أوكرانيا... أزمة أخطبوطية متشابكة المصالح

 

شبكة النبأ: ما كانت تخشاه أوربا، حدث في أوكرانيا، الفوضى والميليشيات والمطالبة بالانفصال عنها والانضمام الى روسيا، هو واقع الحال هناك، فيما تلاشت الآمال باستمرار الحوارات والبحث عن الحلول السلمية والمفاوضات، او هي في طريقها لذلك، إضافة الى عدم نجاعة العقوبات الاقتصادية والسياسية التي وجهها الاتحاد الأوربي الى والولايات المتحدة الى روسيا، حتى الوقت الراهن في الحد من طموحاتها.

لقد شبه العديد من المحللين الاحداث الجارية في أوكرانيا، بالأحداث التي تجري في سوريا، ربما من باب التخوف من ان تكون ازمة أوكرانيا والانفصاليين وضم القرم، الشرارة الأولى او المدخل لانتشار منطق الانفصال واستخدام العنف في عموم اوربا، سيما وان هناك بيئة مناسبة لانطلاق هكذا دعوات في أكثر من دولة اوربية، حيث تجد اسبانيا وبريطانيا ودول اوربا الشرقية، وقد تخوف الاتحاد من توجهات روسيا التي اعتبرت ضم القرم منطلقا في تحدي اوربا الضعيفة رغم وحدتها، كما أشار محللون الى ضعف إجراءاتها الوقائية والرادعة لروسيا حتى اللحظة.

ومع دخول الولايات المتحدة على خط الازمة الأوكرانية ووقوفها الى جانب الولايات المتحدة، الا ان معظم المتابعين لسير الاحداث، أكدوا بان تحركاتها تجاه حدث بمستوى الازمة في أوكرانيا، لم يكن مقنعاً، فيما أشار اخرون الى ان هذا البطء والتكاسل من الولايات المتحدة امر طبيعي، في حال خدم استمرار الازمة اقتصاد الولايات المتحدة، وتحديداً ضعف اليورو مقابل الدولار الأمريكي.

فيما تكشف الصراعات بين الانفصاليين وقوات الامن الاوكراني، ضعف الخطط الحكومية وحيرتها، في طريقة إدارة الازمة، سيما وان الانفصاليين المواليين للروس عازمين على الاستمرار في خط التصعيد الذي قد يؤدي الى إراقة المزيد من الدماء.

سيادة قانون الغابة

فقد كان الخطأ الذي ارتكبه هو أنه أطلق ساقيه للريح فرارا من مجموعة من الغوغاء كانت تتقدم باتجاهه، وكان هذا كافيا للرجال والنساء الذين كانوا يحملون الهراوات والسكاكين والسيوف عبر حي لينين في دونيتسك، انقضوا على الرجل فأصابه ما أصابه من الضرب والجروح ولم ينقذه من أيديهم سوى رجال الميليشيا الذين سحبوه بعيدا عن الحشد تحت ستار من الدروع المعدنية وألقوا به في صندوق سيارة انطلقت به مسرعة إلى مصير غير معلوم.

لم يستطع أحد أن يذكر ما فعله الرجل وكل ما قيل أنه كان "مستفزا" وهو مصطلح يستخدمه كل جانب من جانبي الصراع في أوكرانيا لوصف الآخر لكنه في الشطر الشرقي من البلاد الخاضع لسيطرة المتمردين لا يعني سنوى أنه من مناصري الحكومة "الفاشية" في كييف.

هذه صورة وحشية لحكم الغوغاء الذي أصبح سائدا في هذه المدينة الشرقية في أوكرانيا وهي أكبر المدن التي سقطت في انتفاضة مسلحة على حكومة كييف التي تريد توجيه البلاد نحو الغرب، وتحمل كييف روسيا مسؤولية إذكاء العنف لكن موسكو تنفي هذا الاتهام.

ويريد زعماء الانفصاليين الموالين لروسيا اجراء استفتاء يوم 11 من مايو ايار لإعلان دونيتسك والمنطقة المحيطة بها دولة مستقلة، وأيا كانت النتيجة فلن تعترف بها كييف، وسيكون من الصعب احتواء مشاعر الغضب التي ستنطلق في هذه العملية وقد تنزلق الدولة إلى حالة خطيرة من الفوضى وربما الحرب الأهلية.

وهتف الحشد "لن ننسى أوديسا" وهي عبارة سرعان ما أصبحت الهتاف الذي اجتمع عليه الناس في مدن شرق أوكرانيا الصناعي، وكان مقتل أكثر من 40 من النشطاء مؤيدي روسيا في مبنى احترق خلال الاشتباكات في الميناء المطل على البحر الاسود بمثابة صب للزيت على النار، وأطلق حشد سراح 67 من النشطاء المؤيدين لروسيا الذين اعتقلتهم الشرطة خلال الاضطرابات عندما حطموا البوابة الرئيسية واقتحموا السجن.

وتردد الهتاف للمرة الأولى في دونيتسك عندما اجتاح نحو 200 شخص مبنى جهاز أمن الدولة في المدينة عندما حل المساء ثم ساروا في الشارع ونهبوا مقر أعمال قطب صناعة الصلب سيرهي تاروتا حاكم الإقليم الذي تدعمه حكومة كييف.

حملوا معهم كراسي وصناديق فودكا وأيقونات، وبات الشبان الملثمون هم القوة الجديدة في هذه المدينة التي يقطنها مليون نسمة والتي تعتمد على الصلب والفحم، وكانت الوجهة المستهدفة هي مكتب الادعاء العسكري ثم مبنى مجلس إدارة الحكم المحلي وكلاهما كان يرفع العلم الأوكراني، وعند مبنى الحكم المحلي قال رجل من خلال مكبر للصوت إن المبنى "يملكه الشعب ويجب عدم إحراقه"، وأضاف "لا تقلقوا، سنتجه غربا ونأخذ كييف". بحسب رويترز.

كانت هناك حفنة من رجال الشرطة يتابعون الموقف، وكانت الشرطة بلا حول ولا قوة في عدة بلدات بشرق أوكرانيا أخذ مسلحون يجوبون شوارعها، وظهر رئيس مجلس المدينة وفتح الأبواب حتى يتسنى خفض العلم وإحراقه، وأخذت النيران تلتهم العلم الملقى على الأرض.

وكانت هناك مشاهد مشابهة في مدينة ماريوبول الساحلية إلى الجنوب من دونيتسك حيث أشعل المحتجون النار في أحد فروع مصرف برايفت بنك الذي يملكه شخص موال للقوى السياسية المؤيدة لأوروبا في كييف، وقال ميخائيل -وهو بحار سابق عمره 55 عاما- "في مدينتنا، السلطة للشعب"، ورجحت زوجته إيرينا أن يكون حرق المبنى من فعل أشخاص يحاولون زعزعة الثقة في الانتفاضة، لكن ميخائيل قال "لقد أنصفوا بإحراقه".

حرب اهلية

فيما بدئت مساع دبلوماسية جديدة على امل الحؤول دون انزلاق اوكرانيا في حرب اهلية وذلك غداة معارك اوقعت اكثر من 30 قتيلا في سلافيانسك التي يسيطر عليها انفصاليون بشرق البلاد، وتوجه ثلاثون وزيرا للخارجية من بينهم الروسي سيرغي لافروف والاوكراني اندريي ديتشتسا الى فيينا لحضور اجتماع للجنة الوزارية لمجلس اوروبا سيتمحور حول الازمة في اوكرانيا.

واعلنت وزارة الخارجية الالمانية ان الوزير فرانك فالتر شتاينماير توجه الى فيينا للقاء لافروف وكذلك وزير خارجية اوكرانيا اندري ديتشتسا على هامش الاجتماع، وصرح وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الذي يتوقع وصوله الى كييف خلال المساء للقاء مسؤولين محليين ان "غالبية الدول" المجتمعة توجه "رسالة بضرورة تنظيم الانتخابات الرئاسية"، في 25 ايار/مايو كما كان مقررا.

وحذر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من ان اوكرانيا يمكن ان تغرق في "الفوضى وخطر حرب اهلية" في حال لم تنظم الانتخابات الرئاسية في موعدها، واعلنت الرئاسة الاوكرانية من جهة اخرى، تثبيت قائد قوات البر الجنرال اناتولي بوشنياكوف في منصبه رسميا، وفي سلافيانسك نفسها حيث تتركز المواجهات بين انفصاليين موالين لروسيا وبين القوات الاوكرانية بدا الوضع هادئا.

واندلعت معارك عنيفة بالأسلحة الثقيلة على مشارف المدينة اوقعت اربعة قتلى وعشرون جريحا بين صفوف القوات الاوكرانية بالإضافة الى اسقاط مروحية هي الرابعة في غضون أيام، واعلن وزير الداخلية ارسين افاكوف على صفحته في فيسبوك "مقتل اكثر من ثلاثين ارهابيا وسقوط عشرات الجرحى بحسب تقديراتنا".

واضاف هناك عدة اشخاص من "القرم وروسيا وايضا من الشيشان"، ملمحا مجددا الى ان روسيا تقف وراء الاضطرابات في شرق وجنوب اوكرانيا، مع ان موسكو تنفي هذا الاتهام بشدة، في المقابل، تؤكد روسيا ان اوكرانيا تحت تاثير "قوى قومية متشددة متطرفة ونازية جديدة"، ترتكب انتهاكات "على نطاق واسع" لحقوق الانسان، وفيما يتعلق بالمدن التي يحاصرها الجيش فهي تواجه خطر "ازمة انسانية" بسبب نقص الاغذية والأدوية، ويندرج الهجوم الحالي على سلافيانسك ضمن حملة عسكرية "لمكافحة الارهاب" لاستعادة السيطرة على شرق البلاد، وسيطر انفصاليون في الاسابيع الماضية على مبان حكومية في قرابة 12 مدينة من بينها دونيتسك ولوغانسك. بحسب فرانس برس.

وتم تعليق كل الرحلات المغادرة والوافدة الى دونيتسك (اكثر من مليون نسمة) بحسب سلطات مطار المدينة التي تم تعط سببا للقرار، وتعتبر منطقة المناجم في دونباس على الحدود مع روسيا الاكثر تضررا من الاضطرابات الانفصالية الا ان اوديسا (جنوب) شهدت حريقا هائلا قضى فيه موالون لروسيا.

وكان الرئيس الانتقالي الاوكراني اولكسندر تورتشينوف حذر في وقت سابق من ان "هناك حربا بالفعل تشن ضدنا"، بعد الحوادث الدموية في اوديسا والتي اسفرت عن مقتل حوالى 40 شخصا، وحذر من اي استفزازات خصوصا في التاسع من ايار/مايو وهو عطلة رسمية في اوكرانيا وروسيا في ذكرى الانتصار على المانيا النازية.

وفي ظل تدهور الوضع، عرض الامين العام للامم المتحدة بان كي مون التوسط لانهاء الازمة، وقال "انني مستعد للعب دور ان اقتضت الضرورة"، ويصل رئيس منظمة الامن والتعاون في اوروبا ديدييه بوركالتر الى موسكو حيث سيبحث الملف الاوكراني مع الرئيس فلاديمير بوتين، وسيبحث بوركالتر وبوتين بحسب برلين "تنظيم طاولات مستديرة برعاية منظمة الامن والتعاون في اوروبا من شانها تسهيل حوار وطني قبل الانتخابات الرئاسية" المقررة في اوكرانيا في 25 ايار/مايو.

ومن المتوقع وصول رئيس منظمة الامن والتعاون في اوروبا ديدييه بوركالتر الى موسكو حيث سيتباحث في الملف الاوكراني مع بوتين، وسيبحث بوركالتر وبوتين بحسب برلين "تنظيم طاولات مستديرة برعاية منظمة الامن والتعاون في اوروبا من شانها تسهيل حوار وطني قبل الانتخابات الرئاسية" المقررة في اوكرانيا في 25 ايار/مايو.

وقال القائد الاعلى لقوات حلف شمال الاطلسي في اوروبا الجنرال فيليب بريدلاف انه لم يعد يعتقد ان القوات النظامية الروسية ستدخل شرق أوكرانيا وتوقع أن تتمكن موسكو من تحقيق أهدافها عن طريق قوات غير تقليدية تثير اضطرابات هناك، وصرح الجنرال بريدلاف بأن الرواية الروسية بأن أوكرانيين فقط هم الذين يتمردون في شرق أوكرانيا تنطوي على خطأ تام قائلا ان من الواضح ان قوات خاصة من روسيا تعمل هناك مثلما فعلوا في شبه جزيرة القرم قبل ضمها.

وقال أمام شخصيات عسكرية ودبلوماسية في أوتاوا "تذكروا ان (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين نفى وجودهم والان يقر بوجودهم في القرم، نفس الشيء سيتضح في أوكرانيا مع مرور الوقت"، وأضاف بريدلاف "ما رأيناه في شبه جزيرة القرم يحدث بطريقة متطابقة في شرق أوكرانيا"، وحشدت روسيا عشرات الاف من جنودها على حدودها مع شرق أوكرانيا مما أثار مخاوف من أن موسكو قد ترسل قوات برية لحماية حقوق المتحدثين بالروسية.

وقال بريدلاف اعتقد ان الرد العسكري المرجح من جانب روسيا هو ارسال قوات إلى جنوب اوكرانيا وتأمين جسر بري إلى شبه جزيرة القرم التي أجرت استفتاء في مارس اذار وافقت فيه على الانضمام إلى روسيا ربما قبل التوجه إلى ميناء أوديسا على البحر الاسود ثم التوجه غربا نحو مولدوفا، وقال "اليوم أبلغكم بأنني لا أعتقد ان هذا هو مسار التحرك الاكثر ترجيحا، أعتقد الان ان بوتين قد يتمكن من انجاز اهدافه في شرق أوكرانيا دون ان تعبر قواته الحدود أبدا".

وأضاف بريدلاف "أعتقد الان ان المسار الاكثر ترجيحا هو انه سيواصل فعل ما يقوم به - وهو ضرب مصداقية الحكومة وخلق اضطرابات ومحاولة تمهيد الساحة لاقامة حكومة انفصالية" وهذا سيجعل الامر سهلا لترسيخ قبضة موسكو العسكرية والاقتصادية على شرق أوكرانيا، وتابع "في هذه الحالة أعتقد ان هذا سيكون مثيرا للمتاعب أكثر بالنسبة لحلف شمال الاطلسي لانه اذا لم تتقدم القوات عبر الحدود فان تخميني هو ان كثيرين سيرغبون في العودة بسرعة الى العمل المعتاد وفي اعتقادي لا أرى أن ضم القرم عمل معتاد".

من جهته حذر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في مقابلات نشرت في أربع صحف أوروبية من أن أوكرانيا على شفا حرب، وقال شتاينماير لصحف الباييس ولو موند ولا ريبوبليكا وجازيتا فيبورتشا "أظهرت لنا الصور الدامية (القادمة) من أوديسا أننا على بعد خطوات قليلة من مواجهة عسكرية"، وأضاف أن الصراع بلغ ذروة "لم نكن نتصورها قبل وقت قصير".

وحذرت وزارة الخارجية أيضا الألمان من السفر إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في مارس آذار ونشرت مجددا تحذيرا يدعو لتجنب الذهاب إلى المناطق الشرقية، وكتبت وزارة الخارجية في موقعها على الإنترنت "ينصح بشكل عاجل تجنب السفر إلى شبه جزيرة القرم".

وأضافت "في رأي الحكومة الألمانية تتبع شبه جزيرة القرم أوكرانيا لكنها في واقع الامر تخضع لسيطرة روسيا، وبسبب الوضع الحالي لم يعد بالإمكان ضمان تقديم الخدمات القنصلية للمواطنين الألمان"، وأضافت الوزارة انها تنصح بعدم السفر إلى شرق وجنوب أوكرانيا، وتنصح أيضا المواطنين الألمان بمغادرة تلك المناطق وقالت إن الصحفيين عرضة للخطر بوجه خاص.

وقال شتاينماير في مقابلة تلفزيونية إنه يخشى من ان روسيا وأوكرنيا ليس بإمكانهما الآن السيطرة على القوات في سلافيانسك المعقل المؤيد لروسيا، وأضاف "انا مقتنع بأننا نواجه وضعا يتطور بذاته، توجد جماعات في شرق أوكرانيا لا تنصت سواء لكييف، أو لموسكو".

حرب الجواسيس

على صعيد اخر وجدت الدول الغربية نفسها أمام واقع صعب وهي على أعتاب عصر جديد ربما ينطوي على مواجهة مع موسكو، فبعد مرور ربع قرن على سقوط حائط برلين تقلصت بشدة الخبرات المتعلقة بروسيا في أجهزة مخابراتها وقواتها المسلحة وحكوماتها.

ومع تزايد القلق إزاء أنشطة التجسس الروسية المحتملة بما في ذلك الهجمات الالكترونية التي تتزايد تطورا وبرامج التجسس الالكتروني تجدد قدر من الاهتمام بروسيا في السنوات الأخيرة وفي الأساس في مجال مكافحة التجسس.

لكن المفاجأة التي عصفت بواشنطن وحلفائها لدى استيلاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على منطقة القرم من أوكرانيا وضمها إلى روسيا تنم عن حاجة ماسة للتركيز من جديد على موسكو، ويقول مسؤولون حاليون وسابقون إنه بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 بات التركيز منصبا على التشدد الإسلامي وعلى الشرق الأوسط ثم على صعود نجم الصين بحيث لم تعد شؤون الاتحاد السوفيتي السابق من التخصصات التي تعزز مستقبل صاحبها المهني.

وعلى النقيض عما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة حينما كان الوصول لمعظم الأراضي الروسية بعيد المنال بالنسبة لأبناء الغرب يقول متخصصون إقليميون إن الخبرة متوافرة اليوم بين الأكاديميين ورجال الأعمال، لكنها خبرة غير مستغلة.

قالت فيونا هيل ضابطة المخابرات الأمريكية المتخصصة في شؤون روسيا خلال الفترة من 2006 إلى 2009 "هناك معين طيب من الخبراء المتخصصين في روسيا، أناس عاشوا هناك ولديهم خبرة عالية، لكن لا يوجد طلب عليهم من جانب الحكومة"، وأضافت هيل التي تعمل الآن مديرة لمركز الولايات المتحدة وأوروبا في معهد بروكينجز "البنتاجون تحديدا فقد الكثير من خبرائه المتخصصين في شؤون روسيا وكذلك البيت الأبيض."

ويقول مسؤولون حاليون وسابقون إن المزيد من هؤلاء الخبراء يجدون عملا الآن على الأرجح في وزارات الدفاع وأجهزة المخابرات، لكن التركيز على روسيا في ظل تقليص الميزانيات الحالي سيعني على الأرجح أخذ موارد من مخصصات أخرى، وقال ضابط مخابرات غربي سابق طلب عدم نشر اسمه "المشكلة الأساسية تتمثل في الوفرة العددية في وقت ينصب فيه التركيز حاليا على مكافحة الإرهاب والعراق وأفغانستان والصحوة العربية"، ويقول مسؤولون ومحللون إن روسيا تمثل في الأساس تهديدا لدول الجوار وحسب لكن الأمر مازال يستدعي قدرا أكبر من الحذر الذي ضعف خلال العقدين الماضيين. بحسب رويترز.

والأمر لا يتعلق بالوفرة العددية وحدها، فجحافل الغرب من المتخصصين في الشؤون السوفيتية لم ترصد -باستثناء قلة قليلة- نذر انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989، ويقول مسؤولون ومحللون إن هناك شعورا متزايدا بأن الغرب كان ينبغي له أن يكثف التركيز على روسيا وبخاصة مع تزايد إنفاقها الدفاعي بنحو 30 في المئة بعد حربها مع جورجيا عام 2008.

وقال إلبريدج كولبي المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والزميل الحالي بمركز (أمن أمريكي جديد) "من يعرفون أكثر عن قدرة الدفاع الروسية هم عادة من يأخذون الأمر بجدية أكبر"، وبعض دول وسط وشرق أوروبا والدول الاسكندنافية تركز منذ فترة معظم ما لم يكن كل مواردها المخصصة للمخابرات والدفاع على روسيا، وتعتبر بولندا والسويد على وجه الخصوص على رأس هذه المجموعة وتلحق دول أخرى الآن بالركب.

وتقول مصادر في المخابرات إن من بين الأسباب التي جعلت أحداث القرم تأخذ واشنطن وحلفاءها على حين غرة هو أنه خلال الحشد العسكري الروسي في المنطقة لم يكن هناك مؤشرات تذكر على حدوث تدخل عسكري وشيك للاستيلاء على شبه الجزيرة.

هذا على الرغم من أن موسكو حشدت علانية قواتها قبل أيام بدعوى إجراء تدريب، ويرى البعض أن عدم فك رموز مثل هذه الشفرات الواضحة ينم عن أن المحللين فقدوا قدرتهم على تقييم تصرفات القيادة الروسية والتكهن بها، ورغم أن المسؤولين الأمريكيين يتابعون الآن عن كثب حشد القوات الروسية على الحدود الشرقية لأوكرانيا يختلف الخبراء الغربيون بشأن ما إن كان بوتين يعتزم غزو المنطقة.

بالنسبة للولايات المتحدة ساعدت واقعتا تجسس أمكن رصدهما خلال العقد الأخير في إعادة الأنشطة الروسية المريبة إلى دائرة اهتمام أجهزة المخابرات، كانت الأولى عام 2008 حين تم اكتشاف برنامج تجسس متطور أطلق عليه اسم (إيجنت بي.تي.زد) أصاب أجهزة كمبيوتر خاصة بوزارة الدفاع بعد تسلله إليها عبر وحدة تخزين (يو.إس.بي) عثر عليها لاحقا في مرأب سيارات تابع لقاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.

وأمضى مسؤولو البنتاجون شهورا في تنظيف الأنظمة الإلكترونية ولا يزال هذا الهجوم واحدا من أخطر حوادث اختراق الأمن الإلكتروني التي عانت منها الحكومة الأمريكية، ورغم أن واشنطن لم تتهم أحدا رسميا صرح مسؤولون أمريكيون بأن موسكو هي المشتبه به الرئيسي.

أما الحدث الأبرز فكان إلقاء القبض على عشرة جواسيس في الولايات المتحدة وطردهم ومن بينهم أنا تشابمان التي أصبحت مذيعة بالتلفزيون الروسي واكتسبت صيتا ذائعا، وجاء هذا بعد معلومات من معارض روسي وتحقيق موسع أجراه مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي، ولا توجد أدلة كثيرة على أن الجواسيس حققوا نجاحا كبيرا في مهامهم.

وفي بريطانيا بدأت الأجهزة الأمنية في إيلاء قدر أكبر من الاهتمام بروسيا بعد مقتل ألكسندر لتفنينكو المعارض لبوتين نتيجة تسمم إشعاعي عام 2007، إلا أن المتخصصين في المخابرات العسكرية كانوا منشغلين بقوة حتى وقت قريب بمهام في الشرق الأوسط وأفغانستان.

وربما يسهم ضم روسيا للقرم في إحياء تخصصات عسكرية مثل حروب الدبابات والغواصات التي أهملت بسبب الحملة الطويلة في أفغانستان ذات الأراضي الجبلية الوعرة والتي لا تطل على بحار، وقال ضابط أوروبي كبير سابق "الحروب المضادة للغواصات من الأشياء التي أغفلت بقوة لسبب بسيط هو أن طالبان ليس لديها غواصات"، وبعض المشاكل المتعلقة برؤية المواقف الروسية ربما تكون اجتماعية أكثر منها سياسية، وقال كولبي متحدثا عن الولايات المتحدة "حين تكون المشاعر الوطنية عالية بقوة في بلد ما فإن هذا البلد لا يتسامح مع وطنية الآخرين، نحن ببساطة لا نرى وطنيتهم أمرا مشروعا".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/آيار/2014 - 9/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م