نفط العراق وترهل الاقتصاد...

تأرجح بين القصور الأمني والبراثن السياسية

 

شبكة النبأ: الاقتصاد العراقي يعتمد بما يعادل 95% من دخل ناتجة القومي على "النفط"، بعد ان أنهكت جميع القطاعات الأخرى، وأصيب اغلبها بالشلل التام.

الحكومة المركزية في العراق، اليوم، جل ما تفعله، هو استخراج النفط الخام ومشتقاته الثانوية الخفيفة، عن طريق شركات عالمية متعاقدة معها سلفاً، ثم بيع النفط في الأسواق العالمية، واستحصال مبالغ هذه النفط لتقسم على الموازنة التشغيلية والاستثمارية، على مدار عام كامل تشكل صرفيات الدولة العراقية، كما يشير خبراء ومختصون، وقد رافقت هذه العملية الروتينية، العديد من المشاكل اللوجستية والسياسية.

اذ ان منظومة النفط العراقي، هي منظومة متهرئة وقديمة، سيما مع النقص الحاد الذي تعاني منه المنشئات النفطية من بنى تحتية وأنظمة استخراج متطورة ومصافي جديدة واساطيل بحرية وبرية وخطوط نقل انبوبية، إضافة الى معالجة الإهدار الكبير للغاز، وغيرها الكثير، والتي يشير اليها الخبراء كونها واحدة من المشاكل المهمة التي تحتاج الى جهد مضاعف لسنوات طويلة من اجل النهوض بالقطاع النفطي الذي يشكل شريان الحياة الرئيسي للدولة.

من ناحية أخرى، فان الأوضاع الأمنية، والتي تأتي في مقدمة الأسباب التي تعيق تطوير البنى التحتية للنفط، خصوصاً وان العديد من المناطق، سيما الشمالية منها، تقع تحت سيطرة العناصر المتطرفة او تعتبر من المناطق التي لا توفر بيئة امنة للعاملين في المجال النفطي، بعد ان تعرض الكثير منهم، وبالأخص العاملين الأجانب، الى القتل والخطف والفقدان، وقد حاولت الحكومة المركزية السيطرة على الأوضاع الأمنية في هذه المناطق، فيما أشار عدد من القادة الأمنيين ان الامر يفوق إمكانية الدولة بالوسائل العسكرية والأسلحة المتاحة لديهم في الوقت الحالي، وان الامر يحتاج الى العديد من التقنيات الأجهزة المتطورة في حال اردت الحكومة والقوات الأمنية القضاء على جميع البؤر الإرهابية المتواجدة قرب المناطق النفطية.

إضافة الى ذلك، فقد شكلت نقطة الخلاف النفطية بين الإقليم والمركز، سبباً اخر يضاف الى المشاكل النفطية التي يحفل بها العراق، ويبدو ان الخلافات النفطية، قد وصلت الى حد اللاعودة بين إقليم كردستان وحكومة بغداد، ففي الوقت الذي هدد فيه رئيس إقليم كردستان "بارزاني" بالانفصال عن المركز وإعلان الاستقلال، هددت الحكومة المركزية بمحاسبة جميع المتورطين في تهريب النفط العراقي في الشمال، بما فيهم تركيا، الراعي الرسمي لعملية التهريب، بحسب مصادر مطلعة. 

قضية نفط الشمال

فقد قدمت الحكومة العراقية طلب تحكيم ضد الحكومة التركية وشركة بوتاش لتشغيل خطوط الأنابيب الى غرفة التجارة الدولية التي مقرها باريس بشأن بيع النفط من إقليم كردستان العراقي شبه المستقل.

وقال الحكومة العراقية في بيان "أعلنت وزارة النفط بجمهورية العراق أنها قدمت طلب تحكيم ضد الجمهورية التركية وشركتها بوتاش لتشغيل خطوط الأنابيب المملوكة للدولة"، وذكر العراق أنه يسعى لوقف "النقل والتخزين والتحميل غير المصرح به للنفط الخام الذي تضخه حكومة إقليم كردستان في خط أنابيب العراق-تركيا".

فقد قالت حكومة إقليم كردستان العراق شبه المستقل في بيان إن أول شحنة من النفط المنقول من الإقليم عبر خط أنابيب إلى تركيا تم بيعها لأسواق أوروبية وإن الإيرادات ستودع في بنك خلق التركي، وأضاف البيان أن صادرات نفط كردستان من ميناء جيهان التركي سوف تستمر برغم معارضة الحكومة المركزية العراقية التي هددت بإجراء قانوني ضد أي شركة تشارك فيما تعتبره "تهريبا" للنفط العراقي. بحسب رويترز.

وقال البيان إن ناقلة محملة بأكثر من مليون برميل من النفط الخام غادرت من ميناء جيهان صوب أوروبا، وأضاف أن هذه أول مبيعات من النفط المصدر عبر خط الأنابيب الجديد في إقليم كردستان، وقال البيان إن الإيرادات ستعامل كجزء من حصة الإقليم من الميزانية الوطنية العراقية والتي حجزت بغداد جزءا منها منذ بداية العام ردا على تحرك الأكراد لتصدير النفط بشكل مستقل.

وقالت حكومة الإقليم إنها لا تزال مستعدة للتفاوض مع بغداد وستمتثل لالتزامات تفرضها الأمم المتحدة بوضع خمسة بالمئة من الإيرادات في حساب منفصل للتعويض عن غزو العراق للكويت في 1990، وقال وزير الطاقة التركي تانر يلدز إن أول شحنة تم بيعها لإيطاليا أو ألمانيا، وأضاف في تصريحات بثتها قناة تي.آر.تي التلفزيونية على الهواء "هذا النفط الخام سيذهب على الأرجح إلى إيطاليا أو ألمانيا"، وأضاف أن حجم الشحنة يبلغ حوالي 1.05 مليون برميل.

فيما انضمت مصافي نفط إسرائيلية وأمريكية إلى قائمة متنامية من مشتري النفط الخام من إقليم كردستان العراق، وذكرت مصادر في قطاع النفط وخدمات تتبع مسارات السفن أن الولايات المتحدة استوردت أولى شحناتها من النفط الخام من المنطقة، بينما اتجهت أربع شحنات على الأقل إلى إسرائيل منذ يناير كانون الثاني بعد توجه شحنتين إلى هناك في الصيف الماضي، وترفض بغداد بيع النفط لإسرائيل مثلها مثل دول عربية أخرى، ورفضت وزارة الطاقة الإسرائيلية التعليق قائلة إنها لا تتحدث عن مصادر البلاد من النفط.

وقال مسؤول كبير بوزارة النفط العراقية إن بغداد ليس لديها معلومات عن المبيعات لكنها تتحرى الأمر، وقال "إذا صحت هذه الأخبار فستكون هناك عواقب وخيمة لا محالة"، وأضاف "هذا تطور خطير جدا، طالبنا دوما المنطقة بالتوقف عن تهريب الخام العراقي بالشاحنات إلى تركيا، والآن إذا ثبت أن هذا صحيح فسيكون الأمر قد بلغ مبلغا بعيدا".

وقال مسؤول بوزارة الموارد الطبيعية في كردستان من أربيل عاصمة الإقليم "الحكومة الإقليمية الكردستانية لم تبع نفطا خاما لمثل هذه الوجهات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"، والأمر له تبعات إذ أن مبيعات النفط المستقلة لكردستان تتيح لها تلقي إيرادات خارج ميزانية بغداد وهو ما يدفعها تجاه حكم ذاتي أكبر.

وبلغ التوتر مستوى جديدا بعد أن قال رئيس كردستان إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يسوق البلاد في اتجاه حكم شمولي وهدد بخروج الإقليم من الحكومة الاتحادية، وذكرت مصادر بقطاعي التجارة والشحن أن الصفقات تشمل شركات دولية كبرى لتجارة السلع الأولية منها ترافيجورا وهي إحدى أكبر ثلاث شركات لتجارة النفط في العالم، وامتنعت متحدثة باسم ترافيجورا عن التعليق.

وتجيء المبيعات في وقت تهدف فيه الحكومة الإقليمية الكردستانية وبغداد لاستكمال مفاوضات بدأت منذ فترة طويلة حول خط أنابيب مدته أربيل إلى تركيا لتجنب احتكار الحكومة المركزية، وكانت أربيل قد بدأت في ضخ النفط الخام إلى ميناء جيهان التركي المطل على البحر المتوسط في يناير كانون الثاني الماضي لكنها لم تشرع في بيعه أمام تهديدات بغداد بخفض الميزانية.

وبدأ إقليم كردستان العراق في بيع نفطه بمعزل عن الحكومة الاتحادية عام 2012 من خلال شاحنات حملت كميات صغيرة من مواد التكثيف إلى تركيا ثم أعقبها نوعان من النفط الخام، وتلعب شركة تركية اسمها باورترانس دور الوسيط للحكومة الكردية وتبيع النفط للتجار من خلال مزايدات، وذهب معظم الخام إلى مدينة ترييستي الإيطالية في حين ذهبت نواتج التكثيف إلى فرنسا وألمانيا وهولندا وحتى أمريكا اللاتينية.

وقالت مصادر شحن وخدمة إيه.آي.إس لايف لتتبع مسارات السفن إن الناقلة مارينولا أفرغت حوالي 265 ألف برميل من خام شايكان الثقيل الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت في مرفأ أويل تانكينج في هيوستون في الأول من مايو أيار، ولم تتضح هوية الجهة المشترية إذ أن المرفأ متصل بثلاث وعشرين منشأة تكرير وإنتاج وتخزين متفرقة بين ساحل خليج المكسيك وكاشينج في أوكلاهوما.

وذكرت المصادر أن شركة بتراكو للتجارة هي التي قامت بشحن الخام بمرفأ دلتا روبيس في دورتيول في تركيا وهو أحد ميناءين يصدران النفط التركي، وامتنعت الشركة عن التعليق، وذهبت أربع شحنات على الأقل تحوي خاما كرديا إلى إسرائيل منذ بداية هذا العام، وذكرت مصادر تجارية أن محطة شركة أويل ريفايناريز الإسرائيلية في حيفا عالجت بعضه.

وقال تجار إن شركة باز أويل التي تملك مصفاة قرب أشدود اشترت شحنتين على الأقل خلال الأشهر التسعة الماضية، وقال متحدث باسم أويل ريفايناريز إن شركته "تشتري نفطها الخام من مصادر مختلفة وفقا لاحتياجات المصفاة وأحوال السوق"، ونفت متحدثة باسم باز أويل أن شركته استخدمت خاما كرديا، وقالت المصادر أن بعض الخام الكردي تم تخزينه وحسب.

وذكرت مصادر بالسوق وجهات تتبع مسارات السفن أن شركة موكوه للتجارة ومقرها جنيف شحنت خام شايكان من ميناء درتيول في تركيا وأنه وصل إلى عسقلان في إسرائيل في 31 من يناير كانون الثاني، وقال مسؤول بالشركة "المصافي الإسرائيلية لا تستخدم هذا الخام بالضرورة"، ورفض الإفصاح.

وأرسلت ترافيجورا شحنة من الخام الكردي إلى إسرائيل على متن الناقلة هوب إيه التي توجهت أولا إلى عسقلان ثم إلى حيفا في الفترة من العاشر إلى الخامس عشر من فبراير شباط، وذكرت المصادر وخدمات تتبع السفن أنه تم تحميل السفينة (كريتي جيد) بالخام الكردي في تركيا ثم أبحرت إلى عسقلان في الثالث من مارس آذار ثم إلى حيفا بعد بضعة أيام.

وتم تحميل الناقلة الثانية (كريتي سي) بالنفط الكردي في الخامس من مارس آذار تقريبا ثم رست أمام ليماسول في قبرص لكنها لم تفرغ الشحنة، وكانت شركة بتراكو هي التي قامت بتحميل الشحنتين، وظلت الشحنة على السفينة وانقطعت عملية تتبع سيرها في الفترة بين 17 و20 من مايو أيار بالقرب من ساحل إسرائيل، وحين عاودت الظهور -وكانت لا تزال قرب إسرائيل-كانت خاوية.

نفط الجنوب الى مستوى قياسي

الى ذلك اتجه صادرات النفط من مرافئ جنوب العراق إلى تسجيل مستوى قياسي مرتفع في أبريل نيسان بحسب بيانات تحميل ومصادر في قطاع النفط وهو ما يعكس جهود العراق لزيادة طاقته الإنتاجية وتحقيق نمو للإمدادات النفطية في عام 2014.

وقالت المصادر النفطية إن شحنات خام كركوك من شمال العراق لا تزال متوقفة منذ تفجير أوقف تدفق النفط وعطل خط الأنابيب في الثاني من مارس آذار وهو ما جعل صادرات العراق بشكل عام أقل من مستوياتها.

وأظهرت بيانات ملاحية إن الصادرات من مرافئ جنوب العراق بلغت في المتوسط 2.55 مليون برميل يوميا من النفط في الثلاثة والعشرين يوما الأولى من أبريل نيسان، وأبلغ مصدر في قطاع النفط يراقب الصادرات بتقديرات مماثلة، وإذا استمر هذا المستوى في الفترة المتبقية من أبريل نيسان فإن صادرات النفط من جنوب البلاد ستتجاوز المستوى الذي سجلته في فبراير شباط عند 2.50 مليون برميل يوميا وهو الأعلى من نوعه منذ عام 1979، لكن التجار لا يتوقعون عودة وشيكة لخام كركوك. بحسب رويترز.

وقال مصدر تجاري في شركة تشتري النفط العراقي "لا توجد شحنات من خام كركوك في أبريل ولا يبدو الأمر جيدا لشهر مايو أيضا"، مضيفا أنه لا تزال هناك تأخيرات في شحنات خام البصرة لكن الموقف أفضل مقارنة مع أشهر قليلة مضت، وزاد العراق طاقته التصديرية من نفط الجنوب وقال مسؤول عراقي في الثالث من أبريل نيسان إن بلاده تهدف لزيادة الشحنات لتتجاوز 2.5 مليون برميل يوميا في أبريل نيسان بفضل كميات إضافية من حقل غرب القرنة-2 الجديد.

فيما قالت وزارة النفط العراقية إن صادرات البلاد من النفط هبطت إلى 2.39 مليون برميل يوميا في المتوسط في مارس آذار انخفاضا من مستوى قياسي بلغ 2.8 مليون برميل يوميا في فبراير شباط وذلك بسبب أعمال تخريب متكررة تعرض لها خط أنابيب في شمال البلاد، وأضافت الوزارة إنه تم تصدير 2.37 مليون برميل يوميا من موانئ البصرة الجنوبية بينما توقفت الصادرات من حقول كركوك في الشمال في شهر مارس آذار بأكمله تقريبا نظرا لهجمات مسلحين استهدفت خط الأنابيب المتجه إلى تركيا.

وتوقفت أعمال الإصلاح في خط أنابيب كركوك-جيهان بسبب هجمات المسلحين حيث أسفرت تفجيراتهم عن مقتل فنيين تم إرسالهم لإصلاح الخط الذي توقفت عملياته في استمرار لأطول انقطاع منذ أيام العقوبات في التسعينات، وقالت الوزارة في بيان على موقعها الإلكتروني إن إيرادات النفط بلغت 7.5 مليار دولار في مارس آذار بمتوسط سعر بيع قدره 101.036 دولار للبرميل، وقدر مسؤول من شركة نفط الجنوب التي تديرها الدولة في وقت سابق متوسطا أعلى لمستوى الصادرات من البصرة عند 2.424 مليون برميل يوميا.

وبدأ مهندسون عراقيون اصلاح خط الانابيب الرئيسي الواصل الي تركيا بعد اغلاقه قبل أشهر والذي تسبب في انهيار كامل للصادرات من حقول النفط الواقعة في شمال العراق، وكان خط الانابيب قد اصيب بأضرار في هجمات شنتها خلية تابعة لجماعة اسلامية متشددة.

ويقول مسؤولون عراقيون ان اطقم الصيانة وصلت الى خط الانابيب بعد قيام قوات عراقية بقتل زعيم الخلية التابعة لجماعة الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام التي ألقي عليها بالمسؤولية في نسفه ومهاجمة المهندسين الذين أرسلوا لإصلاحه.

وقال مسؤول نفطي عراقي في الموصل "الامن تحسن الان، وقد تمكنا من الوصول إلى بعض القطاعات المعطوبة في خط الانابيب في 19 آيار (مايو)"، واضاف انه يجري ارسال عدة فرق لإصلاح 30 خرقا في خط الانابيب، وقال المسؤول "إذا سار كل شيء كما هو مخطط له فسننتهي من الاصلاحات قريباً"، وشهد خط الانابيب بالفعل 50 تفجيرا هذا العام وهو ما يعادل تقريبا كل الهجمات التي تعرض لها في عام 2013 بأكمله وعددها 54 هجوما، وعزل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحدة أمنية محلية من 300 فرد في مارس اذار وأرسل وحدة قوامها 800 فرد من جنوب البلاد لتحل محلها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/آيار/2014 - 28/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م