الـ "شوزن" يستبيح شباب البحرين

 

شبكة النبأ: عامين كاملين في السجن دون محاكمة، وانقطاع كامل عن الحياة الخارجية، وحرمان من الحقوق الإنسانية، والزجّ مع المحكومين بتهم أخلاقية وجنائية، مصحوباً بتنكيل وتعذيب نفسي كان من نصيب الناشط الحقوقي البحريني نبيل رجب، فقد خرج من ظلمات السجن مؤخراً وهو يجهل الكثير من أحداث وتطورات بلده وشعبه.. أنها سياسة التهميش وتضييع الحقوق، ومحاولة تمييع الإرادة، تتبعها السلطات الحاكمة في البحرين لكسب مزيد من الوقت في أجواء مشحونة بإرهاصات التغيير والتحول في المنطقة.

وربما يتفق معظم المراقبين والمتابعين للشأن البحريني على إن ما قدمه شعب البحرين من تضحيات وتحديات خلال السنوات الثلاث الماضية يستحق الانتصار والتحول السياسي من الديكتاتورية الى الديمقراطية، بيد أن عوامل عديدة أخّرت نضوج الثمار، أبرزها الموقف السياسي غير المنسجم مع تطلعات الشعب البحريني، اقليمياً ودولياً، واكثرها تأثيراً حالة الاستمراء في الساحة الاسلامية، لممارسات القمع الوحشي للسلطات الخليفية ضد أناس لا يطلبون سوى حقوقهم المشروعة والمتغصبة.

هذه الحالة التي يمكن ان نعبر عنها بـ "التطبيع الديكتاتوري" هي التي تخوّل السلطات الغاشمة – بشكل غير مباشر ولا مكتوب- لأن توغل في دماء الابرياء على أنهم يستحقون الموت، وإلا لماذا لا يموت الآخرون..؟! بل ان البعض يجتر معادلة "العلة والمعلول"، أو قاعدة "الفعل ورد الفعل"، فالذي يتحرش بالسلطة – حسب تصورهم- لا يتوقع سوى السجن والتشريد والتعذيب وحتى الموت. هذا فضلاً عما اذا نزل الى الشارع ورفع صوته برفض الظلم والطغيان، والمطالبة بحقوقه، فانه بالقطع – لدى هؤلاء- قد وقع على وثيقة اعدامه..!!

نفس المعادلة طُبقت وما تزال في المجتمع العراقي، حيث لم يكن التحرك نحو التغيير والإصلاح الحقيقي أمراً مطلوباً من الجميع، سواء في ظل نظام صدام، او النظام الجديد. فمن راح ضحية ظلم وطغيان صدام، قيل له: "لو لم تعادي النظام وتطالب بالإطاحة بصدام، لما أقدم هو على حبسك وتعذيبك وتسفيرك..". بيد ان الحقيقة الباهرة هي العكس تماماً، فالذي تكلم وعارض واتخذ الموقف السليم والتاريخي لصالح شعبه وبلده، كان له الإسهام في التعجيل بالإطاحة بصدام.

وليس أدلّ على تجارب الشعوب العربية في "ربيعها" حيث أدركت متأخرة جداً أنها عاشت عقود طويلة من الزمن الى جانب حكام من امثال "القذافي" المولع بالنساء، او "بن علي" المولع بالاموال والذهب، او مبارك وصالح، وقبلهم صدام.. كل هؤلاء لم يصمدوا دقيقة واحدة أمام قرار التغيير ومغادرة كرسي الزعامة.

وهذا تحديداً ما يشير اليه المراقبون لأحداث البحرين، حيث أن السلطات الحاكمة تحاول مستميتة أن تظهر بانها الأقوى في الساحة، رابطة الجأش ولا غبار عليها، ولن تهتم بالمطالبات الجماهيرية بالتغيير والإصلاح، مهما كانت قوتها ومنطقيتها.

لنلاحظ أعمال القتل اليومي وبدم بارد في شوارع البحرين، وإراقة الدماء الزكية للشباب.. إنها رسالة واضحة ليس لشعب البحرين، إنما للمسلمين كافة، بان منهج القمع ضد من يطالب بحقوقه، هو لغة الحوار مع من يريد التغيير او الإصلاح.

قبل أيام، وفي تظاهرة انبعثت من مجلس الفاتحة على روح الشهيد علي فيصل العكراوي، في منطقة "سترة"، وقعت مناوشات وصدامات معهودة بين المتظاهرين والشرطة، وكما هو الحال في جميع البلاد التي تشهد صدامات من متظاهرين وشرطة، فان وسيلة الشرطة للمواجهة، تكون في أقصى الحالات الغازات المسيلة للدموع وفي بعض البلاد توجيه خراطيم المياه الشديدة على المتظاهرين، بيد أن في البحرين يحمل بعض عناصر الشرطة نوعاً من السلاح يسمى "شوزن"، وخلال الاشتباكات، أصيب الشاب السيد محمود سيد محسن، بطلقين في ساقه وجهه اليه احد افراد الشرطة من الخلف، ثم تعرض الى رصاصة "شوزن" في صدره تحديداً، الامر الذي أسفر عن تمزقات شديدة في محيط القلب. علماً أن بندقية "شوزن" ليست سلاحاً عادياً ومتداول في الحروب بالعالم، إنما هي بالحقيقة سلاح للصيد، يستخدم للحيوانات..! فهو يطلق شظايا حديدية في اتجاهات متعددة، ورغم ما يقال عن حرمة استخدام هذا النوع من السلاح لدى قوى الشرطة الخليفية، لكن يبدو ان هذه الشرطة ومن يقف خلفها تصمّ آذانها دون حرج أمام دعوات الامتناع عن استخدام هذا السلاح. وربما يكون استخدام هذا السلاح المخصص للصيد، ذو دلالة واضحة من بعض عناصر الشرطة الخليفية خلال تعقبهم ومطاردتهم للشباب الثائر بين طرقات وشوارع البحرين.

ان وقوع هكذا جريمة مريعة وسط شارع في بلد ليس من المكتشفات البعيدة في الكرة الارضية، إنما وسط أكثر بلاد العالم سخونة وأهمية وإستراتيجية، هو بلد يحظى باهمية اقليمية ودولية فائقة. مع ذلك نجد يمر هكذا حدث "مرور الكرام" على مسامع المسلمين لاسيما الموالين لأهل البيت، عليهم السلام، في جميع انحاء العالم. فقضية هذا الشعب المضطهد تعرضت لظلم فظيع من قبل المسلمين انفسهم، على صعيد الاعلام والمؤسسات الثقافية والدينية والتجمعات الجماهيرية، بينما نلاحظ التضامن والتواصل مع قضايا مطلبية اخرى في مصر وليبيا وتونس وغيرها، مع التأكيد على حسن هذا السلوك والموقف، بيد ان ينقصه الانصاف والعدل في التعامل، فاستعادة الكرامة والحرية والعدالة مطلب حق، وربما يأتي يوم يجد فيه مسلمون، يشعرون اليوم بالرخاء والطمأنينة حالياً، فاقدي هذه الحقوق لسبب او لآخر، إذ لا أحد يضمن الغد، او يتحقق مائة بالمئة من استمرار حسن سلوك الحكام وثباتهم على موقف واحد.

ان النداءات والضغوطات من منظمات انسانية او جمعيات او مؤسسات ثقافية ودينية في العالم الاسلامي، مصحوبة بتغطية اعلامية متلفزة وغيرها من عوامل الضغط والتحشيد، من شأنها ان تدفع السلطات الخليفية في البحرين الى اعادة النظر في منهج القمع الوحشي التي تتبعه – في اقل الاحتمالات- لا أن تتخذ قراراً بكل سهولة بالاحتفاظ بجثمان شهيد لمدة تزيد على (35) يوماً ولا تسلمه لذويه بعد تعرضه لطلق ناري في رأسه خلال المواجهات في الشارع.

حقاً؛ لم يدع النظام الخليفي وسيلة قمع وحشية، من اعتقال وتعذيب وقتل وتسفير وإسقاط الجنسية وحتى التسميم بالغازات السامة للاطفال داخل البيوت، بل حتى الاعتداء على الاعراض، الامر الذي يدعو الجميع للخروج من شرنقة الصمت والتضامن مع الشعب البحريني الذي يقف بالحقيقة على صفيح ساخن، لإيصال رسالة صارخة الى النظام بانه لن يعيش في أمن واستقرار وشعبنا يستباح دمه في الشوارع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آيار/2014 - 27/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م