حماس للابتعاد عن انتكساتها.. صفقة صلح مصالح

 

شبكة النبأ: الحديث عن قرار "حماس" في الدخول مع مصالحة تجمعها "بفتح" لم يأتي بصورة اعتباطية، فقد أشار محللون الى عملية المصالح قد تأتي ضمن صفقة اتفاق المصالح بين الطرفين.

فحماس عانت الكثير من الانتكاسات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بعد احداث الربيع العربي، وبالتحديد بعد ان غيرت تحالفاتها الاستراتيجية مع سوريا وإيران لصالح قطر والتنظيمات المقاتلة ضد نظام الأسد، وقد أفادت جهات مطلعة ان حماس دخلت بصورة مباشرة في الازمة السورية من خلال مشاركة مقاتليها ميدانياً في العديد من المعارك الحاسمة ضد النظام، الامر الذي قلب موازين الشراكة بعيدة الأمد مع إيران وسوريا، وهما اقوى حليفين لحماس.

كما ان صعود نجم الاخوان المسلمين للحكم في مصر، ودعم حماس وقطر المطلق له، جاء بنتائج عكسية، سياسيا واقتصادياً، ضد حماس بعد الإطاحة بحكم الاخوان على يد الجيش واغلاق المعابر والانفاق من الجانب المصر، إضافة الى اعتبار حركة حماس من الحركات التي تدعم الإرهاب في مصر، وأصبحت بين ليلة وضحاها حركة غير مرغوب بها على الأراضي المصرية.

بالتأكيد حماس محاصرة بعد ان خسرت على جبهتين، السورية والمصرية، وهي اليوم تعاني أزمات خانقة، من دون وجود متنفس حقيقي لها، ربما لإعادة تجميل صورتها الجهادية، وإعادة مراجعة الحسابات من جديد، وقد تمثل المصالحة مع فتح طوق نجاة حقيقي لها.

محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، والذي تعرضت مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي برعايته أمريكية الى نكسة جديدة، يحاول احداث ما يشبه "الصدمة" لصناع القرار في تل ابيب، وايصال بعض الرسائل عن قدرة المفاوض الفلسطيني، وما تحتويه جعبته من مفاجئات قد تغير المعادلات الإسرائيلية، سيما وان توقيع عباس على طلبات الانضمام الى العديد من المنظمات الأممية، والمصالحة مع حماس التي لا تعترف بإسرائيل، تأتي في هذا السياق الضاغط.

ويبدو ان هناك العديد من الأسئلة التي تبحث لنفسها عن إجابة، لعل أبرزها يتمثل في مدى جدية الاتفاق بين الحركتين؟، وهل هو اتفاق مصالح قد ينتهي في أي لحظة؟ خصوصاً وان الجمع بينهما في شراكة استراتيجية قد يبدو بعيد المنال؟.

في سياق متصل قالت حكومة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة انها خففت الحظر على صحف فلسطينية تنشر خارج القطاع كلفتة مصالحة لحركة فتح في إطار اتفاق المصالحة الذي أبرم بينهما مؤخرا، وتأتي هذه الخطوة بعد يومين من التقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم حركة فتح التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية بخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة في أول محادثات بينهما منذ أن اتفق الطرفان على تشكيل حكومة توافق وإجراء انتخابات.

وكان كل جانب يحظر الصحف التي تنشر لدى الجانب الاخر منذ فوز حماس في الانتخابات التي جرت عام 2006 واقتتال الجانبين في العام التالي الذي انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة وظلت فتح في مقر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وقوبلت عودة صحيفة القدس وهي كبرى الصحف الفلسطينية توزيعا في الضفة الغربية بحماس شديد من جانب سكان غزة الذين كانوا يتخاطفون نسخها من الاكشاك التي تبيعها.

وقال إيهاب الغصين المتحدث باسم حكومة حماس في غزة "نحن نتخذ خطوات تهدف إلى انهاء حقبة الانقسام البغيض وبهدف دفع عملية المصالحة الى الامام"، وأضاف "نحن نحث السلطة الفلسطينية ان تقوم باتخاذ خطوات مماثلة في الضفة الغربية"، ولم يرد تعليق فوري من السلطة الفلسطينية وما اذا كانت ستقوم بدورها بتخفيف القيود.

وتريد حماس من فتح ان ترفع الحظر المفروض في الضفة الغربية على صحيفتين مؤيدتين للحركة الاسلامية وعلى صحيفة ذات صلة بحركة الجهاد الإسلامي، وقالت حماس انها ستنتظر ردا مماثلا من ادارة عباس قبل ان تسمح بدخول صحيفتين رئيسيتين أخريين محظورتين، وصحيفة القدس هي صحيفة مستقلة تحوي مقالات تنتقد قطاعا واسعا من الاحزاب السياسية وتطبع في القدس الشرقية.

وأغضب اتفاق المصالحة الذي أبرم في 23 ابريل نيسان ويقضي بتشكيل حكومة خلال خمسة اسابيع يعقبها انتخابات عامة بعد ستة اشهر اسرائيل التي علقت محادثات السلام المتعثرة مع عباس التي ترعاها الولايات المتحدة، وتصنف اسرائيل والولايات المتحدة حماس على انها منظمة ارهابية.

كما قالت وزارة الداخلية في حكومة حماس في قطاع غزة إنها أفرجت عن ستة سجناء من حركة فتح في إطار اتفاق المصالحة الفلسطينية، وقالت مصادر أمنية في حماس إن الستة المفرج عنهم كانوا يقضون عقوبات بالسجن عن "جرائم أمنية"، ويقول مسؤولون في حركة فتح إن أكثر من 40 من أعضاء حركتهم ما زالوا في سجون قطاع غزة بينما تقول حماس إن المحتجزين لديها يقل عددهم عن 20. بحسب رويترز.

واحتجز كل من الجانبين عددا كبيرا من أنصار الجانب الآخر منذ أن فازت حركة حماس بانتخابات عام 2006ـ وطالب عيسى نشار مستشار رئيس الوزراء في حكومة حماس في غزة عباس بالرد بخطوة مماثلة بالإفراج عن معتقلين من حماس، وقال في بيان إن على عباس والسلطة الفلسطينية توفير أجواء إيجابية للمصالحة ووقف ممارسات قوات الأمن الفلسطينية.

وتقول حماس إن العشرات من نشطائها معتقلون في سجون الضفة الغربية، وأدى انعدام الثقة إلى فشل اتفاقات سابقة لإنهاء الخلاف حيث يجد الجانبان صعوبات في التوفيق بين التزام حماس بمحاربة إسرائيل وخيار عباس التفاوض معها.

اختبار اتفاق الوحدة

فيما احتشد أكثر من ألف من مؤيدي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مسيرة في شوارع مدينة رام الله في الضفة الغربية في اختبار لاتفاق مفاجئ للمصالحة أبرم مؤخرا، وسار الحشد في رام الله العاصمة الفعلية للسلطة الفلسطينية في جنازة من مسجد لناشطين اثنين من حماس قتلتهما إسرائيل عام 1998، وأفرجت السلطات الإسرائيلية عن رفاتهما.

وكانت الجنازة واحدة من أكبر التجمعات التي تنظمها حماس منذ أن اصطدمت مع حركة فتح في عام 2007، وأدى ذلك إلى سيطرة حماس على غزة، وصارت الشكوك المتبادلة والاعتقالات أمرا معتادا منذ ذلك الحين.

وقال محمد وهو أحد المشيعين بينما كان يحمل ابنه الذي يلوح بعلم حماس "كانت تمارس علينا ضغوط ورقابة منذ وقت طويل، وآمل أن تكون هذه بداية شيء جديد، لا نريد إلا أن نعيش كشعب واحد، محادثات السلام مع إسرائيل أخفقت على مدى عقود، وأعتقد أن علينا الاحتفاظ بحقنا في المقاومة، ولكني أؤيد أن نتوصل سويا إلى سبيل للمضي قدما".

وبينما تعهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن تدعم الحكومة الجديدة سياسة السعي من أجل إحياء محادثات السلام بغرض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية بجانب إسرائيل فإن حماس تقول إنها لن تعترف أبدا بإسرائيل.

وعبر عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المنحل منذ فترة طويلة عن تفاؤله المتزايد لكنه قال خلال الجنازة "الفجوة لا زالت كبيرة بين الطرفين الذين لديهما اجندة مختلفة"، وتقول حماس منذ وقت طويل إن لفتح يدا في مقتل الأخوين عادل وعماد عوض الله اللذين دفنا اليوم، وتنفي فتح ذلك.

وراقبت القوات الفلسطينية عن كثب المسيرة التي كان فيها من يرتدون أقنعة وبعضهم رفع لافتات كتب عليها "الثأر" و"إضرب تل أبيب"، ووزع أنصار فتح بيانا على الحشد يحذر من الانقسام، وقال البيان "يا أبناء شعبنا العظيم تدعوكم حركة فتح، إلى المحافظة على هذه الأرواح محذرين من استغلال أي موقف في التفريق بين أعضاء الجسد الفلسطيني الواحد ونحن نعيش اليوم أجواء المصالحة الوطنية".

من جهته قال محمود الزهار المسؤول السياسي الكبير في حركة المقاومة الاسلامية إن اتفاق المصالحة الفلسطينية لن يؤدي إلى اعتراف حماس بحق إسرائيل في الوجود ولا إلى خضوع أي نشطاء في غزة لسيطرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقال الزهار إن حماس التي تدير شؤون قطاع غزة في انتظار أن يشكل عباس حكومة وحدة وطنية لكنه أضاف أن الرئيس الفلسطيني يتمهل في ذلك سعيا للتغلب على معارضة الولايات المتحدة واسرائيل.

وقال الزهار أحد أكثر الشخصيات تأثيرا داخل حماس إن عباس لم يقرر السعي للمصالحة إلا نتيجة فشل المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة في إحراز اي تقدم وتوقع أن يتمهل الرئيس الفلسطيني في تشكيل الحكومة التي ستكون حكومة كفاءات.

وأضاف "إنه يحاول تجاوز موجة هائلة من الضغط، نحن في الانتظار" مشيرا الى أن حماس سلمت بالفعل قوائم باسماء الوزراء المحتملين، ورأى الزهار ان عباس يستخدم اتفاق المصالحة للضغط على اسرائيل لكنه في ذات الوقت قلق إزاء تهديد الولايات المتحدة بتعليق مساعدات قيمتها مئات الملايين من الدولارات.

وقال الزهار في منزله المحاط بحراسة مشددة "إنه يسعى إلى ضمانة لاستمرار الدعم المالي الأمريكي"، وفي مسعى لطمأنه حلفاء غربيين قال عباس إن الحكومة الجديدة ستعترف بإسرائيل وتلتزم بالمعاهدات السابقة، ولكن الزهار نفى ذلك ووصفه بأنه لفتة جوفاء قائلا إن الوزراء سيكونون أكاديميين ليست لهم صلاحيات سياسية.

وأضاف الزهار الذي شارك في مفاوضات المصالحة "عباس لا يقول لهم الحقيقة، يقول هذه حكومتي، لكنها ليست حكومته، إنها حكومة وحدة وطنية، إنه يروج لها بهذه الطريقة لتقليل الضغط".

وكانت قادة من حماس قالوا في وقت سابق إن الحركة يمكن ان تعيش بسلام إلى جانب اسرائيل إذا قامت دولة فلسطينية على كل الأراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 على الرغم من ان ميثاق تأسيس حماس في عام 1988 يدعو لتدمير اسرائيل واستعادة كل فلسطين وفقا لحدود الانتداب البريطاني، لكن ما زالت حماس تقول إنها لن تعترف رسميا بإسرائيل.

ويأتي اتفاق المصالحة بعد سلسلة من المحاولات السابقة الفاشلة للتغلب على الشقاق العميق الذي أضر كثيرا بالمشهد السياسي الفلسطيني، ونحى الاتفاق الذي تم التوصل اليه خلال بضع ساعات جانبا واحدة من أكثر القضايا حساسية وهي الجهة التي ستكون مسؤولة عن الأمن.

ويضم الجناح العسكري لحماس 20 الف رجل، كما ان هناك قوة أمنية تابعة لعباس تلقت تدريبا على يد قوات غربية وتتعاون في أحيان كثيرة مع الجيش والشرطة الإسرائيليين في الضفة الغربية وهي الممارسة التي وصفها الزهار بأنها "مخزية"، وقال الزهار إن حماس ستظل مسؤولة عن قوة الأمن التابعة لها بغض النظر عن الاتفاق الأخير وأيا كان من سيفوز بالانتخابات العامة المقرر إجراؤها في وقت لاحق من العام الحالي.

وأضاف بينما كان جالسا بحوار صورة لأحد ابنيه اللذين قتلا في هجومين اسرائيليين "لن يمس أحد الأجهزة الأمنية في غزة، لن يستطيع أحد المساس بشخص واحد من الجناح العسكرين، لم يطلب أحد هذا".

وصعد نجمها حين فازت جماعة الاخوان المسلمين بكل الانتخابات التي جرت في مصر بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في انتفاضة شعبية عام 2011 لكنه اتجه للأفول بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي المنتمي للجماعة إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه، وتشن الحكومة المدعومة من الجيش حملة على حماس.

ودمرت المئات من أنفاق التهريب بين غزة ومصر مما عمق الحصار الإسرائيلي لغزة، وقال الزهار إن الانقسامات في مصر "كارثة" للمنطقة، وأقر بأن العلاقات التي كانت وطيدة مع ايران لم تتعاف بالكامل بعد أن رفضت حماس مساندة الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية ببلده، وأضاف "علاقتنا جيدة (مع ايران) لكنكم تعلمون أن المشكلة السورية لا تزال عاملا مؤثرا، الاتصال لم يعد كما كان"، رافضا الحديث عن تفاصيل التمويل الايراني لحماس.

وقال بعض المحللين السياسيين إن المشكلات التي تواجهها حماس على المستوى الدولي دفعتها نحو إحياء اتفاق المصالحة مع فتح لكن الزهار قال إن عباس الذي انتهت فترة رئاسته قبل خمس سنوات فعل ذلك لأن محادثات السلام مع اسرائيل لم تحقق أي نتائج، وقال الزهار "إنه ضعيف جدا". بحسب رويترز.

وتكررت الاشتباكات بين حماس واسرائيل وخاضتا حربين في أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 ثم في 2012، وانتهت المواجهة الأخيرة بهدنة أسفرت عن شهور من الهدوء النسبي، وزادت وتيرة إطلاق الصواريخ من حين لآخر من غزة على إسرائيل في بداية العام وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن عدم الالتزام باتفاق التهدئة.

لكن الزهار قال إن حماس غير مسؤولة عن كل الهجمات الصاروخية واتهم بعض الجماعات الصغيرة بالسعي لزعزعة استقرار غزة حتى اثناء عقد اتفاق الوحدة مع عباس، وقال الزهار "لماذ أطلق 20 صاروخا على اسرائيل حين وقعنا الاتفاق؟ لم تكن حماس من فعلت ذلك، لم يكن هذا لأسباب فلسطينية، كان ضد المصالح الفلسطينية، المصالح الفلسطينية تقتضي إبرام اتفاق المصالحة"؟.

الفقر يحاصر غزة

من جانب اخر لم تكن الحياة بهذه القتامة قط لأسرة مصطفى المكونة من سبعة أفراد يتكدسون في بيت رث من غرفتين في مخيم جباليا بقطاع غزة، فبعد حصار اسرائيلي مستمر منذ سبع سنوات وحملة مصرية خانقة بدأت قبل عشرة أشهر تبخر النمو الاقتصادي في غزة وقفز معدل البطالة إلى نحو 40 في المئة بنهاية العام الماضي.

ودفع خلاف حركة حماس الاسلامية التي تدير القطاع مع جيران القطاع إلى فرض حجر على غزة قطع الصلة بين سكانها وعملية السلام المتعثرة وتترك لهم المجال لتحميل المسؤولية لعدد كبير من الأطراف.

وتعيش أسر مثل أسرة مصطفى على مساعدات الامم المتحدة وما توزعه من أرز وطحين (دقيق) ولحوم معلبة وزيت دوار الشمس وخدمات محدودة للرعاية الصحية ومياه الشرب النقية، وتبدو هذه الأسر وكأنها من اللاجئين الدائمين من أراضي الأجداد التي أصبحت الآن جزءا من اسرائيل إذ لا تملك مالا ولا وظائف ولا أمل.

وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تتولى تزويد اللاجئين بالغذاء والمسكن إنها الان تتولى تغذية نحو 820 ألفا بزيادة 40 ألفا عن العام الماضي، ويقدم برنامج الغذاء العالمي مساعدات غذائية لنحو 180 ألفا آخرين من سكان القطاع.

وأكثر من 1.2 مليون فلسطيني من بين سكان القطاع الذين يبلغ عددهم 1.8 مليون نسمة لاجئون أو من نسل لاجئين فروا أو أرغموا على ترك أراضيهم التي أصبحت جزءا من إسرائيل في حرب 1948، وبمرور السنوات اشتدت قبضة الاحتلال أو خفت عبر الحروب والانتفاضات، وببطء تحولت مجموعات الخيام إلى مبان خرسانية لتتحول إلى ثمانية مخيمات حيث فرص التغيير محدودة وضيقة ضيق أزقة المخيمات.

وقال سكوت اندرسون نائب مدير العمليات في أونروا مشيرا إلى أن مستوى الاعتماد على المساعدات في غزة ليس له مثيل يذكر في العالم "غزة تبدو وكأنها في حالة انحدار متواصل في وهد الفقر وتدهور الاقتصاد"، وقال "من حيث الصدمة الاقتصادية للسكان ربما كانت سيراليون هي المكان الوحيد الذي يمر فيه الناس بما يمر به سكان غزة على أساس يومي".

وتطحن الأزمة أكثر سكان القطاع عرضة للتأثر بالوضع الاقتصادي لا بين الفقراء فحسب بل والمرضى أيضا، ورغم أن مؤشرات الصحة الاساسية والاقتصاد تفوق مثيلاتها في جانب كبير من أفريقيا فإن تزايد مستوى الاعتماد على المساعدات والاحساس بالعجز عن الحركة لهما أثرهما المتواصل، وقالت إيمان شنن رئيسة جمعية لدعم مرضى السرطان في غزة إن العلاج أصبح مشكلة كبيرة بسبب قيود السفر المفروضة على الحدود المصرية ونقص الادوية والبيروقراطية.

وقالت شنن التي كانت مصابة بالمرض وشفيت منه "نحن متجهون إلى كارثة، خمس حالات جديدة تأتي إلى المكتب كل يوم، والسرطان لا يقتل بقدر ما تقتل الظروف المحيطة بنا، فالناس يمكنها النجاة من السرطان لكن ليس من هذه" الظروف، ويوجد في القطاع 13 ألف مصاب بالمرض الذي يعد ثاني أهم أسباب الوفاة بين الفلسطينيين بعد أمراض القلب.

وتشكو فرحة الفيومي المصابة بسرطان الثدي وهي من مخيم الشجاعية للاجئين في وسط غزة من ومضات ألم في أسنانها إذ إن الادوية المستخدمة لدرء آثار العلاج الكيماوي على مدى سنوات ليست متوفرة في غزة، وكان المعبر الحدودي إلى مصر المخرج الوحيد للراغبين من سكان غزة في العلاج بالخارج لكنه لا يفتح الان للناس بمن فيهم المرضى إلا يومين تقريبا كل شهر، كما أن تزايد الفقر قلل عدد العابرين.

وقالت فرحة الفيومي الأرملة المنتقبة وهي أم لثمانية أطفال "لم أتمكن من السفر إلى مصر منذ عام ونصف، لا أستطيع توفير نفقات العلاج في الخارج"، وكانت اتفاقيات أوسلو للسلام الموقعة عام 1993 جعلت العلاج أصعب من ذي قبل لسكان غزة لان الجانبين اتفقا على أن العلاج الكيماوي والاشعاعي يمكن أن يكون له استخدامات عسكرية، وقالت شنن بنبرة متشائمة إنه لم يعد في غزة سوى خمسة أطباء من المتخصصين في الأورام.

وفي الاراضي الزراعية بشمال غزة يحمل محمود حركة حماس مسؤولية جانب كبير من المعاناة، ويقول محمود (23 عاما) الذي تخصص في الدراسة لكي يكون كهربائيا ثم تعلم قيادة الشاحنات لكنه لم يجد عملا لا في هذا ولا ذاك "هل تتغير الأمور بالنسبة لجماعتهم؟ لما بتفتح وظائف جديدة بتكون من نصيبهم".

وتنفي حماس اتهامات بوجود فساد وتقول إنها تحكم بشفافية وتلقي المسؤولية عن مشاكل القطاع الاقتصادية على إسرائيل، ويجلس والد محمود وهو مزارع بجلبابه البني الفضفاض وقد وضع عصاه على ركبتيه في مقصورة مشمسة بجوار بيت الأسرة.

يتذكر الوالد البالغ من العمر 67 عاما البساتين التي كانت في ارضه البالغة مساحتها 180 ألف متر مربع على امتداد حدود اسرائيل حيث كانت تنمو أشجار الزيتون والليمون والبرتقال حول بئر للمياه العذبة.

ولم يبق من البستان الان سوى حديقته الصغيرة بعد أن جرفته اسرائيل وسط أعمال عنف عبر الحدود عام 2008، وفي الحديقة توجد شجرة من كل نوع من الأشجار التي كان يعتني بها لتذكره بما فقده وبالتآكل المستمر للأرض والأرزاق الذي عاشه الفلسطينيون على مر السنين، وجعل تلوث الخزان الجوفي مياهه غير صالحة للشرب وتتكبد الأسرة كلفة تنقيتها.

وقال والد محمود "من بعد ما أغلقوا منطقة أرضي الحياة انتهت"، واضاف "كنا بنبيع فاكهة من أشجارنا واليوم نشتري من مصر ومن إسرائيل، وطبعا هذا حسب الاستطاعة"، والاستياء من عجز القادة شائع بين السكان لكن كثيرين يقولون إن أهل غزة سيقفون وراء حماس بسبب تشددها.

وقال زكريا الشرفا الذي يعمل سائقا وهو يتسلم حصة أسرته من المساعدات الغذائية في مركز مزدحم للتوزيع بجوار مخيم الشاطئ "العالم كله ضدهم، هم ليسوا ملائكة بالطبع ويرتكبون كثيرا من الأخطاء ولكن لو قاموا بالاعتراف بإسرائيل فإن الناس سوف تبصق عليهم وسوف تتبخر شعبيتهم"، وأضاف "أنا لا أرى في الأفق أي ثورة ضدهم مع أني متأكد بأن ذلك هو أحد اهداف الحصار الاسرائيلي ولكنني أقول لا فائدة (من الحصار) فنحن متعودون على ذلك".

أما محمود فيتحسر على التدهور المستمر بسبب الأزمة الاقتصادية وعلى أحلامه التي كان من الممكن أن يحققها، ويقول محمود "في ظل هذا الوضع بيكتر الحقد بين الناس والحسد، في شباب بتعاطي ترامادول وهناك سرقات، هذه الشغلات ما كانت تحصل"، واضاف "وانت شاب بتصدير تفكر هل لما أكبر راح أكون قادر أعمل أكتر، هل العالم راح يكون مفتوح أكتر أمامي، لكن هنا كلما كبرنا نشعر بأن مشاكلنا أيضا تكبر معنا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/آيار/2014 - 13/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م