غول الارهاب والحلول الغائبة

علي الطالقاني

 

يشكل انتشار المجاميع المتشددة في مدن عدة من العراق، مصدر قلق دائم بين صفوف المدنيين العُزل ومن هم داخل المؤسسة الأمنية على حدّ سواء.

وقتل في العراق خلال شهر مايو/أيار الماضي نحو 799 الأمر الذي يجعله الشهر الأعلى في عدد الضحايا خلال عام 2014. فيما بلغ عدد الضحايا منذ بداية العام الجاري أكثر من 5000 فرد.

ولطالما كانت هذه التنظيمات تؤمن بامتداد سيطرتها -بالرغم من عدم تحقيقها هذا الهدف- بين مناطق الانبار والموصل وديالى وحزام بغداد فقد حذرت لجنة الامن والدفاع النيابية من محاولة سيطرة مسلحي داعش على بعض هذه المناطق، فيما استبعدت وزارة الداخلية ذلك.

وهو الامر الذي قد يجعل من المناطق المذكورة في المستقبل بؤرة للمجاميع المسلحة وقد تبقى معزولة عن القرار السياسي وربما تكون ملاذاً آمناً للتنظيمات المتشددة.

وأعلنت الحكومة العراقية في وقت سابق أنها تصدت لـ ١٧٠ مركبة محملة بإرهابيين أثناء محاولتها دخول العراق من جهة سوريا ولعلّ انتشار المجاميع الارهابية في مناطق دون أخرى دليل على وجود حواضن وساهمت الحرب في سوريا على تنميتها وازديادها مثلما ساهمت في امتداد العنف. فقد امتد القتال الى الاراضي العراقية حيث يلاحظ ان هناك تدفقا للأسلحة وتعزيزا في وجود المجاميع المتشددة. لكن العامل الأكبر المساهم في امتداد الصراع عائد إلى كون هؤلاء الارهابيين يكسبون الدعم عبر بعض أجهزة الاستخبارات الدولية وبعض الاسلاميين المعادين لحكم الشيعة في العراق.

فقد أعلنت القوات الامنية عثورها على أدلة تدين دول مجاورة للعراق تثبت تورطها بدعم المجاميع المتشددة عن طريق التوجيهات والمال والسلاح.

ويبدو ان تجنيد الارهابيين للمسلحين في العراق مستمرُ بشكل متزايد حيث هناك مجموعة من العوامل التي تعمل على جذب هؤلاء المقاتلين منها مثلا:

ــــ وجود شبكات إجرامية تعمل على جذب هؤلاء المقاتلين تحت عناوين ومسميات مختلفة.

ــــ العامل الديني الذي يستهوي بعض هذه المجموعات.

ــــ حلم الانتصار تحت عنوان الجهاد العالمي.

ــــ الاعتقاد بأن الشيعة هم امتداد للوجود الايراني وبالتالي ان هذا الوجود سيقوي هذا الامتداد.

ــــ ضعف القضاء واستشراء الفساد الاداري والمالي في مؤسسات الدولة.

هذه الحوادث وغيرها تؤشر على وجود مجاميع ارهابية تتغذى بشكل مستمر وهو ما يزيد القلق. وتقول تقارير ان عدد القتلى بين صفوف المجاميع المتشددة خلال اربعة أشهر وتحديداً من بدء العمليات العسكرية في الانبار أواخر كانون الاول الماضي بلغ أكثر من 2055 شخصاً. وأشارت تقارير الى ان 67% من الارهابيين القتلى من "داعش" قد قتلوا في محافظة الانبار وبشكل خاص في مدينتي الرمادي والفلوجة.

ومما يجدر ذكره ان هذه الجماعات تنفذ اعدامات بين صفوف المدنيين الذين لا يؤمنون بأفكارهم كما يتهمون كل من يخالفهم بالتكفير والردة. وبالرغم من انتشار هذه المجاميع الا ان غالبية العراقيين يرفضون الانضمام لصفوفهم. كما ان هذه الجماعات تقوم بحملات قتل لكل من يعارض أفكارهم أو يرفض الانتماء لهم.

القوات الأمنية العراقية من جهتها تشكو من ضعف في المجالات التقنية والتكتيكية وهو الأمر الذي توضح خلال المعارك التي تدور في الانبار ويعتبر ذلك مؤشراً حقيقياً لعدم قدرتها على إنهاء المعركة لصالحها ونستثني من ذلك دور جهاز مكافحة الارهاب الذي يعد الفصيل الأقوى بين صفوف القوات الأمنية.

وبشكل مستمر تنفذ القوات الأمنية العراقية حملات اعتقالات وقصف بالطائرات لمجاميع ارهابية ومن جنسيات مختلفة، كما انها نفذت عمليات نوعية استهدفت مجاميع مسلحة خلال عمليات أمنية في المناطق المذكورة.

وتشير التقارير إلى أن السجون في العراق باتت مليئة بالمجاميع المتشددة ومنهم من يخرج بصفقات تحت عناوين مختلفة ومنهم من يهرب.

من جهته أكد وزير العدل العراقي حسن الشمري، في مقابلة صحفية أن عدد المحكومين بالإعدام في العراق يصل إلى حوالي 1200 شخص ويشمل العدد الجرائم الجنائية والجرائم المسجلة على وفق قانون الإرهاب.

ما هو مطلوب اليوم في العراق كجزء ضروري في فهم الأزمة وفي محاولة إيجاد الحلول لها يفرض ان تتوافر عدة شروط في الساحة الأمنية، منها مثلا:

ـــ وضع استراتيجية سياسية وأمنية شاملة والسيطرة على جميع الاراضي العراقية.

ـــ دعم اللجان الشعبية (الصحوات) بشكل جيد وخاضع لمراقبة الأجهزة الأمنية.

ـــ محاسبة المجرمين الذين تثبت إدانتهم.

ـــ تميز العناصر المتشددة عن اولئك المغرر بهم والذين هم يعارضون الحكومة.

ـــ التشاور المستمر مع زعماء العشائر من أجل دعم الأمن.

ـــ تقوية أجهزة الاستخبارات وسهولة الحصول على المعلومة الأمنية.

ـــ تفعيل التعاون الدبلوماسي من قبل الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة الامريكية  ودول المنطقة.

ـــ اجراء اصلاحات سياسية وتعديلات دستورية ترمي الى احترام حقوق الانسان واحترام القانون.

ـــ تدريب القوات الأمنية بشكل جيد وزيادة دعم المؤسسات الأمنية على المستوى اللوجستي والتقني والاعتماد على القادة الميدانيين الذين يمتلكون خبرات عميقة.

ـــ فهم طبيعة سكان المناطق وطرق تفكيرهم وما هي اولوياتهم من أجل العيش في ظل الحكومة.

ـــ ان تكون أجهزة الأمن العراقية على استعداد تام لاستخدام قدراتها الذاتية في حال غياب أي دعم دولي.

ـــ اقناع المتمردين الذين أغوتهم التنظيمات المتشددة بان افعالهم قد تسيء من اوضاعهم وان ما يفعلونه لا يصب في مصلحتهم وتحسين مستواهم الثقافي والمادي.

يشار الى ان العراق يتمتع باتفاقية أمنية منذ خروج القوات الأمريكية عام 2011 وهو برنامج كان من المخطط له ان يكون متقناً وممولاً تمويلا ذا قيمة وشراكة استراتيجية.

وطلب العراق مراراً وتكراراً تحديداً المساعدة على تعزيز أمن الحدود وتقديم الدعم اللوجستي والتقني.

إلا ان ما يتعرض له البلد من ضغوط اقليمية حال دون السير وفق ما هو مخطط له في هذه الاتفاقية فضلا عن الموقف الأمريكي الخجول لما يدور في المشهد العراقي من ضغوط من قبل دول معينة، علماً أنها غضت النظر عن قضايا الالتزام بمسؤولياتها تجاه العراق.

وأخيراً ينبغي على القادة السياسيين السعي لمفاوضات داخلية مع جميع الشركاء تهدف إلى تعزيز التعاون مع قادة القرار الدولي من أجل القضاء على الارهاب.

إن الحفاظ على العملية السياسية وتوزيع الأدوار يمهد الطريق لمشاركة الجميع في الحكومة العراقية المقبلة، وهناك حاجة مهمة بغض النظر عن هوية رئيس الوزراء المقبل. حيث يمكن للتسويات السياسية التصدي لمن يقف خلف الارهاب بيد من حديد، والتركيز على بناء البلد بيد أخرى، وهو ما نأمل أن تلتفت إليه الحكومة القادمة بعد انتهاء انتخابات العراق لعام 2014، ومازالت الفرصة قائمة لتشكيل حكومة قوية قادرة على إدارة البلد، وعلى الحكومة أن تضع في جدول أعمالها الاهتمام بالجانب الدبلوماسي الذي تستطيع من خلاله مواجهة الإرهاب والقضاء على أعشاشه وأوكاره التي لا تكف عن التفريخ بغياب هذا الجانب.

* باحث في شؤون الارهاب

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/حزيران/2014 - 5/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م