لماذا لم تحقق ثورات الربيع العربي ديمقراطية حقيقية؟

جيرالد بَت

 

منذ الإطاحة بمبارك، شارك المصريون مرتين في انتخابات رئاسية، ومرة في انتخابات برلمانية، وثلاث مرات في استفتاءات عامة

قد يخلص الواحد منا، ظاهريا على الأقل، إلى أن الديقراطية تزدهر في العالم العربي، إذ سوف نرى أن ملايين السوريين سيدلون بأصواتهم الثلاثاء في انتخابات رئاسية، كما أن المصريين انتخبوا للتو رئيسا جديدا لبلادهم وسينتخبون نوابهم في مجلس الشعب في المستقبل القريب.

وكذلك، نظمت انتخابات في وقت سابق في العراق والجزائر، كما يشارك الكويتيون في انتخابات فرعية خلال الأسابيع المقبلة. وسيذهب التونسيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نوابهم في البرلمان الجديد قبل نهاية السنة الحالية.

لكن هذه المظاهر خادعة، إذ إن الديمقراطية في العالم العربي لم تحقق سوى تقدم ضئيل يتمثل في تحطيم أنماط من القيادة أرسى قواعدها حكام مستبدون على مدى عقود من الزمن.

لقد كان الربيع العربي يحمل في طياته الكثير من الوعود لكن ما تحقق إلى الآن شيء يسير ليس إلا.

الحرس القديم

وتقدم مصر مثالا على ما نقول إذ منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك عام 2011، شارك المصريون مرتين في انتخابات رئاسية، وفي انتخابات برلمانية لانتخاب مجلسي الشعب والشورى، إضافة إلى ثلاث مرات شاركوا خلالها في استفتاءات عامة على الدستور.

إلا أنه، وعلى الرغم من كل أشكال الديمقراطية تلك، فلا تزال الأجهزة الأمنية والعسكرية تقف في الكواليس، حيث ينص الدستور الذي اعتمد في الآونة الأخيرة على محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، كما أن هناك قانونا جديدا يفرض قيودا مشددة على ممارسة حق التظاهر، وهو أمر لا يكاد يؤسس للديمقراطية الحقة.

وعلى الرغم من أن فوز وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ربما كان مقنعا، فإنه يأتي إلى سدة الحكم في بلد يشهد استقطابا بين القوى الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تحكم البلاد وأصبحت الآن محظورة، والقوى العلمانية في البلاد.

وأعرب أغلب داعمي الجماعة والعديد من الليبراليين في مصر عن عدم رضاهم عن الأوضاع الحالية في البلاد وأعلنوا مقاطعتهم للانتخابات الرئاسية.

حالة نجاح فردية

تبقى تونس، التي شهدت أولى انتفاضات الربيع العربي، هي الدولة الوحيدة التي تشهد قصة نجاح حقيقي.

من ناحية أخرى، تأتي الانتخابات الرئاسية السورية في بلد مزقته الحرب، على الرغم من أن الأوضاع في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري لا تختلف فيها عما كانت عليه في السابق قبل عام 2011.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار غياب النقاش الحر وعدم وجود منافس قوي لبشار الأسد في هذه الدولة التي يحكمها نظام الحزب الواحد، فإن الانتخابات الأخيرة لن تكون مجرد إجراء شكلي، كغيرها من الانتخابات التي سبقتها والتي أجريت على مدار التاريخ السوري الحديث.

وجاءت الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي لتتلوها أول انتخابات حرة تجرى في البلاد عام 2012، والتي بدت تمهيدا يبشر ببداية حقبة جديدة في ليبيا.

إلا أنه ومنذ ذلك الحين، لم تكن السلطة المركزية والهيئات الوطنية قوية بما فيه الكفاية لمواجهة الميليشيات المسلحة في ليبيا، وبدت فرص إنشاء نظام ديمقراطي شامل في البلاد خلال المستقبل القريب بعيدة المنال.

ومن بين كل تلك البلاد التي تأثرت بثورات الربيع العربي، تبقى تونس، التي شهدت أولى تلك الانتفاضات، الدولة الوحيدة التي تشهد قصة نجاح حقيقي.

فقد بقي الجيش التونسي متخذا موقف الحياد والترقب، كما نجحت المجموعات السياسية المختلفة في التوصل إلى تسويات فيما بينها، ونجحت في الاتفاق على دستور جديد يلبي احتياجات أغلب قطاعات الشعب التونسي.

وبالرغم من أن الديمقراطية في تونس لا تزال تواجه بعض التحديات، فإن قوة المؤسسات المدنية في البلاد تعني أنها في وضع أفضل من غيرها لمواجهة تلك التحديات.

مصالح طائفية

وإذا ما نظرنا في أوضاع العراق ولبنان نجد أنهما بلدان عربيان آخران لم يتأثرا بثورات الربيع العربي إذ تأثرت العملية الديمقراطية فيهما على مدار السنين بالنزعة الطائفية.

شهدت العراق إجراء انتخابات برلمانية، إلا أنها استبعدت المناطق التي كانت تعصف بها أعمال العنف

ففي كلا البلدين، لم يُعطَ الناخبون الفرصة للتوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحين يتبنون المصلحة العامة للبلاد، بدلا من مصالح فئات بعينها.

أما الديمقراطية في الجزائر فتمارس من خلال سيطرة الجيش وبما يخدم مصالح النخبة الحاكمة في البلاد.

وخففت بالكاد التغييرات الدستورية في الأردن والمغرب مدفوعة بالثورات العربية التي اندلعت في الدول الأخرى حولهما من سيطرة النظامين الملكيين على الحياة السياسية في البلاد.

بيد أن أغلب الأنظمة في دول الخليج العربي ترى في الوقت نفسه أن الديمقراطية بنمطها الغربي لا تعد ضرورية في المجتمعات التي يمكن لها أن ترفع آمالها وشكواها بشكل مباشر إلى أنظمتها الحاكمة، وذلك من خلال النظام التقليدي للمجالس المفتوحة.

الافتقار إلى الحوار

ويعتبر القضاء على أنماط القيادة الاستبدادية في الدول العربية أمرا صعبا يتطلب وقتا طويلا.

ويأتي إحداث إصلاحات على أنظمة التعليم العام، واستبدال ثقافة التلقين فيها بثقافة طرح الأسئلة والتحليل، بمثابة خطوة من شأنها التشجيع على إجراء النقاشات العقلانية المفتوحة.

وعادة ما تشهد النقاشات السياسية التي تجرى على الفضائيات العربية نهايات صدامية بين الأطراف المتحاورة.

لذا فإن الاتفاق على قبول الرأي المخالف والتنازل عن بعض الأمور لصالح الطرف الآخر تعتبر من أعمدة الديمقراطية التي تحتاج شعوب المنطقة لأن تؤصلها في ثقافاتها.

أما في الوقت الحالي، فإن الدول العربية تمارس الديمقراطية بطرق ومستويات مختلفة، إلا أن تلك الممارسات يغيب عنها مكون مهم من مكونات الديمقراطية، ألا وهو السياسة بمفهومها السائد.

فهناك حاجة إلى وجود تصورات سياسية متنوعة لا تشتمل على ما يعتبر الأفضل للأمة فحسب، بل تأتي في طياتها أيضا احتياجات شعوبها الاقتصادية والاجتماعية.

وإذا ما أصبحت الانتخابات ساحة للتنافس بين رؤى سياسية مختلفة في العالم العربي، فيمكننا القول حينذاك بأن الجدول السنوي لمواعيد ذهاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع سيكون ذا قيمة حقيقية.

* محلل شؤون الشرق الأوسط في الـ بي بي سي

http://www.bbc.co.uk/arabic

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/حزيران/2014 - 6/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م