التواصل الإنساني وضروراته

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: نعيش في الوقت الحاضر في مجتمعات القطيعة والتقاطع، والتي تحدث هذا العوق المستمر والمزمن لانسانيتنا وكرامتنا، وتحيلنا الى كائنات متقاتلة، متصارعة، قاتلة أو مقتولة، حتى وان لم تتحقق بمعناها المادي المباشر، فانها حاضرة بقوة في دلالاتها المعنوية.

رغم ماقدمته التكنولوجيا الحديثة، ووسائل الاتصال بطفراتها المتعددة، من تجسير للهوة بين البشر على امتداد العمورة، وخلقت انواعا متعددة من التواصل بين البشر على اختلاف ثقافاتهم، الا انها بالمقابل، افرزت نوعا من القطيعة والتقاطع، بين جماعات ثقافية او دينية معينة، انسحبت بالتالي على التواصل بين الافراد المنتمين لهذه الجماعات، واصبح التواصل في احيان كثيرة يمد مساحته الى البعيد، ولا يستطيع ان يمد نفس المساحة الى القريب منه..

يفترض وجودنا المشترك على الارض، تفعيل التواصل كقيمة انسانية بين عموم البشر، واحترام الاختلافات والتنوع بيننا.

ما هو التواصل؟

يفيد التواصل في اللغة العربية الاقتران والاتصال والصلة والترابط والالتئام والجمع والإبلاغ والانتهاء والإعلام.  

ويعرف بانه (حالة من الفهم المتبادل بين نظامين أو كيانين. يكون أحد هذه الأنظمة مرسلاً وقتا ما ومن ثم يكون الآخر مستقبلاً وفي وقت آخر يتبادل كلا الطرفين المواقع من حيث الارسال والاستقبال).

وهو «فعل لإيصال شيء ما: رأي، رسالة، معلومة»، كما يرى جانين بوديشون وهو يتتبع معانيه ودلالاته في اللغات الاجنبية. وهو«فعل الإخبار أي نتيجة هذا الفعل… تبادل المستندات…عند معرفة الخصم… معلومة...».

يعرف شارل كولي التواصل قائلا: "التواصل هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان. ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبرة الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون وكل ما يشمله آخر ما تم في الاكتشافات في المكان والزمان".

في علم الاجتماع تشير ظواهر التواصل الاجتماعي الى (تبادل الرسائل اللسانية وغير اللسانية (صور، إيماءات إلخ) بين الأفراد والجماعات. ويتعلق الأمر بالوسائل المستعملة لنقل خبر معين والتأثير في الآخرين».

وهو حسب دوركايم، (تفاعل داخل شبكة تتبادل أو تتقاسم فيها تصورات جماعية).

هناك خمس عناصر مكونة للتواصل:

* المرسِل: مصدر الرسالة التي غالبا ما يشير فيها إلى أنه يتمتع بامتياز في التحليلات.

* المتلقي: متلقي الرسالة. وهو كما يقول غالبا العنصر الرئيسي.

* الرسالة: المحتوى المرسَل الذي يُصرِّح بإهماله في التحاليل.

* الواسطة: قناة الإرسال. وإذا كانت هناك قناة واحدة، التلفزيون مثلا، فإن الواسطة تستطيع أن تنوب عن الرسالة ذاتها بالرؤية.

* الوسطاء: من المحتمل أنهم يتناوبون كما يتجاورون ويتزعمون الرأي.

تتوقف خاصية التواصل الإنساني على اللغة التي تتميز عن أنساق التواصل الحيواني على عدة مستويات: فمن جهة إن اللغة تخضع لبنية هي في الآن نفسه دقيقة وغنية، وللتركيب... ومن جهة أخرى إن اللغة الإنسانية أداة تواصلية مرنة للغاية بسبب بنيتها التي تسمح بإيصال رسائل مختلفة انطلاقا من الكلمات نفسها، وفي الآن نفسه لأن الكلمات والتعابير أو الجمل هي في الغالب متعددة المعاني، وغامضة أو مبهمة وتخضع في تأويلها كثيرا للسياق.

في تلك التعريفات تتبدى علاقة وطيدة بين التواصل والاتصال، الذي يعني في اللاتينية "الشيء المشترك"، ومن هذه الكلمة اشتقت كلمة "الجماعة المدنية" أما الفعل اللاتيني لجذر الكلمة فمعناه "يذيع أو يشيع".

ويمكن وصف الاتصال بأنه سر استمرار الحياة على الأرض وتطورها، بل أن بعض الباحثين يرى (أن الاتصال هو الحياة نفسها)، وعلى الرغم من أن الجنس البشرى لا ينفرد وحده بهذه الظاهرة، حيث توجد أنواع عديدة من الاتصال بين الكائنات الحية، بيد أن الاتصال بين البشر شهد تنوعاً في أساليبه، وتطوراً مذهلا في المراحل التاريخية المتأخرة.

ومع تعدد التعريفات التي وضعت من قبل الباحثين لمفهوم الاتصال، فأننا يمكن أن نعتمد تعريفا مبسطا وشاملا للاتصال هو: (أن الاتصال عملية يتم بمقتضاها تفاعل بين مرسل ومستقبل ورسالة في مضامين اجتماعية معينة، وفي هذا التفاعل يتم نقل أفكار ومعلومات ومنبهات بين الأفراد عن قضية، أو معني مجرد أو واقع معين).

والاتصال عملية مشاركة بين المرسل والمستقبل، وليس عملية نقل إذ أن النقل يعني الانتهاء عند المنبع، أما المشاركة فتعني الازدواج أو التوحد في الوجود، وهذا هو الأقرب إلى العملية الاتصالية، ولذا فأنه يمكن الاتفاق على أن الاتصال هو عملية مشاركة في الأفكار والمعلومات، عن طريق عمليات إرسال وبث للمعنى، وتوجيه وتسيير له، ثم استقبال بكفاءة معينة، لخلق استجابة معينة في وسط اجتماعي معين.

ما هي وظائف التواصل؟

هناك ثلاث وظائف بارزة للتواصل يمكن إجمالها في:

التبادل

التبليغ

التأثير

تعتبر اللغة وسيلة مهمة في التواصل والاتصال، تشكل حروفها وكلماتها المتكونة منها، الاف الدلالات التي يفهمها ويتفاعل معها المتلقي، لكن بالمقابل هناك وسائل ودلالات ورموز اخرى غير لفظية تشكل اهمية كبرى ايضا في التواصل الانساني.

وهي " لا تستعمل أنواعا سننية قائمة على أصوات بها، ولكنها تستعمل أنواعا سننية قائمة على أنماط أخرى من الأشياء، هاته الأشياء الأخرى إما أشياء توجد قبليا في الطبيعة وإما أن الإنسان أنتجها لغايات أخرى، وإما أنها أنتجت لغرض أن تستعمل بوصفها دلائل، أو أنها استعملت باعتبارها دلائل في نفس الفعل الذي نتجت فيه".

هذه الانواع تسمى في علم الاجتماع بالانساق غير اللفظية، والتي  لها وظيفة تواصلية يمكن اجمالها فيما يلي:

1. حركات الأجسام وأوضاع الجسد: مثل التواصل بالإشارات وتعابير الوجه وتعابير أخرى وأوضاع الجسد.

2. الإشارات الدالة على القرب: يتعلق باستعمال الإنسان للمجال المكاني.

3. التواصل اللمسي والشمي والذوقي والبصري والسمعي إلى درجة نستطيع فيها إبعاد أنساق دلالية غير لفظية أخرى قائمة أيضا على السمع والبصر.

4. التواصل الشيئي: هي الأنساق القائمة على أشياء يروضها الإنسان وينتجها ويستعملها: ثياب وحلي وزخارف وأدوات مختلفة وآلات بناء من كل نوع وموسيقا وفنون رمزية.

5. التواصل المؤسساتي: المقصود به كل أنواع التنظيمات الاجتماعية وبالتحديد كل الأنساق المتصلة بروابط القرابة والطقوس والأعراف والعادات والنظم القضائية والديانات والسوق الاقتصادي.

في المقابل، يقسم السيميوطيقي الإيطالي أومبرتو إيكو الأنساق الدلالية إلى ثمانية عشر نسقا. وينطلق في هذا التصنيف من الأنساق التواصلية التي تبدو في الظاهر أكثر طبيعية وعفوية، أي أقل من خاصيتها الثقافية وصولا إلى العمليات الثقافية الأكثر تعقيدا. وهذه الأنساق هي:

. سيميوطيقا الحيوان: ويخص الأمر بالسلوكات المتصلة بالتواصل داخل الجماعات غير الإنسانية، وبالتالي، الجماعات غير الثقافية؛

. العلاقات الشمية: كالعطور مثلا.

. التواصل اللمسي: كالقبلة والصفعة.

. سنن الذوق: ويتعلق الأمر بممارسة الطبخ.

. العلامات المصاحبة لما هو لساني: كأنماط الأصوات في ارتباطها مع الجنس والسن والحالة الصحية... ومثل العلامات المصاحبة للغة كالكيفيات الصوتية (علو الصوت ومراقبة العملية النطقية...) وكالصوتيات (الأمزجة الصوتية: الضحك والبكاء والتنهدات).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/حزيران/2014 - 4/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م