في سوريا... حرب بين القاعدة وداعش تمهد لساعة الصفر

 

شبكة النبأ: أصبح من الواضح حجم النفور والعداء بين التنظيمات الإرهابية الموجودة في قلب الاحداث السورية، سيما بين تنظيم القاعدة، وما يسمى بـ"الدولة الإسلامية داعش".

ومع تبادل الاتهامات الأخير بين الظواهري "زعيم تنظيم القاعدة"، والعدناني "الناطق باسم الدولة الإسلامية"، التي وصلت الى مرحلة التباين في مسالة العقيدة الجهادية للطرفين، يتضح، بحسب محللون، ان مرحلة احتواء الازمة بينهما أصبحت اشد عسراً، خصوصاً وان المعارك الميدانية اخذت طابع أكثر عنفاً بين داعش والذراع المقاتل لتنظيم القاعدة في سوريا والمسمى "جبهة النصرة".

ويبدو ان حرب داعش الأخيرة مع جبهة النصرة، وهجومها القوي على زعيم تنظيم القاعدة "ايمن الظواهري"، ورفضها أسلوبه في إدارة التنظيم، واتهامه بالمهادنة والاستسلام، هي محاولة للمنافسة وكسب المزيد من الأنصار على حساب التنظيم الام، من خلال ممارسة العمل الجهادي بصورة أكثر تطرفاً ودموية من القاعدة، بحسب وجه نظر العديد من المحللين.

كما ان الجبهة السورية، هي مصدر الاغراء الأول للمقاتلين المتطرفين من التنظيمات المختلفة، إضافة الى مجاورتها للعراق الذي تحاول "الدولة الإسلامية داعش" التمدد في صحراءه الغربية، بالاعتماد على القبائل الموالية له، من اجل فتح خطوط الامداد من المناطق التي تسيطر عليها في سوريا وصولاً الى العراق، بعد ان تزيل العوائق والعقبات التي تقف في طريق إعلانها تنظيماً عالمياً، وقد تأتي أولى هذه العقبات على يد تنظيم القاعدة الذي يطالب "داعش" بالعودة الى التنظيم الام وعدم الانشقاق عنه.

بين القاعدة وداعش

فقد اجتهد الكثيرون في تفسير وتأويل بيان أمير "تنظيم القاعدة"، أيمن الظواهري، الأخير، وما جعل ذلك متاحا وممكنا، كان عدم تسمية الأشياء بأسمائها فضلا عن التناقض فيما ورد فيها مع البيانات والإصدارات السابقة وخاصة فيما يخص تبعية "الدولة الإسلامية" لتنظيم القاعدة، تأخر رد "الدولة الإسلامية" لكنه جاء مدويا وحاسما على لسان ناطقها الرسمي أبو محمد العدناني.

جاء رد "الدولة الإسلامية في العراق والشام" على بيان أيمن الظواهري، أمير "تنظيم القاعدة"، متأخرا في التوقيت لكن كان مدويا وحاسما في المضمون بعنوان "عذرا أمير القاعدة"، واستهل أبو محمد العدناني، ابن بلدة بنش السورية، البيان الصوتي مستشهدا بأقوال رموز ما يعرف بـ"الجهاد العالمي" كأبو يحيى الليبي وأبو مصعب الزرقاوي وعلى رأسهم مؤسس وأمير "تنظيم قاعدة الجهاد" السابق أسامة بن لادن.

فأعاد العدناني التذكير بما قاله أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، حول ضرورة عدم المشاركة في الانتخابات في كل من العراق وفلسطين في وقته، وفيما قاله أبو يحيى الليبي فيما يخص نظام الحكم السعودي ووجوب "الهجرة" إن استحال تغيير النظام المذكور، وفيما قاله سليمان بن غيث حول نظام الحكم في الكويت والدستور "الكافر" الذي أُقر لحكم البلاد في وقته، ثم استشهد بما قاله أبو مصعب الزرقاوي عن الديمقراطية وعن حكم من يتبعها بـ"الكفر والخروج عن الإسلام".

وختم هذا الجزء من خطابه قائلا أن "هذه قاعدة الجهاد التي عرفناها وواليناها ومن بدلها استبدلناه"، مذكرا أنه بالنسبة لـ"الدولة الإسلامية" قادة القاعدة هم "قادة الأمة السباقون وأصحاب الفضل والتضحيات"، ومن هذا المنطلق يعلل العدناني إرسال الرسائل وطلب المشورة عن طريق أبي حمزة المهاجر "بالرغم من حل التنظيم على أرض الدولة"، ويقول إنه لهذه الأسباب أيضا كان "أمراء الدولة يخاطبون قادة القاعدة خطاب الجنود للأمراء والتلميذ لأستاذه والطالب لشيخه"، ويقول لذلك أيضا "ظلت الدولة تأخذ بنصائح شيوخ الجهاد ورموزه".

أكد العدناني أن "الدولة الإسلامية"، ومنها انبثقت "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، لم تضرب في إيران ولا في بلاد الحرمين تلبية لطلب القاعدة و"للحفاظ على مصالحها (أي القاعدة) وخطوط إمدادها"، مُضيفا أن "للقاعدة دين ثمين في عنق إيران"، مؤكدا أنه إن لم تتدخل "الدولة الإسلامية" في مصر وليبيا وتونس ولا في بلاد الحرمين فكان ذلك أيضا تلبية لطلب القاعدة و"حفاظا على وحدة كلمة المجاهدين، ولعدم مخالفة القاعدة التي أخذت على عاتقها الجهاد العالمي والعمل في تلك البلاد".

ثم اتهم العدناني، وهو يتكلم باسم أميره أبو بكر البغدادي، الظواهري أنه من خلال شهادته الأخيرة "لبس" على الناس و"أجهد نفسه في إثبات أمر لم يثبته"، قاصدا بيعة "الدولة" للقاعدة، ذلك "كي يُظهر جنود "الدولة" بـ"مظهر الخائنين الناكسين"، وتوجه إليه قائلا أنه "لو قدر الله لكم أن تطأوا أرض الدولة الإسلامية لما وسعكم إلا أن تبايعوها وتكونوا جنودا لأميرها القرشي حفيد الحسين كما أنتم اليوم جنود تحت سلطان الملا عمر، فلا يصح لإمارة أو دولة أن تبايع تنظيم"، مذكرا بذلك أن للقاعدة بيعة للملا عمر ولحركة طالبان.

ثم يتوجه العدناني بأسئلة إلى الظواهري مغزاها إثبات ما يقول، وهي تُختصر كالتالي: هل التزمت الدولة بطلب الظواهري بالكف عن استهداف الشيعة في العراق؟ هل ألزم الظواهري أحدا بهذا القرار وعزل من خالفه؟ هل سأل يوما الظواهري "ومن قبله" أي بن لادن، كم عدد جنود الدولة، من أين يأتي سلاحها أو التمويل، من هم الأمراء أو الوزراء أو الولاة، من عزل ومن ولى؟ ألخ، ثم يعود ويؤكد أنه لا الظواهري ولا بن لادن خاطبوا الدولة "خطاب الأمير لجنده، إلا بعد أن فجرت (أي الظواهري) الكارثة في الشام وفجعت الأمة بقبولك بيعة الخائن" وهنا يقصد أمير جبهة النصرة لأهل الشام أبو محمد الجولاني.

ويضع العدناني أمير القاعدة أمام خيارين لا ثالث لهما، فيقول له أو أن "تستمر في خطئك وعنادك ويستمر الاقتتال والانشقاق في العالم"، وهنا تجدر الإشارة أن العدناني لم يخصص سوريا بما يجري من خلاف، أو "تعترف بزلتك وتستدرك، ونمد إليك أيدينا من جديد"، متهما إياه بـ"تفريق وتمزيق" كلمة المجاهدين التي جمعها أسامة بن لادن" وبـ"وقد وتزكية الفتنة"، داعيا إياه لرد بيعة الجولاني من أجل "حقن الدماء".

ثم يدعو أمير القاعدة إلى "عدم التلاعب بالأحكام والألفاظ الشرعية" وإلى توضيح موقفه من عدة أمور، منها الموقف من الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ومن "جماعة الإخوان المسلمون"، كما يدعوه إلى "نبذ السلمية" وإلى "دعوة المسلمين للجهاد صراحة"، ثم يدعوه أن يوضح الكثير من النقاط والنعوت في بياناته السابقة وإن كان يقصد "الدولة الإسلامية" بها، مذكرا إياه أن هذه البيانات وكلامه هو الذي أدى إلى اجتماع الفصائل على "محاربة الدولة واستحلال دم جنودها" في سوريا.

ويقول العدناني أن قيام محكمة مستقلة للتحكيم ما بين الفصائل في "الشام"، وهو ما دعا إليه الظواهري عدة مرات، أمر مستحيل في ظل الانقسام الحاصل وحمّل مسؤولية هذا الانقسام للظواهري مباشرة، ثم استطرد طالبا منه السعي أن يختار المسلمون "رجل صالح، فنبايعه خليفة، ولا تبقى إمارة شرعية غيره"، وهنا يجدر التنويه أن العدناني لم يطرح أو يسمي أمير الدولة الإسلامية البغدادي لهذا المركز، وهنا نلحظ سعيا للانتقال من حالة الإمارة إلى حالة الإمامة الكبرى وعودة الخلافة، ثم يعود ويؤكد العدناني أن "الدولة" لن تخرج من سوريا "خصوصا بعد مهادنة النظام" والمقصود ما جرى من تراجع وهدن في ضواحي دمشق وانسحاب الفصائل المعارضة من مدينة حمص مؤخرا.

نهاية يجدر التوقف عند أهم ما ورد في البيان، ألا وهو الدعوة الصريحة التي وجهها العدناني باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، إلى جميع فروع القاعدة كي تأخذ موقفا رسميا من الخلاف المستعر والتقاتل في سوريا، والسعي إلى توسعه للعراق بحسب العالمين وبحسب عدة مؤشرات ومعلومات لا مجال لذكرها الآن. بحسب فرانس برس.

فبعد إشارته إلى "الانشقاق في العالم" ما بين المجاهدين، دون حصره في سوريا، ها هو يعود ويركز على هذا الأمر رافعا الخلاف إلى مستوى آخر كان لا مفر من الوصول إليه، وهذا ما كنا قد أشرنا إلى حتمية حدوثه في مقالات سابقة، فالخلاف خلاف منهج وليس خلاف تنظيمي، والأيام المقبلة ستكون مفصلية.

حروب متواصلة

فيما قال نشطاء إن جماعة تستلهم نهج القاعدة انتزعت السيطرة على مناطق مهمة في محافظة دير الزور بشرق سوريا من جماعات أخرى لمقاتلي المعارضة مما يؤجج الاقتتال الداخلي في صفوف معارضي الرئيس السوري بشار الأسد.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ان أكثر من مئة ألف مدني فروا من المحافظة بعد اشتباكات عنيفة استمرت أسابيع بين مقاتلين إسلاميين، وظل المدنيون في دير الزور يعانون من الصراع بين مقاتلي المعارضة والحكومة أكثر من عامين، ويعاني أهالي المحافظة الآن من موجة ثانية من القتال الشرس الذي دمر أجزاء من البلاد تصفها المعارضة "بالمحررة" من قبضة قوات الأسد.

وقال المرصد إن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام انتزعت السيطرة على أحياء في دير الزور من جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتابع أن نحو 230 متشددا قتلوا خلال الأيام العشرة المنصرمة في الاشتباكات، وعلى الرغم من تحقيق الدولة الإسلامية في العراق والشام تقدما للسيطرة على دير الزور فإن فصائل المعارضة نادرا ما تحتفظ بسيطرتها على المناطق قبل تجدد الاشتباكات.

وقتل أكثر من 150 ألفا منذ اندلاع الانتفاضة السورية قبل ثلاث سنوات بعد ما تحولت احتجاجات سلمية إلى حرب أهلية إثر قمع السلطات السورية للمظاهرات، وتتباين مواقف القوى الدولية بشأن سبل حل صراع زاد من تعقيده الاقتتال الشرس بين فصائل المعارضة مما أودى بحياة آلاف المقاتلين هذا العام. بحسب رويترز.

ويتركز القتال حول قرى على مشارف دير الزور حيث يدور القتال بين جماعات المعارضة للسيطرة على حقول نفطية ومناطق استراتيجية، وتفرض الدولة الإسلامية في العراق والشام تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها فيما تفرض جبهة النصرة أحكاما مماثلة لكن الجماعتين تتنازعان السلطة والسيطرة على أراض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/آيار/2014 - 14/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م