وسائل الإعلام وبناء الكفاءات

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: معروف أن قوة ونجاح أية وسيلة اعلامية من كفاءة الكادر العامل لديها، وتوفره على مجموعة من المواصفات المهنية والعلمية ما يمكنه من أداء مهمته الاعلامية ضمن إطار النهج المرسوم لهذه القناة الفضائية او تلك المجلة.

وبما أن أرباب المؤسسات الاعلامية قد يعتقدون أن وسائل الاعلام اليوم تُعد مؤسسات انتاجية للفكر والثقافة والمعرفة، اكثر من كونها مؤسسات حكومية تتعامل مع الاعلام كوسيلة دعائية وإعلانية للحاكم والقائد، كما كان عليه الحال في بلادنا في العقود الماضية. فانه المطلوب - بالضرورة - اتساع مساحة استيعاب الكادر الإعلامي، بمعنى أن المؤسسة الاعلامية لن تكتفي في الوقت الحاضر بشرط القبول لديها، بان يكون الشاب الإعلامي والطموح، حاملاً لشهادة أكاديمية، إنما ان يكون حاملاً ايضاً للقناعات والتوجهات التي تؤمن بها هذه المؤسسة او تلك.

وهذا تحديداً ما حدى ببعض المؤسسات الاعلامية بإقامة دورات تعليمية وتأهيلية، خاصة وعامة في شتى صنوف العمل الصحفي المرئي منه والمقروء، وهما الاكثر رواجاً في الساحة حالياً، وذلك بهدف التعريف بالسياسة والنهج الذي تتبعه، وربما تقدم بعض المحفزات والترغيبات للعمل فيها. فالخبر والتقرير التلفزيوني وايضاً المقال، يمثل لدى بعض وسائل الاعلام، سلعة اعلامية، بينما تمثل لدى أخرى، رسالة ثقافية وفكرية، لاسيما مع التطور الهائل في تقنية وسائل الاتصال ومناصرة "النت" الى جانب وسائل الاعلام، الى درجة الاستغناء احياناً بالطبع الورقي للمجلات والصحف، وحتى جهاز "الستلايت" لاستقبال القنوات الفضائية.

وبات من الواضح ملاحظة الاصطفافات الاعلامية، ليس في منطقتنا الاسلامية، إنما على صعيد العالم، فمؤسسة مثل "بي بي سي"، التي طالما حاولت الإيحاء بانها الاكثر حيادية وموضوعية، مع خلفية تاريخية عريقة بين وسائل الاعلام العالمية، نراها اليوم – بل ومنذ زمن طويل- تعمل بجد وكفاءة عالية في توظيف المعلومة بالشكل الذي يخدم توجهاتها كمؤسسة اعلامية، وفي دائرة أوسع، توجهات الدولة البريطانية بشكل عام. وما التوجيه الطائفي الواضح في التعامل مع احداث العنف والحروب في بلادنا، والانحياز الواضح ضد الشيعة في هذا البلد وذاك، إلا دليل على ذلك.

ومن بعدها جاءت مؤسسات اعلامية عربية مدعومة من السعودية وقطر، مثل "أم بي –سي"، و"الجزيرة"، ثم "العربية"، وهي تمثل قنوات ذات اهتمام دولي. وقد جسّدت القمة في الحرص الشديد على التوجيه والتوظيف لصالح أجندات سياسية خاصة، حتى أنها اخذت مسارات بعيدة عن مهمة الاعلام بالاساس، وعن المهنية، وبالتالي عدم ايصال المعلومة الصحيحة ومجانبة الحقائق والترويج للعنف والكراهية والدموية.

وإذن؛ فنحن في ساحة تنافس شديدة على النفوذ والتأثير، مما يدعو الى التفكير بجدية في أن تكون المؤسسات الاعلامية، الى جانب عملها اليومي المتواصل في ضخ الافكار والمعلومات، واحة لبناء الكفاءات والمهارات الاعلامية، ثم ان وجود الشاب الطموح بين اعلاميين مخضرمين ومتمرسين يوفر الفرصة للاستفادة من التجارب والخبرات، وتطبيق مقولة "البدء من حيث انتهى الآخرون". وأكثر من ذلك، فان تجارب الماضين في مؤسسة ما، ربما تموت في مكانها إذا لم تجد امتداد الحياة لها في جيل جديد يحمل اسم أولئك المضحين والعاملين طيلة السنوات او العقود الماضية.

بعض المعنيين بالشأن الإعلامي، يشيرون الى ضرورة التحرك للبحث عن الكفاءات بين شريحة واسعة من الشباب الراغب في الانخراط في المسيرة الاعلامية، فهنالك خريجي كليات وجامعات مختلفة، ربما يكون منها الجانب العلمي والتقني، وليس فقط الأدبي، مثل اللغة العربية والتاريخ والقانون والسياسة والاقتصاد.

الى جانب هؤلاء، هنالك شباب يرغبون بالعمل في الاعلام بمنطلقات ثقافية – فكرية، وهؤلاء ربما يكونوا من التدريسيين او التربويين او الادباء والباحثين وايضاً طلبة العلوم الدينية. هذه الشريحة المثقفة تحمل بالاساس قدراً كبيراً من الثقافة الوعي ما يمكنها من التعبير عن الرأي بشكل ممنهج ومبرمج.

صحيح ان الحافز المادي أمرٌ مطلوب وتأثيره لا ينكر دائماً، بيد أن الصحيح ايضاً اعتماد الكادر المحدد بالطموح المادي لن يجلب للمؤسسة الاعلامية ذلك المكسب والمنجز الذي يحققه حامل الرسالة الذي ينطلق في عمله الاعلامي من زاوية العطاء الفكري والثقافي للساحة والحرص على ترك بصمات عميقة في الواقع الاجتماعي والثقافي. وما يؤكده الواقع الاعلامي في الوقت الحاضر، إن النجاح يتحقق في تلاقح الكفاءة المهنية مع الرسالة الثقافية، فتكون النتيجة مادة اعلامية مؤثرة وموفقة، لاسيما على صعيد الاعلام المرئي، حيث تحتل القنوات الفضائية القدر الاكبر من قوت المتلقي في كل مكان، اكثر مما تحتله الصحيفة والمجلة باضعاف.

وهذا بحاجة الى تحرك جديد على صعيد التخطيط والبرمجة ووضع مناهج جديدة لاعلام موجّه ودقيق، قائم على قاعدة عريضة من الثقافة والفكر، ما يجعل العمل الاعلامي في أية وسيلة إعلامية، بمنزلة الاسهام في البناء الذهني وإصلاح ما أفسده واقع السياسية بسبب الازمات والمشاكل المعقدة التي تخيم على ابناء الأمة في كل مكان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/آيار/2014 - 7/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م