قيم التخلف: الأمثال الشعبية القدريّة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كلنا نتفق على أن الأمثال تُضرَب ولا تقاس، ونتفق أيضا على وجود أمثال ذات منحى تحفيزي، أو تربوي، وهناك أمثال كثيرة ذات منحى انساني، يهدف الى حشد التأييد نحو قضية معينة، علما في الأغلب الأعم تحمل أفكار الامثال وتجاربها وحكاياتها، قيمة أخلاقية أو تربوية معينة، تحاول أن ترسخها في المجتمع، وثمة للأمثال مضامين تسعى الى نشر قيمة محددة أو هدف يُراد تحقيقه، وهو أمر جيد، وتحشيد تُسهم به الامثال، لتحقيق تقدم في هذا المجال أو ذاك.

ولكن في المقابل هناك أمثال تنطوي على مسار تعويقي، يحد من إرادة الانسان، وسعيه نحو التطور، ومثل هذه الامثال تنطوي على قيم متخلفة، ومنها الامثال القدرية، فهي عبارة عن مضامين ذات قيم بالية متخلفة، تعمل على تعجيز الانسان وسلب ارادته، وتدمير قدراته، وإضعاف مواهبه، أو وأدها وهي لا تزال في المهد، فيبقى الانسان عاجزا مستسلما للقدرية التي تمنعه من اداء دوره الصحيح ورسالته الانسانية في الحياة.

وهكذا يتفق الجميع على أن هناك مجموعة من الامثال الشعبية، يمكنها أن تؤدي دورا جيدا في مجال مضاعفة الوعي الشعبي، فضلا عن قدرتها على الاقناع وما شابه، كونها (الامثال)، تمثل نتاجا مجتمعيا لمجموعة من التجارب الواقعية المأخوذة من لبّ الحياة المجتمعية، بمعنى أوضح هناك حكاية حقيقية تقف وراء كل مثال نتداوله الآن، وغالبا ما يتم معرفة هذه الحكاية، فنصل الى قناعة بأن هذا المثال أو ذاك، يستند الى تجربة حقيقية تم استخلاص المثل منها، لهذا السبب لابد أن نحترم هذا المثل أو ذاك، خاصة اذا كان ذا طابع تحفيزي وجيد.

ولعلنا نتفق أيضا، على ما يمكن أن تؤديه حزمة الامثال من دور في تطوير المجتمع، او ربما تحد من تطوره! إذا كانت ذات قيمة متخلفة، كما هو الحال مع بعض الامثلة التي تطفئ جذوة الامل والطموح في ذات الانسان، وقد يتساءل البعض، كيف يمكن للامثال أن تقف كحجر عثرة في طريق تطور المجتمع والدولة؟، والجواب بسيط في حقيقة الامر، كونه مأخوذ مما يجري في الواقع أيضا، فعندما يكون المجتمع ذا وعي متدنٍ، سوف يكون حاضنة جيدة للقيم المتخلفة، ومنها على سبيل المثل.. الأمثال القدرية ودورها في تعجيز الانسان.

إذاً هناك مجموعة من الامثال الشعبية العراقية، يمكن أن نطلق عليها تسمية (الأمثال القدرية)، بمعنى أنها تحاول من خلال معانيها ومضامينها، أن تبث روح العجز والتكاسل بين الناس، فتجعلهم قدريين، يرددون هذا المثل او ذاك لإحباط الناس وزرع اليأس والاستكانة في نفوسهم، فمثلما هناك قدرة للأمثال الشعبية على تحفيز الناس وإثارة حماسهم وأفكارهم وقرائحهم، هناك بالمقابل أمثال تعمل بالضد من عمل التحفيز تماما!، أي انها أمثال ذات طابع وتأثير سلبي على الانسان، من خلال مضمونها الذي يحاول أن يدفع بالانسان، نحو القدرية، بمعنى تهدف الى اقناع الانسان بأن هذا الهدف او ذاك يقع خارج قدرة البشر على انجازه!.

مثال ذلك، المثل او القول الذي يردده بعضهم، (عراقي ما يصير له جارة)، بمعنى أن العراقي غير قابل للتغيير، فهو تبعا لهذا القول او المثل، مخلوق هكذا، وليس له القدرة على التطور او تغيير افكاره ونفسه، وهذا في الحقيقة أمر مرفوض تماما، كونه يحد من قدرات الانسان على مواكبة التطور العالمي نحو الافضل، ويمنعه من مواصلة السعي نحو التغيير، تبعا للمنهج القدري الذي يحاول مضمون هذا المثل أن يزرعه في نفس الانسان، كي يشل ارادته، ويحد من قدرته على تحديث واقعه وحياته، كذلك ثمة مثل آخر له نفس التأثير، يقول المثل (سبع صنايع والبخت ضايع)، هذا مثل تعجيزي واضح، أو مثل آخر يقول (يركض والعشا خبّاز)، بمعنى يعمل ويضيع عمله وسعيه سدى.

وهكذا تنطوي الكثير من الامثلة الشعبية على قيم متخلفة، ينبغي رفضها، فالمثل الذي يقول: (جدر الشراكة ما يفور)، يقصد من مضمونه، أن لا فائدة من مشاركة الاخرين في المشاريع وما شابه، وهذا يدعو الى عدم نشر منهج التشارك مع الاخرين في كل شيء، وهو امر غير صحيح بطبيعة الحال، لأنه ينمّي روح الاستئثار في النفس، ويضاعف من الانانية، فضلا عن تضييع فرص التعاون والتشارك الجيدة بين الناس، من هنا لابد من التعامل مع الامثال ذات الطابع القدري بحذر، لاسيما تلك التي تحمل قيمة متخلفة في معناها المبطّن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/آيار/2014 - 20/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م