ليبيا وعودة الانقلابات الى العالم العربي

 

شبكة النبأ: ليس ثمة مغالاة في الأمر، عندما يتم وصف الواقع الراهن في ليبيا، بأنه يشكل تكريسا لعودة سياسة الانقلابات سيئة الصيت، الى الساحة السياسية العربية مجددا، فقد شكّلت الإحداث الأخيرة في ليبيا، بداية واضحة لاستخدام القوة الغاشمة في الوصول الى السلطة، والابتعاد عن النهج الديمقراطي، واحترام حرية الشعب، إذ باتت الحرب الأهلية الليبية على الأبواب، لاسيما أن هناك بوادر كثيرة، تؤكد على انقسام قوات الجيش بين مؤيد ومناهض للحكومة، وانضمام عدد من الوحدات الجوية الى الضابط السابق في الجيش الليبي اللواء خليفة حفتر، والمتهم من لدن أطراف أخرى بمحاولة السيطرة على السلطة باستخدام القوة.

وسبق أن حدث سيناريو مقارب في مصر، كما يرى محللون، فقد سيطر الضباط على مقاليد الحكم بالقوة، وتم عزل الرئيس المصري المنتخب، وعندما اتهمت اوساط معينة السيسي بأنه قام بعملية انقلاب ضد الشرعية، من اجل السيطرة على السلطة، رفض هذا الاتهام، ولذلك يقول بعض المتابعين، أن الهدف المرسوم للسيسي كان واضحا ومبيّتا منذ البداية، فقد اعلن السيسي انه يريد أن يحرر الشعب المصري ويثبت ركائز وقواعد الديمقراطية في مصر، وأنه غير طامع بالسلطة، لكن المعارضين له قالوا أن ما قام به السيسي محاولة انقلابية واضحة، ويؤكد متابعون، أن استقالة السيسي من منصبه وترشيح نفسه للرئاسة، يؤكد أنه كان يطمح بالوصول الى السلطة منذ البداية، على الرغم من انه أعلن رفضه للسلطة ومنصب الرئاسة، ويرى المعرضون له، ان هذه الاحداث تؤكد نجاح الانقلاب الذي قام به السيسي، وأن هناك عودة واضحة لهذه السياسة التي ظن المواطن العربي، بأنه تجاوزها الى الديمقراطية، ولك هذا أمر مستبعَد كما تدل الواقع.

فالنسخة المصرية تتكرر في ليبيا، كما يرى مراقبون، إذ أطلقت بعض وسائل الاعلام على الضابط الليبي اللواء خليفة حفتر، تسمية (سيسي ليبيا)، في اشارة واضحة للتشابه بين الشخصيتين، من حيث الدور السياسي الذي يلعبه الاثنان في قيادة مصر وليبيا عبر القوة العسكرية، أو سياسة الانقلابات، وهي عودة الى المربع الاول، حسب رأي المعارضين وغيرهم، إذ كان من المؤمّل بعد القضاء على النظامين العسكريين الفرديين في مصر وليبيا، أن تنشأ أنظمة سياسية ديمقراطية، بإمكانها مواكبة العصر، ونقل الشعبين والدولتين الى مصاف الدول المتطورة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

لكن الذي حدث في الواقع، شيء لا يمت بصلة لهذه الاهداف، إذ بات من الصعب تحقيق النظام السياسي المتحرر، في ظل اشكاليات وتداخلات كثيرة حدثت في البلدين، منها على سبيل المثال، كثرة الميليشيات المسلحة كما في ليبيا، والصراع العلني على السلطة بين ثوار الامس وفرقاء اليوم، وعدم الاستقرار في مصر، والتخوف من عودة النظم الفردية العسكرية، إذ قدم الشعبان المصري والليبي كما هو معلن ومعروف، ضحايا كبيرة في الارواح والممتلكات، عبر سلسلة من الاضطرابات والاحتجاجات والثورات العارمة، من اجل الاطاحة بالانظمة السابقة، والحصول على أنظمة سياسية بديلة، تنتهج الديمقراطية وتعتمد الأطر المعاصرة، والمؤسسات المستقلة، على أمل فوز الشعبين بالحرية المفقودة.

ولكن ما يحدث الآن في ليبيا مثلا، على ايدي الميلشيات المسلحة، وما تقوم به من ارهاب متواصل للشعب الليبي، يؤكد ظاهرة عودة القوة الغاشمة الى الساحة، كذلك وضع البلاد على حافة الحرب الأهلية لن يخدم الهدف الاساسي من اسقاط القذافي، فقد كان الشعب الليبي يأمل بعد اسقاط نظام القذافي، بأن يحظى بدولة مدنية تحمي الحريات، وتساعد المواطن على العيش بحرية وسلام، ورفاهية، قائمة على العدل الاجتماعي والمساواة في الفرص، مع الحفاظ على الحقوق السياسية للجميع.

ومن مخاطر هذه الظاهرة أيضا، أنها قد تمتد الى بلدان عربية اخرى، كالعراق مثلا، بمعنى قد يهدد الوضع السياسي في العراق، بالعودة الى سياسة الانقلابات، وهو أمر غير مستبعَد، خاصة اذا تفاقمت هذه الظاهرة، وتحولت الى واقع قد يفرض نفسه بصورة قسرية، وهو امر يدعو الى الحذر، والتعامل بجدية مع هذه الظاهرة، وذلك من خلال مكافحة الجماعات الارهابية، ورفض التجاوز على الشرعية، وعدم السماح للعسكر بالعودة الى الواجهة السياسية، فالمعروف ان الجيوش لها مهام واضحة، محددة بحماية الحدود والمساعدة في حفظ الامن، وهي مهمات معروفة، لا يجوز ان يتخطاها القادة العسكريون، لأن طموحهم بالاستيلاء على السلطة يبقى قائما، وهذا يشجعهم على العودة الى سياسة الانقلابات المرفوضة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/آيار/2014 - 23/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م