شبكة النبأ: في كتابه (لماذا تذهب
الأمم إلى الحرب) يشير يوحنا جـ. استو سينجر، إلى أن كلا الطرفين
المتقاتلين يدعيان أن الأخلاق هي مبرر قتالهم، ومثل هذه التسمية تعبر
عن اهتمامات أخلاقية (الحرب هي مرض اجتماعي)، والبعض الاخر يعبر عن
مقاربات قانونية (الحرب هي محكمة الامراء)، او سياسية (الحرب هي ملاحقة
السياسة بوسائل اخرى).
وينص (استوسينجر) أيضا على أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد
على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى
التصورات الخاطئة لنوايا العدو.
والتعريف الاكثر بداهة للحرب انها مواجهة عسكرية بين دول (صراع مسلح
قائم بين القوات العسكرية التابعة لوحدات سياسية مستقلة).
و(الحرب هي صراع بين دول ذات سيادة هدفها الحصول بالقوة على اخضاع
الخصم، انها صراع بين قوات منظمة عسكريا تخضع لبعض القواعد منذ البداية
حتى نهاية العدوان).
في كتابه (الحرب) قال المنظر العسكري كارل فون كلاوزفيتز عن الحرب
أنها "عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم على وسائل
مختلفة." وتعد الحرب هي عبارة عن تفاعل بين اثنين أو أكثر من القوى
المتعارضة والتي لديها "صراع في الرغبات" ويستخدم هذا المصطلح أيضا
كرمز للصراع غير العسكري، مثل الحرب الطبقية.
للحرب كيانها الثقافي، كما يقترح كلود ليفي شتراوس في اقتراح تفسير
(ثقافوي) للحرب يدخل ضمن نظرية عامة للمجتمعات التقليدية.
ممارسة الحرب ليست مرتبطة بنوع وحيد من التنظيم السياسي أو
المجتمعي. بدلا من ذلك، كما تمت مناقشته من قبل جون كيغان في تأريخه
للحرب، فإن الحرب هي ظاهرة عالمية، وشكلها ونطاقها يحددها المجتمع الذي
يقوم بها. تمتد سير الحرب على طول سلسلة متصلة من الحروب القبلية شبه
العالمية والتي بدأت قبل التاريخ المسجل الإنسان، ثم إلى حروب بين
المدن أو الأمم أو الإمبراطوريات.
تجادل احدى مدارس الفكر على أن الحرب يمكن أن ينظر إليها باعتبارها
نموا للمنافسة الاقتصادية في ظل نظام دولي تنافسي. في ضوء هذا الطرح
فإن الحروب تبدأ نتيجة للسعي لامتلاك أسواق الموارد الطبيعية والثروات.
في حين أن هذه النظرية قد تنطبق على العديد من الصراعات، فإن الحجج
المضادة تصبح أقل صلاحية بسبب الحراك المتزايد لرؤوس الأموال
والمعلومات عن مستوى توزيع الثروات في أرجاء العالم، وتعد الاختلافات
في الثروات، بشكل نسبي وليس مطلق، هي وقود الحروب. هناك من هم في أقصى
يمين الطيف السياسي الذين يقدمون الدعم، الفاشية على وجه الخصوص، من
خلال التأكيد على أنه الحق الطبيعي للقوي لأن الضعيف لا يمكنه المقاومة
بالقوة. والبعض من الوسط، والرأسماليين، من قادة العالم، بمن فيهم
رؤساء للولايات المتحدة وجنرالات الولايات المتحدة أعربوا عن تأييدهم
لوجهة النظر الاقتصادية للحرب.
في مقاربته لموضوعة الحرب، وهي تندرج لدى المرجع الديني الراحل
الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) تحت عنوان اوسع من تلك الكلمة
وهو (العنف) والذي يرفضه الامام الراحل جملة وتفصيلا تحت أي ظرف من
الظروف، ويقترح بدلا من ذلك نظرية (اللاعنف) التي تقود الى السلم
المطلق.
منذ البداية يقطع الامام الراحل أي تفكير بالجدل حول موقفه من
الحرب، فهي برايه (أسوأ شيء عرفه الإنسان في تاريخه الطويل)؛ وسبب هذا
الرفض المطلق هو ما تسببه الحرب من (قتل الإنسان ونقص أعضائه، وفقد
قواه وتشويهه، كما توجب هدم العمران، وإثارة البغضاء والشحناء بين
البشر، وإيراث الأجيال العقد النفسية)..
يعتقد الامام الراحل ان (التفرقة شرارة الحرب) التي توقد بها، وهي
(أساس كل تأخر، ونشوب أغلب النزاعات الدامية).
في موقفه الرافض للحرب جملة وتفصيلا، وتحت أي ذرائع يستدعيها
المتحاربون فيما بينهم، سياسية او اقتصادية او اجتماعية، ومنهم من يذهب
بعيدا ويجعل للحرب فوائد وايجابيات اكثر من سلبياتها، فان الامام
الراحل، في موقفه الرافض للحرب ينطلق من الاثار والمشكلات التي تخلفها
وراءها اصوات قعقعة السلاح بعد ان تتوقف، وهذه الاثار والمشكلات كثيرة
متعددة، منها الاثار الاجتماعية وهي: (تيتّم الأطفال - ترمّل النساء -
تصدّع الأسرة وتفتتها - شيوع الفقر والحرمان - تفسّخ المجتمع وتشتته -
انتشار الخيانة والرذيلة).
ومنها الاثار الاقتصادية وهي: (هدم الأبنية والعمارات - فساد الأرض
وفقد صلاحيتها للزراعة - حرق المحاصيل الزراعية - غلاء الأسعار والأجور
- قلّة البضائع والخدمات - تحطيم الصناعة والاقتصاد). ومنها الاثار
الجسدية والصحية النفسية وهي: (التشوهات الجسدية من نقص الأعضاء
والأطراف - شيوع الأمراض المختلفة - التشويهات العقلية من الجنون وتوتر
الأعصاب التي تبقى إلى جيل وأكثر). ومنها الاثار الاخلاقية وهي: (سوء
الخلق - ظهور العداوة والبغضاء بين الناس - ظهور الفساد والتفسخ الخلقي
- إشاعة الفحشاء والمنكرات).
واثار اخرى غير ذلك من قبيل (قتل الأبرياء - صرف قوى البناء في
الهدم سواء قوى البناء البشرية أو غير البشرية - تأخر البلاد والعباد -
تقهقر العلم والثقافة - انهدام النظام).
في رؤيته لتقديم بديل عن الحرب، حتى في حالة انسداد الافق السياسي
كما يتصور الكثير من السياسيين، وهو ما يدعوهم الى الحروب، فان الامام
الشيرازي يقترح لأجل انتهاء الحروب في العالم واحلال السلم والسلام
بديلا عنها، (أن تبدل مصانع الأسلحة إلى مصانع للأغراض السلمية).. ويرد
على المجادلين في فوائد الحرب من حيث قدرة تلك المصانع على تشغيل
الالاف من الايدي العاملة، بان (كثيراً من هؤلاء يمكن أن تستوعبهم
المصانع التي تعمل للأغراض السلمية، كما يمكن وضع مناهج للإسكان
والصحة، وغير ذلك.. فإذا فرض أنه بقي فائض من العمال، ليس لهم عمل، فلا
يستلزم ذلك بطالتهم، لأنهم يشتغلون بالعلم والعبادة والأسفار، بعد
توزيع العمل عليهم، وعلى غيرهم). |