التقارب الإيراني السعودي الحذر

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في ملتقى النبأ الأسبوعي، قدم معاون مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث، باسم الزيدي، ورقة حملت عنوان (التقارب الايراني السعودي الحذر) جاء فيها: "في يوم 13 ايار اعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل انها قدمت دعوة رسمية لوزير الخارجية الايرانية (ظريف) لزيارة المملكة في اي وقت يراه مناسبا". لينفتح الجدل من جديد حول تقارب ايراني سعودي مفترض (بعد عدة محاولات فاشلة) قد يعيد تشكيل التوازنات الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط، التي تأثرت بالتنافر الطائفي بين البلدين، وانعكست اثاره في سوريا والعراق والبحرين ولبنان واليمن.

ومع ان الدعوة جاءت متأخرة ستة اشهر عن دعوة التقارب التي ابداها الرئيس الايراني حسن روحاني بعد توليه منصبه الرئاسي، الا ان تقارير من مصادر مطلعة اشارت الى وجود محادثات سرية سبقت هذه الدعوة من خلال: لقاء السفير السعودي عبد الرحمن الشهري مع هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي تربطه علاقة وثيقة مع ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز.

زيارة اوباما الى السعودية ولقاء الملك عبد الله، والتي جرى خلالها تقديم النصيحة للسعودية بضرورة الحوار مع ايران التي بدأت بالتغيير بسرعة على حد وصف اوباما. وقرب تعين سفير ايراني جديد في السعودية، وتخفيف حدة لهجة العداء الاعلامي السعودي السابقة خلال الشهرين الماضيين حتى وصل الامر بالسعودية ان ترحب باتفاق جنيف النووي مؤخرا لكن بحذر حيث اكدت انه (يشكل خطوة نحو حل شامل اذا توفرت حسن النوايا).

اوجه الشبه والاختلاف

يبدو ان كلا من السعودية وايران لديهما الكثير من اوجه الشبه الى جانب نقاط الخلاف التي من الممكن ان تجعل تقاربهما ممكنا او شبه مستحيل، ولعل ابرز وجوه التشابه هي:

كلا الدولتين ذات نظام يتداخل فيه العامل الديني المحافظ بالسلطة (ولاية الفقيه – البيعة) مما يشكل عامل تقريب بينهما، على مستوى محاربة التيارات الدينية الطامحة نحو السلطة، (الاخوان المسلمون – التنظيمات المتطرفة – الخ) .

كلا الدولتين اجرت سلسلة من التغييرات في المناصب السياسية المسيطر عليها، ففي ايران استلم الاصلاحيون سدة الحكم واطلقوا عملية واسعة لتفاهمات دبلوماسية قد تغير وجه ايران، لكن تحت سيطرة الولي الفقيه. اما في السعودية فكان فشل نظرية بندر بن سلطان، مهندس المواجهة مع ايران، كفيل بانهاء خدمات معسكر الصقور السعودي، اضافة الى التغييرات التي شملت ولاية العهد ووزارة الدفاع والاركان العامة والقيادة البحرية والجوية، وامارة المناطق المهمة كمكة والرياض.

كلا الدولتين اصبحت لها قناعة بضرورة الحوار السياسي لحل المشاكل، وان سياسة (اشعال الحرائق) تعود بالضرر على الجميع، ايران تعاني من مشاكل اقتصادية وضغط شعبي وعزلة دولية، بالمقابل السعودية فشلت في سوريا وضعفت شراكتها مع الولايات المتحدة الامريكية، ولم تستطع منع او عرقلة الاتفاق النووي مع ايران.

اذن فاللقاء والحوار مهم لمعرفة مدى امكانية التوصل الى تسويات حقيقية في ملفات الشرق الاوسط الشائكة.

على الرغم من وقوف الولايات المتحدة خلف الستار الا انها الداعم الرئيسي لدفع الطرفين نحو التفاهم وحل المشاكل بطرق سياسية ومباشرة.

اوجه الاختلاف

العامل الديني المذهبي (الشيعة في ايران، تدافع عن شيعة العالم - والوهابية في السعودية، تدافع عن السنة في العالم).

العامل القومي (الفرس والعرب)

العامل السكاني (نفوس ايران اكثر بثلاثة اضعاف تقريبا من نفوس السعودية)

العامل السياسي (ايران براغماتية وديناميكية، السعودية نظام اوتوقراطي جامد)

العامل التاريخي (ثورة 1979 وشعار تصدير الثورة).

العامل الاقليمي (خشية السعودية من اتساع النفوذ الايراني على حسابها).

القضايا الرئيسية

عبر عنها ولي العهد (سلمان بن عبد العزيز) خلال كلمته في اجتماع وزراء الدفاع لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي تشكل الهم الاول للسعوديين وتتقاطع فيها مع ايران: الازمات السياسية، الملف النووي، الارهاب، التدخل في شؤون الدول العربية.

تنوعت المداخلات على الورقة من قبل الحاضرين عبر تنوع الاراء والافكار التي تتفق او تختلف مع ما طرحته تلك الورقة.

حيث يرى حيدر المسعودي مسؤول وحدة التنمية البشرية في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ان اي تقارب بين البلدين في الوقت الحاضر هو تقارب سياسي مؤقت تفرضه بعض الملفات ولا يمكن ان يستمر طويلا.. ويعتقد ان مقاربة هذا الموضوع يجب ان تحيط بجميع ملفاته المتعلقة به ومن كل جوانبها، ليتسنى لنا تقديم رؤية صحيحة لما هو متوقع من مثل هذا التقارب المفترض.

يعتقد المسعودي ان ايران قد انتقلت من ميدان اللعب خلف الكواليس الى ميدان اللعب المكشوف، خاصة بعد الانفتاح على توقيع اتفاق نووي نهائي. وهذا اللعب المكشوف تطمح منه ايران ان توسع من نفوذها الاقليمي في المنطقة. في المقابل يتساءل المسعودي، ما الذي تريده او تطمح اليه السعودية من مثل هذا التقارب المفترض، وهي التي تراجعت مكانتها كثيرا في المنطقة، تبعا لتراجع دورها في عدد من الملفات والقضايا التي دخلت على خطها؟

يعتقد المسعودي، ان السعودية قد اصبحت لاعبا غير اساسي في المنطقة، مع بروز لاعبين جدد على الساحة كاللاعب القطري، الذي اخذ ينافسها على مكانتها الاقليمية والعربية، وهي بالتالي الاكثر حاجة لمثل هذا التقارب او الانفتاح على ايران، التي ستستفيد من اي دولة تطرق ابوابها التي اوصدتها تلك الملفات والقضايا.

يضيف المسعودي، يجب ان لا يغيب عن بالنا، تأثير التجاذب السعودي الايراني على دول مثل العراق – سوريا – لبنان، وكذلك العوامل الداخلية في البلدين وتأثيرها على مثل هذا التقارب المفترض.

يخلص المسعودي، ان اي تقارب او تفاهمات بين البلدين، قد تستغرق وقتا طويلا للوصول الى الانفتاح الكامل، والتفاهم على الملفات الشائكة، وهذا الوقت الطويل سوف لن يكون له تأثير على اختيار رئيس الوزراء العراقي القادم، والذي ستنفرد امريكا وايران في الموافقة عليه او رفضه، خاصة مع الحديث المتزايد عن تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن قد لا يتعدى الشهر الواحد، وهو ما يعني ان رئيس الوزراء العراقي القادم، قد تشكلت ملامحه بين امريكا وايران.

في مداخلته، يقدم مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، مقدمة بسيطة حول السياسة الدولية باعمدتها الثلاثة في المنطقة وهي (ايران – السعودية – امريكا) وهي ليست سياسة بسيطة بل معقدة كما يذهب الى ذلك معاش.

في جميع الانظمة السياسية في العالم، يواصل معاش، نجد هناك يمين جمهوري متشدد ويسار ديمقراطي منفتح، كما في امريكا. لهذا فان الصراع او التقارب بين البلدين يرتبط بشكل او اخر، بمدى الصراع او التقارب بين اليمين الجمهوري الذي تمثله اللوبيات المتعددة والموجودة في اجهزة الاستخبارات والوكالات الامنية القومية، وكذلك في شركات السلاح، وهي لوبيات انتابها الضعف الكبير بعد الازمة المالية العالمية، والحرب في افغانستان والعراق، التي وسمت مرحلة رئاسة جورج بوش الابن، والسعودية قد ارتبطت بالعمق مع اليمين الامريكي، والذي مثل مصالحها في فترة معينة، الامير بندر، والذي يشعر بانتماء اكبر الى امريكا منه الى السعودية، وذلك لإحساسه بالنقص في الانتماء الملكي.

اليمين الامريكي مع اللوبي السعودي، اصطدم باليسار الديمقراطي الامريكي الذي تمثله سياسات اوباما، والذي يدعمه الكثير من المثقفين الامريكيين، وهم قد اصطدموا مع هذا اليمين، ومع الحرس القديم الذي يمثل مصالحهم في الادارة الامريكية، وفي مصادر القرار والتشريع.

لم تدرك السعودية وعلى مدى سنوات طويلة، عمق التحولات التي يقودها اوباما واليسار الديمقراطي في امريكا، على العكس من ايران التي ادركت ذلك، وفهمت اللعبة الجديدة ومتطلباتها.

يضيف معاش، اما في ايران فان اليمين المحافظ فيها يقف بقوة ضد التقارب مع السعودية، وقد نقلت وسائل الاعلام المتعددة، الهجوم القوي الذي شنه جنتي ضد السعودية في احدى خطب الجمعة، ودعا الى ضربها. ويتساءل معاش، كيف بعد يومين من ذلك تدعو السعودية وزير الخارجية الايراني لزيارتها؟ يجيب: هناك مؤشرات لطبخة موجودة، لكن هناك طباخون متعددون.

يواصل معاش شرحه للخطوط المتعددة في ايران، ومدى تأثير صراعاتها وتجاذباتها على التقارب بين ايران وامريكا، وتأثير ذلك على سياستها الخارجية وعلاقاتها مع الدول الاقليمية، ومن ضمنها السعودية، وهو يعتقد ان الجميع يريد التقارب مع امريكا لكن من خلال المعسكر الذي يمثله، بالمقابل فان امريكا ترفض التعامل مع اليمين الايراني لانهم ينطلقون من مصالح شخصية، أدت في بعض وجوهها الى صراع بين داخلي، وخاصة فيما يتعلق بالتقارب السعودي الايراني وهو العائق الاكبر امام مثل هذا التقارب المفترض.

ويرى معاش، ان ايران قد ربحت في سوريا والسعودية قد ربحت في مصر، مقابل تركيا التي أصبحت ضحية في كل هذه الملفات.

ويرى ايضا، ان الاتفاق الاخير بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية لم يكن ليتم لو لا جهود مشتركة بين مختلف الأطراف الاقليمية، وهو اتفاق يمثل ضربة كبيرة لإسرائيل.

عراقيا، فان اي تقارب ايراني سعودي سيكون له تأثير على انتخاب رئيس الوزراء القادم.

في معرض تصنيف الملفات بين البلدين ومدى تعقيدها على الحل لتحقيق التقارب المفترض، فان اقل الملفات تعقيدا هو الملف اللبناني، وبالدرجة الثانية الملف العراقي.

يأتي بعد ذلك الملف السوري وهو الاكثر تعقيدا بالنسبة للسعوديين، لانهم لم يلعبوا فيه سابقا، اضافة الى ان اللاعبين المحليين غير معروفين كاملا بالنسبة لهم.

ثم الملف الاكثر تعقيدا وهو الملف الاخواني، بين السعودية وايران، وعلاقة هذا الملف بامريكا التي تريد الاخوان لاعبا ومشاركا في الحياة السياسية في البلدان التي يتواجدون فيها، وهي تقف بالضد من الانقلاب عليهم في مصر، والذي ايدته السعودية، التي لديها خطوطا حمراء ضد الاخوان، لانها تخشى ان يكونوا البديل عن حركات الاسلام السياسي الاخرى والتي ايضا لا تكن السعودية المحبة لها.

يأتي بعد ذلك، الملف الاسرائيلي وهو ايضا اكثر تعقيدا مما يبدو، فإسرائيل ضد نفوذ ايران المتصاعد في المنطقة، وهي ايضا ضد اي تقارب مفترض بين ايران والسعودية، اضافة الى الصراع بين امريكا واسرائيل حول من يقود الشرق الاوسط، وفيما يتعلق بمناطق النفوذ، على اعتبار ان اسرائيل مكروهة من الجميع، فاسرائيل سفير سيء جدا لامريكا في المنطقة على حد تعبير معاش.

في مداخلته، يعتقد محمد مصطفى معاش، مدير العلاقات العامة في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ان هناك نوع من التحالف الاستراتيجي بين ايران والاخوان المسلمين، وانه تحالف قديم يعود الى العام 1979 بعد الثورة في ايران، اضافة الى التحالف القطري مع تلك الجماعة، والذي كثيرا ما اثار حفيظة السعودية على قطر، اضافة الى تقاربها مع ايران.

ويعتقد معاش، ان قضية الاخوان المسلمين ستكون عائقا وعقبة كبيرة في وجه اي تقارب محتمل بين السعودية وايران.

في مداخلة اخيرة اشترك فيها الدكتور علي محمد ياسين التدريسي في جامعة كربلاء، يرى ان ازاحة المالكي من سدة رئاسة الوزراء، التي تمثل العقبة الكبرى، سيكون انتصارا للسعودية على حساب ايران.

ويعتقد ياسين ان نقاط التقاطع بين ايران والسعودية اكثر من نقاط الالتقاء، واذا حدث تقارب بين الدولتين، بما تفرضه بعض الملفات، فانه سيكون تقاربا قصير الامد لا يستمر طويلا، بسبب العوامل التاريخية والدينية المذهبية، وتأثير ذلك على مناطق نفوذهما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آيار/2014 - 18/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م