الثقافة للجميع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ربما يتصور البعض، أن الثقافة شيء نخبوي جمالي، يتعلق بشريحة معينة من الناس، او بالطبقة الارستقراطية التي تنظر للثقافة وكأنها أمر كمالي، لابد منه لكي تكتمل الصورة!، في حين أن الواقع يؤكد على أن الجميع، من دون استثناء، هم بحاجة للثقافة، بل الثقافة هي حق من حقوق الانسان، لا يصح حرمانه منه، مهما كانت الاسباب او التبريرات، لسبب بسيط، يتعلق باكتمال شخصية الانسان، و وعيه، بمعنى أوضح، إذا حُرم الانسان من الثقافة لأي سبب كان، فإنه سوف يتعرض لنقص في المعرفة، وهذا بدوره يتسبب في خلل في الفكر وطبيعة السلوك، ومن ثم شبه عجز أو خطأ في معالجة المصاعب والمشكلات التي تواجه الانسان، أياً كان نوعها أو مصدرها.

وقد يُطرح تساؤل في هذا الصدد، مفاده، هل الثقافة عامل مساعد على طرح البدائل والمعالجات، للمصاعب التي تواجه الفرد والمجتمع؟، الاجابة قد تكون على النحو التالي من وجهة نظر شخصية بطبيعة الحال، فالثقافة هي التي تضخ الافكار الى العقل، محملة بمنظومة قيم ومسارات تكتنز بمحمولات اخلاقية ذات بعد انساني متطور، ينطوي على سمات التعاون المتعارف عليها، ومنها التعايش والاحترام وقبول الاخر وتقدير الرأي والتكافل والتسامح وما شابه، فهذه القيم كلها نتيجة حتمية للثقافة.

لذا عندما تختفي الثقافة وتُحجَب عن الانسان لأي سبب كان، فإنه سوف يتعرض للجهل، ومن ثم قلة الوعي، وهذا بدوره يقوده الى الضعف والعشوائية في معالجة المصاعب والمشكلات التي تعترض سبيله، الامر الذي يقود الى جملة من التعقيدات التي تواجه الانسان في معظم تفاصيل حياته، فضلا عن عجزه في الحصول على حقوقه السياسية، او محافظته على الحقوق المدنية كما هو الحال لدى المجتمعات المثقفة او المتمدنة.

لهذا السبب تحديدا، تعمل الانظمة السياسية الدكتاتورية، على حرمان شعوبها من الثقافة، حتى تسهل قيادتها وفق مصالح النظام السياسي، وحماية عرشه من السقوط، على الرغم من ادارته للدولة بطريقة، تحرم الناس من ثرواتهم، وحقوقهم السياسة، مثل الانتخابات واختيار الحكومة وما شابه، من هنا فالثقافة حق للجميع، لا يصح اهماله، أو تجاوزه، كونه السبيل الاقصر والاسرع لنشر الوعي بين صفوف عامة الناس، حتى تعرف حقوقها، وتحافظ عليها، من خلال مطالبة النظام السياسي بتحقيقها، عبر وسائل ضغط كثيرة، تتصدى لها جماعات الضغط، ممثلة بالاحزاب السياسية، والمنظمات والمؤسسات المعنية بهذا الامر.

ربما يعتقد بعض المثقفين ايضا، أن الثقافة حكرا عليهم، وهو تصوّر غير صحيح بطبيعة الحال، لأن دور المثقف أساسا، هو نشر الثقافة بكل السبل المتاحة له، بين عموم طبقات وشرائح ومكونات المجتمع، بغض النظر عن التسميات والعناوين، فإذا كانت هذه هي مهمة المثقف، إذن لا يصح أن يدّعي بعض المثقفين، بأن الثقافة لا تخص الجميع، أو أنها أمر كمالي جمالي، لا يشمل عامة الناس!.

لكن الثقافة لها علاقة وثيقة بالجانب المعرفي، وهذا بدوره حق اساسي من حقوق الانسان، يشمل التعليم، وتشكيل الوعي السليم، للتعامل مع الايجابيات والسلبيات بصورة عامة، حتى يتمكن الانسان من خلق البيئة الحياتية التي تناسبه، وتصون حرمته وكرامته وحرياته كافة.

من هنا، لابد أن تتحرك الجهات المعنية الحكومية: (كوزارة الثقافة)، والجهات الأهلية المعنية بنشر الثقافة، منها مثلا (منظمات المجتمع المدني/ والنقابات/ والاتحادات/ والمؤسسات الثقافية)، وتعمل بجدية وتنظيم وتخطيط، على نشر الثقافة عبر السبل المتوافرة، والاستفادة القصوى من وسائل الاعلام كافة لتحقيق هذا الهدف الثقافي المعرفي لعموم افراد ومكونات المجتمع.

كذلك تشترك جهات اخرى في هذا الجهد الذي يهدف الى جعل الثقافة متاحة للجميع، منها على سبيل المثال، المدارس/ والجامعات/ وأماكن الدراسة كافة/ كالمكتبات العامة/، ولابد من اقامة الدورات التثقيفية التي يتم تقديمها بطريقة منظمة ومخطط لها، بالاضافة الى الندوات المدروسة، والمهرجانات، والمؤتمرات ذات الجدوى الحقيقية والمخطط لها، خدمة للعقل ونشر الفكر والمعرفة وجع الثقافة متاحة للجميع من دون استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/آيار/2014 - 12/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م