الجوع في العالم يكشف واقع الحكومات الفاشلة

 

شبكة النبأ: تعد مشكلة الجوع المتفاقمة واحدة من ابرز وأصعب المشكلات التي تهدد حياة الكثير مئات الملايين من الناس في مختلف دول العالم، ولأسباب مختلفة منها تزايد عدد السكان وقلة مصادر الغذاء التي لم تعد كافية لتأمين حاجات سكان العالم كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على الموت يهدد اليوم ارواح عشرات الملايين من البشر في مختلف الدول وخصوصا تلك الدول الفقيرة التي تعاني الكثير من المشكلات الاقتصادية والسياسية التي اسهمت بارتفاع أعداد الفقراء والمحرومين.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل بعض المنظمات والمؤسسات الانسانية فان بعض التقارير لا تزال تشير الى وجود ما يقارب من مليار ومئة مليون إنسان "أي سدس البشرية" تقريبا يعانون من الجوع وسوء التغذية، وحسب معطيات الأمم المتحدة، فإن سبعة ملايين طفل يموتون سنويا بسبب الجوع، أي حوالي ألف طفل في اليوم الواحد، أي طفل واحد خلال كل خمس ثوان.

ويرى بعض المراقبين ان الاعتماد على الخطط والسياسة الحالية التي تعمل بموجبها تلك المنظمات والدول، لن تكون ذات قميه ولن تسهم في حل او تحجيم هذه المشكلة المتفاقمة مؤكدين على ضرورة تغير تلك الخطط والمشاريع، واعتماد دراسات وسبل جديدة والاستفادة مما قدمه الاسلام والرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله " في مجال الاقتصاد وايجاد التوازن، وخصوصا ما اعتمده الامام علي بن ابي طالب (ع) وفي حكمة وسياسته التي اسهمت بتطوير الحياة الاقتصادية، وإنعاش الحياة العامة في جميع أنحاء البلاد، بحيث لم يبقى فقير أو بائس أو محتاج، وذلك من خلال توزيع الثروات المتاحة توزيعاً عادلاً على الجميع.

حيث بات الجوع أحد أهم التحديات التي تواجه دول العالم اليوم، نظراً لوجود عدة أسباب، أهمها: السياسات الاقتصادية المعتمدة على الاستيراد والاستهلاك، مقابل انخفاض إنتاجية الموارد الزراعية، وارتفاع التقلبات في إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتدني الإمكانات المادية التي تتطلبها التنمية، وعدم كفاءة الأداء الاقتصادي والزراعي، والأزمات الطارئة التي تضرب الاقتصاديات الزراعية العالمية، كأزمة المياه والاحتباس الحراري والجفاف والتصحر والتغير المناخي، الأمر الذي ينتج عنه فقدان شبكة أمان المخزون الغذائي لأغلب بلدان العالم وخاصة النامية منها، وعليه تبقى التساؤلات قائمة، فهل يعطى العالم الأولوية لمكافحة الجوع؟، وكيف سيتم إطعام جياع العالم بالمستقبل؟ في ظل تزايد الأزمات والكوارث الإنسانية.

شخص بين كل ثمانية

وفيما يخص مشكلة الجوع والفقر العالمي فقد قالت منظمات الاغذية التابعة للامم المتحدة ان شخصا من بين كل ثمانية أشخاص في أنحاء العالم يعاني من نقص مزمن في الغذاء وحذرت هذه الوكالات زعماء العالم من ان بعض المناطق ستفشل في خفض عدد الذين يعانون من الجوع الى النصف بحلول عام 2015. وفي أحدث تقرير بشأن الامن الغذائي قالت وكالات الاغذية التابعة للامم المتحدة ان 842 مليون شخص عانوا من الجوع المزمن خلال الفترة من 2011 الى 2013 أو ما يعادل 12 في المئة من عدد سكان العالم انخفاضا 17 في المئة عن الفترة من عام 1990 - 1992.

والرقم الجديد أقل من التقدير الاخير عند 868 مليون في الفترة من 2010 - 2012 لكن التقرير قال ان تحقيق تقدم في تلبية هدف التنمية في الالفية لخفض عدد الذي يعانون من الجوع في العالم بحلول عام 2015 متفاوت. وقالت منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) انه من غير المرجح ان تفي العديد من الدول بالهدف الذي تبناه زعماء العالم في الامم المتحدة عام 2000.

وجاء في التقرير "تلك الدول التي شهدت صراعا اثناء العقدين الماضيين تعرضت على الارجح لانتكاسات كبيرة في (جهودها) خفض الجوع." وأضاف التقرير "الدول التي لا تطل على بحار تواجه تحديات مستمرة في الدخول الى الاسواق العالمية بينما الدول التي لديها بنية أساسية سيئة ومؤسسات ضعيفة تواجه قيودا اضافية."

وتعريف الجوع أو نقص الغذاء الذي تبنته منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) في حالة غياب الامن الغذائي في العالم عام 2013 هو "عدم توفر غذاء كاف لحياة نشطة وصحية". وقالت وكالات الامم المتحدة ان السياسات التي تهدف الى تعزيز الانتاجية الزراعية وتوفر الغذاء اساسية لخفض الجوع حتى في المناطق التي ينتشر فيها الفقر على نطاق واسع.

وأضافت "عندما تجتمع مع الحماية الاجتماعية والاجراءات الاخرى التي تزيد دخول الاسر الفقيرة لشراء الطعام فانه يمكن ان يكون لها أثر أكثر ايجابية ويحفز التنمية الريفية." وقالت ان التحويلات المالية الاكثر ثلاث مرات عن مساعدات التنمية الرسمية كان لها أثر مهم على الامن الغذائي لانها أدت الى نظم غذائية أفضل وقللت الجوع. بحسب رويترز.

ووجد التقرير ان الغالبية العظمى للاشخاص الذين يعانون من الجوع أو 827 مليون شخص يعيشون في دول نامية حيث ينتشر نقص التغذية بنسبة 14.3 في المئة. ومازالت افريقيا هي المنطقة التي بها أكبر نسبة من سوء التغذية حيث يعاني أكثر من شخص من بين كل خمسة اشخاص من نقص الغذاء بينما معظم الاشخاص الذي يعانون من سوء التغذية في جنوب اسيا.

ضعف الاقتصاد وعدم المساواة

على صعيد متصل قالت منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (فاو) إن حوالي 49 مليون شخص عانوا الجوع في أمريكا اللاتينية بين عامي 2010 و2012 مما يشير إلى وتيرة بطيئة لجهود خفض الجوع بسبب ضعف النمو الاقتصادي والمستويات المرتفعة لعدم المساواة. وقالت الفاو في تقرير إن المنطقة المعتمدة على التصدير تشهد ازدهارا تقوده السلع لكن التباطؤ الاقتصادي في شريكها التجاري الرئيسي الصين والتوزيع غير العادل للثروة أضرا بجهود مكافحة الجوع.

واضافت المنظمة أن حوالي 8.3 بالمئة من السكان المنطقة لا يحصلون على السعرات الحرارية اللازمة يوميا لحياة صحية. وتعاني هايتي وجواتيمالا وباراجوي وبوليفيا ونيكاراجوا أعلى معدلات للجوع. وفي الفترة من 2004 إلي 2006 بلغ عدد الجوعى في المنطقة حوالي 54 مليون شخص وهو رقم هبط الي 50 مليونا في الفترة بين 2007 و2009. وقال التقرير "على الرغم من استمرار اتجاه خفض الجوع فان وتيرته تتباطأ متسقة مع التباطؤ في النمو الاقتصادي الذي سجلته بلدان في المنطقة."

ونمت اقتصادات بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي 6 بالمئة في 2010 لكن من المتوقع ان تنخفض النسبة هذا العام إلى 3.2 بالمئة وفقا للامم المتحدة. ولاتزال السلع ومنها الفول الصويا والقمح والذرة العمود الفقري لاقتصادات دول المنطقة. وقال راؤول بينيتز ممثل الفاو إلى المنطقة "لم يترجم النمو الاقتصادي في المنطقة في 2012 إلى خفض في خطر الجوع الذي تتعرض لها شريحة من السكان." وقالت المنظمة إن اسعار الغذاء المرتفعة تهدد ايضا الاسر الاكثر فقرا والاكثر عرضة للجوع في المنطقة.

من جانب اخر أطلق رئيس المكسيك انريكي بينا نييتو حملة ضد الجوع متعهدا بتغيير حياة نحو 7.5 مليون شخص من أفقر سكان البلاد لكنه لم يذكر الكثير من التفاصيل مما جعل البعض يقولون إن الخطة ما هي إلا "إعادة صياغة" لسياسات قديمة. وتمثل معالجة مشكلة الفقر التي تعاني منها المكسيك أولوية للكثير من رؤساء ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية وكان أحد أول الوعود للرئيس بينا نييتو عندما أطلق حملته الانتخابية.

وتحدث الرئيس البالغ من العمر 46 عاما عن خطة من أربع نقاط لمواجهة الفقر في 400 بلدية من بين نحو 2500 بلدية بالمكسيك وحث المجتمع على المشاركة وتحمل الحكومات المحلية مسؤولياتها وتعهد بزيادة الإنتاج الزراعي في المناطق المتضررة. لكنه لم يذكر تفاصيل الخطة.

وقال بينا نييتو الذي تولى منصبه "من المؤلم والمحزن أنه ما زال هناك مكسيكيون يعانون من الجوع هنا في شياباس بل لابد أن نقول.. في كل ركن من أركان المكسيك." وأضاف "هذا ليس برنامج تسليم معونات.. الامر لا يتعلق بمجرد توزيع المواد الغذائية على من يحتاجونها."

وكان بينا نييتو يتحدث في لاس مارجاريتاس في ولاية شياباس الفقيرة في الجنوب وهي البلدة التي كانت معقلا لمقاومة الحكومة الاتحادية في التسعينات. كما كانت لاس مارجاريتاس معقلا لحركة زاباتيستا وهي حركة ثورية يسارية انتفضت ضد الحكومة عام 1994 وكان من أسباب ذلك الاحتجاج على توقيع المكسيك على اتفاق التجارة الحرة في أمريكا الشمالية (نافتا) مع الولايات المتحدة وكندا. بحسب رويترز.

ونال بينا نييتو الإشادة لسعيه لتطبيق مجموعة متنوعة من الإصلاحات منذ توليه منصبه لكن محللين لم يكونوا مقتنعين وقالوا إن خطة مكافحة الفقر مبهمة وتبدو كثيرا مثل السياسات القائمة. وقالت سوزان باركر وهي خبيرة اقتصادية في جامعة سي.آي.دي.إي بمكسيكو سيتي "يمكنني أن أقول إنها مخيبة للآمال لأنها تفتقر كثيرا للتفاصيل" مضيفة أن الخطة لم توضح ما الذي سيحدث للبرامج القديمة لمكافحة الفقر.

الجوع في افريقيا

في السياق ذاته قال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ان اكثر من ستة ملايين شخص في انجولا وليسوتو ومالاوي وزيمبابوي يواجهون خطر النقص الشديد في الغذاء بسبب دورات الجفاف والفيضانات المتكررة. واضاف الاتحاد ان الأزمة تمر دون أن يهتم بها أحد إلى حد كبير في الخارج وان المناشدات التي يطلقها لتقديم الدعم المالي لم تلق سوى استجابة محدودة. وقال الكسندر ماثيو المسؤول بالاتحاد "هذه ازمة مزمنة تدمر فيها دورات من الجفاف والفيضانات المحاصيل والماشية وامدادات مياه الشرب الآمنة. لا يجد الناس ما يكفي لطعامهم أو ماء نظيفا ليشربوه."

واضاف ماثيو وهو الممثل الاقليمي للاتحاد في منطقة جنوب افريقيا في بيان وزع على صحفيين "الملاريا والكوليرا والإسهال امراض شائعة." وقال الاتحاد ومقره جنيف ان اربعة دول تعاني بشدة ومن بينها ليسوتو التي يعاني فيها 725 الف شخص -أي نحو 40 بالمئة من سكان البلاد-من الأزمة. ويواجه نحو مليوني شخص خطر المجاعة في مالاوي واكثر من 1.8 مليون شخص في انجولا فضلا عن 1.6 مليون شخص يعيشون في مناطق ريفية في زيمبابوي.

وقال ماثيو إنه مما يزيد الوضع سوءا انتشار فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز). وأضاف قوله ان نحو 34 في المائة من الذين يحملون فيروس المرض في انحاء العالم يعيشون في المنطقة وإن 23.2 في المائة من سكان ليسوتو مصابون به وهو أعلى معدل للإصابة بين البالغين في العالم.

الى جانب ذلك قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إنه سيساعد في إطعام 6.5 مليون إثيوبي هذا العام إذ تضررت إثيوبيا من الجراد ومن الحرب في دولة مجاورة ومن قلة الأمطار. وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي إليزابيث بيرز في جنيف "نشعر بقلق لأن هناك بداية غزو للجراد في الجزء الشرقي من البلاد وإذا لم تتم معالجة ذلك بشكل ملائم فإن ذلك قد يكون مثار قلق للسكان الرعاة الذين يعيشون هناك." وأضافت "وفي الجزء الشمالي من إثيوبيا كانت الأمطار أقل من المتوسط للعام الثالث أو الرابع على التوالي."

وتواجه إثيوبيا أيضا أعدادا متزايدة من اللاجئين بسبب الحرب في جنوب السودان المجاور مما يستنزف ميزانية برنامج الأغذية العالمي لإطعام القادمين الجدد إلى البلاد. وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان إن أكثر من 120 ألفا من سكان جنوب السودان عبروا الحدود إلى إثيوبيا في الأشهر الستة الماضية معظمهم من النساء والأطفال الذين يصلون "جائعين ومنهكين ويعانون من سوء التغذية." ورفع أحدث تدفق للاجئين عددهم في إثيوبيا إلى 500 ألف.

وتقدم الأمم المتحدة الطعام كذلك لملايين الإثيوبيين المحتاجين أو الذين يعانون من سوء التغذية بينهم 670 ألف تلميذ و375 ألفا مدرجين في برنامج لمكافحة الإيدز. وتحسن الوضع العام في إثيوبيا بدرجة كبيرة في السنوات القليلة الماضية ويعد الإقتصاد الآن من بين الإقتصادات الأسرع نموا في أفريقيا. لكن لا تزال هناك مشكلات عميقة. بحسب رويترز.

وقال برنامج الأغذية العالمي استنادا إلى بيانات الحكومة الإثيوبية إن سوء التغذية أعاق نمو 40 في المئة من الأطفال الإثيوبيين وقلص قوة العمل في البلاد بنسبة ثمانية بالمئة. ويتوقع صندوق النقد العالمي نمو الإقتصاد الإثيوبي بنسبة 7.5 بالمئة في كل من العامين الماليين القادمين لكنه يقول إن الحكومة تحتاج إلى تشجيع المزيد من استثمارات القطاع الخاص للحيلولة دون تراجع معدلات النمو بعد ذلك.

تحسن في البيانات

من جانب اخر واجهت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة انتقادات في عام 2012 بسبب الطرق التي تتبعها في حساب عدد الأشخاص الجوعى في العالم في تقريرها السنوي الذي تصدره بعنوان "حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم". وقد تواصل الجدل حول هذا الموضوع في عام 2013 حيث أشارت الحسابات إلى أن 842 مليون أو 12 بالمائة من سكان العالم يعانون من الجوع المزمن على مدى العامين الماضيين.

وقد أعلنت منظمة الأغذية والزراعة في عام 2012 أنها تبحث في طرق جديدة لقياس مصطلحات "الجوع" و"انعدام الأمن الغذائي" و"نقص التغذية" التي غالباً ما يتم استخدامها على نحو متبادل. وقال الخبراء أن تقرير "حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم لعام 2013" كان أفضل من تقرير عام 2012، ولكن مازال هناك بعض المشكلات في نوعية البيانات.

ويعد انتشار نقص التغذية المؤشر الرئيسي الذي تستخدمه منظمة الأغذية والزراعة لحساب الأعداد العالمية نظراً لأنه القضية الرئيسية. وقد طُرحت تساؤلات ليس فقط حول الكيفية التي تم بها إنشاء هذا المؤشر ولكن كيفية استخدامه ومن يستخدمه لقياس الجوع في مرحلة معينة من الوقت وتتبع التوجهات على مر الزمن كذلك. وربما كان أكثر منتقدي منهجية منظمة الأغذية والزراعة في عام 2012 مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة وكندا طرحوا مخاوفهم في تقرير بعنوان "تأطير الجوع: استجابة إلى تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم 2012".

وقال تيموثي وايز، مدير برامج السياسات والبحوث في معهد البيئة والتنمية العالمية في جامعة تافتس وأحد مؤلفي التقرير أن مقاييس نقص التغذية المزمن (انتشار نقص التغذية) يعرف بأنه عدم كفاية الكمية التي يتم تناولها من السعرات الحرارية لمدة أكثر من عام. وهذا التقدير مبني على الحد الأدنى من متطلبات السعرات الحرارية للمشاركة في "نمط حياة غير نشط". ويجعل هذا الحد والشرط لنقص التغذية بأن يدوم على الأقل لمدة عام المقياس مقيداً جداً نظراً لأنه يستبعد هؤلاء الذين يعانون من الجوع الشديد لمدة أقصر، مثل الذين يعانون من الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية".

وقد دافع بيرو كونفورتي، الإحصائي المخضرم في منظمة الأغذية والزراعة، عن استخدام مقياس انتشار نقص التغذية مرة أخرى في عام 2013 كأساس للحساب قائلاً أنه من الناحية المثلى يتبغي أن يتم تقييم مستوى نقص التغذية بصورة فردية ولكن منظمة الأغذية والزراعة غير قادرة على القيام بذلك من خلال الطرق العادية لجمع البيانات. ويمكن أن يتأثر "استهلاك الغذاء الفردي" اليومي بالعديد من العوامل، طبقاً لما ذكره كونفورتي، منها الطريقة التي يتم بها تخصيص الغذاء في الأسر المختلفة وكمية الطاقة المطلوبة وعبء العمل والعادات الدينية والثقافية التي تؤثر على اختيار الغذاء وكميته، ولذلك فإن جمع البيانات الفردية ليس عملياً".

من جهته، أشار كارلو كافيرو الإحصائي والاقتصادي المخضرم في منظمة الأغذية والزراعة إلى صحة المنهجية المستخدمة من قبل منظمة الأغذية والزراعة مؤكداً على أن "الادعاء بأننا لا ندرك ظروف الناس المنخرطين في نشاط بدني يتطلب جهداً هو أمر لا أساس له تماماً: فالتقديرات أخذت في اعتبارها التوزيع الحقيقي للمتطلبات الغذائية بين السكان، كما أنها عكست تنوع الوظائف في البلاد حيث يتبع بعض الناس نمط حياة قليل الحركة بينما يشارك الآخرون في أنشطة بدنية تتطلب الكثير من الجهد".

وقد أشار كونفورتي، الذي كان واحداً من المحررين الفنيين للتقرير الجديد، إلى أن التقرير حاول التعويض من خلال تقديم ومناقشة حجم الأبعاد المختلفة للأمن الغذائي كتوفر الطعام والقدرة الاقتصادية والبدنية للحصول عليه والاستفادة من الغذاء والاستقرار (والضعف والصدمات) بمرور الوقت. ويتم قياس كل من تلك الأبعاد عن طريق مؤشرات محددة مثل نسبة الأطفال الذين يعانون من التقزم والاعتماد على الحبوب وتقلب أسعار المواد الغذائية ومتوسط إمدادات البروتين وعدد الطرق ونوعية مصادر المياه والاستقرار السياسي.

كما تساعد المؤشرات في رواية قصة أعمق عن أسباب انعدام الأمن الغذائي والإبلاغ عن القرارات السياسية. فعلى سبيل المثال، تشهد دول مثل باكستان وبورندي انخفاضاً في الاعتماد على الحبوب والبطاطس كسلع غذائية رئيسية ولكن كلا الدولتين لديها ارتفاع كبير في معدل انتشار التقزم. وفي حالة باكستان توضح البيانات عدم تمتع الجميع بفرص الحصول على نظام غذائي متوازن، ولذلك هناك حاجة إلى سياسات تدعم منح الرعاية الاجتماعية ونظم مساعدة الفقراء في الحصول على المزيد من الغذاء المتنوع. وتعد التدخلات التي تعزز الرضاعة الطبيعية وتوفر الأغذية المقوية أيضاً من الأمور المهمة، كما أشار التقرير. وفي حالة بورندي فإن كمية الغذاء المتوفرة كانت منخفضة ولذلك في هذا المثال ينبغي أن تركز السياسات على زيادة الانتاج الغذائي أو الواردات.

وقال كونفورتي أن منظمة الأغذية والزراعة تأمل من خلال مجموعة المؤشرات الجديدة في التصدي للانتقاد بأن منهجها لا يرصد الآثار القصيرة الأجل لارتفاع أسعار الغذاء أو الصدمات الاقتصادية الأخرى. وتعترف إيلين ميسير، وهي من العلماء المعارضين والمنتقدين لاستخدام مقياس انتشار نقص الغذاء من قبل منظمة الأغذية والزراعة والتي تنتمي أيضاً إلى كلية فريدمان لسياسات العلوم والتغذية في جامعة تافتس، بالجهود التي تبذلها منظمة الأغذية والزراعة في تقديم "مجموعة إضافية من المؤشرات التي تأخذ في اعتبارها احتياجات الناس إلى المزيد من تناول الطاقة الاختيارية لدعم الحياة الصحية والنمو والأنشطة".

وقد توصل وايز من جامعة تافتس إلى أن منظمة الأغذية الزراعة "تستجيب للغاية إلى مخاوفنا وأن كل من الاحصاءات وتأطير تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي هي أكثر دقة، مؤكداً على أن السياسات الحكومية الوطنية وليس النمو الاقتصادي فحسب هي عوامل أساسية لخفض الجوع". ولكن التقرير مازال قاصراً، فلم يقم على سبيل المثال باستكشاف الديناميكيات التي تربط الفروع المختلفة التي تؤثر على انعدام الأمن الغذائي وهو ما يشكل "تحدياً مستمراً،" طبقاً لما ذكرته ميسير. فعلى سبيل المثال لا تعتبر البرامج الغذائية هي الاستجابة الوحيدة لمعالجة التقزم في جميع الحالات. وأضافت أنه من المحتمل أن تتطلب "التدخلات الأكثر أهمية لخفض التقزم في بعض الحالات مثل غواتيمالا استثمارات في المياه النظيفة والرعاية الصحية لخفض معدلات المرض والأحمال الطفيلية".

وأضافت أن "المحللين السياسيين والاقتصاديين يؤكدون أيضاً على أهمية السيادة الغذائية وتقليل نفوذ الشركات الأجنبية. وباختصار فإن الأمن الغذائي موضوع معقد جداً. ولذلك فإن منظمة الأغذية والزراعة في شكلها الحالي لا تغطي الأمن الغذائي بكل تعقيداته على نحو ملائم". وقال خوسيه لويس بول فاليرو، الناشط في مكافحة الجوع في جامعة لوفين الكاثوليكية، أن الأبعاد المتعددة هي "إضافة مهمة جداً للتقرير" وأن تقارير منظمة الأغذية والزراعة في تحسن. ولكن دراسة الروابط والعلاقة بين الأبعاد على المستوى الوطني أمر خارج نطاق تقرير منظمة الأغذية والزراعة ويجب أن يتم متابعته من قبل باحثين محليين أو فرديين، مضيفاً أن ذلك "سيكون مسألة صعبة بالنسبة لمنظمة الأغذية والزراعة نظراً لأن العلاقات السببية والمتبادلة قد تكون متعددة ومربكة".

وقد استطاعت منظمة الأغذية والزراعة القيام "بدراسات حالة شاملة تقوم بتحليل جميع أبعاد انعدام الأمن الغذائي الحالي أو التوقعات طويلة الأمد لجميع الدول" طبقاً لما ذكرته ميسير. وقد أشارت إلى أن وكالات الأمم المتحدة الأخرى المعنية بالغذاء مثل برنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وأيضاً جامعة الأمم المتحدة والمؤسسات الحكومية الدولية مثل معهد بحوث السياسات الغذائية الدولية والبنك الدولي تقوم بإعداد تقديرات شاملة عن الأمن الغذائي في أوقات أكثر ملائمة".

وقد أقرت ميسير بالعمل الذي يقوم به مكتب المقرر الخاص بالحق في الغذاء أوليفير دي شاتر الذي "يلعب دوراً متزايداً عن أي وقت مضى حيث يقوم بإعداد دراسات الحالة الوطنية للحق في الغذاء في بلدان مختارة". وتتبع أيضاً تقارير دي شاتر القائمة على الحقوق أطر العمل القانونية والالتزامات السياسية ونفقات ونتائج البرامج الغذائية وبرامج التغذية، وتقوم أيضاً بدراسة تأثيرات منظمة التجارة العالمية والتحرر التجاري وتأثيرات الاستثمارات الأجنبية المباشرة على توفر الغذاء والحصول عليه والتغذية والقدرة على الصمود". وقالت ميسير أن مؤشرات مثل "أبعاد النوع الاجتماعي (من هم المزارعون؟ وما هي الموارد التي يتحكمون فيها؟) هي مؤشرات مهمة وغير مكتشفة بصورة كافية".

ويعتقد بول أن بيانات انعدام الأمن الغذائي تحتاج إلى أن يتم "تصنيفها على حسب النوع الاجتماعي (ذكور/إناث) والمناطق الريفية والحضرية لكي نحصل على صورة أفضل"، مضيفاً أنه "إذا لم يتم تخيل حصول النساء على الغذاء في تلك التقارير ذات العناوين اللافتة للنظر فيستمر الاستخفاف بمحنتهن من دون توقف".

وأشار بول إلى أن "التحضر اتجاه عالمي ضخم يؤثر على جميع الدول ولكن يبدو أن قسماً كبيراً من الجياع مازالوا موجودين في المناطق الريفية. فما مدى أهمية الجوع في المناطق الحضرية مقارنة بالجوع في المناطق الريفية؟ نحن لا نعرف في الوقت الحاضر وما لدينا فقط هو تقديرات وتقارير عفا عليها الزمن". بحسب شبكة ايرن.

وقالت ميسير أن منظمة الأغذية والزراعة يمكنها فقط أن تكون جيدة بالقدر الذي تسمح لها البلدان بذلك، مضيفة أنه "لا بد أن تكون الدول متقبلة للأفكار الجديدة وأن يكون لديها القوى العاملة. كما لابد للدول الأعضاء أن تمول الجهود الخاصة بإعداد المزيد من التحليلات الشاملة لانعدام الأمن الغذائي".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آيار/2014 - 16/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م