السعودية وهاجس انقلاب داعش

 

شبكة النبأ: ليس من السهل تصور حجم المخاوف والهواجس التي تقضّ مضاجع البلاط الملكي في السعودية، بسبب تغوّل الارهاب الطائفي الذي تكوّن وترعرع على يد المخابرات السعودية، واحتمال انقلابه على ولي النعمة، بعد استشعاره العميق بوجود خطة لتصفيته والتخلص منه تدريجياً.

المراقبون يتساءلون عما اذا كنا أمام تكرار تجربة "مجاهدي المخابرات الامريكية" في افغانستان، وهذه المرة في سوريا، وأبطالها تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، الذي وصفته وسائل الاعلام بـ "داعش"؟، تتوالى التصريحات والمواقف من غير مسؤول سعودي يتبرون من علاقتهم بالجماعات الارهابية، ويتراجعون فيها عن فتاوى التكفير والتعبئة الطائفية طيلة السنوات الماضية. وربما تكون كل كلمة تصدر من هذا المسؤول او ذاك، لاسيما ممن يُسمون بـ "رجال الدين". فبعد رسائل التكفير وتعبئة الشباب السعودي باتجاه العراق، ثم سوريا، بات العالم يسمع دعوات لوقف التدفق عبر الحدود، بل وإطلاق نداءات العفو لكل من غادر السعودية ومارس اعمالاً ارهابية، بل وفعلوا المستحيل لإعادة العديد من المعتقلين من السجون العراقية، حتى وإن كانوا مدانين بتفجير سيارات مفخخة او عبوات ناسفة وتسببوا بمقتل المئات من الابرياء، في محاولة منهم لتعديل الصورة المشوهة في الداخل السعودي بعد سنوات من تجاهل الوضع الاقتصادي الداخلي، والمراهنة على خلق الفتن الطائفية ضمن تنافس اقليمي غير مضمون النتائج، تسبب بخسارة معنوية فادحة للسعودية وشعبها.

وعندما يبدأ التراجع السعودي عن المشروع الطائفي مع تخلّي واشنطن عن خيارها العسكري في سوريا، فمن الطبيعي أن يتطلع "داعش"، في آفاق المرحلة القادمة، وأن لا يكون كبش فداء للعلاقات السعودية- الامريكية بعد تصدّع خطير يعده حكام السعودية خطراً استراتيجياً على مستقبلهم وحياتهم السياسية. لذا نسمع من "داعش" الدعوة لنقل "الجهاد" إلى داخل السعودية (الحجاز) والحديث عن "خلايا نائمة" داخل السعودية. طبعاً؛ بعض المراقبين يرون في هذا الحديث نوعاً من الاستفزاز وعرض العضلات، فاذا لم يأخذه المسؤولون، وعلى رأسهم الملك عبدالله، مأخذ الجد، فان الناس العاديين لن يكون بامكانهم تجاهل هكذا تهديدات، في وقت يعيش المجتمع السعودي بالاساس جملة من الازمات الاجتماعية والاقتصادية،مما يجعله من الهشاشة بأن يمزقه أي تحرك ارهابي حقيقي لـ "داعش" او غيرها في الداخل السعودي.

لذا يمكن القول بان محاولات التبرئة، لن تجد نفعاً، حتى وان تم الكشف عن حقيقة التنظيمات الارهابية، كما كشف عن ذلك الشيخ عبدالله المطلق، المستشار في الديوان الملكي السعودي وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة، عندما تحدث عن فصائل قال إنها "تعمل لخدمة أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية"، تجتذب الشباب السعودي للقتال في الخارج، مضيفا أن الكثير من الشبان الذي يغادرون للقتال يجهلون "حقيقة ما يجري من صراعات خفية". وفي حديث تلفزيوني أضاف المطلق: أنه "يستغرب من أولئك الذاهبين إلى الجهاد ولا يعلمون علماً حقيقياً تحت أي راية يجاهدون، بعدما اختلطت الرايات والأهداف وتداخلت المصالح، وأصبحت التنظيمات التي تدعي الإسلام تحارب بعضها البعض، الأمر يدفعنا للقول أن هناك فصائل تعمل لخدمة أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية".

كيف بوسع شبان يتخلّون عن كل شيء، من اجل شيء يتصورونه مقدساً، أن يفهموا مغزى هذا الكلام؟ فهم يستبدلون الحياة المرفهة والعيش الرغيد بين الأهل والامكانات الوفيرة، مقابل تحقيق حلم "الدولة الاسلامية" في الشام، بعد ان خاب الحلم في العراق. ان التعبئة الطائفية، والإيهام بان "السلفية" هي البديل العقائدي الأكمل والأصح للمسلمين، لاسيما في دول المنطقة، استغرق سنوات طوال، ثم خاضت المجاميع الارهابية بمسميات عديدة في بحار من الدماء في العراق وسوريا طيلة عقد من الزمن، ثم يأتي شخص ويتحدث عن خطأ حصل في الاستنتاج، وأن ما قام به الشبان السعوديون من التدخل في شؤون العراقيين او السوريين،هو عمل خاطئ، إذ لا دخل لهم بما يدور بين الشعوب وأنظمتها السياسية..!.

وقد ذهب السعوديون الى ابعد من ذلك مؤخراً عندما ظهر داعية سعودي على شاشة احدى المحطات السعودية، وهو يلتزم الصمت المطبق على قول مقدم البرنامج الحواري بان "الثورة السورية غير شرعية"! فمن على شاشة "روتانا خليجية"، و"الرسالة"، وعلى الهواء خاطب مقدم البرنامج المشاهدين وفي اللحظات الاخيرة من البرنامج، أن "انقلوا عن الشيخ خالد الشايع أنه يقول: الثورة السورية غير شرعية.. السلام عليكم". لتنتهي الحلقة دون أي تعليق من جانب الضيف. علماً ان الشيخ عاد ونفى انه قال شيئاً من هذا القبيل، وبكل سهولة ألغى كل ما جرى من حوار حول "الثورة السورية" وادانته "إقحام النساء والأطفال والرجال العزل في مواجهة النظام النصيري في بدايات الثورة..".

هذا ديدن رجال الدولة السعودية، فكل شيء عندهم حلال في زمانه ومكانه، وربما يتحول حراماً في زمانه ومكانه الآخرين. هذا على صعيد التصريحات للاستهلاك الداخلي، لكن اذا استشعرت "داعش" أن ثمة تحرك مخابراتي من حكام الرياض باتجاههم او محاولة بيعهم او تحويلهم الى كبش فداء في سوريا مقابل ترميم جسور العلاقات مع الولايات المتحدة، فان هذا لن يمر بسلام على السعودية، الارض والشعب والدولة. فقد نُقل عن المتحدث باسم الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي، بأن جماعات متطرفة لم يذكرها بالاسم "تخطط لاغتيال كبار الشخصيات الدينية والسياسية في المملكة". وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية، فان الرياض وجهت اصابع الاتهام الى "داعش" بالوقوف خلف هذه التهديدات.

هذا الاختلال الخطير في العلاقة بين البلاط السعودي الحاكم ومن ربوهم بين الاموال والسلاح والدعم السياسي، من شأنه ان يضع السعودية في مرمى العمليات الارهابية، بل ويضعها أمام مستقبل مظلم عندما ينقل إرهابيو داعش معركتهم القادمة الى داخل السعودية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/آيار/2014 - 13/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م