الدين من اجل الحياة

 

شبكة النبأ: كلنا نتفق على أن الحياة قائمة على التوازن، من خلال الأضداد، بمعنى كل شيء في الحياة لابد أن يكون له شيء آخر مضاد ومناقض له، وفي حالة إنعدام وجود الند، سوف يُصعب معرفة قيمة هذا الشيء، بسبب غياب المعيار او المقياس الي نقيس به قيمة الاشياء، فمثلا لو أردنا المقارنة بين اللون الابيض واللون الاسود، نستطيع ان نجد مزايا ومساوئ لكل من اللونين، استنادا الى المقارنة بينهما، ولكن عندما يوجد السواد وحده او البياض وحده في حياتنا، عند ذاك لا يمكن معرفة فوائد او مساوئ الليل والنهار مثلا!.

من هنا ينبغي أن نتعاضد لمحاربة التطرف، كونه يسعى الى إلغاء الآخر، وهذا يحدث خللا كبيرا في مفاصل الحياة، وفي ظاهرة لافتة، هناك من ينظر الى الدين على أنه ضد الحياة، وبعضهم ينظر إليه من زاوية التطرف، او ينطلق من ممارسات وافعال وافكار المتشددين والمتطرفين، مثل التكفيريين، ومن لفّ لفهم، لكن هؤلاء لا يمثلون الدين، ولا علاقة لهم بالقيم الانسانية العظيمة التي يتحلى بها الدين ويقدمها كحزمة او منظومة متكاملة تنظّم حياة الناس، الافراد والمجتمعات معا.

فهل يجوز أن يتم إلغاء الدين، والقيم التي ينتجها، تبعا لرؤية الملحدين مثلا؟، او بعض اليساريين او ربما بعض المثقفين، يدعون الى تحييد الدين وتجميده، بحجة انه يمثل التزمت والتعقيد، وفرض القيود المحافظة وما شابه، ولكن كلنا نتفق على ان الدين عبارة عن فكر ينطوي على معن ومفاهيم ومنطلقات وقيم، تسعى لتنظيم الحياة، لتجعلها اكثر عدالة وأقل ظلما. فلماذا يدعو بعضهم الى إلغاء الدين، أو تجميده؟، علما أن بعض هؤلاء يتبجحون بتقدمية افكارهم وآرائهم وما يرونه من افكار وسلوكيات!.

فهل يصح لإلغاء الآخر، أو إلغاء الدين، بحجة الظلامية وما شابه، ثم لماذا يغض هؤلاء (دعاة تجميد الدين او إلغائه)، الطرف عن الجانب المضيء للدين، متمثلا، بما قدمه ولا يزال، للإنسانية، في مجال التعاون والتكافل والتراحم والتعايش والتسامح، وتفعيل الجانب الروحاني، من اجل خلق حالة من التوازن بين النزعة المادية المستشرية لدى بني الانسان، وبين العمق الروحاني الذي ينبغي أن يُسهم في تشكيل شخصية الانسان، ويكون جزءا من تكوينه وتفكيره وسلوكه، حتى يحدث التوازن المطلوب، القائم بين ثنائية المادة والروح.

لأن سيطرة المادة لوحدها على مقاليد الحياة والأشياء، ستجعل الحياة برمتها عبارة عن ساحة للصراع المادي الخطير، الامر الذي يجعل العالم أجمع، أو المعمورة كلها ساحة مفتوحة لحروب المافيات والعصابات التي لا هدف لها سوى جمع المال، بغض النظر عن الطريقة التي تتم بها طريقة الحصول على هذا المال، بمعنى ليست هنا معايير أخلاقية ولا عرفية ولا دينية ولا حتى قانونية وضعية، يعترف بها الماديون، من اصحاب المطامح المالية الربحية غير المشروعة التي لن تتوقف عند حد او سقف معين.

لذلك يتفق الجميع على أن الدين يعمل دائما من اجل الحياة ولصالحها، فهو عبارة عن مجموعة من القيم والموجهات التي تحمي الانسان من الانزلاق في مهاوي الانحراف والجريمة والعنف، كونه يحمي المجتمع من خلال، نشر السعادة والحرية والرفاهية والعدالة والازدهار فيه، وأي دين يخلو من هذه القيم، لا يمكن أن نطلق عليه هذه التسمية او هذه الصفة، من هنا فالدين هو عامل اساسي بل جوهري من العوامل التي تحافظ على الحياة وتحميها من التدهور والاندثار.

فلا يصح أن ينظر البعض الى الدين على أنه مناقض للحياة، لأنه عامل منتج للقيم، وحاضنة تنطوي على كل ما يدعم ديمومة الحياة، وتصاعد قيم وافكار الخير في ربوعها، أما اذا تمسك هؤلاء البعض بنظرتهم المتطرفة المضادة للدين، فهم بهذا السلوك لا يؤمنون حتى بأفكارهم التي تنادي بحرية الفكر والرأي والدين!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/آيار/2014 - 17/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م