سلفيو الأردن.. من مدارس الإرهاب الى الطموح السياسي

 

شبكة النبأ: خريجو مدارس العنف والكراهية والدموية في السجون الأردنية، يجدون أنفسهم اليوم يسيرون في طريق مليء بالألغام، لا مجال لهم للنجاة إلا ما شذّ وندر، حيث بات واضحاً لوسائل الاعلام تناقص إعدادهم في ساحات القتال الدائر في سوريا.. هذا ما يدفع التيار السلفي الاردني للتفكير الجدّي بآفاق المرحلة القادمة للحفاظ على ما اكتسبه من شعبية وجماهيرية خلال الفترة الماضية من حزمة شعارات رفعها داخل الاردن وخلال التعبئة للقتال في سوريا.

في الآونة الاخيرة تناقلت وسائل الاعلام عن قيادي في هذا التيار بأن اعداد عناصره في سوريا بدأ بالتناقص بسبب شدة المعارك الدائرة بين الجيش السوري والجماعات الارهابية التي تضم حوالي ألفي مقاتل سلفي.

هذا التطور الجديد يُضاف الى حالة التشظي بين الجماعات الإرهابية التي كانت في السابق "مقاتلة"، ثم أضحت اليوم "متقاتلة"، ومن المؤكد ان عدداً لا بأس به من السلفيين القادمين من الاردن راحوا ضحية هذا الاقتتال، سواءً بين "داعش" و"النصرة" او بين الاولى وبين "أحرار الشام". كما أكد ذلك احد ابرز زعماء السلفية هناك، محمد السلبي الملقّب "أبو سياف". و رغم ما تنقله بعض المصادر من أن الاردنيين قدموا حوالي (250) قتيلاً مسجلين، في المعارك بسوريا، لكن من الصعب إحصاء العدد الدقيق نظراً للموقف المعقد في الميدان.

قمع ممنهج وتعبئة بالشعارات

أكد المراقبون منذ بداية تصدير العناصر الارهابية من الاردن بعد تاريخ (2003) وانهيار نظام صدام في العراق، أن السجون الاردنية كانت المدرسة الاولى لما بات يٌعرف بـ "السلفية الجهادية"، حيث تعرض فيها عدد كبير ممن يسمون انفسهم "مجاهدين" لعمليات تعذيب ممنهجة ومعاملة قاسية داخل السجون، دون ان تكون هنالك ادانات واضحة وتهم محددة، كأن تكون تهديد السلم الأهلي او المشاركة في محاولة انقلاب على النظام الملكي او غير ذلك.. انما تهمة البعض منهم أنهم كانوا في افغانستان وشاركوا مع الفصائل الافغانية في عمليات عسكرية تحت مسميات دينية، وعودتهم الى الاردن قرأتها السلطات على أنها رسالة شؤم لابد من الرد عليها بقوة. وكان من ابرز هؤلاء "ابو مصعب الزرقاوي" الذي تحول من شاب هاوٍ للجهاد والقتال في ادغال افغانستان الى قائد عسكري لأخطر تنظيم في العالم، وفي أخطر بلد في العالم ايضاً وهو العراق، وبلغ به الأمر لأن يتحول العدو الذي تبحث عن الولايات المتحدة وتكرّس وجودها في العراق بسبب ما اشاعه هذا التنظيم من أجواء ارهابية – دموية قلّ نظيرها في العصر الحديث.

ثم ذهبت السلطات الاردنية الى أبعد من ذلك عندما اتهمت جماعة الزرقاوي بمحاولة إدخال شاحنات مليئة بالمتفجرات والمواد الكيمياوية الى داخل الاردن وتفجيرها عام 2004. ومنذ ذلك الوقت ما برحت السلطات الاردنية تردد مقولة عودة الاردنيين المتمرسين على القتال والعمليات الارهابية الى بلدهم سواءً من العراق او من سوريا، الامر الذي يستوجب القمع الشديد، كما حصل في قصف جوي لموكب زُعم انه ينقل عناصر من "القاعدة" كانوا يعبرون الحدود السورية الى الاردن. فيما تستمر علميات الاعتقال واصدار الاحكام بالسجن لمن يروم القتال في سوريا.

بعض المراقبين يشيرون الى هذه الطريقة العنيفة في التعامل مع هؤلاء، على أنها تصب في مصلحة التيار السلفي لأن يزيد من لهجة التعبئة والتحشيد والدعوة لتحدي العقبات "في طريق الجهاد وتحقيق حلم الدولة الاسلامية..". وفيما تهدد محكمة أمن الدولة بالعقوبة القاسية لمن يغادر البلاد الى سوريا للقتال، باحكام سجن تتراوح بين خمسة، الى خمسة عشر سنة، بيد أننا نلاحظ المساجد في الاردن يعلو صوتها بالمشاركة في القتال بسوريا.

ومن اكثر المناطق التي يستهدفها الخطاب السلفي المتطرف، هي المناطق ذات الطابع العشائري والقبلي، "الزرقاء" و"السلط" و"معان"، والسبب في ذلك أن الشريحة القبلية بين سكان الاردن هي الاكثر قرباً وولاءً للنظام الملكي، وللملك نفسه، مما يجعل هذه الشريحة بمنزلة ورقة الضغط القوية على النظام لما يفيد السلفية في المستقبل. وحسب المصادر فان معظم الشباب السلفي المعبئ في الاردن ينحدرون من انتماءات قبلية وعشائرية، والمثل البارز في ذلك، ما قام به أحد زعماء العشائر في "معان" بمبايعة أمير جماعة "داعش" في سوريا.

التطلع نحو السياسة

ورغم القول بأن الانتماء الديني يضعف الانتماء العشائري والقبلي، إلا ان حزم الشعارات التي يرفعها السلفيون بـ "إقامة حكومة اسلامية تطبق احكام الشريعة"، ربما تعطي زخماً جديداً للوجود العشائري والقبلي في التركيبة الاجتماعية بالاردن ويجعلهم ذو شأن في المستقبل.

وهذا ما يعزز الاعتقاد بان السلفية الاردنية التي ترفع راية "الجهاد" اليوم في سوريا، ربما تضعها بعد حين، عندما تتغير الاوضاع السياسية في سوريا والمنطقة بشكل عام، وهو مآل لابد منه، إن عاجلاً ام آجلاً ، وهذا تترقبه السلطات الاردنية. فمن غير الممكن تجاهل الاعداد الكبيرة من الشباب الاردني في سوريا وهم محملين بافكار متطرفة، كما لا يمكن السكوت ايضاً عن المطالب التي يتحدث عنها السلفيون بـ "تطبيق الشريعة الاسلامية"، الامر ربما يدفع النظام القائم في عمان الى إعادة رسم خارطة طريق جديدة يستوعب الحالة الدينية في البلاد، وينظر المراقبون الى أن التيار السلفي ربما يكون بديلاً عن "الأخوان" في الحياة السياسية، بما يعني تكرار التجربة المصرية، عندما تحالف السلفيون مع "أخوان مصر" على مائدة السلطة، ثم تخلوا عنهم عندما هوى نجمهم وحلّ نظام حكم "السيسي"، ثم بلغ بهم الامر لأن يقفوا الى جانب ترشيحه وحتى توليه رئاسة الجمهورية.

وقد نقلت بعض وسائل الاعلام عن المحامي الذي يمثل السلفيين في الاردن، أنه اذا شارك موكلوه في الانتخابات البرلمانية فسوف يضمنون نسبة لا تقل عن 30 بالمئة من الاصوات.. وحتى مع المبالغة التي يشير اليها المراقبون من هذا المحامي الموالي والمتحمس، إلا انهم في الوقت نفسه لا يستبعدون ان تكون اللعبة القادمة، سياسية مع "الاسلاميين" بايجاد رديف لجماعة  الاخوان الذين يمارسون السياسة في الاردن باسم "جبهة العمل الاسلامي"، لتحقيق نوع من التوازن او التنافس المستمر بما يحجم ويحدد من قوة الاخيرة امام سلطة الملك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/آيار/2014 - 19/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م