فنادق.. فخامة معمارية لاستدامة السياحة

 

شبكة النبأ: يعد القطاع الفندقي أحد أهم أركان السياحة في جميع دول العالم، باعتباره مصدرا مهما لتنشيط وتحفيز السياحة من خلال اجتذاب اعداد اضافية من الزبائن والسواح، لذا فقد اصبح الاهتمام بتطوير الفنادق والعمل على تحديثها من اولويات العديد من الدول والشركات المتخصصة وأصحاب رؤوس الأموال الساعين الى توسيع عملهم السياحي في بعض اهم المواقع العالمية كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على ان النشاط الفندقي والذي يتمتع بخصائص وأنظمة وقوانين وسياسات خاصة، قد دخل اليوم في سباق تنافسي شديد في مجال تقديم الخدمات الفندقية وتطويرها وإدخال أحدث وسائل التكنولوجيا والإدارة الحديثة لها، هذا بالإضافة الى التغيرات الهندسية والمعمارية المميزة التي تخص جمالية التصميم والتفرد الذي قد لا يخلو من الغرابة والابداع الفني.

وتعود بدايات تطور صناعة الفنادق إلى العصور الوسطى لما عرفته هذه الحقبة من ظروف اقتصادية وتجارية وصناعية، الشيء الذي ساهم بشكل كبير في انتشار الفنادق في المدن، وهذا الانتشار صاحبه تطور في طرق الموصلات ووسائل النقل وغيرها من الامور الاخرى. كما ان هذه قد ترتبط ببعض الذكريات والاحداث التاريخية المهمة التي تجعل منها شاهد مميز ومعلم تاريخي لا يمكن الاستغناء عنه.

إذ نشاهد الكثير من السياح من يصر في البحث عن أرقى وأفخم الفنادق لقضاء إجازته، و هذا طبعاً سيكلفه الكثير من المال، وربما المال لا يساوي شيئاً حتى تنفقه.. هذه الفلسفة هي التي تقف وراء الأشياء والفنادق الباهظة الثمن وربما البذخ أيضاً، ولا شيء يساوي الإنفاق سوى قضاء ليلة في أفخم فندق قد تضر أكثر مما تنفع اقتصاديا.

خدمات مخصصة

وفي هذا الشأن تخيل أنك في إحدى الفنادق التي تتمتع بالنجوم الخمس، فقد تبدو لك جميع وسائل الراحة المنتهية مدتها بعيدة الصلة بمتطلبات الحياة الحديثة. فقد أصبح "الميني بار" مثلا رفاهية بالية، فيما تسبب خدمة الغرف المزيد من المتاعب، بينما يشتكي الزبائن من عدم توفر خدمة "واي فاي." وتسعى الفنادق حالياً إلى تحديث منتجاتها وخدماتها لتتلائم مع جيل الألفية. وحالياً، تعاني الفنادق وجود فجوة بين سوق صناعة الفنادق، واحتياجات جيل الألفية. ولكن، هذا لن يكون الحال لفترة طويلة، إذ تستعد الفنادق لطرح خدمات جديدة تهدف حصراً إلى تلبية احتياجات زبائن الغد.

وسيشهد العام المقبل افتتاح فنادق "موكسي" (ماريوت) و"تومي" و"راديسون ريد،" بالإضافة إلى التوسع في العلامات التجارية الموجودة أصلا مثل فنادق ألوفت (ستاروود) وأنداز (حياة) و"سيتيزن أم" و"إنديغو" (فنادق إنتركونتيننتال). وقال نائب الرئيس ومدير العلامة التجارية العالمية لفنادق "موكسي" راميش جاكسون إن "الفنادق تسعى إلى البقاء على صلة مع متطلبات جيل اليوم والتفكير في استراتيجياتها وتقديماتها لإرضاء شريحة من الزبائن."

ورغم أن الخصوصية والمساحة الشخصية اعتبرت مفاهيم أساسية في سوق صناعة الفنادق لدى الأجيال السابقة، إلا أن الزبائن يسعون إلى خلق أجواء أكثر اجتماعية. وفي هذا الإطار، عمد فندق "راديسون ريد" إلى استبدال العديد من المكاتب الموجودة في الغرف التقليدية، بمفروشات أخرى، مثل أريكة تتسع لأشخاص عدة، بدلا من كرسي لشخص واحد. وقال رئيس العلامة التجارية لـ"كارلسون ريزدور" إن "الشباب نادرا ما يجلسون ويعملون على المكتب، إذ بدلاً من ذلك يرغبون بالتمدد والعمل على السرير، أو الجلوس على كنبة مريحة. ولذلك، قمنا بتصميم هذا الأسلوب من غرف الفنادق."

وأدخل فندق "موكسي،" مجموعة من "المساحات ذات الأجواء المختلفة" في البهو الخاص به، بما في ذلك منطقة هادئة على غرار مساحة "ستاربكس" حيث يمكن لمجموعات من الناس العمل بشكل مستقل، فضلاً عن جدار مخصص للفيديو حيث يمكن للأشخاص أن يتشاركوا الصور الخاصة بهم. أما عندما يتعلق الأمر بسد جوع الزبائن إلى التكنولوجيا، فإن الفنادق ذات العلامات التجارية، تعلم أن خدمة "واي فاي" وحدها لن تساعد بالأمر.

وأشار جاكسون إلى أن "الفنادق تتجاهل متطلبات الجمهور المستهدف إذا لم يكن لديها سرعة إنترنت عالية، ومجانية،" موضحاً أن "الشباب يريدون جلب أجهزتهم الخاصة، ومشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى الخاصة بهم." ويعمد "راديسون ريد" على التخلص من أجهزة التلفزيون في الغرف لصالح شاشات العرض ونظام الصوت المحيطي . بحسب CNN.

ويعبر العملاء عن رغبتهم في المرافق والخدمات عالية الجودة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمرافق الصالات الرياضية، وخدمات الحمامات. ونتيجة لذلك، فإن أحدث الماركات التجارية تسارع لتشكيل شراكات مع الفنادق سواء على المستوى العالمي والمحلي.

أربيل وطهران

في السياق ذاته يبدو أنه مع تألق محاور جوية وفرص سياحية جديدة، فإن بعض أكبر العلامات التجارية للفنادق حول العالم، قد التقطت الفرصة الأفضل للتمدد إلى الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. وتبذل فنادق "هيلتون" و"والدورف أستوريا" و"شانغريلا" كل الاستثمارات الأساسية في المناطق الهادئة مثل إمارة رأس الخيمة، فضلاً عن مواقع ساخنة جديدة مثل جزيرة السعديات، وكلاهما يقع في الإمارات العربية المتحدة .

ولكن، بحسب ما يبدو فإن إحدى الشركات المحلية سبقت شركات عالمية أخرى دخلت لعبة المنافسة في وقت متأخر. وحققت سلسلة فنادق "روتانا" والتي تتخذ من أبوظبي مقرا لها، نمواً كبيراً منذ أن تم تأسيسها من قبل الشركاء التجاريين ناصر النويس وسليم الزير في العام 1993.

وبعدما كانت تمتلك فندقين فقط، في ذلك الوقت، تضم سلسلة فنادق "روتانا" حالياً أكثر من 85 فندق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ووفقا للرئيس التنفيذي الجديد في سلسلة فنادق "روتانا" عمر قدوري، فإن الفوز في المنافسة الدولية والوصول إلى سوريا والعراق والسودان هو مجرد بداية لتنفيذ خطط الشركة، إذ يتمثل الهدف بوجودها بأكثر من ضعف عدد المدن حيث توجد حالياً، بحلول العام 2018. ورغم أن غالبية مشاريع التوسع، ستتخذ مكانا في الشرق الأوسط، إلا أن المشاريع لن تتحدد في هذه المنطقة بالذات. وقال قدوري: "نحن نتحدث إلى الناس في جنوب شرق آسيا، والهند وأستراليا حيث نأمل أن روتانا ستتطور في المرحلة التالية."

ويعتقد قدوري أنه بسبب وجود فنادق "روتانا" في سوق صناعة الفنادق منذ أكثر من 30 عاما، فإنها يجب أن تنافس بعض أكبر الفنادق في مواقع إقليمية مهمة. وأوضح قدوري: "لقد زرت العديد من المدن الكبرى والتي تحتاج إلى الفنادق. ونحن نحتاج أن نروج إسمنا،" مضيفاً: "عندما يأتي المستثمرون المحتملون لرؤيتنا، فهؤلاء سيأخذون بعين الاعتبار الجودة، والتاريخ، والنجوم الخمس."

أما العلامة التجارية لـ"روتانا" في منطقة الشرق الأوسط، فتعطي الفندق القدرة على كسر الأرقام، حيث قد يتردد بقية الفنادق. وافتتحت "روتانا" فندق من فئة خمس نجوم، في عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل. وتتمثل الخطوة التالية بافتتاح فندق في إيران، إذ تعبتر الجمهورية الإسلامية الجائزة الكبرى بوجود حوالي 80 مليون مستهلك .

وقال قدوري إن "إيران لديها سوق كبيرة، ونحن نريد أن نكون من بين الأوائل هناك، وتحتاج بعض العناصر إلى أن تستقر ولكن نحن نأمل أنه بحلول نهاية العام المقبل، وفي وقت مبكر من العام 2016، سنرى فندقنا الأول،" موضحاً أن "من أجل التوسع، فمن المهم الحفاظ دائماً على هوية واضحة وتذكر مكان ولادة العلامة التجارية." بحسب CNN.

واعتبر شاطئ روتانا في أبوظبي، على سبيل المثال، الملكية الأولى في سلسلة الفنادق، ولا يزال يمثل نقطة مرجعية للشركة والإمارات العربية المتحدة. وقال قدوري: "نحن لن نغير كيفية تنفيذنا للأعمال، فقط لأني الرئيس التنفيذي الجديد،" مضيفاً "لدينا نموذج يعمل ونريد أن تبقى على هذا النحو. وفي الأشهر الستة المقبلة، أو بعد عام، سنبدأ بتعزيز التغيير والتبديل."

أطول فندق

على صعيد متصل قد يعتبر هذا الفندق من بين الفنادق التي تمنح شعوراً مميزاً لدى الأفراد بأن الحصول على "منظر على المدينة" يمكن أن يكون أمراً سحرياً. ويدعي فندق "كورتيارد رزيدانس إن سنترال بارك" التابع لفنادق "ماريوت" أنه أطول فندق في أمريكا الشمالية. وافتتح الفندق في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، إذ أن المبنى الذي تبلغ كلفته 320 مليون دولار، ويتكون من 68 منزلاً وفندقين منفصلين، وفناء، وأجنحة للإقامة، تم تشييده في شارع 1717 في منطقة برودواي الأمريكية.

وتقع غرف الفناء التي يبلغ عددها 378 في الطوابق 6 و33، فيما أجنحة الإقامة الـ 261 تقع في الطوابق العليا 37 و65، وتعتبر متاحة للإقامة لخمس ليال أو أكثر. وتطلب الفندق 27 شهراً من أجل بنائه، حيث يقع على بعد حوالي عشر دقائق من "تايمز سكوير." ويقدم الفندق المزدوج خدمة صف السيارات، وحانة، وستة ألاف قدم مربع مخصصة لمساحة الاجتماع، وخدمة "الواي فاي"، المشمولة بسعر الغرفة. بحسب CNN.

ووفقا لمجلس المباني الشاهقة والمساكن الحضرية، فإن الفندق الجديد الذي يبلغ 750 قدماً، يعتبر أطول من فندق "ديتروت ماريوت" الذي يتألف من 727 قدماً. وتجدر الإشارة إلى أن أطول الفنادق في العالم تقع في دبي، حيث يبلغ طول فندق "جي دبليو ماريوت ماركيز" 1164 قدماً.

فندق لوتيسيا

من جانب اخر أغلق فندق "لوتيسيا" الشهير بطراز "ار ديكو" الذي استضاف اجهزة الاستخبارات الألمانية ثم المرحلون العائدون من المعسكرات النازية، أبوابه لأعمال ترميم ستستغرق ثلاث سنوات من شأنها أن تسمح له بالحفاظ على مكانته بين الفنادق الفاخرة جدا التي تشهد منافسة محتدمة في العاصمة الفرنسية.

وكان هذا المبنى المؤلف من سبعة طوابق والمشيد في العام 1910 على الضفة اليسرى لنهر سين حيث تقع دور النشر الكبيرة في باريس ملتقى الأوساط الأدبية. وهو سيخضع لأعمال ترميم تحت إشراف المهندس جان ميشال ويلموت. وقد أثار إغلاق هذا الفندق بعض المشاكل.

فقد احتج طاقم العمل على الخطة التي قدمتها الإدارة للموظفين المئتين وأحد عشر. وتحذو مجموعة "ألروف" الإسرائيلية التي اشترت الفندق في العام 2010 حذو فنادق "كريون" و"ريتز" و"بلازا أتينيه" التي أجرت أعمال ترميم طويلة المدى لمواجهة المنافسة المحتدمة من المجموعات الآسيوية التي تفتح فنادق فخمة في باريس.

وقال الكاتب بيار أسولين الذي خصص للفندق رواية تحت عنوان "لوتيسيا" إن الفندق "كان منذ بداية القرن معلما رئيسيا في منطقة ريف غوش (الضفة اليسرى لنهر سين) وموقعا لإحياء ذكرى الحرب عند الفرنسيين". واتخذت وحدة مكافحة التجسس في الجيش الألماني "لوتيسيا" مقرا لها خلال احتلال باريس في حزيران/يونيو 1940، بحسب ما ذكر الكاتب مضيفا أن اسم الفندق طبع في الذاكرة خصوصا "لأنه الموقع الذي نزل فيه المرحلون الفرنسيون بعد عودتهم" بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر 1945.

وتذكر لافتة موضوعة على الواجهة بأن الفندق استقبل الاشخاص المحررين من المعسكرات النازية. وأخبرت مادلين تيبو التي كانت متطوعة في مركز الاستقبال في نشرة جمعية المرحلين سنة 2004 "كان يحق لهم أن يمكثوا في الفندق لمدة 48 ساعة، لكنهم كانوا يبقون فيه لأوقات أطول في أغلب الأحيان".

وأوضح بيار أسولين أن الفندق "يشكل لبعض الأشخاص الذين عاشوا الحرب إما موقعا يقصدونه أو موقعا يتجنبون زيارته ... وهؤلاء الأشخاص هم في غالبيتهم أناس انتظروا في لوتيسيا أحد أقربائهم الذي لم يعد يوما". وأضاف "أعرف بعض الأشخاص الذين يتفادون المرور حتى أمام مدخل الفندق". بحسب فرانس برس.

وكان "لوتيسيا" قبل الحرب فندق الكتاب، لأنه كان الفندق الفخم الوحيد في المنطقة. وقد نزل فيه جيمس جويس وأنطوان دو سانت إكزوبيري وروجيه مارتان دو غار، حتى أن "أندريه جيد كان يلجأ إليه عندما كان يريد أن ينعم بالهدوء". غير أن الوضع قد تغير بعض الشيء بعد الحرب، لأنه بات يتعذر على الكتاب تحمل تكاليف فندق فخم، على حد قول بيار أسولين.

وذكر في الوقع الإلكتروني للفندق أن الجنرال ديغول أمضى فيه ليلة زفافه سنة 1921. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، انتحر فيه زوجان في السادسة والثمانين من العمر بعدما امضيا فيه ليلتهما الأخيرة. وقد عثرت عليهما الشرطة ممدين على السرير مع كيس بلاستيكي حول الرأس.

ليلة امبراطورية

على صعيد متصل بات بإمكان السياح في فيينا ان يمضوا لياليهم في قصر شونبرون، لينضموا بذلك الى قائمة نزلائه التي تضم ماري انطوانيت وموزار ونابليون وآخرين، وحيث يمكن ان يعيشوا في أروقة وغرف شهدت احداثا تاريخية وفنية كبيرة. وسيصبح هذا القصر مقصدا سياحيا في العاصمة النمسوية، حيث يمكن للزوار ان يقيموا في جناح مطل على حدائق القصر، وان يعيشوا في أروقته.

وتقول بيرجيت ريتبوير من مجموعة فيركيرهرسبورو الفندقية صاحبة الفكرة "انه مشروع فريد من نوعه في اوروبا". ويقع الجناح المخصص للزوار فوق غرفة نوم الامبراطور فرنسوا جوزيف والمكتب حيث كانت زوجته اليزابيث "سيسي" التي اغتيلت في العام 1898، تكتب اشعارها ومذكراتها. وبلغت تكاليف تجهيز الجناح 400 الف يورو، وهو عبارة عن غرفتين وحمامين، وغرفة طعام، ومطبخ صغير.

وادرج قصر شونبرون بحدائقه الغناء، وبحديقة الحيوان فيه وهي الاقدم في اوروبا، على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وهو يجذب ثمانية ملايين سائح سنويا. وتسمى احدى قاعاته قاعة نابليون، اذ استضافت الامبراطور الفرنسي الذي تخلى عن زوجته الاولى جوزفين ليتزوج بأميرة من عائلة هابزبورغ حين احتل فيينا بين العامين 1805 و1809.

وتشهد قاعات اخرى على حفلات موسيقية احياها موزار فيما كان لا يزال طفلا، وذلك في العام 1760 بحضور الامبراطورة ماري تيريز. وتؤرخ إحدى القاعات لحدث توقيع الامبراطور تشارلز الاول في العام 1918 تنازله عن العرش واضعا حدا لحكم عائلته الذي استمر 640 عاما. وشهدت اروقة القصر وغرفه كذلك احداثا تاريخية أحدث زمنا، منها اللقاء الذي جمع الرئيس الاميركي جون كينيدي والزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف.

وقد جرى هذا الاجتماع في قاعة الباليه في القصر. ويبدو ان الجناح الذي سيخصص للزوار، كانت تستخدمه حفيدة فرانسوا جوزيف، الاميرة اليزابيث ماري الملقبة بالاميرة الحمراء، اذ انها انتسبت الى حزب يساري اشتراكي. ولتلبية رغبات الزوار، تم تجهيز هذا الجناح بأجهزة حديثة، منها ثلاثة تلفزيونات ذات شاشات مسطحة. ويقول فرانز ساتليكير المسؤول عن المكان "كان مهما بالنسبة لنا ان نحافظ على الجو الامبراطوري في قصر شونبرون، دون ان ننسى عناصر الحداثة". لكن هذه التجربة التي تتيح الاستيقاظ في قصر منيف قوامه 1441 غرفة، وسط معاملة امبراطورية للنزلاء، ليست في متناول كل الناس. فتعرفة الليلة الواحدة هنا تبدأ ب699 يورو عن كل شخص، دون ان يتضمن هذا السعر فطور الصباح. بحسب فرانس برس.

وتبلغ تعرفة "ليلة شهر العسل" للمتزوجين حديثا 2700 يورو، اما اعلى عرض كلفة فهو مقابل 4900 دولار عن الليلة الواحدة للشخص الواحد، ويتضمن الاقامة والفطور، وغداء يعده طباخ خاص، وجولة في القصر. ويأمل القيمون على المشروع ان يجذبوا السياح الاجانب الاثرياء، ولا سيما من الروس والصينيين والاميركيين الذي يحبون ان يعيشوا تجربة فريدة من نوعها. لكن الحجوزات الاولى حتى الآن سجلها مواطنون من فيينا، بحسب بريجيت ريتبوير.

فندق الموت

الى جانب ذلك فإنها رحلة طويلة تبلغ مدتها عشر ساعات على الطرق الوعرة والمكتظة في الهند، ولكن هذه الرحلة التي يغذيها روح الإيمان، هي أكثر من ذلك. ويحمل الهندي دينيش تشاندرا ميشرا البطانيات الصوفية التي تآكلت بفعل العث، وقد أحضر معه موقد الكيروسين وأدوات المطبخ وبعض الملابس، متأهباً للرحلة الطويلة، ولم يحسب الوقت الذي سيبتعد فيه عن المنزل، تاركاً وراءه زوجته وابنته. ودفع ميشرا ربع معاشه الذي جناه من خلال عمله بالتعليم، لاستئجار السيارة التي أوصلته مع أغراضه فضلا عن والدته، وأخته ووالده المريض من قرية غوبالغانج إلى مدينة فاراناسي الهندية .

ومنذ البداية، لم يكن من السهل عاطفياً أن يأخذ ميشرا والده إلى هذه المدينة بسبب غرض واحد: أي الموت. وقبل عدة سنوات، قضى جد ميشرا أيامه الأخيرة في "بيت التحرير" لموت الحجاج في فاراناسي، وحالياً كانت وجهة ميشرا هي ذاتها، أي منزل الموت "موكتي بهافان،" وهو واحد من اثنين من المنازل المتبقية للأشخاص الذين يصلون إلى المنزل، بعدما يصبح الموت وشيكاً.

ويعتقد الهندوس أن اتخاذ اسم الله والموت في فاراناسي هو تحقيق مفهوم "موكشا"، وهو مصطلح يمكن تفسيره بطرق عدة، ولكن يفهم عادة من قبل الهندوس أنه يعني تحرير الروح، والتحرر من دورة مستمرة لولادة جديدة .

وبحسب اعتقادات الهندوسية، يكتسب الشخص الكارما (نتيجة أفعاله) الجيدة أو السيئة، والتي يمكن أن تؤثر على حياة الهندوس المستقبلية. أما الطائفة الهندوسية التي ينتمي إليها ميشرا، فتعتقد أن الموت بطريقة جيدة في فاراناسي يغفر الكارما السيئة. وحتى القاتل يمكنه تحقيق مفهوم موكشا في هذا المكان بالتحديد.

أما الخلاص فكان هو الأمل الذي كان يدفع ميشرا في رحلته الشاقة. ومع ذلك، لم يكن قرارا سهلاً عليه السفر إلى فاراناسي. ويرى بعض الأشخاص أن الشخص إذا تربى في عائلة هندوسية سيفهم إغراء فاراناسي، والذي يعتقد أنه أقدم مكان مأهول على هذا الكوكب، مثل بابل.

الجو كثيففي المدينة، فضلاً عن الشعور بالجانب الروحي الكبير. أما الرجال الهندوس والذين صبغوا جباههم بالزعفران والزنجفر، فيهيمون على وجوههم في ممرات المتاهة. ويبرز الضوء الخافت لمصابيح الزيت، فيما أصوات أجراس النحاس، يتردد صداها في المعابد الـ3600 في فاراناسي.

وفي هذا الإطار، يسعى المؤمنون والسياح على حد سواء، من جميع أنحاء العالم، إلى تلمس التربة في فاراناسي، والاستحمام في المياه المقدسة في نهر الغانج، والذي يعرف بسمات التطهير من الخطايا. ولطالما عرفت فاراناسي بأنها مدينة الضوء، ولكن، يبدو أن لقب مدينة الموت يلائمها أكثر.

ويكسب سكان المدينة لقمة العيش من الموت، وهؤلاء من بينهم طبقة المنبوذين الهندوس والذي يعملون في مواقع الحرق، فضلاً عن المنجمين والكهنة الذين يتجمعون في النهر. أما، ما يجذب الزوار، وخصوصاً الأجانب، فيتمثل بسحر أن يكونوا شهوداً على عملية الموت. ويدرك الدليل السياحي ناندان أوبدهياي التعادل المغناطيسي، ودوامات الطاقة الكونية التي تدور في فاراناسي. ولكنه دائما على وعي تام بمشاكل القرن 21 التي تعاني منها فاراناسي مثل الفقر والتلوث والاكتظاظ السكاني.

ولفترة سبع سنوات، كرس أوبدهياي نفسه لعمله حيث يأخذ الأجانب في جولات سيراً على الاقدام من مسقط رأسه، فضلاً عن أنه اتقن الطقوس الهندوسية للموت، وقرأ كل قواعد الموت المحددة في النصوص القديمة. ويعرف الجميع في فاراناسي أين يقع "موكتي بهافان"، وهو على العكس ليس مكاناً صحياً ونظيفاً ومشرقاً، بل يقع في ممر ضيق، إلى جانب اثنين من المحلات التجارية لبيع مكبرات الصوت وأجهزة الصوت الأخرى. بحسب CNN.

ويتمتع المكان بمظهر رصين ومظلم للموت، إذ تدخل أشعة الشمس فقط في ذروة الضوء، من خلال الصدوع والتشققات في السقوف، وتلقي الضوء على المليارات من جزيئات الغبار المجهرية في الهواء. وفي الليل، توفر مصابيح الفلورسنت القاتمة القليل من الضوء، وذلك فقط لدى توفر الكهرباء في المدينة.

ويتكون المنزل من 12 غرفة. وأمر مدير "موكتي بهافان" بحايرافناث شوكلا البالغ من العمر 60 عاما، بوضع الأسرة للأشخاص في الممرات والفناء. وقد عمل شوكلا هنا لمدة 43 عاماً. ويأتي الأشخاص من الأمكنة القريبة والبعيدة للموت هنا، إذ جاء ضيوف من بريطانيا، وموريشيوس بحسب ما قال شوكلا. ولكن، غالبية هؤلاء الضيوف يعتنقون الهندوسية ويؤمنون بالقوى الخارقة في هذه المدينة.

رمز العصر الذهبي

من جهة اخرى وفي وسط بيروت، يرتفع مبنى فندق "هوليداي إن" الشهير بجدرانه المثقوبة وهيكله الخاوي، شاهدا حزينا على الحرب الاهلية (1975-1990)، بعد ان كان رمزا لعصر ذهبي مر به لبنان، لكنه خلال اشهر قد يشق طريقه مجددا الى الحياة. وسيطرح المبنى الواقع في المنطقة العقارية الاغلى في بيروت للبيع في مزاد علني بعد ان عجز مالكوه عن الاتفاق على مصيره. ويقول رولان عابديني، رئيس مجلس ادارة مجموعة "سيل" (الشركة العقارية اللبنانية) المساهمة في الشركة المالكة للمبنى، "انه مبنى فريد في موقع فريد... يمتد على مساحة 150 الف متر مربع بينها 110 الاف قابلة للاستثمار في قلب المدينة... من المحزن اننا لا نزال بعد 24 سنة على انتهاء الحرب، لا نرى منه الا هيكلا مهجورا".

ويتناقض وجود المبنى المدمر مع محيطه حيث مجمع "زيتونة باي" المحاذي للبحر والمزدان بناد لليخوت ومطاعم ومسبح، وفندق فينيسيا الفخم، ومبان سكنية باهظة الثمن. وشيد برج الفندق بين 1963 و1964. وكان مؤلفا من 24 طابقا يعلوها مطعم دوار يمكن منه التفرج على كل بيروت ومن ثلاث طبقات تحت الارض، وكان جزءا من مشروع "سانت تشارلز سيتي سنتر" الذي كان يضم ايضا مبنى تجاريا مثلثا ومركز تسوق وصالة سينما. وهجّرت الحرب الاهلية "هوليداي ان" بعد عامين فقط على افتتاحه. ولم يبق في المكان ما يدل على ذاك الماضي الجميل.

والمبنى المثلث اعيد تاهيله لتحتله مجددا مكاتب وشركات ومصارف. اما البرج الطويل فينتصب اعمدة ضخمة واسقفا نخرها الرصاص والقذائف، مع جدران مفرغة واسلاك متدلية، فيما تحولت الطبقة الارضية الى ما يشبه ثكنة للجيش اللبناني مع جنود وآليات. وبقايا زجاج معلقة في اعلى زوايا اعمدة المدخل تشي بالواجهات الضخمة التي كانت تفتح على بهو واسع مع ثريات رائعة تتدلى من اسقف مزخرفة بالجص. ولا تزال احدى الزخرفات ظاهرة للعيان ولو مغطاة باللون الاسود نتيجة حريق ومرور الزمن.

ما عدا ذلك، فناء خال الا من صوت الريح. فالى جانب الاضرار الناتجة عن المعارك والقصف، تعرض المبنى للنهب على ايدي مقاتلين احتلوه في السنوات الاولى للحرب، وعصابات. كل شيء فيه تبخر: الاثاث، الابواب الخشبية والالمنيوم، تجهيزات الحمامات وابواب المصعد، البلاط ومصابيح الانارة... ولم تشمله اعادة الاعمار التي اقامت بيروت من بين الانقاض منذ التسعينات، والسبب، بحسب ما يشرح عابديني، ان "المساهمين الرئيسيين لم يتمكنوا من الاتفاق على كيفية اعادة التأهيل. وتمثلت احدى نقاط الخلاف في ما اذا كان يجب هدمه من اساسه ام ترميمه".

وخلال الايام القادمة، تنتهي مدة الشركة مالكة المشروع التي تساهم فيها "سيل" بنسبة 34 في المئة تقريبا، بينما تملك مجموعة كويتية اكثر من خمسين في المئة من الاسهم. ويفرض القانون طرح ممتلكات الشركة في مزاد علني، في حال عدم الاتفاق على تمديد مدتها. وفي انتظار مصيره الجديد، ينوء مبنى الهوليداي ان تحت ثقل ذكريات الحرب. ويروي المحامي سامي خويري القيادي العسكري السابق في حزب الكتائب اللبنانية، احد ابرز اطراف الحرب الاهلية، ان نقطة الهوليداي كانت تشكل بالنسبة اليه ورفاقه "خط الدفاع الاول عما كان يسمى في حينه المنطقة الشرقية" (المسيحية).

ويشير الى ان الانتشار المسلح في المنطقة حصل غداة اندلاع الحرب في 13 نيسان/ابريل 1975. "كان هناك تسابق، وسبقناهم الى الهوليداي ان وفندق فينيسيا المجاور". ويرى ساسين، وهو مقاتل آخر من الكتائب اللبنانية رفض الادلاء بكامل اسمه، ان ما عرف آنذاك ب"معركة الفنادق سلط الضوء على الاحداث اللبنانية، لان العالم كله كان يعرف لبنان من خلال منطقة الفنادق الفخمة" في عز الازدهار الاقتصادي والسياحي في بداية السبعينات. وفي آذار/مارس 1976، سقط فندق هوليداي ان في ايدي القوات الفلسطينية المسلحة وحلفائها اللبنانيين.

ويروي ميلاد، وهو مقاتل كتائبي ثالث، ان الهجوم ترافق مع قصف عنيف، "بعض رفاقنا قتلوا او رموا بانفسهم من الاعلى بعدما نفذت منهم الذخيرة. طارودنا من طابق الى طابق ومن غرفة الى غرفة... تمكنت مع رفيقين لي من الخروج بعدما وضعنا كوفيات بعض الضحايا للتضليل". ويضيف وقد ادمعت عيناه على الرغم من مرور حوالى اربعين سنة على الحادثة. "عندما وصلنا الى حاجز لقواتنا، لم يصدق رفاقنا اننا لا نزال على قيد الحياة".

ويؤكد ابو رياض، المقاتل في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، ان "معركة الفنادق كانت من اشرس المعارك، وكلفتنا عشرات القتلى والجرحى". وقد اصيب فيها رئيس الجبهة احمد جبريل بجروح في ساقه. ويحلم عابديني بمحو ذكريات الحرب. ويقول "نعمل على تاسيس مجموعة سنشارك بها في المزاد كغيرنا. اذا نجحنا، لدينا مشروع لترميم المبنى"، مشيرا الى امكان استبدال الفندق بمساكن صغيرة نسبيا تحتاجها بيروت التي تكتظ بالشقق العملاقة. بحسب فرانس برس.

ويرفض عابديني هدم المبنى الذي يساوي في وضعه الحالي "مئات ملايين الدولارات"، وذلك "لاسباب جمالية وتاريخية ومالية". ويبدي ثقته بالمستقبل. "لم نر اسعار العقارات في لبنان تتراجع، قد يحصل تباطؤ كما هو الوضع حاليا... لكنني على ثقة بان السنوات القادمة ستكون افضل". كذلك يرغب المقاتلون القدامى بطي صفحة الحرب. ويقول خويري "أحزن لان صورة هذا الفندق لم تتغير منذ ان تركته. ساكون سعيدا لرؤيته يستعيد دوره السياحي والحضاري. هذه أمنية اتمنى ان تتحقق وأنا على قيد الحياة".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/آيار/2014 - 9/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م