السينما العربية.. صناعة ثقافية خجولة

 

شبكة النبأ: لاتزال السينما العربية وعلى الرغم من بعض الانجازات الخجولة التي تقدم بين الحين والأخر في بعض المهرجانات الخاصة، تعاني الكثير من المشاكل والمعوقات والمصاعب المتوارثة، ولأسباب عديدة منها ما هو اقتصادي او سياسي أسهم بإضعاف قدرات الإبداع وحجم القدرات الفنية في الوطن العربي الذي يعاني أيضا من قلة الكوادر الفنية البعيدة عن الاهتمام والدعم هذا بالإضافة الى الرقابة والتسلط وغياب حرية التعبير وغيرها من الأمور الأخرى كما يقول بعض أصحاب الاختصاص، الذين أكدوا على صناعة السينما في الوطن العربي عاجزة بشكل تمام عن مواكبة التطور الحاصل في قطاع السينما العالمية، الذي يخطو اليوم خطوات واسعة في مجال إنتاج وتوزيع الأفلام التي اكتسحت دور العرض العربية والتي يسيطر عليها القطاع الخاص الذي يفضل الأفلام التجارية ذات الرواج الجماهيري الواسع. كما ان معظم أسواقنا لا تزال مغلقة بوجه الأفلام العربية باستثناء الأفلام المصرية ولأسباب عديدة ومتنوعة.

تلك الأمور والمشاكل والتعقيدات وبحسب البعض أجبرت العديد من العاملين في هذا المجال على اتخاذ خطوات مهمة والاعتماد على قدراتهم الإبداعية الخاصة في سبيل تحقيق بعض الإعمال المميزة التي تحاكي الواقع والظروف الحالية التي يعيشها المجتمع العربي هذا بالإضافة الى طرح بعض الأفلام الأخرى.

يوميات الأطفال

وفيما يخص بعض أخبار السينما العربية يعيش المصور اللبناني العالمي ماهر عطار منذ العام الماضي مغامرة يصفها بأنها "مجنونة" ويتنقل بفضلها في أكثر الأماكن في العالم فقرا وعزلة مختبرا وموثقا في الوقت عينه يوميات الأطفال الذين يعيشون عدم المساواة في التعلم وبات التهميش الحياتي طقسا يوميا لديهم. وتندرج تلك اليوميات الموثقة ضمن مشروع صور "تحديات وواقع" الذي انطلق به عطار في يونيو حزيران الماضي بالتعاون مع جمعية "علم طفلا" القائمة في قطر.

وزار عطار حتى الآن الهند وبنجلادش وساحل العاج وكينيا والسودان كما سجل لحظات مؤثرة مع السوريين الذين لجأوا إلى لبنان بسبب الحرب. ويتنقل عطار حاليا بين هايتي والأمازون وريو دي جانيرو وتايلاند. ومن المتوقع أن يصدر الكتاب. ويلخص الكتاب/الحدث أسفار عطار ويأمل أن يوقعه في نيويورك. وقال عطار إن هذه المغامرة الأقرب إلى اختبار في قدرة تحمل ظروف الحياة القاسية وحتى الظلم جعلته أكثر قناعة بأن من غير المقبول أن يكون في العالم ملايين الأطفال العاجزين عن الالتحاق بالمدرسة بفعل الظروف الصحية أو الانقطاع المزمن في الكهرباء أو عدم توافر الموارد الأساسية. ويعلق "ثمة مناطق لا تعرف الكهرباء ولا تملك المياه ويعيش السكان تحديات تتعدد أسبابها وظروفها".

ومن خلال هذا المشروع الضخم يسلط عطار الضوء من خلال أسلوبه الذي يرتكز على رواية القصص المرئية على الأطفال في مختلف أنحاء العالم وما يواجهونه من حرمان في ما يتعلق بالتعلم. ويأمل المصور أن يحتوي الكتاب الذي من المتوقع صدوره في سبتمبر أيلول 2015 على صور من 18 بلدا لافتا إلى أنه يواجه العديد من الصعوبات ولكن جمعية "علم طفلا" تمهد له الطريق كونها "عرابة المشروع".

ويوثق عطار مشاهد الأطفال الغارقين في الفقر ويسيرون مسافات طويلة ليصلوا إلى المدرسة فيما أياديهم غلظت وتشققت من حمل الحقائب الثقيلة في حين أن أرجلهم تنغرز باستمرار في الوحل وهم نادرا ما يبدلون ثيابهم الرثة كما يتقاسمون أحيانا قلما واحدا ودفترا واحدا وإن كان عددهم كبيرا في الصف الواحد. ومع ذلك يعبر الاطفال على حد قول عطار- وهو مراسل حربي سابق- عن سعادة حقيقية يترجمونها من خلال ابتسامة نادرا ما تفارق ثغرهم وقناعة تجعلهم يتعاملون مع فرصة التعلم وكأنها هبة من السماء.

وفي حين تمهد الجمعية له الطريق فهو يصر على أن يصل إلى هؤلاء الناس الذين يقطنون تلك الأماكن المعزولة "بكل تجرد ومن هذا المنطلق لا أطلب الكثير من التحضيرات فأتخطاها كي تسنح لي فرصة التقاط الواقع بصدق". ويعيش عطار في كل بلد أو منطقة يزورها تماما لو كان ابنها فينام مع القبائل ووسط الظروف الحياتية المعدومة.

والمفارقة في الأماكن التي يزورها تكمن على حد قوله في كونه يعيشها كإنسان ومن دون أن يرتدي ثوب الفنان فيسير مع الاطفال وسط المطر ويروي من خلال الصور كيف يصلون إلى المدرسة وقد غلفهم الوحل "وهم يجلسون حرفيا الواحد فوق الآخر في غرفة صغيرة. ويمكن أن أشاهد صفا بكامله يجلس الأولاد فيه على طاولة واحدة. وكل الأمثلة التي اختبرتها موثقة من خلال الصور".

وفي حين يؤكد عطار أن المشاهد سيتمكن من أن يرى لمسته الخاصة بيد أنه يحاول في الوقت عينه أن يجسد الواقع من دون أن تولد الصورة "صدمة لدى من يشاهدها بقدر ما أريدها أن تهز المشاعر. لا أريد المشاهد أن يبكي ما أن يرى الصور بل أريده أن يتوجه إلى هذه الأمكنة فيساعد". ويشدد عطار على أن الأولاد في الصور هم النجوم في حين أنه أداة فحسب يضع طاقاته وإمكاناته في تصرفهم ليتمكن تاليا من أن يسلط الضوء على يومياتهم. وبحسب رويترز.

وأكثر ما بهر المصور العالمي السعادة المطلقة التي يعيشها الأولاد وسط ظروف الحياة القاسية التي ما من سبيل لإصلاح قسوتها. وقال عطار "أنا أصل إلى أماكن لا تصل إليها الأقدام. أسفاري طويلة ودائما تستقبلني ابتسامات الاولاد السعيدة. وكأنهم لا يعيرون ظروفهم القاسية الإنتباه وهم منهمكون في يومياتهم. هم بسطاء جدا وقد يكون السبب في هذا التفصيل انهم لم يحظوا بالفرصة المناسبة ليبدلوا حياتهم نحو الأفضل". يعيش عطار في كل بلد يزوره أسبوعا ولبنان هو البلد الوحيد الذي عاش يوميات الأطفال فيه في رحلتين. وفي الهند استمرت مغامرته 9 أيام "على اعتبار ان الموضوع غني جدا".

فيلم ميراث

 في السياق ذاته ينطلق في الصالات اللبنانية فيلم"ميراث" للسينمائي اللبناني الفرنسي فيليب عرقتنجي، وهو عمل يمتزج فيه الوثائقي بالروائي، ويعكس من خلال السيرة الذاتية للمخرج وتجربته مع الحرب الأهلية اللبنانية ومع الهجرة ثم العودة الى الوطن، وهي قصة كل عائلة لبنانية. ويصف فيليب عرقتنجي (50 عاما) "ميراث"بانه "سيرة ذاتية بالصور"، مشيراً إلى أنه "يمزج الوثائقي بالروائي، وهو بمثابة رواية مقسمة الى فصول، ويحمل كل فصل من فصولها عنوانا".

ويقول عرقتنجي "انه فيلم شخصي اتحدث من خلاله عن المجتمع اللبناني ككل، عن هويتنا وعن الاغتراب والمنفى الذي هو جزء من هويتنا. انها مشاركة لقصتنا جميعا". الممثلون في الفيلم، أو بالأحرى شخصياته، هم المخرج نفسه وزوجته ديان التي شاركت في كتابة السيناريو واولاده الثلاثة لوك وماتيو وايف، إضافة إلى والدته. وشاء عرقتنجي ان يهدي شريطه الطويل الثالث "إلى اولادنا"، على ما يقول، "علهم يعتبرون من تجربة جيل عايش الحرب". ويضيف "شعرت بأن واجبي ان أخبر اولادي عن اصولهم بعدما سألتني ابنتي وكانت في الرابعة من عمرها كيف وصلنا الى فرنسا؟".

وحزم المخرج وأفراد عائلته حقائبهم في العام ٢٠٠٦ مستقلين بارجة حربية فرنسية تولت إجلاء الرعايا الفرنسيين من لبنان خلال حرب تموز/يوليو من السنة نفسها، والتي استمرت 34 يوما، بين حزب الله اللبناني والجيش الاسرائيلي. يومها، كان عرقتنجي في الثانية والأربعين من عمره عندما غادر لبنان ليستقر مع عائلته لسنوات في فرنسا، تماما كما والده في السن نفسها عندما هجر سوريا واستقر في لبنان.

ويبرز عرقتنجي في الفيلم أن مرفأ مرسين في جنوب تركيا، الذي توقفت فيه السفينة التي نقلته وعائلته إلى المهجر في العام 2006، هو نفسه الميناء الذي انطلقت منه جدته في نهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) على متن باخرة فرنسية لتنتقل إلى بيروت وتستقر فيها. وتجربة الهجرة تتكرر إذا في الشرق. إنها أيضا قصة كل عائلة لبنانية، من خلال قصة المخرج وعائلته، فكل لبناني عاش تجربة الرحيل والهجرة شخصيا أو من خلال أحد أفراد عائلته، قبل الحرب الأهلية (1975-1990) أو خلالها أو بعدها. كأنه "ميراث" تتناقله الأجيال في لبنان وهذه المنطقة من العالم.

ببساطة وصدق، يدخل المشاهد في حميميات المخرج الذي تؤرخ الكاميرا كل مراحل حياته، اذ لطالما كانت الكاميرا جزءا من يومياته. ينقب عرقتنجي في الذاكرة، فيعود إلى صوت امه التي علمته الصلاة، صغيرا، ويروي مشاهد من معايشته الحرب اللبنانية "الخبيثة " التي قتل صديقه على أرض المعركة خلال إحدى جولاتها، وقراره بعدها الهجرة ثم نيله الجنسية الفرنسية وزواجه وشعوره حين اصبح ابا، وكيف كان في غربته دوما مسكونا ببيروت، والصراع الذي عاشه بين البقاء في الغربة وقرار عودته من فرنسا.

وينفض عرقتنجي الغبار عن صور بالابيض والاسود لجدته ووالده، وعن رسائل قديمة، معيدا من خلالها تركيب الماضي، ويستعين بأشرطة فيديو تصور طفولته، وتطبع كل مرحلة من حياته، مسقطا ابطال فيلمه على اشرطة ارشيفية حصل عليها من الولايات المتحدة وفرنسا، تستعيد تاريخ منطقة الشرق الاوسط منذ سقوط الدولة العثمانية ونشوء الكيان الصهيوني ثم ظاهرة الناصرية وبعدها اندلاع الحرب للبنانية، متوقفا عند مسالة كتابة تاريخ لبنان اذ يعتبر أن "لبنان يعيد أخطاءه لانه بلا تاريخ".

يفتح عرقتنجي ليس فقط خزائن طفولته، هو الذي كان يجمع مظاريف الرصاص من الشوارع، بل يفتح جرحا عميقا لم يندمل في وقت "ثمة في لبنان من يشتاق دائما الى رائحة البارود ولا يزال يرى في الحرب لذة". ويقول "فيما كنت ابحث في التاريخ، كانت لدي افكار مسبقة عن كيفية اندلاع الحرب، ثم فهمت اشياء كثيرة عن تاريخنا وعن الظروف العائلية التي تتكرر من جيل الى اخر، وبحسب علماء النفس نحمل جروح عائلاتنا بالوراثة". ويضيف "لا نولد احرارا، بل نولد ومعنا امتعة ورثناها. إنه ميراث. اذا لم نتطلع إلى الماضي ولم نعتبر من التاريخ سنعيد التجربة عينها".

وفي الفيلم، تروي زوجته باسلوب سينمائي شاعري ومتحرك، قصة اغترابها ونظرة الفرنسيين إليها وإندماجها في المجتمع الفرنسي. وتقول ديان عرقتنجي إن "ميراث" يتخطى التجربة الشخصية "ويحاول ان يروي قصة جماعية. يعود الى الوراء، الى التاريخ. يحمل معاني كثيرة و يطرح اسئلة عدة". ولا تخفي انها ترددت ان تضع اولادها "في الواجهة" وفي سرد قصتها الخاصة، لكنها وافقت "لان معنى العمل عميق وليس نرجسيا". بحسب فرانس برس.

ولاتخفي ايف (11 عاما) انها تسلت كثيرا خلال تصوير الفيلم وتقول "لم تكن تجربة جديدة بالنسبة لي، فقد تعودت ان اقف امام الكاميرا مذ كنت صغيرة". وتضيف "في الفيلم، التزمنا احيانا بالنص المكتوب واحيانا اخرى اجبنا بعفوية عن الاسئلة التي طرحها علينا والدي". أما شقيقها ماتيو فيعتبر أن تهديمه الحائط أثناء الركض في شوارع بيروت هو المشهد الأبرز الذي قدمه، واكتفى لوك بالقول ان تجربته في الفيلم كانت "رائعة". وتجدر الاشارة إلى أن في رصيد فيليب عرقتنجي مجموعة كبيرة من الافلام الوثائقية وفيلمين روائيين طويلين عرفا نجاحا على شباك التذاكر هما "بوسطة" (2005) و"تحت القصف"(2008).

ازدهار في ظل الاضطرابات

الى جانب ذلك فالمشهد السينمائي المحلي في لبنان تغييرا جذريا يتمثل في "غليان" إنتاجي، وفي إقبال متزايد من الجمهور على الأفلام المحلية، لا يحده الاضطراب السياسي والامني المتواصل في هذا البلد. ولم تحتضن الصالات اللبنانية من قبل هذا الكم من الافلام المحلية لا قبل الحرب الاهلية التي امتدت بين العامين 1975 و1990، ولا خلالها ولا في الفترة التي تلتها مباشرة. ففي الاشهر الخمسة الاخيرة تنافست ستة افلام سينمائية لبنانية روائية طويلة كان الجامع المشترك في ما بينها تناولها قضايا اجتماعية في اطار ساخر.

ويشير الناقد السينمائي نديم جرجورة إلى أن "الافلام السبعة التي عرضت خلال سنة ونصف سنة، جذبت بمعظمها جمهورا كبيرا وحققت ارقاما جيدة على شباك التذاكر، وهذا مهم لان السينما اساسا صناعة، وترتب أكلافا، وينبغي تاليا ان تدر ارباحا". وليس المهم بالنسبة لجرجورة عدد الافلام اللبنانية المعروضة وحجم الجمهور الذي شاهدها بل "هل استمتع الجمهور بهذه الافلام، وهل تفاعل معها بالمعنى الانساني والثقافي، وهل هذه الافلام في ذاتها تنطوي على قيم سينمائية ومشغولة بطريقة لائقة".

وكان فيلم "بيبي" للمخرج ايلي حبيب الذي جمع وجهين تلفزيونيين معروفين هما ماغي بوغصن ويوسف الخال، استقطب العدد الأكبر من المشاهدين وهو 152 الفا. ويتناول الفيلم قصة امراة تناولت دواء فاسدا حين كانت طفلة مما أوقف نموها العقلي، وترث مليون دولار من جدتها التي تطلب منها أن تنفق هذا المبلغ على تجهيز نفسها للزواج.

اما "حبة لولو" للمخرجة ليال راجحة فشاهده 130 الف شخص وهو درامي ساخر يعالج قضية الاولاد اللقطاء واستحالة منحهم اوراقا ثبوتية في لبنان. وكان لافتا أن هذا الفيلم تفوق جماهيريا على فيلمين أميركيين مهمين عرضا في الفترة نفسها، هما "وولف اوف وول ستريت" الذي بيعت 55 الف تذكرة له و "هانغر غايم" (30 الفا). واقبل 80 ألف مشاهد على فيلم "غدي" للمخرج أمين درة، وهو من بطولة جورج خباز الذي كتب أيضا السيناريو، ويتناول الاختلاف عبر قصة فتى مصاب بمتلازمة الداون يحاول والده ان يجعله مقبولا من قبل اهل قريته، في حين ان فيلم "طالع نازل" لمحمود حجيج اجتذب ثمانية آلاف شخص، وتدور حوادثه في اليوم الاخير من السنة حيث يستقبل الطبيب النفساني في عيادته اشخاصا يتوقون الى حلول لمشاكلهم.

وانطلقتفي وقت سابق عروض فيلم "نسوان" الذي اخرجه سام اندراوس، وابطاله ممثلون كوميديون معروفون، وحقق الى الان 32 الف مشاهد، في حين يبدأ عرض فيلم "ميراث" للمخرج فيليب عرقتنجي. ويلاحظ جرجورة ان "إثنين من الأفلام التي عرضت لم يحققا نسب مشاهدة مرتفعة علما انهما مهمان سينمائيا"، في اشارة منه الى "عصفوري" للمخرج فؤاد عليوان، و"طالع نازل" لحجيج.

ويقول المسؤول عن برمجة الافلام في صالات "امبير" بسام عيد ان "الفيلم اللبناني حقق قفزة نوعية على شباك التذاكر". وإذ استنتج أن "الجمهور يريد ان يضحك ويتسلى"، ابرز أن "الافلام السينمائية التي يؤدي أدوار البطولة فيها نجوم الشاشة الصغيرة، هي التي تستقطب جمهورا واسعا إلى السينما". ويضيف "بات الموزعون مقتنعين اكثر بتوزيع الفيلم اللبناني، وهذا التوجه إلى اتساع، اذ اطلعت هذا الاسبوع على مشاريع سبعة افلام لبنانية طويلة". ويستطرد قائلا " نحن نشجع الافلام اللبنانية ونعرضها في صالاتنا ولكننا نحرص على أن تكون ذات نوعية جيدة".

وترى المخرجة اللبنانية لارا سابا، صاحبة فيلم "قصة ثواني"، ان "الافلام التي تعرض راهنا ابتعدت عن موضوع الحرب لأن ثمة جيلا لم تعد تهمه هذه الحرب، ولم يعد يتحدث عنها". ففي بلد عاش سنوات طويلة من القتل والدمار انتهت في العام 1992، تلتها اعتبارا من العام 2005 توترات واضطرابات فاقمها النزاع في سوريا المجاورة، بات "الجمهور مشمئزا (..) ولا يريد مزيدا من السوداوية. السينما بالنسبة إلى المشاهد اللبناني متعة وترفيه، وعندما يقصدها، لا يرغب في مواضيع معقدة".

ويعتبر جرجورة في هذا الصدد أن "بيبي" و"حبة لولوة" و"نسوان" افلام مبنية "على الحس التجاري بالمعنى الاستهلاكي للكلمة". ويضيف "التجاري عموما ليس سلبيا، لكن هذه الافلام عزفت على اوتار التبسيط". وتقول المخرجة اللبنانية والناشطة في مجال السينما زينة صفير "علينا ألا نخرب السينما اللبنانية كما فعلنا بموسيقانا. انا مع الافلام ذات النوعية التي تنجح تجاريا فالسينما صناعة، لكنني ضد السخف"، مشيرة الى التركيبة المميزة" في افلام المخرجة نادين لبكي التي امنت لها "نجاحا جماهيريا" اعتبارا من العام 2007 مع فيلم "سكر بنات" الذي حقق 113 الف مشاهد.

ويرى جرجورة ضرورة "تنفيذ الفيلم بطريقة سينمائية جميلة بغض النظر عن موضوعه". ويضيف "كناقد سينمائي، ما يهمني ان يستوفي الفيلم الشروط الفنية وان نعود الناس على ذلك". ويعزو مخرجون ومراقبون تزاحم الافلام في الصالات اللبنانية الى ارتفاع عدد الجامعات التي تدرس السينما، وتوافر التمويل من صناديق دول الخليج، وتطور وسائل التصوير والمونتاج الرقمية. وتقول لارا سابا "حين تبين للمنتجين ان الافلام اللبنانية بدات تجذب مشاهدين الى الصالات، تشجعت رؤوس الاموال للاستثمار في السينما". بحسب فرانس برس.

لكن نديم جرجورة يرى أن "ثمة فرقا بين منتج سينمائي وبين الذي يمول". ويقول "في لبنان ثمة ممولون، لكننا نفتقر الى شركات الانتاج" المعنية بالقيمة السينمائية للاعمال. ويضيف "معظم الافلام التي نزلت الى السوق هي افلام ممولين تستعين بممثلين تلفزيونيين معروفين، وهذه التوليفة التجارية كانت معتمدة في مصر خلال الستينات". ويامل جرجورة في ايجاد "نظام انتاجي سينمائي متكامل"، ويرى ان "المخرجين الشباب متفائلون ومتحمسون للعمل، وبقدر ما يشهده لبنان (..) من انحطاط، سياسيا واجتماعيا، يبدو ان ثمة شيئا جميلا يحصل على مستوى السينما". ويخلص إلى القول "من هذا الغليان السينمائي الذي نشهده، لا بد من أن يخرج شيء جديد ومختلف".

فيلم وثائقي

على صعيد متصل يروي الفيلم الوثائقي "عبد القادر" الذي قدم العرض الاول له حياة الامير عبد القادر ابن محي الدين الجزائري مؤسس الدولة الحديثة والمدافع عنها من الغزاة الفرنسيين، لكن ايضا رجل السلام الذي انقذ مسيحيي دمشق من الابادة. وعلى امتداد 96 دقيقة يصور المخرج سالم ابراهيمي كيف اعاد هذا الرجل الذي ينتمي الى عائلة نبيلة من الغرب الجزائري تأسيس دولة حديثة بحدودها وجيشها وعملتها حينما غزاها المستعمر الفرنسي ودخلها بعدما سلمها الداي حسين في 5 تموز/يوليو 1830.

واكد المخرج سالم ابراهيمي ان هدفه كان "رواية مسيرة الرجل لذلك لم نركز كثيرا على الاحداث.. وعندما نروي يجب ان نختار" هكذا برر ابراهيمي عدم التطرق لبعض الاحداث التي رافقت مسيرة الرجل، وهكذا ايضا برر تسمية الفيلم "عبد القادر" وليس "الامير عبد القادر" كما يعرفه العالم. واوضح "الامير ولد عبد القادر (1808- 1883) وتوفي عبد القادر والامارة كانت جزءا من حياته لكنه هو نفسه كان يوقع مراسلاته في اخر حياته بعبد القادر".

ويروي الفيلم حياة الامير عبد القادر من مولده في قرية القطنة قرب معسكر في الغرب الجزائري الى نسبه الذي يمتد الى الرسول الكريم محمد ثم مبايعته اميرا للجزائر في العام 1832 اي بعد سنتين على الغزو الفرنسي للجزائر. وبتوقيع الفرنسيين معاهدة "دي ميشيل" في العام 1834 ثم معاهدة "تافنة" في 1837 ، اعترف به اميرا للجزائريين بعد تسليم الخليفة العثماني البلاد للمستعمر.

لكن قوة فرنسا حالت دون استمرار دولته طويلا بمهاجمة كل المدن التي عين فيها خلفاء له الى ان قضت على عاصمته المتنقلة المعروفة ب "زمالة الامير" واقتادته اسيرا الى فرنسا في 1847. واستفاض الفيلم طويلا في رواية السنوات الخمس التي قضاها سجينا في تولون وبو الفرنسيتين قبل ان يطلق سراحه نابليون الثالث ويسمح له بالسفر الى تركيا ثم سوريا في 1855 حيث توفي في 1883.

وفي سوريا شهد الامير عبد القادر الفتنة الطائفية التي كادت تقضي على المسيحيين، لولا تدخله لحمايتهم وفتح ابواب بيته لهم، ما جعل الرئيس الاميركي ابراهام لينكون والملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا يحييانه على موقفه الانساني، كما يروي الفيلم. ورغم ان الامير امضى اكثر من ثلث عمره في دمشق الا ان الفيلم لم يركز كثيرا على هذه الفترة وهو ما اثار تساؤلات الصحافيين. بحسب فرانس برس.

ورد المخرج سالم ابراهيمي بانه اضطر لتأخير الفيلم سنتين على الاقل "على امل ان تهدأ الاوضاع في سوريا" ليتمكن من التنقل الى هناك والتصوير، الا ان ذلك لم يكن ممكنا. وقال "مسار الفيلم كان يتطلب التنقل الى دمشق لتصوير شهادات لها علاقة بالزمان والمكان والشخصية، الا ان ذلك لم يكن ممكنا".

والفيلم لم يكشف اشياء جديدة عن حياة من يعتبر في نظر الجزائريين "مؤسس الدولة الجزائرية" وهو ما يتبناه المخرج من خلال عنوان فيلمه. لكن الجديد هو التطرق للاحداث بشكل ترك العنان للفنان المغني امازيغ كاتب ياسين لسرد القصة بلغته البسيطة، وسط شهادات مؤرخين من الجزائر وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

التعليم والبعد الطائفي

من جانب اخر افتتح الفيلم المصري "لا مؤخذة" من تأليف واخراج عمرو سلامة والذي يتناول نظام التعليم ودوره في تأزيم العلاقة بين الاقباط والمسلمين، فعاليات الدورة الثانية لمهرجان السينما المصرية الاوروبية في الاقصر. ويصور الفيلم عائلة قبطية ميسورة الحال. فالاب يعمل في مصرف كبير فيما الام عازفة تشيلو في دار الاوبرا المصرية الى جانب مسؤوليات فنية اخرى. ويدرس ابنهما الوحيد في مدرسة خاصة متميزا عن زملائه تعليميا نتيجة اهتمامات الاب اللغوية واهتمامات الام الفنية واهتمامه هو شخصيا بالتطورات التقنية.

وتؤدي وفاة الاب الى تدني الوضع المادي للاسرة وانتقال الابن الى مدرسة حكومية. وهنا يبدأ تصوير سوء النظام التعليمي على اكثر من مستوى مثل تولي اساتذة تدريس مواد ليست من اختصاصهم الى جانب الخلفية الدينية لدى الاساتذة التي تعمل بطريقة ممنهجة وغير معلنة للتفريق بين الاقباط والمسلميين وخصوصا وان غالبية الاساتذة من المسلمين.

ورغم المبالغة في اظهار سوء النظام التعليمي، فثمة مسائل محقة منها المنهج السيء وتردي الاوضاع في المدارس على الصعيد التعليمي والتربوي مما يدفع غالبية الاهالي للجوء الى الدروس الخصوصية التي تستنزف مواردهم. وعلى صعيد العلاقة بين الاقباط والمسلمين يظهر الفيلم كيفية زرع الفرقة بين التلاميذ من الطائفتين عن طريق المنهج من خلال تخصيص دروس دينية يحظى المسلمون فيها بنصيب الاسد وتوفير الاساتذة واماكن للعبادة في حين لا يتاح مثل هذا للاقباط.

وهذا الامر يدفع التلميذ الى التنكر لديانته ويعيش بين التلاميذ المسلمين دون ان يذكر ديانته بل ويفوز بمسابقة الانشاد الديني بعد ان يحفظ الكثير من الايات القرآنية والاناشيد الدينية الاسلامية بعدما اثبت تميزه في العلوم مع تصميمه طائرة صغيرة يتم التحكم بها عن بعد مع صديق له. ومع تطور الاحداث يعتز الطفل بديانته مجددا ويعلنها بدعم من والدته التي لم تكن متدينة ولا تزور الكنيسة الا ان اضطهاد ابنها في المدرسة يعيدها اليها.

وتعمل على دعم ولدها في المدرسة وتتراجع عن الهجرة هربا من الاضطهاد بعدما خاضت الصراع الى جانب ابنها لينتهي الفيلم بانتصار انتماء العائلة لمصر واستعدادها لمواجهة هذا الخلل الطائفي. وعرض قبل ذلك في مراسم الافتتاح، فيلم تسجيلي عن الافلام المشاركة في هذه الدورة التي تنظمها جمعية نون للثقافة والفنون ويرعاها الاتحاد الاوروبي. وكرم خلال حفل الافتتاح الفنان نور الشريف والمخرج والممثل الروسي فلاديمير منشوف الذي يرئس لجنة التحكيم الدولي. بحسب فرانس برس.

ويعرض في المهرجان12 فيلما روائيا طويلا في اطار المسابقة الرسمية فضلا عن 23 فيلما روائيا قصيرا في مسابقة ثانية مخصصة لها. ويعرض ضمن فعاليات المهرجان 62 فيلما روائيا طويلا من 19 دولة اوروبية الى جانب مصر. ويندرج بعضها في اطار "احتفالية السينما الالمانية الجديدة" والبعض الاخر ضمن "كلاسيكيات السينما المصرية" الى جانب بعض الافلام المصرية التي فازت بجوائز خلال العام الاخير مثل فيلم "فتاة المصنع" لمحمد خان و"فرش وغطا" لاحمد عبد الله و"هرج ومرج" لنادين خان و"عشم" لماجي مرجان" و"فيلا 69" لايتيين امين.

الحرب في سوريا

من جانب اخر يتحول فجأة الشعر الابيض الفضي لرجل مسن إلى لون أحمر دام في فيلم (مياه فضية.. صورة ذاتية لسوريا) للمخرج السوري المقيم في المنفى أسامة محمد الذي عرض في مهرجان كان السينمائي. وقد يكون الفيلم لرجل هاو وقد يكون التصوير مرتعشا مجتزئا ينقصه الرؤية الشاملة لكن المشاهد يعرف على الفور ان الرجل المسن أصيب بطلق ناري في رأسه ليسقط ضحية جديدة في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات والتي أودت بأرواح أكثر من 150 الف ضحية.

هذه اللقطة وصور أخرى لا حصر لها من الصراع تشكل نسيج الفيلم الوثائقي لمحمد الذي ترك بلاده في مايو ايار عام 2011 وسافر الى العاصمة الفرنسية باريس خوفا على سلامته الشخصية. ومشاهدة الفيلم قاسية على المشاهد بل وحشية. ويقول محمد بصوته في خلفية الفيلم "منذ ان تركت سوريا أصبحت جبانا." لكن فيلمه هو فيلم وثائقي حي وشجاع يجب مشاهدته عن حجم الدمار الواقع في سوريا وعن شعب محاصر وعن قوة أثر التوثيق لما يحدث في البلاد. تملك الشعور بالذنب من محمد بعد ان ترك أهله وأقرانه في وقت الشدة حين بدأت الاحتجاجات تنزلق الى حرب أهلية وتحول محمد الى هاو لتنزيل اللقطات من موقع يوتيوب ليتابع ولو عن بعد ما يحدث في بلاده. ومن كل هذه اللقطات القوية نسج فيلمه. بحسب رويترز.

ومن أهم اللقطات التي تضمنها الفيلم الوثائقي صور التقطتها فتاة كردية تعيش في مدينة حمص التقى بها محمد من خلال غرف الدردشة على الانترنت. بدأت ويام سيماف تصور ما تراه مع تحول مدينتها أمام عينيها الى كومة من الحطام. يوثق الفيلم تدمير حمص ثالث أكبر مدينة سورية التي كانت يوما مدينة صناعية صاخبة الى جانب صور القتل والحرب التي تشنها قوات المعارضة وعمليات التعذيب. ونال الفيلم فرصة عرضه بشكل خاص في مهرجان كان السينمائي ويعرض الى جانبه عدد من الافلام التي تنقل وقائع الفوضى والوحشية والاحداث الراهنة في عالم القرن الحادي والعشرين الى الشاشة الفضية منها فيلم (ميدان) عن الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة الاوكرانية كييف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/آيار/2014 - 19/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م