لتنهمر المعلومات كالمطر، حول العلوم الطبيعية والإنسانية والآداب والفنون، فضلاً عن المعارف والأفكار المختلفة.

هذه الثورة المعلوماتية جاءت في وقت كانت الشاشة الصغيرة تمثل الوسيلة المفضلة للجهات الحكومية المالكة، في نشر ثقافتها ونهجها الفكري، فقد أدت دوراً بارزاً خلال  العقود الماضية، في تكريس ثقافة الحاكم الأوحد و"الزعيم الضرورة" من خلال الأهازيج والأناشيد والبرامج التعبوية، ولعل التلفزيون العراقي أبان النظام السابق، يكون ابرز مثالاً على ذلك. ومنذ تاريخ (9-4-2003) شهدت الساحة الاسلامية – الشيعية، ظهوراً متزايداً للقنوات الفضائية وهي تحمل رسالة التبليغ والتوجيه بالدرجة الاولى، نحو  القيم والمبادئ وتعاليم الدين الحنيف، ثم جاءت الدعوات الملحّة من المرجيات الدينية، وفي طليعتها مرجعية سماحة السيد صادق الشيرازي – دام ظله- بالاستفادة ما أمكن من هذه الوسيلة التي يطمئن اليها المجتمع، في مقابل خطر الشبكة العنكبوتية وبرامج التواصل الاجتماعي التي تمثل عالماً بلا حدود ولا قيود.

هذه الثقة تدفع المعنيين بالقنوات الفضائية، لاسيما الإسلامية والملتزمة منها، بأن تلقي بثقلها الفكري والثقافي من خلال برامج حوارية ومحاضرات وحلقات نقاش وغيرها، تتناول التاريخ والدين والمعارف والأخلاق. وبعد عقد من الزمان، بالإمكان ملاحظة بعض التطورات الفنية والمنهجية في أداء بعض القنوات الشيعية، من خلال التركيز على الجانب الانساني والتشجيع الى عمل الخير، او العمل على نشر الثقافة الدينية والأخلاقية.

بيد أن ثمة حقيقة ينبغي ان يضعها العاملون والمعنيون بالقنوات الفضائية، وهي أن التنافس اليوم، ليس على البرامج الفكرية والثقافية والمحاضرات الدينية، إنما على البرامج الوثائقية والعلمية التي تحمل كمّاً هائلاً من المعلومات في شتى نواحي الحياة. فاذا كان "النت" يقدم لطلبة المدارس والأكاديميين والمتخصصين وغيرهم المعلومات الخاصة باهتماماتهم، فان هناك بعض القنوات التلفزيونية، ومن خلال برامج مثيرة ومشوقة تثير في المشاهد حاجته الى المزيد من التعرف على ما يجري في العالم، سواءً من عالم البحار والحيوان والنبات وتجارب الشعوب وما توصلت اليه من منجزات وتطورات.

هذه المعلومات تأتي دون أن يطلبها أحد من افراد العائلة الذين يجتمعون عادة في المساء على مائدة طعام او على جلسة شاي او غيرها، فتخرج عليهم قنوات مثل "بي بي سي" او "ناشونال جوغرافيك" وغيرها كثير، وهي تقدم افلام وثائقية مثيرة للغاية مليئة بالمعلومات التي ربما لم يسمع ولم يشهد مثلها أحد. وربما تكشف لهم عن حقائق جديدة تصحح ما كانوا يحملونه في السابق. وهذا بحد ذاته يعد انجازاً اعلامياً باهراً لأي قناة فضائية.

صحيح ان المحطات الفضائية المذكورة، تستند الى إمكانات علمية وتقنية وأرشيف ضخم وخبراء وعلماء، فضلاً عن الإمكانات المادية الغزيرة، بحيث تمكنهم من الوصول الى أعماق البحار والجبال ويزورون الناس في مجاهيل الغابات والمناطق المتجمدة وفي أقاصي العالم.

لكن الصحيح ايضاً أن المعلومة المفيدة للمجتمع العراقي واللبناني والخليجي وغيرهم، ربما تكون متوفرة بإمكانات متاحة، مثال ذلك، البرامج الوثائقية الخاصة بالتاريخ الشيعي، القديم منه والمعاصر.. فهنالك ثورات وحركات تغيير جماهيرية تسببت في تغيير مجرى التاريخ، وهناك الحوزة العلمية ومعالمها الفسيح وما تحمله من ذكريات وتجارب عظيمة، بل وآثار عميقة على حياة الناس. هذا النوع من البرامج نراه في القنوات المذكورة وغيرها، وهي تكشف عن خفايا مثيرة عن هذا الزعيم وذاك، وعن هذه الواقعة او تلك.

الى جانب هذا، ما الذي يمنع القنوات الشيعية  - مثلاً- من الإكثار من البرامج الاجتماعية التي يتم التداول فيها عن مسائل التربية والتعليم والصحة وفق موازين علمية وبالأدلة والبراهين؟ وهل تتناقض برامج وثائقية خاصة مع التوجيه الديني والأخلاقي؟.

من المفارقة حقاً؛ أن نجد الحثّ على طلب العلم والمعرفة والسعي للتطور لدى علمائنا ومؤسساتنا الثقافية، ثم لا نجد كل هذا في الشاشة الصغيرة، إلا الشيء القليل. والمثير حقاً في هذا السياق، أن قناة تابعة للسعودية، تبث برنامجاً اجتماعياً – وثائقياً يبين الفارق الكبير بين الثقافة والحضارة في الغرب، وبين التخلف والحرمان لدى المسلمين، حيث النظام والاخلاق والقوانين في الغرب، بينما الفوضى والعنف والتخلف في الدول الاسلامية..!.

حتى القنوات ذات الاهتمام السياسي بالدرجة الاولى، التي ظهرت مؤخراً وهي تعود الى دول كبرى مثل روسيا وفرنسا والمانيا وامريكا، تتنافس اليوم على تقديم المعلومة السريعة والمثيرة لاهتمام العائلة والأسرة حسب متبنياتها الثقافية والفكرية، وتسعى لأن تصدر النموذج الى المشاهد، او تروج لنمط معين من الحياة.

هنا ثمة قضية لابد من الاشارة اليها لتحقيق النجاح في تقديم وجبة المعلومات الدسمة للمشاهد في بلادنا الاسلامية، وهي محدودية الحركة والتعامل مع المعلومة بشكل عام. وهي حقيقة واضحة لا تنكر، بيد أن الخطوط الحمر ليست في كل مكان، ربما هناك مساحات واسعة يمكن تسليط الضوء عليها بما يخدم الجهات المعنية ويفيدها في نشر المعلومة التي تحكم الربط بين المجتمع والدولة، في مجالات عديدة مثل الصحة العامة والأمن المجتمعي والاقتصاد والسياحة وغيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/حزيران/2014 - 6/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م