زيارة القبور والتبرك

إخفاقات وراضي

ياسر الحراق الحسني

 

يعتبر ما كتبه الدكتور وراضي حول زيارة القبور من أهزل ما كتب في نقد الزيارة. ففي مقال عنوانه "أولا تقتضي زيارة الأضرحة تحديدا للمواعيد؟" عبر المنظر السلفي عن فكر غير رصين ضعيف في الإستدلال مكسو ببساطة العبارة عارٍ عن الصحة. مجمل ما قدم سخافات مثل حديثه في موضع عن الموعد الزماني لتوظيفه في موضوع روحاني لا يتقيد بالزمن. وفي موضع يبتر من كتب الصوفية كلاماً عن "التبرك" و"الكرامات" مستهزئاً بكلاهما خلافاً لما يتوقع من دكتور يحق له الإختلاف بإحترام عوض التحول إلى بهلوان ساخر من الآخر.

 وفي موضع آخر يشكل دون ضرب الكلام بالبرهان على قضية الذبح عند الأضرحة لا يملك سوى الإستهزاء والتساؤل! كل هذا خلله بسب مخالفه ووصفه ب"المخبول" والظلامي" و"القبوري " وما شابه. ومادام الدكتور يرى أنه مفكر إسلامي سمى مدونته بمدون "الفكر الإسلامي"، ارتأينا تنبيهه إلى باطل ادعاءاته وبسيط تصوراته من خلال معتبر النصوص الإسلامية عسى أن يعود إلى صوابه ويختار طرق علمية في المستقبل لنقد الفكر الآخر عوض الطريقة البهلوانية التي تألق فيها بمقالة نقد زيارة الأضرحة.

حول زيارة القبور

على عكس ما ارتآه الدكتور وراضي من خلال نافذة فكره الشبه منغلقة حول عدم إسلامية زيارة القبور، يوجد من النصوص الدينية الإسلامية ما يؤيد شرعية زيارته القبور وعلى رأسها النص القرآني. فتجد في الآية 84 من سورة التوبة ما نصه: "ولاتصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ". ومعنى الآية أن الأصل هو جواز زيارة القبور والقيام عندها دون موعد محدد كما طلب الدكتور وراضي ما دام المزار لا يعد من فاسقي الكفار. ومعلوم أن المزارات في المغرب كثير منها لأحفاد السيدة فاطمة الزهراء العظيمة، وأخرى لشخصيات عرفت بالورع، وأخرى لرموز المقاومة ضد الإستعمار. والسعي في تكفير ومحاربة هذا الثرات يعتبر ضربةً للتدين والثقافة والحس الوطني في المغرب.

 وفي النسخة القديمة لصحيح مسلم (7/41) حديث قلما تجده في النسخ المختصرة المطبوعة المتوفرة في الأسواق هذا نصه:" روى مسلم عن عائشة إنها قالت: كان رسول الله كلما كان ليلتها من رسول الله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللّهم أغفر لأهل بقيع الغرقد". فهل الدكتور وراضي يمتلك الجرأة على رد هذا الحديث وهذه الآية ؟!

حول التبرك والكرامات

وعن موضوعي التبرك والكرامات اللذان رآهما دون تحليل أو نقاش ضرباً من الجنون والظلامية، كان أولى به أن يناقش أصل القول بهما لا مظهراً من مظاهر تجليهما. لقد عهدنا من الدكتور المغالطات بشتى انواعها، وهذه واحدة مثله فيها كمثل غير المسلم يضحك على المسلمين لأنهم يرمون الحجارة على الشيطان خلال طقوس الحج. ولا شك أن الذي يضحك على طقوس الأخرين جاهل بأصل تلك الطقوس التي لوعلمها إحترم ممارسيها تفهماً منه لطريقة نظرهم إلى العالم المختلفة عنه. هكذا سخر الدكتور وراضي من مظاهر ايمانية لا يؤمن بها فشل في نقدها نقداً علمياً يلزمها بمبادئها ويكشف تناقضاتها فلجأ إلى التهكم ساتراً محدودية علمه واطلاعه.

ورد في كتاب الوفا في فضائل المصطفى لإبن الجوزي الذي يعتبره الدكتور علماً من إعلام الهداية (حديث رقم 1538) ما نصه فيما يجمع بين الزيارة والتبرك:" لما رمس رسول الله جاءت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فوقفت على قبره -صلى الله عليه وسلم - وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعت على عينها, وبكت وأنشات تقول:

ماذا على من شمّ تربة أحمد....ان لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها.....صبّت على الايام عدن لياليـا"

قال ابن حجر في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري (1/469): " عُرف من صنيع ابن عمر استحباب تتبع آثار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتبرُّك بها ". وننبه هنا منظري السلفية على أن كثيراً من الأضرحة في المغرب تعتبر من آثار النبي لأنها تحوي أجساد الصلحاء من ذريته الذين هربوا من القمع والإرهاب والإبادة في المشرق وعرفوا بنشر الفضيلة وحسن الخلق. وإذا قيل أن هذا لا يمكن إعتباره من آثار النبي المباشرة المتواتر جواز التبرك بها كان الجواب في أحاديث مستفيضة تشرع التبرك بآثار غير آثار النبي.

 ومن الغريب أن تجد تلميذاً في الدراسات الإسلامية، ناهيك عن دكتور، يجهل أحاديث التبرك بماء زمزم التي ورد فيها أنَّها مباركة وشفاء من السقم. ماء زمزم الذي حتى في أكثر المذاهب تطرفاً تجد الناس يتبركون بها. وكيف خفي عن دكتورنا الغافل التبرك بالحجر الأسود الذي نراها في أشرطة الحج بمباركة علماء السلفية. كيف خفي عن الدكتور ما ورد في المغني لابن قدامة الحنبلي عن استحباب الدفن في المقابر التي يكثر فيها الصلحاء ؟! أم كيف نسي ما أفاده الحاكم في المستدرك (3/518) وابن الجوزي في صفوة الصفوة (1/407) عن أن قبر أبي أيوب الأنصاري كان الصحابة يتعاهدونه ويزورونه ويستسقون به إذا قحطوا ؟!

وأما في موضوع الإعتقاد بالكرامات أو المعجزات الصغرى للصلحاء فإن المنظر السلفي كرر نفس الخطأ. فترك الأساس المسوغ للاعتقاد بها وإكتفى بعرض كرامة ثم الإستهزاء بها. وهذا حقيقةً أسلوب منكر بين الطلبة اليوم ما زال بعض خريجي التعليم العتيق الذين يمزجون بين الخطبة والنقد العلمي يتورطون فيه. ولقد كان أولى بالمنظر السلفي أن ينتقد كرامة ومعجزات الإرهابيين في سوريا الذي أقر بها شيوخ قريبون منه مثل الشيخ محمد العريفي الذي تدوولت أشرطته يقول فيها أن الملائكة تحارب مع الإرهابيين. فأولى به البدأ في نقد الكرامة من مدرسته الفكرية المتطرفة التي ينظر خائباً نشرها بين المغاربة عوض الإستهزاء بذلك عند من لا يلزمون بالأصل أنفسهم بمقاييس السلفية المتطرفة.

ومن مسلمات التبرك في القرآن الذي يحسن علماء السلفية حفظه ويسيئون فهمه تبرك النبي يعقوب بقميص يوسف في الآية 93 من سورة يوسف (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتِ بصيراً). ومثله أيضاً تجده في سورة البقرة (آية 248) حين تبرّك بنو إسرائيل بالتابوت الذي فيه آثار آل موسى وآل هارون (إنّ آية ملكه يأتيكم التابوت فيه سكينةً من ربّكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة). والتابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه اُمه وألقته في اليمّ، كان بنو إسرائيل يتبركون به. ويذكر القرآن أنه لما حضرت موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيّه، فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وترف مادام التابوت عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلمّا سألوا نبيّهم، بعث الله طالوت عليهم ملكاً يقاتل معهم فردّ الله عليهم التابوت. قال الزمخشري في الكشاف (ج 1/293):" التابوت صندوق التوراة كان موسى إذا قاتل قدّمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل وقوله: (وبقية ممّا ترك آل موسى وآل هرون) هي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة".

بقيت نقطة أخيرة ذكرها المنظر السلفي في افتراءاته حول زيارة العتبات الموقرة في المغرب وهي ادعاؤه أن الزائرين يذبحون فيها لغير الله. وهذا كذب على الزائرين حيث أن الذبح في العتبات الموقرة في المغرب بإسم الله قضية لا تحتاج إلى دليل تشبه الذبح في الأماكن المقدسة في الحجاز كذلك بإسم الله لا بإسم تلك الأماكن. وتبقى حالات الجهل والشعوذة حالات نادرة لا يمكن اعتبار تعميمها من طرف الدكتور سوى خدعةً ممن قلت حيلته وشحت معرفته وزادته العدوانية شقاوةً.

إن قضية زيارة القبور والأضرحة والتبرك يصعب نقدها على اساس إسلامي. ذلك لأن الإسلام زاخر بنصوص في القرآن والحديث والتاريخ تؤيد وتشرع هذه القضية. وما تطرقنا له في هذه الورقة هو نموذج من كثير من النماذج. ولعل الطرف الناقم على مثل هذه المعتقدات في الإسلام والذي يتمثل في بعض رموز الطائفة السلفية طرف يتناقض مع ضروريات الدين الإسلامي ما يشرح اخفاقاته الكبرى في كل محاولات التنظير بدءًا من أيام إبن تيمية إلى عبد الوهاب إلى المنظرين الجدد الذين يعد الدكتور وراضي واحداً منهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/حزيران/2014 - 4/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م