الصراع

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ربما هذه الكلمة تختصر حياة الانسان برمتها، فليس هناك كلمة اكثر منها دلالة للتعبير عن كل مايعبر عن حركته وتفاعله في هذه الحياة، سواء ما تعلق منها بالدلالة المباشرة لكلمة الصراع تحديدا، او ماتعلق منها بمرادفاتها أو اضدادها.

ماهو معنى الصراع؟

(من يصرع الناس كثيرا - قتال - خصومة ومنافسة - نزاع – مشادّة).

تتنوع مرادفات الصراع وتتوزع على عدد من المعاني التي تساهم في رسم صورة الانسان وحركته في الحياة. من تلك المرادفات: (تَنازُع - جِهَاد - حَرْب - خِصَام - خِلاَف - شِجَار -عِرَاك - قَتَال – قِتَال- كِفَاح - مشاجَرَة - مَعْرَكَة - مُشاحَنَة - مُشاكَسَةٌ - نِزَاع - نِزَال – نِضَال)

بالمقابل تكمل اضداد كلمة الصراع رسم ما تبقى من اللوحة الإنسانية، من ذلك:

(أمانٌ - إِئْتٍلافٌ - إِتِّفَاقٌ - إِنْسِجَامٌ - تَراضٍ - تَوَافُقٌ - سَلامٌ - مسالَمَةٌ - مُسالَمَةٌ - مُصافاةٌ - مُصالَحَةٌ - مُهادنَةٌ - مُوَافَقَةٌ - هدوءٌ - هُدوءٌ - هُدْنَةٌ – وِئامٌ).

اهتمت حقول المعرفة الانسانية بالصراع وتناولته كل من وجهة نظر معينة، فالصراع في التعبير الفني هو (تباين بين الشَّخصيَّات والقوى في عمل دراميّ أو خياليّ وخاصّة التبَّاين الذي يؤثِّر على العقدة).

وهو في علوم الاجتماع: تضارب الأهداف ممّا يؤدّي إلى الخلاف أو التصارع بين قوَّتين أو جماعتين. وهو ايضا: اتِّجاه يهدف إلى الفوز على الأفراد أو الجماعات المعارضة أو الإضرار بها أو بممتلكاتها أو بأيّ شيء ممّا تتعلَّق به.

وفي علوم النفس: علوم النفس وجود قوَّتين لدى الإنسان تحرّكان سلوكَه، كلّ قوّة على النقيض من الأخرى.

وهو أيضاً: حالة انفعاليّة مؤلمة تنتج عن النزاع بين الرغبات المتضادَّة وعدم قضاء الحاجات.

هناك مقولة شهيرة يمكن لها ان تختصر اللوحة الانسانية وموقع الصراع فيها، وهي (عندما يوجد فرد يسود السلام وعند وجود اثنين ينشأ الصراع وعند وجود أكثر تبدأ التحالفات).

هذه المقولة ولو تفحصنا التاريخ والحاضر، تشير إلى القانون التاريخي الذي يحكم حياتنا بشكل عام، وسواء تعلق الأمر بالمجتمعات الوطنية أو على المستوى الدولي فقانون الصراع هو الذي يحكم الكون. ومهما كان شكل الوحدة الإنسانية، أسرة، قبيلة، أمة فإنها محكومة بقانون الصراع تلك قاعدة تاريخية... لا تحتاج إلي إثباتات مجهدة.

يرى الكثير من مفكرى الغرب أن الصراع ظاهرة طبيعية في حياة الإنسان وفي حياة المؤسسات جميعاً فبدءاً من الأسرة وإلى مستوى الإنسانية مروراً بالقبيلة والدولة والأمة فإن قانون الصراع هو ما يحكم المؤسسات جميعاً. غير أن أشكال الصراع ليست واحدة في هذه المؤسسات كما أن نتائجه مختلفة فهو يتدرج في شدته فيبدأ صراعاً ناعماً في مستوى الأسرة ويصل ذروته على مستوى الإنسانية فقد يصل إلى حد الحروب والصدام.

حاول علم الاجتماع تقديم اكثر من نظرية عن الصراع، مفادتلك النظريات، أن معظم الكيانات المجتمعية تشهد حالة من الصراع الدائم من قيل المنضوين فيها بهدف تعظيم منافعهم، هذه الحالة الصراعية تسهم بشكل أساسي في إحداث حالة حراك و تطور اجتماعي تصل إلى أقصى درجاتها مع قيام الثورات وما يصاحبها من تطورات سياسية.

مفهوم الصراع في الوقت الحالي، يُعد أحد أبرز المفاهيم المتداوله التي طفت على سطح النقاش المحتدم بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك مفاصل الخصم التاريخي لليبرالية الديمقراطية، ومنذ تمادي حمى التبشير بنهاية ،التاريخ وفقاً لأطروحة فرانسيس فوكوياما، إثر "استبعاث" أطروحة الصدام الاستراتيجي بين الحضارات، وحروب المستقبل على يد صمويل هنتنجتون. الذي يرى أن الصدام بين "الحضارات" نتيجة حتمية.

ما هو مفهوم الصراع؟

تعرف دائرة المعارف الأمريكية الصراع بأنه عادة ما يشير إلى "حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسى الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته".

أما دائرة معارف العلوم الاجتماعية فإن اهتمامها ينصرف إلى إبراز الطبيعة المعقدة لمفهوم الصراع، والتعريف بالمعانى والدلالات المختلفة للمفهوم فى أبعاده المتنوعة. فمن المنظور النفسى، يشير مفهوم الصراع إلى "موقف يكون لدى الفرد فيه دافعُ للتورط أو الدخول فى نشاطين أو أكثر، لهما طبيعة متضادة تماما".  

أما في بعده السياسي، فإن الصراع يشير إلى موقف تنافسى خاص، يكون طرفاه أو أطرافه، على دراية بعدم التوافق فى المواقف المستقبلية المحتملة، والتى يكون كل منهما أو منهم، مضطراً فيها إلى تبنى أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثاني أو الأطراف الأخرى.

 وبينما يهتم لويس كوزر بالتركيز على الصراع في بعده الاجتماعي، فإن لورا نادر تتجه إلى إيضاح البعد الانثربولوجى فى العملية الصراعية. ومن ثم فإن الصراع في بعده الاجتماعي إنما يمثل "نضالاً حول قيم، أو مطالب، أو أوضاع معينة، أو قوة، أو حول موارد محدودة أو نادرة"، ويكون الهدف هنا متمثلاً "ليس فقط فى كسب القيم المرغوبة، بل أيضاً فى تحييد، أو إلحاق الضرر، أو إزالة المنافسين أو التخلص منهم".  

الصراع في مثل هذه المواقف، وكما يحدد كوزر، يمكن أن يحدث بين الأفراد، أو بين الجماعات، أو بين الأفراد والجماعات، أو بين الجماعات وبعضها البعض، أو داخل الجماعة أو الجماعات ذاتها. تفسير ذلك يرجعه كوزر إلى حقيقة أن الصراع فى حد ذاته أحد السمات الأساسية لجوانب الحياة الاجتماعية. أما فيما يتعلق بالبعد الأنثربولوجى للصراع، فإن الصراع ينشأ أو يحدث نتيجة للتنافس بين طرفين على الأقل. وهنا قد يكون هذا الطرف متمثلاً فى فرد، أو أسرة، أو ذرية أو نسل بشرى معين، أو مجتمع كامل. إضافة إلى ذلك، قد يكون طرف الصراع طبقة اجتماعية، أو أفكاراً، أو منظمة سياسية، أو قبيلة، أو ديناً. 

وهنا فإن الصراع يرتبط بالرغبات أو الأهداف غير المتوافقة، والتي تتميز بقدر من الاستمرارية والديمومة يجعلها تتميز عن المنازعات الناتجة عن الشطط، أو الغضب، أو التى تنشأ نتيجة لمسببات وقتية أو لحظية. فى هذا الاتجاه، يذهب قاموس لو نجمان إلى تعريف مفهوم الصراع بأنه "حالة من الاختلاف أو عدم الاتفاق بين جماعات، أو مبادئ، أو أفكار متعارضة، أو متناقضة". أما قاموس الكتاب العالمي، فإنه يعرف الصراع بأنه "معركة أو قتال، أو بأنه نضال أو كفاح، خاصة إذا كان الصراع طويلاً أو ممتداً".

وبوجه عام، فإن مفهوم الصراع فى الأدبيات السياسية المتخصصة ينظر إليه "باعتباره ظاهرة ديناميكية..".

هناك ثلاثة ابعاد يمكن اعتبارها محاور اساسية في التعريف بمفهوم الصراع:

1- المحور الأول: ويتعلق بالموقف الصراعي ذاته.

2- أما المحور الثاني: ويختص بأطراف الموقف الصراعي.

3- المحور الثالث: ويهتم بالصراع الدولى.

ماهي طبيعة الصراع؟

هناك بعدان للصراع، بعد سلبي وآخر إيجابي. وإذا كان من اليسير إدراك الجانب السلبي للصراع من خلال ارتباطه العام والمستقر فى الأذهان بما يتضمنه الصراع من "محاولات لتدمير، أو لاستغلال، أو لفرض حل على طرف آخر أو آخرين"، فإن البعد الإيجابي للصراع إنما يشير بوجه عام إلى ذلك الجانب المتمثل فى "الدفع نحو عمل أو إقامة الاتصالات، وحل المشكلات، والتبادل الإيجابي بين الأطراف المعنية". من هنا كانت أهمية النظر إلى الصراع باعتباره، وكما يذكر موراى، "متضمناً لدوافع الإنجاز، والارتباط، والإتباع، وغيرها من الدوافع الإيجابية)، أى أن الصراع فى بعض أبعاده يمثل "عنصراً خلاقاً فى العلاقات الإنسانية: فهو يمثل وسيلة للتغيير يمكن من خلالها تحقيق القيم الاجتماعية المتعلقة بالرفاهية، والعدالة، وفرص تحقيق وتنمية الذات".

وفى هذا الاتجاه، فإنه يمكن التأكيد على بعض المنطلقات الأساسية التى تسهم فى دعم الاتجاه نحو تعظيم الأبعاد الإيجابية للصراع. أهم تلك المنطلقات يمكن إيضاحها على النحو التالي:

- أن الطبيعة الهدامة ليست جانباً محتماً فى الصراع، كما أنها ليست سمة ملازمة للطبيعة البشرية لا يمكن السيطرة عليها. فالأفراد – كانوا وما زالوا – يكتشفون إمكانية التوصل إلى وسائل مختلفة للتعامل مع اختلافاتهم، والمنازعات فيما بينهم، ولإدارة الصراع بصورة تؤدى إلى نتائج أفضل بوجه عام.

- أن الصراع موجود كأحد سمات وخصائص الحياة والعلاقات الإنسانية. ففى التفاعلات التبادلية اليومية عادة ما يسعى كل طرف إلى تعظيم منفعته، والتى لكي تتحقق لابد أن تنخفض منفعة الطرف الآخر، من هنا كانت ضرورة أن يتوصل الطرفان إلى تبادل مقنع يراعى ويحقق بعض القواعد والحدود، وبما يحقق التوافق والاستقرار بدلاً من التصادم والصراع.

- يرتبط بما سبق أيضاً أن طرفى أو أطراف الصراع فى موقف صراعى، ومن خلال اختيارهم لقنوات الاتصال بينهم، إنما يختاران عادة بين أحد صورتين رئيسيتين: إما إقامة نمط لعلاقة صراعية بينهما، وفيها يؤدى أحد الأفعال إلى تحقيق فائدة لأحد الطرفين أو الفاعلين على حساب الآخر، أو أن يختارا تأسيس نمط لعلاقة تبادلية للوسائل والغايات. ومن ثم، فإن الحركة بينهما تفيد كلاً من الطرفين بشكل ملحوظ.

على ضوء ما سبق، يمكن التأكيد على أن للصراع بعض الوظائف الهامة التى تبيح فى مجملها، - وخلال دورة حياته، وفى مستوياته، وأنواعه المتعددة – إمكانية تحويله من صراع مدمر إلى صراع إيجابى، له دوره ووظيفته كأداة فعالة وذات اتصال وثيق بقضايا التغيير الاجتماعى وضبطه. من أهم مجالات تلك الوظائف ما يتعلق بدور الصراع كميسر للتغيير الاجتماعى، وفى تحقيق التكامل والاندماج، واستعادة التوازن والاستقرار، وزيادة كفاءة معدلات التنسيق بين أطرافه. هذا بالإضافة إلى الوظيفة التقليدية للصراع، والتى تدور فى معظم الأحوال حول دعم وتأكيد عمليات السيطرة على الموارد المحدودة أو المرغوبة من قبل أحد طرفيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/آيار/2014 - 1/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م